دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كان واضحاً ان الرد لن يتأخر طويلاً على (معركة القصير) التي اعتبرت اقسى هزيمة عسكرية تعرضت لها المعارضة السورية المسلحة ، فهذه المعركة تشبه بدرجة كبيرة من الناحية الاستراتيجية الهزيمة التي تعرض لها الجيش العراقي في (معركة خرمشهر) عام 1982 ،
لقد ساهمت هاتان المعركتان الشهيرتان في قلب ميزان المعادلة العسكرية في الحرب العراقية – الايرانية والحرب التي تدور رحاها اليوم في سوريا .
ما بعد معركة خرمشهر، حدث تحول جوهري في مسار الحرب بين العراق وايران سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وامنياً ، فالدول العربية باستثناء سوريا تخلت عن حيادها الظاهري وانحازت بالكامل الى جانب صدام حسين ، وحتى مصر في عهد انور السادات التي كانت تخضع لمقاطعة عربية بسبب التوقيع على اتفاقيتي كامب ديفيد ، كانت حاضرة بقوة في الحرب التي استمرت ثماني سنوات ، كما ان الدول الغربية وكذلك الاتحاد السوفيتي السابق ، كانت تقدم كل ما تحتاجه الآلة العسكرية العراقية من اسلحة ومعدات عسكرية متطورة بعضها وصل الى العراق من احتياطي الجيش الفرنسي في عهد فرانسوا ميتران الى جانب الاسلحة الكيمياوية التي قدمتها الشركات الالمانية لصدام حسين الذي استخدمها ضد الاكراد العراقيين في حلبجة عام 1988 .
بعد معركة القصير ، حدثت ضجة سياسية اقليمية ودولية كبيرة ، وتبارت الدول الغربية والعربية للاعلان عن خططها للرد على معركة القصير التي شارك فيها مقاتلون من حزب الله اللبناني ، وبعيداً عن مدى جدية ردود الفعل من الاطراف المتعددة ، لكن مالفت الانتباه هو الاعلان عن وصول مقاتلين من حركة طالبان الى سوريا للانضمام الى (الثوار) من تنظيمات جبهة النصرة وجند الشام وغيرهم لإسقاط النظام السوري .
الاعلان عن وصول مقاتلي حركة طالبان الى سوريا تزامن مع التفجير الذي حدث في الضاحية الجنوبية – بئرالعبد – وهي رسالة اعتبرها الكثيرون انها سعودية بامتياز ، وهي تكرار لما حدث في تفجير بئرالعبد عام 1985 الذي استهدف العلامة الراحل محمد حسين فضل الله ، وقيل وقتذاك ان بندر بن سلطان الذي كان يشغل انذاك منصب سفير بلاده في واشنطن ، قد قام بتمويل العملية التي نفذها الموساد الاسرائيلي .
اما الرسالة الثانية – طالبان – فيبدو انها سعودية ايضاً ، بإعتبار ان الحركة قد ترعرعت في احضان المخابرات السعودية – الباكستانية وليس بعيداً عن عيون المخابرات الاميركية التي كانت تشرف على (الجهاد الافغاني) ضد الجيش الاحمر السوفيتي الذي احتل افغانستان عام 1979 .
اهمية (رسالة طالبان) انها تحمل اكثر من مغزى ومن بينها: أولاً : أشتهر طالبان بانهم مقاتلون اشداء ويمتازون بالتنظيم والقدرة على القتال في المناطق الوعرة ، وقد اكسبتهم سنوات القتال في الفترة التي اعقبت سقوط حكومتهم عام 2001 بعد تفجير برجي التجارة العالمي ، كفاءة عالية ، مما اضطر القوات الاميركية بالتفكير جدياً بالانسحاب من الاراضي الافعانية وعقد صفقة سياسية مع طالبان تسمح لهم بالمشاركة في الحكم . وبما يعني ان الهدف من عملية الزج بطالبان في الحرب في سوريا هو رفع معنويات مقاتلي المعارضة السورية المسلحة التي ما تزال تعاني من هزيمة معركة القصير.
ثانياً: تمثل حركة طالبان من وجهة نظر مهندسي الحرب في سوريا (الرد النوعي) على حزب الله وان الحركة ستكون قادرة على قلب ميزان المعادلة العسكرية الذي اختل لصالح النظام السوري ، وينطلق مهندسو طالبان من نظرية ان (اصحاب العمائم البيضاء) تمكنوا من الزحف من قندهار جنوباً الى كابول واسقاط حكومة برهان الدين رباني ووزير دفاعه احمد شاه مسعود خلال فترة زمنية قصيرة ، متناسين ان الجيش الباكستاني في عهد رئيسة الحكومة السابقة بي نظير بوتو التي كانت تلقب بـ (أم طالبان) هي التي حسمت المعركة في كابول وليس اصحاب العمائم البيضاء .
ثالثاً : انكشاف سياسة الكيل بمكيالين ، فطالبان الذين تقاتلهم الولايات المتحدة الاميركية في افغانستان يتحولون بقدرة قادر الى (ثوار) يشاركون في معركة التحرير في سوريا و يحصلون على مساندة اردوغان الذي يبشر ليل نهار بالديمقراطية والحرية في المنطقة العربية ويقمع المتظاهرين في بلاده .
رابعاً : ان دخول طالبان على خط الحرب في سوريا سيزيد من حدة النزاع المسلح ، وبما يعني مزيداً من الدماء والدموع للشعب السوري والدمار في البنى التحتية ، وهو ما يخدم اسرائيل بالدرجة الاولى .
خامساً: ان مشاركة طالبان في الحرب في سوريا تمثل تهديداً جديداً للامن القومي العراقي ، فسوريا التي تعد العمق الاستراتيجي للعراق ستتحول في حال استمرت الحرب فيها لفترة طويلة الى (دولة فاشلة) وان العراق سيكون اكبر المتضررين من استمرار تدفق موجات التكفيريين من مختلف بقاع العالم لتغذية هذه الحرب .
وبعيداً عن التشاؤم والتفاؤل ، فان الذين يعملون على اطالة امد الحرب في سوريا ، سيكتشفون ان نيران هذه الحرب ستصل اليهم اجلا ام عاجلا ، وما حدث في قطر وتركيا وليس بعيداً في مصر، ليست الا دروساً لكل من اراد ان يعتبر.
المصدر :
البيان العراقية/ ياسين مجيد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة