دأبت اسرائيل منذ حوالي العامين على منح تصاريح بالجملة لمئات آلاف الفلسطينيين عشية الأعياد للدخول إلى أراضي الـ48 للتمتع بـ«سياحة داخلية» في فلسطين التاريخية. أثار الأمر وقتها جدلاً واسعاً في الشارع الفلسطيني، وعكس تناقضات بين الرغبة في الترفيه وزيارة بحر لم يراه الكثير من الفلسطينيين إلا في الأفلام والمسلسلات، وبين استغلال اسرائيل الواضح لحاجات الفلسطينيين المحاصرين، والاستفادة من أموالهم.

ووفقاً لما نقلت الصحافة الإسرائيلية فإن أكثر من مليون فلسطيني دخلوا أراضي الـ48 خلال شهر رمضان وعطلة عيد الفطر. وقد منحت إسرائيل خلال عطلة العيد حوالي 250 ألف تصريح، مع العلم أن الأطفال من دون 15 عاماً والنساء يدخلون عادة في هذه الأوقات من دون تصاريح. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن ما صرفه الفلسطينيون في أراضي الـ48 يقدر بعشرات ملايين الدولارات، شملت مصاريف التنقل والمأكل والملبس و«السياحة الداخلية».

ولكن كيف يقبل الفلسطينيون أن يستغلوا بهذه الطريقة؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامهم للحصول على ترفيه محلي يعود بالفائدة على السوق الفلسطيني؟ ولماذا يشترون ملابسهم من إسرائيل وليس من السوق المحلي؟

قد تكون الإجابات على التساؤلات صادمة، بحسب ما يؤكد بهاء، وهو شاب فلسطيني، أنفق نحو 500 دولار على شراء ملابس وأطعمة من إسرائيل. ويقول لـ«السفير» إنه اشترى «حذاء وبنطالاً من إحدى الماركات بمبلغ 80 دولاراً، أما في رام الله فتشتري بضعف السعر ملابس بجودة أقل»، مضيفاً «ببساطة لا يوجد لدينا ماركات عالمية إلا القليل، وعندنا الكثير من التزوير في البضائع، وهذا عامل يجعلك للأسف تثق في السوق الاسرائيلي أكثر».

ويضيف بهاء «دعنا نتحدث بصراحة، أولاً نحن نحاول غالباً الشراء من العرب في الداخل، وإن وجد بديل محلي جيد سنشتريه، لكن سوقنا سيئة ومترهلة وليس فيها أي شيء سوى البضائع الصينية والغالية جداً»، مشيراً إلى أنه «منذ سنين لم نرَ حملة تنزيلات مغرية مثلما يحصل في اسرائيل».

ولكن الهدف ليس شراء الملابس فقط، فهناك أيضاً الرغبة في رؤية بحر وشواطئ فلسطين، والتلهف لزيارة سور عكا وجنائن البرتقال في يافا، وغابات الصنوبر في الكرمل. ففي الضفة الغربية ليس هناك بحيرة ولا نهر ولا بحر، سوى البحر الميت ودخوله صعب، ونهر الأردن وقد أوشك على أن يجف.

ويروي الموظف خالد ماهر لـ«السفير» أنها «المرة الأولى التي ازور فيها البحر، صحيح أني دفعت نقوداً استفاد منها الاحتلال، ولكني في النهاية حققت حلمي برؤية حيفا، وعكا، ويافا، ووقفت على شاطئ البحر للمرة الأولى مثل طفل صغير اشترى له والده هدية في العيد، ثم أجهشت بالبكاء حين وصلت إلى شاطئ حيفا».

هذه المشاهد تعبر فعلاً عن رأي شرائح واسعة من الفلسطينيين المحاصرين في الضفة الغربية ومتنفسهم الوحيد إما السفر إلى الخارج أو الدخول إلى أراضي الـ48. وتحظر اسرائيل دخول أي فلسطيني من حملة هوية «سلطة فلسطينية» إلى داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948 وإلى مدينة القدس، إلا بتصاريح خاصة يوافق عليها جهاز الشاباك والاستخبارات الاسرائيلية.

وفي المقابل يرى الكثير من الفلسطينيين أنهم يزورون فلسطين المحتلة وليس اسرائيل. وأن صرف الأموال هناك لا يختلف كثيراً عن صرفها في الضفة الغربية أو قطاع غزة، التي تحتل اسرائيل معابرها وتحتل اقتصادها وتحولها إلى سوق كبيرة لها.

وفي حديث إلى «السفير»، قال الموظف الفلسطيني عبود عبد الرحمن «انا أذهب إلى هناك بتصريح حتى اشم رائحة أرض بلادي، بلادي التي حرمت من رؤيتها سابقاً، واستغل فرصة الاعياد والتصاريح لكي ازور المقدسات الاسلامية والمسيحية والمسجد الاقصى».

أما جنين عبد الجبار فاعتبرت أن زيارة الأراضي المحتلة ليست سياحة ولا وسيلة لإرباح الاحتلال، وتضيف «شعبنا مكبوت في رام الله وذهابه إلى فلسطين المحتلة هو عملياً ذهابه إلى أرضه، وليس هناك فرق بين حيفا ورام الله طالما أنهما محتلتان».

وبالنسبة لوزير الاقتصاد الفلسطيني جواد الناجي فإن «إسرائيل ببساطة ومن خلال منح هذه التصاريح تهدف إلى استغلال الفلسطينيين وسرقة أموالهم، وفي ذات الوقت إظهار نفسها وكأنها تقدم لهم تسهيلات». ويضيف في حديث إلى «السفير» أن إسرائيل «تسعى للترويج لنفسها بأنها تمنح الفلسطينيين تسهيلات، ولكنها في المقابل تدرك أهمية الحركة الاقتصادية التي ينتجها الفلسطينيون في الداخل، كما تدرك حاجتهم إلى سوق اكثر حيوية وذلك بفعل السياسات الاقتصادية التي تفرضها وتجعل اسواقنا محتلة ومستهدفة وضعيفة».
  • فريق ماسة
  • 2013-08-12
  • 6454
  • من الأرشيف

إسرائيل تستغل حنين الفلسطينيين: تصاريح دخول لمئات الآلاف

دأبت اسرائيل منذ حوالي العامين على منح تصاريح بالجملة لمئات آلاف الفلسطينيين عشية الأعياد للدخول إلى أراضي الـ48 للتمتع بـ«سياحة داخلية» في فلسطين التاريخية. أثار الأمر وقتها جدلاً واسعاً في الشارع الفلسطيني، وعكس تناقضات بين الرغبة في الترفيه وزيارة بحر لم يراه الكثير من الفلسطينيين إلا في الأفلام والمسلسلات، وبين استغلال اسرائيل الواضح لحاجات الفلسطينيين المحاصرين، والاستفادة من أموالهم. ووفقاً لما نقلت الصحافة الإسرائيلية فإن أكثر من مليون فلسطيني دخلوا أراضي الـ48 خلال شهر رمضان وعطلة عيد الفطر. وقد منحت إسرائيل خلال عطلة العيد حوالي 250 ألف تصريح، مع العلم أن الأطفال من دون 15 عاماً والنساء يدخلون عادة في هذه الأوقات من دون تصاريح. وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن ما صرفه الفلسطينيون في أراضي الـ48 يقدر بعشرات ملايين الدولارات، شملت مصاريف التنقل والمأكل والملبس و«السياحة الداخلية». ولكن كيف يقبل الفلسطينيون أن يستغلوا بهذه الطريقة؟ وما هي الخيارات المتاحة أمامهم للحصول على ترفيه محلي يعود بالفائدة على السوق الفلسطيني؟ ولماذا يشترون ملابسهم من إسرائيل وليس من السوق المحلي؟ قد تكون الإجابات على التساؤلات صادمة، بحسب ما يؤكد بهاء، وهو شاب فلسطيني، أنفق نحو 500 دولار على شراء ملابس وأطعمة من إسرائيل. ويقول لـ«السفير» إنه اشترى «حذاء وبنطالاً من إحدى الماركات بمبلغ 80 دولاراً، أما في رام الله فتشتري بضعف السعر ملابس بجودة أقل»، مضيفاً «ببساطة لا يوجد لدينا ماركات عالمية إلا القليل، وعندنا الكثير من التزوير في البضائع، وهذا عامل يجعلك للأسف تثق في السوق الاسرائيلي أكثر». ويضيف بهاء «دعنا نتحدث بصراحة، أولاً نحن نحاول غالباً الشراء من العرب في الداخل، وإن وجد بديل محلي جيد سنشتريه، لكن سوقنا سيئة ومترهلة وليس فيها أي شيء سوى البضائع الصينية والغالية جداً»، مشيراً إلى أنه «منذ سنين لم نرَ حملة تنزيلات مغرية مثلما يحصل في اسرائيل». ولكن الهدف ليس شراء الملابس فقط، فهناك أيضاً الرغبة في رؤية بحر وشواطئ فلسطين، والتلهف لزيارة سور عكا وجنائن البرتقال في يافا، وغابات الصنوبر في الكرمل. ففي الضفة الغربية ليس هناك بحيرة ولا نهر ولا بحر، سوى البحر الميت ودخوله صعب، ونهر الأردن وقد أوشك على أن يجف. ويروي الموظف خالد ماهر لـ«السفير» أنها «المرة الأولى التي ازور فيها البحر، صحيح أني دفعت نقوداً استفاد منها الاحتلال، ولكني في النهاية حققت حلمي برؤية حيفا، وعكا، ويافا، ووقفت على شاطئ البحر للمرة الأولى مثل طفل صغير اشترى له والده هدية في العيد، ثم أجهشت بالبكاء حين وصلت إلى شاطئ حيفا». هذه المشاهد تعبر فعلاً عن رأي شرائح واسعة من الفلسطينيين المحاصرين في الضفة الغربية ومتنفسهم الوحيد إما السفر إلى الخارج أو الدخول إلى أراضي الـ48. وتحظر اسرائيل دخول أي فلسطيني من حملة هوية «سلطة فلسطينية» إلى داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948 وإلى مدينة القدس، إلا بتصاريح خاصة يوافق عليها جهاز الشاباك والاستخبارات الاسرائيلية. وفي المقابل يرى الكثير من الفلسطينيين أنهم يزورون فلسطين المحتلة وليس اسرائيل. وأن صرف الأموال هناك لا يختلف كثيراً عن صرفها في الضفة الغربية أو قطاع غزة، التي تحتل اسرائيل معابرها وتحتل اقتصادها وتحولها إلى سوق كبيرة لها. وفي حديث إلى «السفير»، قال الموظف الفلسطيني عبود عبد الرحمن «انا أذهب إلى هناك بتصريح حتى اشم رائحة أرض بلادي، بلادي التي حرمت من رؤيتها سابقاً، واستغل فرصة الاعياد والتصاريح لكي ازور المقدسات الاسلامية والمسيحية والمسجد الاقصى». أما جنين عبد الجبار فاعتبرت أن زيارة الأراضي المحتلة ليست سياحة ولا وسيلة لإرباح الاحتلال، وتضيف «شعبنا مكبوت في رام الله وذهابه إلى فلسطين المحتلة هو عملياً ذهابه إلى أرضه، وليس هناك فرق بين حيفا ورام الله طالما أنهما محتلتان». وبالنسبة لوزير الاقتصاد الفلسطيني جواد الناجي فإن «إسرائيل ببساطة ومن خلال منح هذه التصاريح تهدف إلى استغلال الفلسطينيين وسرقة أموالهم، وفي ذات الوقت إظهار نفسها وكأنها تقدم لهم تسهيلات». ويضيف في حديث إلى «السفير» أن إسرائيل «تسعى للترويج لنفسها بأنها تمنح الفلسطينيين تسهيلات، ولكنها في المقابل تدرك أهمية الحركة الاقتصادية التي ينتجها الفلسطينيون في الداخل، كما تدرك حاجتهم إلى سوق اكثر حيوية وذلك بفعل السياسات الاقتصادية التي تفرضها وتجعل اسواقنا محتلة ومستهدفة وضعيفة».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة