دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قبل عدة اشهر و عندما بلغ العدوان على سورية اوجهه على كل الصعد ، كانت قيادة العدوان الصهيو-اميركي واثقة من تحقيق اهداف عدوانها على سورية ،اذ كيف لا تكون وقد حشدت خلفها دعما سياسيا ناهز الـ 133 دولة جمعت بالترغيب و الترهيب الاميركي - الخليجي ، ثم حشد في الميدان ما يربو على الـ 150 الف مسلح جيء بهم من اربع رياح لارض ، و سخر للعدوان كل ما يمكن من حرب نفسية و تهويل اعلامي و حصار اقتصادي و محاولة عزل سياسي لسورية و حلفائها ..
و رغم ذلك كانت احلام اميركا و ما يتبعها ، تتكسر المرة تلو المرة من دمشق الى حلب ثم عودة الى دمشق و منها الى القصير ثم عودة الى الجنوب و تيه في الصحراء .. كل ذلك لم يمكّن المعتدي من تحقيق ما يصبو اليه من نصر سياسي و استراتيجي، و لم يحصد في عدوانه الا التدمير و القتل للشعب السوري الذي ادعى كذبا انه جاء من اجله، و هو حصاد سيضيف الى تاريخ اميركا الاسود في حقوق الانسان والتعامل مع الدول و الشعوب فصلا جديدا يبز فظاعة ما كان قد كتب فيه.
لقد اخفقت اميركا اذن طيلة نيف و 26 شهرا من الوصول الى جوهر ما تريد في سورية ،الامر الذي ادخلها في الشهرين الاخيرين في حالة تخبط و ارتباك حيث بدت حائرة بين احد موقفين : اما ان تعترف بواقع الحال و تتجه الى حل يخرجها من الميدان مع شيء من ماء الوجه ، او تستأنف العدوان بمغامرة جديدة تنفذها مع تغيير في الخطط و الادوات من اجل استنقاذ المشروع .. و بين الامرين اختارت اميركا – عندما وجدت المتطوع للتنفيذ – اختارت الحل الثاني و اعلنت انطلاقها تحت عنوان " اعادة التوازن قبل الحل " و بدأ ما اسميناه " المرحلة السعودية من العدوان على سورية .
و الان و بعد ان اندفعت السعودية لتنفيذ هذا الدور ضد سورية و محور المقاومة فقد بات عليها ان تواجه اسئلة كبيرة منها: هل ان السعودية قادرة على الانجاز و في الواقع المتشكل سورياً و اقليميا بعد ان فشل الاخرون وفي ظروف افضل ؟ ثم هل تدرك السعودية الثمن الذي عليها ان تدفعه عند الفشل كما دفع و سيدفع الاخرون ؟ خاصة و انه كان على السعودية ان تدرك ان التغير في موازين القوى ليس لمصلحتها مطلقا ، و انه عندما كان التحشيد بالحجم الذي ذكرناه اعلاه لم يحقق العدوان على سورية مبتغاه الاول ، فهل يعقل بعد كل التصدع و التراجع و التفكك و الوهن الذي اصاب مكونات المشروع ان يحقق النجاح المطلوب و يكفي هنا ان نذكر بالتالي:
1) في البدء كانت اميركا تهدد بمجلس الامن و تامر بالمجازر من اجل الاستثمار في تلك المؤسسة لصالح المشروع ، اما اليوم فقد تغير العالم و لم يعد احد يتحدث عن مجلس امن اميركا بعد اقفاله بالفيتو المزدوج الروسي الصيني، و الامر ذاته حصل للجامعة العربية و طرد القطري رئيس لجنة ادارة العدوان شر طردة .
2) كانت اميركا قد حشدت 133 دولة خلفها في الجمعية العمومية و في مؤتمر ما اسمي زورا بانه " اصدقاء سورية " و هولت عبر تلك الاجتماعات بقرارات و تهديدات تبدأ و لا تنتهي ، اما اليوم فقد تراجع الجمع الى اقل من 11 دولة و تخطى المدافع موجات العربدة و التهويل و صمد في مواقعه هازئا بما كان يجري و بالتالي لم يعد لهذا السبيل اهمية تذكر.
3) سابقا كان التهويل العدواني بالمناطق الامنة و الحظر الجوي و الممرات الانسانية و ... و ....، عنوانا رئيسيا للحرب النفسية اما اليوم فان اميركا ذاتها تعلن أن كل هذه الأمور غير قابلة للتطبيق في سورية فـ "الوضع معقد "- على حد قول كيري و بعد ان عهد الى السعودية بالملف - و يحول دون اللجوء الى شيء منها.
4) منذ اقل من شهرين و في سلوك فاجر وقح جاهرت دول الغرب بنيتها تسليح المعارضة بالسلاح النوعي المتطور و استعدادها تدريب الارهابيين – بعد ان اجرت تمييزا مثيرا للسخرية بين متطرف و معتدل – و اما اليوم فتراجعت فرنسا و بريطانيا صراحة عن هذا الالتزام ، و بدأت اميركا تبدي الصعوبات و التبريرات لعدم التنفيذ ، نقول هذا فقط للتدليل على شان معنوي و نحن نعرف ان تسليح الارهابيين كان قائما قبل الاعلان و سيستمر بصورة او اخرى بعده و لكن للاعلان عن التراجع عن التسليح وقع لا يقل اهمية عن التسليح الفعلي ذاته.
5) قبل شهر من الان كان "الاخوان المسلمون" قد وصلوا إلى قناعة بان هلالهم من افريقيا الى أوروبا عبر آسيا ( انطلاقا من تونس و ليبيا الى مصر و منها الى تركيا عبر غزة و الاردن و سورية ) قد بات في مراحل تشكله الاخيرة و ان سورية وحدها تقاوم، و انهم بالدعم و الاسناد و التحشيد الدولي واثقون من اسقاط هذه العقبة، اما اليوم فقد انقلب الوضع و بات الاخوان في مواقع دفاعية ملاحقين في مصر و يترنحون في تونس و يائسون في الاردن و خائفون من مستقبل اسود في تركيا ، و فاقدون للقرار و السيطرة على ما ركبته اميركا لهم تحت تسمية " الائتلاف الوطني السوري" ...اي بعد ان كان الاخوان رافعة اساسية لمشروع العدوان باتوا عبئا عليه لا يمكن ان يعول عليهم بدور فاعل يعتد به.
6) قبل اشهر كانت الجماعات الارهابية العاملة في سورية تظهر – على الاقل كما تصرح – انها متعاونة تنسق فيما بينها من اجل نجاح مشروعها الصهيواميركي ، اما اليوم فقد انقلب المشهد واعلنت جبهة النصرة – الفرع السوري للتنظيم الارهابي الشهير باسم القاعدة التي انشأتها اميركا و لا زالت تحتضنها - اعلنت ان ما يسمى "جيش سوري حر" (و هو ما تتظاهر السعودية بأنها تعول عليه ) هو "جيش كافر ينبغي قتاله" ، و بدأت بالفعل بذلك عبر ملاحقة عناصره . ثم اضيف الى الصراع بين المسلحين ما يحصل بين الجماعات الكردية و عصابات جبهة النصرة ، ما يعني ان جسم الجماعات الارهابية تحول من ترابط ما ( و لا نقول تماسك لانه لم يكن يوما كذلك ) الى صراع علني مدمر، و بطبيعة الحال ان جسما كهذا لا يمكن ان يمسك ارضا او ينجز هدفا.
7) قبل شهرين كان لبنان يشكل جسر عبور رئيسي لامداد الجماعات المسلحة بكل ما يلزم من عديد و عتاد وصل الى حد تأمين 40% من احتياجاتها عبره ، اما اليوم و بعد ان اخرج الارهابيون من القصير و منطقتها و نشر الامن الشرعي الرسمي السوري فيها، بهذا تعطلت ورقة لبنان، و لن يغير في الحال هذه الحركات اليائسة التي تقوم بها جماعات ترتبط بالمدير الميداني الجديد لمشروع العدوان على سورية ، عبر متفجرة هنا او ناسفة هناك او تلويح بعزل حزب الله عن الحياة السياسية و الحكم في لبنان ، فكل هذه الحركات و التحركات واهنة عديمة الاثر و اعتقد ان اصحابها يدركون ذلك او عليهم ان يدركوه.
8) و اخيرا و حتى لا استرسل اكثر، و باطلالة سريعة على خريطة الوجود الميداني للجماعات الارهابية و قدراتهم ، فنجد ان اندحارهم امام الجيش العربي السوري و القوات الرديفة كان مذهلا خلال الاشهر الاربعة الماضية فتقلص وجودهم الى الثلث مما كان عليه قبل اشهر ثم انهم دخلوا في مشهد المناطق المحاصرة او المقطعة الاوصال و فقدوا ما كانوا يرددونه من قدرة على الهجوم على دمشق مثلا او قطع طريق دولي او محاصرة مدينة اساسية الخ...
هذا غيض من فيض ما كان قائما لمصلحة العدوان قبل اشهر ، و تغير اليوم ليكون في تراجع على كل الصعد و على العاقل ان يسأل: اذا كان العدوان عجز عن تحقيق اهدافه عندما كانت ظروفه افضل بكثير من اليوم ، فهل بامكانه بعد هذا الترهل و تشرذم القوى و تنازعها ان يحقق ما عجز عنه ؟
سيكون الجواب حتما لا وكان على السعودية و قبل ان تتنطح للقيادة الميدانية ان تدرس هذا قبل ان تقدم على الالتزام به ، اما اميركا فاعتقد انها على بينة من الامر و رغم ذلك اوكلت الى السعودية هذه المهمة المستحيلة و هنا يكون السؤال لماذا فعلت ؟.
طبعا لا يمكن ان نقول بان اميركا و بعد سقوط "هلال الاخوان" و فشل مشروعهم ، استدارت الى هلال الوهابيين لاحلاله مكانهم ، اذ ليس للوهابية السعودية القدرة على مسك مصر مهما غالت في الدعم المالي و الاحتضان الاعلامي و السياسي لثورة 30 يونيو ، كما انها غير قادرة على تطويع تركيا و الحاق انقرة بالرياض ، و كذلك فان تعطيلها للحركة السياسية في لبنان و لمؤسساته و ترويج فكرة الامن المتصدع فيها لن يمكنها من استعادة السيطرة على لبنان او الاستفراد بحكومته ، حتى الاردن يبقى لديه من المكونات ما يمنعه من الالتحاق كليا بالسعودية . و هنا نعود الى السؤال لماذا تم التكليف و لماذا تم القبول به؟
في نظرة الى المراحل الاولى من العدوان و نتائجها نجد ، ان اميركا بعد الفشل و موجات الخيبة المتلاحقة لاكثر من عامين لجأت الى تغيير في القيادة الميدانية صاحبته مع تغيير اصاب خلية الحكم في قطر، و موقع خلية الحكم في تركيا و حجمها في المشروع ، هنا نسأل هل ان اميركا اعدت للسعودية مشروعا من طبيعة مماثلة و ستلجأ الى تطبيقه بعد ان تجعل التيار المكلف بالتنفيذ يلمس عجزه و فشله الاكيد ؟ و هل تعلم السعودية ان ما ينتظرها من فشل اكيد قد يكون استدعاء للازمة الى الداخل السعودي من اجل السير الاميركي قدما بمشروع التفتيت المعد للمنطقة؟
ان سورية ماضية في معركتها الدفاعية واثقة من الانتصار الاكيد فيها ، ثقة تتعزز يوما بعد يوم حتى بلغت درجة اليقين ، و بالتالي فانها لن تعبأ بمن استقال او اقيل او تطوع لادارة العدوان عليها فمن أُدخل لن يكون افضل حظا ممن أُخرج ، و يبقى على السعودية ان تدرك حجم المخاطر التي تتهددها بعد ان يعلن اخفاقها قريبا ..
المصدر :
الثورة /د. أمين محمد حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة