دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قدّم الزملاء في «الأخبار» (الجمعة، 16 تموز 2013) نصاً لحفيد حسن البنا، «المفكر المصري الذي نشأ في الغرب، وتسلّح بمناهجه الفكرية»، طارق رمضان. وهو نص يعبّر، في رأيهم، عن «حساسيّة مهمة، لا يجوز إهمالها عند هذا المفترق التاريخي...».
من المؤسف أن يستخدم محررون في «الأخبار» كليشيهات مثل «المناهج الغربية» (هل توجد مناهج غربية وأخرى شرقية إلا بالنسبة إلى الأصوليين؟) في سياق الترويج لنص مدقع الفقر، جوهره النظر إلى انتفاضة 30 يونيو كمؤامرة انقلابية ضد الإخوان المسلمين في مصر!
«المؤامرة» مفهوم ينتمي إلى الفكر المثالي الذاتي، وينطلق من أولوية الإرادويّة على الحراك الاجتماعي السياسي الفعلي. الإرادوية، بالطبع، فاعلة، لكن، فقط، حين تتلاقى مع الحراك الاجتماعي السياسي الفعلي، وبغير ذلك، تفشل، بل تتحوّل، أحياناً، إلى حكاية غامضة بائسة.
لا يحتاج الأمر إلى وثائق أو ذكاء لكي نقدّر الميول وربما الخطط الانقلابية لدى المؤسسة العسكرية المصرية قبل 30 يونيو. لكن، ما كانت هذه الميول لتتحوّل حركةً فعلية لولا جماهير 30 يونيو. وهذه حركة ملايين، حركة اجتماعية سياسية فعلية تحتج على السلطة الإخوانية؛ كيف أمكن توظيفها في، أو تلاقيها مع، مسار آخر، ذلك سؤال منفصل، وثانوي، في سياق الحدث التاريخي المفصلي المتمثل في سقوط هيمنة الإسلاميين على الفضاء السياسي في مصر والعالم العربي. لقد انتهت مرحلة وبدأت مرحلة جديدة في التاريخ الاجتماعي السياسي المصري والعربي، مفتوحة على احتمالات كبرى، يغدو فيها الانقلاب العسكري مجرد تفصيل، إلا إذا تطوّر نحو انقلاب عسكري آخر له مضمون ناصري. وفي هذه الحالة، تكون القوات المسلحة المصرية قد انتقلت من إطار إدارة الأزمة السياسية إلى التصدي لحل الأزمة الوطنية التنموية.
انتفاضة 30 يونيو لا تختلف، نوعياً، عن انتفاضة 25 يناير؛ فهما تقعان في المجال السياسي الليبرالي، ولم تتخطياه إلى البرنامج الضروري للثورة المصرية، أي البرنامج الناصري: سيطرة الدولة على الاقتصاد والموارد والسوق، في إطار مشروع تنموي (= التصنيع الكبير وإحياء الإنتاج الريفي)، والديموقراطية الاجتماعية. وهو ما يتطلب الاستقلال واستعادة الدور العربي والإقليمي، وبالتالي المواجهة مع الامبريالية والصهيونية.
دعونا نميّز بين الهيمنة (القبول شبه الجماعي بقيادة فكرية سياسية ما) والسيطرة (التي تعتمد على قوة «الشرعية» والإدارة والأجهزة)، ونلاحظ، تواً، أن الإخوان المسلمين قد خسروا الهيمنة جماهيرياً، ما مكّن الجيش من تجريدهم من السيطرة، انقلابياً. والشطر الأول هو المهم، لأنه أطاح مشروع ما يسمى «الربيع العربي» القائم على تجديد نظام السيطرة الامبريالية على العالم العربي من خلال هيمنة الدكتاتوريات الدينية. هكذا، يكون الدرس الأساسي المستفاد من 30 يونيو هو أن الشعوب العربية لم تعد تقبل بالدكتاتوريات، حتى لو كانت دينية. وهو ما يجعل الجيش المصري واعياً لاستحالة الدكتاتورية العسكرية، بل إن احتياجه الملحّ إلى المساندة السياسية والجماهيرية، سوف يضعه، لاحقاً وسريعاً، في مواجهة أزمة إدارة نظام كمبرادوري لم يعد قابلاً للحياة. عندها، وربما بأقرب مما نظن، سوف تُطرَح الناصرية على جدول الأعمال.
سنلاحظ، الآن، كم هو مضلل وصف طارق رمضان للسياسات الإخوانية المصرية بـ«السذاجة»؛ فالإخوان كانوا واعين تماماً للدور الموكول إليهم من قبل النظام الامبريالي، وجادين في القيام به، سواء لجهة استمرار الالتزام بأمن إسرائيل أو لجهة استمرار الاندماج التبعي باقتصاد السوق المعولَم، ووجدوا أن قيامهم بمهمات ذلك الدور يلزّهم إلى التبكير في إطلاق ميولهم الدكتاتورية. وبذلك اصطدموا مع القوى الاجتماعية والسياسية والجماهيرية، بصورة متواصلة، حتى كان 30 يونيو.
والسؤال الجوهري، في هذا المقام، هو لماذا كان الإخوان ـ ولا يزالون ـ مستعدين للاندراج في المشروع الامبريالي الرجعي؟
والإجابة لا تكمن في باب الذكاء أو الانتباه (وتالياً الغباء أو السذاجة) بل في مضمون التركيب الاجتماعي السياسي للقيادة الإخوانية، والتنظيم الاخواني، المطابقين لاحتياجات ذلك المشروع.
أثبتت التطورات المصرية أن هناك قوتين منظمتين فقط لهما القدرة على وراثة النظام القديم المهترئ، هما الإخوان والجيش. وكلاهما عاجزان عن تقديم حل جذري للأزمة المصرية، سوى أن الأفق مع الإخوان مغلق ـ وهو ما أدركه المجتمع المصري ـ بينما هو مع الجيش مفتوح؛ هناك، أولاً، الحريات المدنية والثقافية الخ، وهناك، ثانياً، احتمال تجديد الناصرية.
السعودية ـ التي تفتقر إلى الاستراتيجية ـ تحركت، بسرعة، لوراثة النفوذ القطري في مصر، لكن حركتها تدور في الفراغ، وسرعان ما ستصطدم بالتحولات اللاحقة.
المصدر :
الأخبار/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة