دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا قرار دولياً في مجلس الأمن الدولي بشأن سورية وأسلحتها الكيميائية. ولن يكون لفرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة أن تضع رأس دمشق والمخزون الكيميائي السوري تحت مقصلة الفصل السابع. فالبراهين التي تطالب بها واشنطن على جدية النظام السوري في الذهاب نحو صفقة حقيقية على مخزونه الكيميائي، قدّمت ضماناتها موسكو، خلال لقاء نصف الساعة في بطرسبرغ بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، وقد كشف هذا الأخير أن المبادرة الروسية ولدت خلال هذا اللقاء على عكس كل الاستنتاجات التي تلت اللقاء «وقد اتفقنا على تفعيل هذا العمل وتكليف وزيري خارجيتينا بتحريك العملية».
ولن يذهب الروس في الصفقة مع الأميركيين والسوريين، على الكيميائي السوري، أبعد من بيان رئاسي في مجلس الأمن يحوّل مبادرتهم إلى إعلان أممي، لا حول ولا قوة إلزامية له، لتجنب الفخ الليبي والعراقي الذي خبروه وتفادي تكبيل حليفهم السوري بالتزامات لا يستفيد منها سوى خصومه.
وبمكالمة واحدة مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أزاح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الألغام الفرنسية التي حاولت تطويق المبادرة الروسية، وفرض آليات تطبيقية، أقل ما يُقال فيها إنها تتطلع أبعد من تصفية المخزون الكيميائي السوري، إلى وضع مجمل البنى التحتية للبرنامج الكيميائي السوري وعناصره التقنية والبشرية، ونشاطاته ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، تحت السيف المصلت لمحكمة العدل الدولية وللجان البحث والتحقيق والتفتيش التي تعبث بالسيادة السورية، على رموز النظام وأركانه من مدنيين وعسكريين، وهي مناورة عدوانية، ليس فقط تجاه النظام السوري، وإنما تجاه سورية بغض النظر عن طبيعة النظام في دمشق.
ويشكل البيان الرئاسي في الأمم المتحدة أقصى ما يمكن أن يقدمه الروس في المرحلة الأولى ليصبح اتفاق لقاء نصف الساعة في سان بطرسبرغ سالكاً بحلة دولية كي يذهب السوريون نحو التوقيع على معاهدة الحد من الأسلحة الكيميائية، عندما يبرهن الأميركيون في المقابل على جدية في تطبيق ما اتفق عليه، كما اشترط الروس. وقال بوتين «عندما نسمع بتخلي الجانب الأميركي، وكل من يدعمه عن مخططاته باستخدام القوة ضد سورية»، وهذا يعني إلزام الولايات المتحدة في الصفقة بضبط حلفائها الخليجيين والأتراك، والعمليات التي يقومون بها ضد سورية، وهي صفقة يدفع فيها الأميركي ثمناً كبيراً من رصيد حلفائه في المنطقة من أجل أمن إسرائيل.
وبيّنت مجريات الساعات الأخيرة التي شهدها مجلس الأمن الدولي على خلفية ملف السلاح الكيميائي السوري، إدارة روسية متماسكة لملف التفاوض، بالتنسيق الوثيق مع كل من دمشق وطهران من جهة، وإدارة أميركية ـ غربية مربكة وعاجزة عن المبادرة من جهة ثانية. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن مشروع القرار الفرنسي الذي يلحظ مراقبة وتفكيك الاسلحة الكيميائية السورية وإنشاء جهاز تفتيش ومراقبة ويجيز استخدام القوة عند الضرورة لإجبار دمشق على الوفاء بتعهداتها هو مشروع «لا يمكن قبوله». وسارعت فرنسا إلى الإعلان أنها مستعدة لـ«تعديل» المشروع «شرط الحفاظ على مبادئه الكبرى واهدافه».
يأتي ذلك، في ظل إدراك روسي بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عاجزة عن استثمار «الانتصار الديبلوماسي» الذي وفرته موسكو لها للنزول التدريجي عن شجرة الخيار العسكري العالية جداً.
بهذا المعنى، وبعد أن أسقط بوتين من أوباما عنصر المبادرة والمباغتة ديبلوماسياً، أصبح «الكيميائي» السوري، مجرد مادة لعرض العضلات وشد الحبال في مجلس الأمن الدولي، لأسباب مختلفة، أبرزها محاولة الرئيس الأميركي الحد من تدهور شعبيته غير المسبوقة منذ خمس سنوات حتى الآن. والدليل على ذلك، هو تراجع عدد المؤيدين للضربة العسكرية ضد سورية في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، وتأجيل التصويت الأولي في المجلسين إلى موعد غير محدد.
وتمثلت المفاجأة الأولى لأوباما بافتقاده الأصوات التي يحتاجها في مجلس الشيوخ، أي 60 عضواً من أعضائه المئة، بالحد الأدنى، أما المفاجأة الثانية، فجاءته من مجلس النواب حيث يحتاج إلى 218 صوتاً من أصل 435 نائباً، بينما أظهرت عملية رصد مواقف النواب في الصحافة الأميركية أن عدد المعترضين قد يلامس سقف الـ 250 نائباً.
ويأتي ذلك في ظل ثبات موقف الغالبية الأميركية المعترضة على الحرب ضد سورية عند عتبة الـ 60 في المئة، وهي نسبة قابلة للارتفاع تدريجياً عندما يصبح السؤال أكثر وضوحاً، من نوع: هل أنت موافق على إقدام أوباما على توجيه ضربة عسكرية من دون العودة إلى الكونغرس؟
عملياً، لا جدول زمنياً للتصويت برغم الحملة التلفزيونية التي خاضها أوباما وفريقه، ولا سيما وزير خارجيته جون كيري ووزير دفاعه تشاك هايغل لأجل محاولة تعديل مزاج الشارع الأميركي الرافض للحرب لأسباب داخلية وخارجية.
والمفارقة اللافتة للانتباه أن فريق أوباما أظهر، بحسب ديبلوماسيين عرب مخضرمين في واشنطن، «قلة دراية»… «فهم اندفعوا وراء الرئيس الأميركي بدل أن يحاولوا مساعدته في تدوير الزوايا، وعندما أسقط من يدهم بسبب الإدارة الروسية الذكية للملف السوري، راحوا يزايدون على رئيسهم بالتلويح بالفصل السابع في مجلس الأمن ومحاولة إشعار الرأي العام الأميركي والغربي أن النتيجة التي تحققت لم تكن ممكنة من دون تلويح البيت الأبيض باستخدام القوة ضد النظام السوري».
وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، يتمكن الروسي من استعارة تعبيرات لطالما دأب على استخدامها المعسكر الغربي. قال فلاديمير بوتين مخاطباً الأميركيين: أنتم تكسرون القانون الدولي باتهام جهة معينة. مجلس الأمن هو من يقرر من استخدم السلاح الكيميائي.
وطلب بوتين من الإدارة الأميركية وحلفائها أن يعطوا مجلس الأمن ما يملكون من أدلة. وعندما أفرغت الاستخبارات الأميركية ما في جعبتها، تبين أن معظمها عبارة عن تسجيلات مأخوذة عن مواقع التواصل الاجتماعية.
وحاول الروسي أن يُفهم إدارة أوباما عبر القنوات الديبلوماسية أن من مصلحتها أن تبني على ما قاله الرئيس الأميركي بأنه يريد أن يمنع النظام السوري من استخدام السلاح الكيميائي مرة جديدة، كأن يطالبوا بتسليم هذا السلاح أو وضعه تحت الرقابة الدولية، وعندما تعذّر صدور موقف كهذا، برغم أنه كان جزءاً من مداولات قمة العشرين، أقدم الروسي على طرحه، بعدما أصبحت الموافقة السورية في جيبه.
كل هذه المعطيات تقود إلى نتيجة واحدة. فشل أميركي ذريع في إدارة ملف أزمة السلاح الكيميائي السوري، وبالتالي، لن يكون مفاجئاً، أن يُقدم سيد البيت الأبيض في المرحلة المقبلة، على إعادة النظر بالفريق المعني بالسياسة الخارجية.. طبعاً بعد تجاوز كل فصول الأزمة الحالية، يقول الديبلوماسي العربي المخضرم.
ويبدو الديبلوماسي نفسه واثقاً بأنه مهما فعل أوباما فلن يحصل على الأكثرية في الكونغرس (على مجلسي الشيوخ والنواب أن يصوتا منفردين).. وإذا حصل أن أقدم أوباما، وهو خيار مستبعَد، على توجيه ضربة محدودة، من دون موافقة المجلسين معاً أو أحدهما، فإن ذلك سيقود إلى محاكمته، فتصاب الإدارة البيضاوية بالشلل الذي تعاني منه حالياً بسبب إصرار الجمهوريين على عدم التعاون مع أوباما. وطلب أوباما، قبل ساعات من توجيه كلمة إلى الشعب الأميركي، من مجلس الشيوخ الأميركي أخذ وقته لتقييم صدقية خطة دولية لوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية مؤجلاً أي تصويت في مجلس الشيوخ لمدة أسبوع على الأقل. واعتبر أعضاء مجلس الشيوخ بعد انتهاء الاجتماع أن الاستراتيجية الفضلى هي في عدم التصويت على الفور وانتظار اتفاق واشنطن وموسكو حول الطريقة التي يمكن معها مراقبة الأسلحة الكيميائية السورية.
ماذا بعد موافقة الحكومة السورية رسمياً على توقيع معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة الكيميائية؟
ثمة مساران، الأول، سياسي ـ ديبلوماسي، عنوانه الذهاب «بخطى ثابتة» إلى «جنيف 2»، بحسب الديبلوماسي العربي نفسه المتابع للملف السوري، مرجحاً تحديد موعد نهائي له في غضون أسبوعين. ويجتمع لافروف وكيري في جنيف غداً الخميس لبحث الأزمة السورية و«الكيميائي».
وأشار الديبلوماسي إلى أنه بعد تجاوز الشكليات المتعلقة بتركيبة الوفود والدول التي ستشارك في المؤتمر، ثمة خلايا أزمة روسية وأميركية وسورية بدأت بمناقشة المقترحات المتعلقة بطبيعة المرحلة الانتقالية، ضمن سقف زمني لا يتعدّى نهاية العام 2014، بحيث تنطلق مطلع العام 2015 ورشة إعمار سورية، وفق المخطط العشري الذي وضعه فريق تابع للأمم المتحدة بكلفة تصل إلى حوالي 200 مليار دولار أميركي (ينجز كاملاً في العام 2025).
أما المسار الثاني، فهو مسار عسكري أمني، ذلك أن الأميركيين سيُفرجون عن دفعات جديدة من الأسلحة لـ«الجيش السوري الحر»، وتحديداً «قوات النخبة» التي تمّ تدريبها وتسليحها في كل من الأردن وتركيا، كما أن رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان سيسعى، مع حليفه التركي، المتضرر الثاني من بعده، بانتفاء الضربة العسكرية، إلى محاولة تعديل موازين القوى على الأرض، قبل الذهاب إلى «جنيف 2»، في ضوء تراجع سيناريوهات إسقاط النظام.
وضمن المسار نفسه، يندرج أيضاً، ترقب ما ستحمله الأيام القليلة المقبلة، من تطورات ميدانية على الأرض، خاصة في الغوطتين الشرقية والغربية وبلدة معلولا، حيث سيسعى النظام إلى المزيد من القضم وإضعاف المعارضين على الأرض.
وكذلك ضمن المسار نفسه، تخشى الدوائر الأمنية المتابعة للملف السوري، من عمل أمني كبير قد يستهدف أحد أركان النظام السوري، على طريقة العملية التي استهدفت فريق إدارة الأزمة قبل سنة وثلاثة شهور.
المصدر :
السفير/ محمد بلوط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة