دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يستضيف برنامج "أصحاب القرار" رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف عشية الذكرى الخامسة للأحداث المأساوية عندما شنت جورجيا حربا عدوانية على أوسيتيا الجنوبية عام 2008، وكان مدفيديف آنذاك يتولى منصب الرئيس الروسي.
س - السيد دميتري مدفيديف، نشكركم لتخصيصكم الوقت من أجل إجراء هذه المقابلة معنا. في البداية، قلت إنه بعد مرور 5 سنوات، أصبحت الحرب منسية تقريباً من قبل المجتمع الدولي. وذلك بسبب نشوب حروب أخرى أكثر دموية... لكن، بلا شك، أنتم لم تنسوا أيام تلك الحرب.. ما الذي يتبادر إلى الذهن عندما تتذكرونها؟
ج - أنت على حق.. الحمد لله، لم يكن النزاع المذكور طويلاً، غير أنه باق في ذاكرتي وفي ذاكرة الآخرين، وخاصة أولئك الذين يسكنون في القوقاز. أذكر جيداً بداية النزاع وتفاصيل تطوره العصيبة، وكيف اتخذت أصعب القرارات في حياتي. وهو قرار كان بالفعل من أصعب القرارات في حياتي، خاصة لأني كنت آنذاك رئيساً منذ أقل من تسعين يوماً فقط. وحصل ما حصل.
س - إندلعت هذه الحرب في الثامن من أغسطس /آب، لكن تصعيد الوضع بدأ قبل عدة أيام أو حتى أسابيع. متى عرفتم، أنتم شخصياً، عن حشد القوات في المناطق الحدودية، وهل كنتم على علم بالنوايا الحقيقية للقيادة الجورجية؟
ج - طبعا، على مدى عدة أيام قبل بداية هذا النزاع، كان يتم إبلاغي على الدوام بما يجري هناك، من حشد للقوات والاستفزازت في المناطق الحدودية.. لكن باعتبار أن هذا النزاع بدأ منذ زمن، وكانت هناك قوات روسية لحفظ السلام منذ فترة طويلة، فقد كانت لدينا تقييمات وافتراضات مختلفة بهذا الصدد. ولكننا كنا حذرين. وحتى عندما اندلع النزاع في تلك الليلة وبدأ القصف وازدادت حدة التوتر، كنت حتى آخر لحظة آمل في أن يوقفوا(الجورجيون) أعمالهم. لكن في الساعة الواحدة ليلاً تقريباً، بعد استلام البلاغات من أولئك الذين كانت لهم علاقة مباشرة بهذه الأحداث، أصبحت مضطراً لاتخاذ أصعب القرارات في حياتي، وإعطاء الأوامر ببدء العمليات العسكرية وإطلاق النار على القوات الجورجية.
س - هل تعتقدون أن كل ذلك كان عبارة عن عملية متعددة الخطوات، اعتماداً على حسابات استراتيجية؟
ج - نعم، أنت محقة، كانت هناك عدة عوامل، أولها - على الأرجح - كان يكمن في أن السيد ساكاشفيلي(رئيس جورجيا) تصور أن التغييرات في القيادة الروسية تتيح له فرصة تحقيق أهداف لم تحققها القيادات الجورجية السابقة. ثانياً، كان ساكاشفيلي يحصل على دعم بشكل مباشر من الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، ولم يكن هذا الدعم معنوياً فحسب، بل مادياً أيضاً. وبودي أن أذكّر بأنه خلال الفترة من 2002 وحتى 2008، ازداد حجم الإنفاق العسكري في جورجيا خمسين مرة، بما كان يعادل مليار دولار أمريكي تقريباً. ومن الواضح أن الدولة الجورجية كانت تسعى إلى تقوية قدراتها العسكرية. كما قدمت جورجيا طلب الانضمام إلى حلف الناتو، وأصبحت دولة مرشحة للعضوية فيه، وبعد ذلك شعرت بأن حقوقها تماثل حقوق الدول الأعضاء وأنها محمية بموجب اتفاقية الأمن الجماعي للناتو، وأنها قادرة على ضمان إعادة الأوضاع السابقة بالقوة.
س - يعتقد كثير من المحللين أنه كان لدى ساكاشفيلي سيناريوهان محتملان، أولهما أن روسيا لن تتدخل أبداً في هذا النزاع، ووفق السيناريو الثاني، روسيا قد تستخدم قوة مفرطة، الأمر الذي سيمكن جورجيا من إقناع المجتمع الدولي بسهولة بأن روسيا دولة معتدية، ومن خلال ذلك، حاولت جورجيا أن تعوض اختلال توازن القوى بين البلدين. إلى أي مدى كان السيناريو الثاني محتملاً، برأيكم؟
ج - أنا شخصياً لا أقيّم عالياً مواهب ساكاشفيلي العسكرية والسياسية، وأظن انه لم يخطط للسيناريو الثاني، لأنه معقد. كان ساكاشفيلي ينطلق من السيناريو الأول؛ حيث روسيا لا تتدخل في النزاع، وجورجيا ستتمكن من التقدم السريع نحو تسخينفال(عاصمة اوسيتيا الجنوبية) وتستولي على المباني الأساسية فيها وتعيد إقامة النظام الدستوري حسبما تفهمه جورجيا، وذلك تحت مظلة أمريكا وبعض الدول الأخرى. أما السيناريو الثاني فهو صعب وخطر جداً لأنه، في حالة تنفيذه، كان قد يؤدي إلى عواقب وخيمة غير متوقعة بالنسبة لساكاشفيلي شخصياً.
س - هل كانت الغارات الجوية التي قام بها الجيش الروسي على مدن عدة مثل غوري وبوتي وكوتايسي أثناء تقدمه في الأراضي الجورجية ضرورية وذات أهمية استراتيجية ؟
ج - لا، لم تكن لها أهمية استراتيجية بشكل عام، ولكن الحرب هي الحرب.. والطيران الروسي وجه ضرباته الجوية للأهداف العسكرية للعدو، والتي يمكن أن تتسبب بضرر للجيش الروسي والسكان المدنيين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ولمواطني روسيا. وبالتأكيد استهدفت هذه الغارات الأهداف العسكرية ولم تستهدف الأهداف المدنية، كما زعمت الدعاية الجورجية. وكنا نسعى تحديداً إلى تدمير المنشآت العسكرية، بما فيها المطارات، بحيث لا يمكن استخدامها لإقلاع الطائرات والخ.
س - أريد أن أسألكم، آنذاك هل كان خلع ساكاشفيلي من بين الخطط التي وضعتموها ؟
ج - كما يقولون، هناك فرق.. في مثل هذه الحالات، يتم اختبار النوايا الحقيقية للدولة. نحن منذ البداية لم نسعَ إلى تغيير النظام في جورجيا، على الرغم من أن السيد ساكاشفيلي، بالنسبة لي ولزملائي، هو شخصية لا أرغب في مصافحتها. وأعتقد أنه مجرم حرب. نحن نعتقد أن القيام بتغيير نظام سياسي في دولة ما، وتعيين حكام موالين لنا فيها أمر خاطئ، وفيه انتهاك لميثاق الأمم المتحدة، فالشعب هو الذي يجب أن يتعامل مع الحكام. ونحن نعتقد أن البشرية في القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن تتصرف بشكل مختلف وبالاعتماد على مبادئ مختلفة؛ هي مبادئ القانون الدولي.
س - أثناء إجابتكم عن الأسئلة السابقة، قلتم أكثر من مرة كلمة نحن، و بالطبع كنتم على اتصال دائم بسلفكم فلاديمير بوتين، هل كانت هناك أية خلافات آنذاك بينكم و بينه فيما يتعلق بهذا النزاع؟
ج - لا، كانت مواقفنا قريبة دائماً. ولكن سأقول لكم شيئاً بسيطاً جداً، إن مسؤولية اتخاذ القرار العسكري تقع دائماً على عاتق الشخص الذي، وفقاً للدستور، يقوم باتخاذه.. هذه هي الحقيقة، ولا يوجد أحد آخر سيتخذه. قبل هذه الأحداث، كنا على اتصال دائم، ولكن في تلك الليلة لم أتحدث مع فلاديمير بوتين. كانت هناك تقارير من قادة الجيش، وعلى أساسها، اتخذت القرار، أصعب قرار في حياتي.
س - وبالعودة إلى محاولة ساكاشفيلي تقديم روسيا بصفتها دولة معتدية في هذا النزاع، ويجب القول إنه نجح في ذلك في بداية الأحداث. كيف تنعكس في قراراتكم وتوقعاتكم آنذاك آراء المجتمع الدولي والولايات المتحدة، وهل تتوقعون عدم وجود تحيز من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا في ردودهم على تصرفات بلادنا وتصرفات جورجيا؟
ج - أنا شخصياً كنت أنتظر أن تكون التحليلات لما حدث أكثر موضوعية. ولكن لم تكن لدي أية أوهام بخصوص ذلك، تذكرت مرة حين زرت البيت الأبيض، عندما كنت مديرا لإدارة الرئيس(الروسي) ، فإن أول ما قاله لي نظيري المستقبلي جورج بوش الابن هو أن ميشا ساكاشفيلي رجل جيد. العبارة الأولى التي سمعتها منه. ولكن بجدية، بالنسبة لبلدنا، ولي شخصيا كرئيس للدولة، كان رد فعل شركائنا في المجتمع الدولي مهما، ولكن ذلك لم يكن مهما جداً. وكان الدفاع عن مصالح روسيا وحماية حياة مواطنينا وصحتهم أهم بكثير من رد الفعل الدولي، واعتبره عاملاً ثانوياً. اعتقدت وفكرت فيه بطبيعة الحال، لكنه لم يكن شيئاً رئيسياً بالنسبة لي. س - موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه المسألة كان موقفاً مزدوجاً. فمن ناحية، قدمت مساعدة لجورجيا في المجال الدبلوماسي ومن خلال وسائل الإعلام، إلا أنها لم تقدم لجورجيا مساعدة كاملة. ما سبب ذلك، برأيكم؟
ج - يكمن سبب ذلك في روسيا. ومن الأفضل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ألا تدخل في نزاع مع روسيا. وكل رئيس أمريكي يدرك ذلك. وإلى جانب المتهورين أو من يوصفون بـ"الرؤوس الساخنة"، كان في أمريكا أناس عاقلون، كانوا يدركون وجود إمكانية لنشوب نزاع حاد لا يرغب فيه أحد. لذلك – كما قلت – كان للولايات المتحدة موقف مزدوج، الأمر الذي أدى إلى خيبة آمال بعض الناس في جورجيا.
س - برأيكم، هل كانت هذه الأحداث نتيجة خطة أمريكية جورجية مشتركة أم مغامرة من قبل الرئيس الجورجي وحده؟
ج - لا أعرف، لكنني أنطلق من أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة كبرى ومتطورة وقوية جداً تدافع عن مصالحها في كل أنحاء العالم. ولا أظن أن المشاركة في لعبة ساكاشفيلي التي أدت إلى نهاية مخزية، كانت في صالح الولايات المتحدة. ويجب التمييز بين الموقف الأمريكي الغامض والضلوع في لعبة مشتركة. أظن أن تلك الحرب - على الأرجح – هي نتاج خطأ سياسي كبير ارتكبه الرئيس الجورجي، عمل متهور، أدى إلى ارتكاب جريمة.
س - لقد تحدثنا عن عملكم، وبودي أن أطرح عدة أسئلة عن عملنا. يعتبر الصحفيون أنفسهم في كثير من الأحيان مستقلين وغير متحيزين. لكنني أنظر إلى ذلك بارتياب، فقد رأيت شخصياً كثيراً من الأمثلة على تحيز الصحفيين. حسب اعتقادكم، من حيث تأدية الواجب المهني للصحفيين أو – على العكس – استخدام وسائل الإعلام وسيلةً أو أداةً في اللعبة الجيوسياسية، ماذا كان دور وسائل الإعلام العالمية في تلك الحرب؟
ج - للأسف الشديد – أنا متفق معك – ففي نشاط عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية الشهيرة والمحترمة، كان هناك 90% من المواد الدعاية، و 10 % فقط كانت تعكس الحقيقة. وقد خيب ذلك أملي، رغم عدم وجود أوهام لدي في هذا الشأن. كانت تصرفات بعض وسائل الإعلام آنذاك وقحة للغاية. كانت بعض وسائل الإعلام تقلب الأمور رأسا على عقب ووصفت روسيا بأنها دولة معتدية. وبعد مرور بعض الوقت، بدأت تقول ، وعلى استحياء، أن تصرفات روسيا كانت قاسية لكنها فعلاً تعرضت لهجوم. والآن، بعد استكمال التحقيقات من قبل اللجان المختلفة، بما في ذلك لجنة تاليافيني، يعترف الجميع بما حصل حقاً.
س - كما أذكر، كان في تسخينفال في ذاك الوقت كثير من العاملين في المكتب الإعلامي الرئاسي الذين التقينا بهم في السابق في الكرملين، وقد قاموا بتنظيم اللقاءات بين رؤساء الدول على مستوى عالٍ. ويبدو لي أن هذا - من ناحية - يعتبر دليلاً على أهمية ذلك العمل الإعلامي بالنسبة للكرملين، لكن – من ناحية أخرى - هو تأكيد على أن بلادنا لم تكن على مستوى مطلوب من وجهة النظر الإعلامية. ما رأيكم، هل استخلصت روسيا بشكل عام وقيادة روسيا بشكل خاص الدروس من هذه الحرب من حيث العمل الإعلامي بالذات؟
ج - البلاد التي تبني أيديولوجيتها بالاعتماد على احتمالات الحرب – كما يبدو لي – تسير في طريق غير صائب. أما استخلاص الدروس فذلك طبعاً أمر ضروري. وقد أشرت إلى أحد هذه الدروس – وانا متفق معك تماماً– أقصد عدم استقلالية عدد من وسائل الإعلام الأجنبية وموقفها الدعائي المعادي لروسيا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب علينا أن نقرر كيف نتصرف في حالات مشابهة إن حصلت –لا سمح الله – لكي تكون أعمالنا أكثر تنسيقاً. لكني أقول بصراحة إنني لا أعتقد أنه كانت هناك أخطاء كبيرة في هذا المجال. يقال إن روسيا خسرت من الناحية الإعلامية. وفي هذا الصدد، أذكركِ بأننا كنا ننتهج نهجا مستقلا، في حين كان عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية ينسق أعماله مع وزارات الخارجية لبلدانها التي عملت كحلفاء في إطار الائتلاف العسكري السياسي الواحد.
س - ما رأيكم، هل يمكن الانتصار في الحرب من خلال وسائل الإعلام؟ أثناء إجابتكم على السؤال تذكرتُ الحرب في ليبيا والاتهامات المختلفة التي وُجهت إلى القذافي والتي لم تثبت بأية أدلة، ونفس الوضع أو الوضع المشابه نشهده اليوم فيما يتعلق بالأحداث في سورية. الشيء ذاته حصل فيما يتعلق بالعراق، لذلك تحدثت عما حصل وما يحصل الآن، بحجة ضرورة النضال من أجل المصالح القومية وضمان الحقوق والحريات. من حيث الجوهر، كان ذلك تفكيكاً بالقوة للنظام السياسي لدولة أجنبية وتدخلا وقحاً في شؤونها الداخلية وإيصال نظام عميل إلى السلطة فيها. ولم يؤد كل ذلك – بالمناسبة – إلى نتيجة إيجابية. نحن نعرف ماذا حصل وماذا يجري الآن. الأوضاع في العراق ليست مستقرة، كل يوم يقتل هناك العشرات، وليبيا ممزقة بسبب الحرب، وكما افترضنا، توجد في ليبيا اليوم بعض المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة المركزية.. أما سورية، فهي على حافة نزاع عسكري، إذ تجري هناك حرب أهلية حقيقية، وذلك أمر مؤلم. كنا نعتقد دائما أنه يتوجب على السوريين أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم. لكن التدخل النشيط في الشؤون الداخلية قد يؤدي إلى خلق نفس المشكلات، وقد تتحول سورية إلى دولة غير مستقرة تعيش في ظروف الحرب الأهلية المتواصلة.
س - يقول كثير من المحللين والمؤرخين الذين يدرسون قضايا الحرب من الناحية العلمية أن الحرب في لحظة محددة تدخل في مسار محدد. ج -..تجتاز نقطة اللاعودة. س -نعم، وبعد ذلك سيكون من الصعب جداً جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات. وكما يبدو لي، حاولت القيادة الروسية قبل خمس سنوات أن تحول دون اجتياز نقطة اللاعودة. وتكوَّن لدي كصحفية عسكرية تصورٌ بأن حلفائنا الغربيين عن قصد وبشكل متعمد يدفعون الشعوب إلى نقطة اللاعودة هل تتفقون مع هذا الطرح؟
ج - حلفاؤنا الغربيون يتصرفون أحياناً من دون تكلف وبخشونة، يدمرون كل شيء وثم يصابون بالحيرة. ونقول بصراحة – هل أتي الربيع العربي بأية نتيجة إيجابية؟ هل أتى بالحرية – نعم، لكن بعض الشيء، إذ تشهد كثير من الدول اشتباكات دموية مستمرة وتغيير نظم سياسية واضطرابات لا نهاية لها. لذلك لا توجد لدي أية أوهام بهذا الصدد...
س - لقد ركزتم عدة مرات على أنكم تعتبرون هذه الحرب جريمة ارتكبها ساكاشفيلي شخصياً، بقراره الخاص، ولا تقف روسيا ضد الشعب الجورجي. من البديهي أن هذا القرار مهم لكل الشعب الجورجي وسيبقى مهما بالنسبة له على مدى عقود عديدة. لماذا كان من المستحيل اختيار طريق آخر؟
ج - لو تصرفنا بشكل آخر، لما كان بوسعنا الدفاع عن مصالح بلادنا، المصالح القومية لروسيا الاتحادية. بعد هذه الأحداث فوراً بدأ تقديم المساعدات لساكاشفيلي، إذ توجهت إلى هناك الطائرات والسفن الحربية وعلى متنها الأسلحة. هل كان من الممكن بالنسبة لنا في مثل هذه الظروف إبقاء قوات حفظ السلام الروسية في تلك المنطقة؟ جزء كبير من السكان هناك هم مواطنون روس اتخذوا قرارهم منذ فترة طويلة، في التسعينيات. وتم تمرير هذا القرار عبر البرلمان. لوقت ما، كنا نفضل ألا يتم تغيير شيء، لأننا كنا نأمل في أن تتمكن القيادة الجورجية من توحيد الدولة المنقسمة. وتكمن جريمة ساكاشفيلي أمام الأجيال القادمة للشعب الجورجي في أنه "دق المسمار الأخير في نعش" الدولة السابقة وقضى على هذه الآمال.
س - خلال السنوات الخمس الماضية، تحسنت العلاقات مع جورجيا بعض الشيء، والآن يستطيع المواطن الروسي أن يزور جورجيا من دون تأشيرة دخول، وعادت المشروبات الروحية الجورجية الى الأسواق .... إضافة لمياه بارجومي المعدنية كذلك ... باعتقادكم، هل يوجد شيء في علاقاتنا مع جورجيا لم نستطع أن نتجاوزه، رغم الجهود الهائلة التي بذلت من أجل ذلك، ولم تعد إلى ما كانت عليه في السابق؟
ج - في هذا الصدد، أنا متفائل بشكل مطلق. أنا متأكد من أن كل شيء سيكون على ما يرام. أما شعوبنا فلا خلاف بينها. لكن النزاع الذي اندلع لا يساعد فيما يتعلق بالتفاهم المتبادل. إلا أن هذا ليس صراعا عميقاً بين الأمم. هذا خطأ بعض قادة البلاد الذي تحول إلى جريمة. الآن يختلف الوضع. وصلت إلى السلطة(في جورجيا) قيادة سياسية جديدة وحدثت تغييرات في النظام السياسي وفي دستور البلاد، واتخذ نهج أكثر واقعية نرحب به. وأود أن أذكر لكم أن روسيا لم تكن من قام بقطع العلاقات مع جورجيا، ونحن مستعدون لإعادتها وفق شروط عادية، وهي الاعتراف بما حصل.
س- اسمحوا لي أن أطرح عليكم سؤالاً سياسياً خطيراً، إذا جاءت قيادة سياسية جديدة في جورجيا، بعد رحيل ساكاشفيلي عن المشهد السياسي، هل من الممكن أن تبني القيادة الجديدة علاقاتها مع جيرانها، بحيث يصبح انضمام أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إلى جورجيا أمراً ممكناً، حتى ولو من الجانب النظري. وهل ستعترف روسيا بوحدة أراضي جورجيا؟
ج - في العالم الذي نعيش فيه ، كل شيء يتوقف على الإرادة السياسية والقرارات التي يتم اتخاذها من قبل الشعب. يعتمد كل شيء على إرادة الشعوب التي تعيش في هذه المناطق؛ إرادة الشعب الجورجي، والقادة الذين يتم انتخابهم، وإرادة شعب أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. الشعب هو الذي يقرر مصيره، وستكون هذه القرارات متوافقة مع دساتيرهم ومع الممارسات الدولية والإنسانية. ونود أن تعيش الشعوب في سلام. وبأي شكل سوف تبنى العلاقات بينهم، هذا الأمر ليس مهماً. ونحن لن نقوم بالتأثير على هذه الأمور. إلا أننا نبذل كل ما في وسعنا للدفاع عن مصالح روسيا الوطنية.
س - ختاماً، في الآونة الأخيرة أصبحت الحرب كعامل جيوسياسي في السياسة الدولية، عاملا منتشراً و مرغوباً.. انطلاقاً من خبرتكم الكبيرة في التعامل مع زعماء كثير من الدول، ما الذي يجذبهم في الحرب، لماذا لم تخرج الحرب، بوصفها عنصراً من عناصر السياسة، من الساحة السياسية؟
ج - حسب التعبير الشهير الذي ينص على أن الحرب هي مواصلة تنفيذ السياسة بأساليب ووسائل أخرى.. وللأسف الشديد هذه الظاهرة منتشرة بصورة واسعة في العلاقات الدولية، ولكن أقول لكِ بصراحة، اعتماداً على خبرتي السياسية، هي ليست طويلة ولكن لا بأس بها نوعاً ماً، صادفت مراراً أوضاعاً حرجة واتخذت قرارات مختلفة، وتدل خبرتي على أن الحرب لا تعود إلا إلى حالة أكثر سوءاً، أنتِ ذكرتِ النزاعات المختلفة، هل كانت بينها، سواء كانت حرباً منفصلة أو عدواناً خارجياً، هل كان بينها ما أفضى إلى خير تستفيد منه دولة ما، إن الحرب تؤدي فقط إلى تفاقم المشكلات. من الخطأ أن تصفي حرباً يمكن عبرها تحقيق شيء جيد. الحرب كارثةٌ رهيبة. يحفظنا الرب إن وجدنا أنفسنا في مثل هذا الوضع الحرج مرة أخرى.
المصدر :
الماسة السورية/ روسيا اليوم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة