خلال أسبوع واحد سجل تصاعد غير مسبوق في الحديث عن حرب محتملة، وللمرة الأولى شارك مسؤولون إيرانيون في هذا السجال بلهجات جدية وغير معهودة. كان الرئيس محمود أحمدي نجاد هو من افتتح المسلسل بقوله ان الولايات المتحدة وإسرائيل ستشنّان قريباً حرباً على بلدين على الأقل في المنطقة. وفهم انه يعني لبنان وسورية

وجاء ما يشبه التأكيد لكلام نجاد من الجانب الأميركي، انما في اتجاه مختلف. إذ إن قائد أركان الجيوش الأميركية الأدميرال مايكل مولن قال ان خطة الهجوم على إيران «جاهزة»، وأبدى ملاحظتين، أولاهما ان الهجوم مشروط بامتلاك إيران سلاحاً نووياً، والثانية ان العواقب غير المتوقعة للهجوم مقلقة نظراً الى ما تتسم به المنطقة من انعدام الاستقرار

وإذ يعتبر كلام مولن الأكثر وضوحاً في ترجيح احتمال الحرب، فقد استدعى رداً من القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني يد الله جواني، وهو قفز فوراً الى طرح مسألة أمن الخليج، مشيراً الى ان أي مغامرة أميركية ستعرّض أمن المنطقة للخطر، كما أنه أكد بعبارات أكثر وضوحاً ان «أمن الخليج للجميع أو لن ينعم به أحد

بعد ذلك، كان دور وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ليقول ان أي حرب في الشرق الأوسط «لن تكون محدودة»، مؤكداً ان إيران ستقف الى جانب سورية ودول المنطقة كافة فيما هي تعدّ نفسها لمواجهة أي عدوان

قبل ذلك، اغتنم الرئيس السوري بشار الأسد مناسبة عيد الجيش، ليعلن في كلمة نشرتها مجلة «جيش الشعب» ان «السلام الحقيقي يبتعد وتزداد احتمالات الحرب». صحيح أنها لم تكن المرة الأولى التي يطلق فيها تقويمه هذا للموضوع، إلا أن التوقيت يبدو أكثر تناغماً مع الإشارات الإيرانية والمؤشرات الأخرى

في المقابل، انتهز وزير الخارجية السوري وليد المعلم محاضرة له في جامعة دمشق ليستبعد عملاً عسكرياً أميركياً ضد ايران «إلا إذا قامت إسرائيل بتوريط الولايات المتحدة بذلك». لكنه استطرد معرباً عن أسفه «لأن بعض العرب أصبح يتجاهل اعتبار إسرائيل هي العدو للعرب، وبات يعتبر ان إيران هي العدو»، محذراً هؤلاء العرب من الحرب «لأنها إذا وقعت فسيتطاير شرارها اليهم». وفي سياق متصل، نفى الوزير ان يكون العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حمل أي رسالة أميركية الى دمشق خلال زيارته الأخيرة

ويلاحظ في الفترة الأخيرة ان تغييراً طرأ على الأداء الإيراني في إدارة الأزمة النووية والتعامل مع العقوبات. فبعد السخرية البالغة التي شهرها نجاد فور إقرار مجلس الأمن الدولي للعقوبات، ووعيده بأن طهران تعد رداً قاسياً على الدول التي أيدتها، أصبح الخطاب الآن أكثر واقعية

ولم يخف ان الحكومة ومجلس الشورى تقاذفا ملف الرد على العقوبات، الى أن أصبح الآن شبه منسي، على رغم أن جميع المسؤولين الكبار تعهدوا سابقاً أن أي عقوبات جديدة لن تمر من دون حساب. حتى ان التهديد بقطع العلاقات مع بعض الدول طُوي من دون أي توضيح

الأكثر دلالة كان الموقف من المفاوضات مع الدول الكبرى. إذ بدأ باستبعاد أي مفاوضات جديدة، ثم تطور الى تحديد شروط للتفاوض، وإرجائه الى ما بعد شهر رمضان، وانتهى بمذكرة الى وكالة الطاقة الذرية تطلب الدخول فوراً في مفاوضات «ومن دون شروط»، كما أكد المندوب الإيراني لدى الوكالة. ومنذ ذلك الوقت توالى نجاد ومسؤولون آخرون وفي شكل يومي على الدعوة الى التفاوض الآن. واللافت ان وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كانت أبدت استعجالاً لعقد محادثات مع الإيرانيين لحضّهم على العودة الى المفاوضات بلا تأخير، إلا انها لم تعد متعجلة، كما ان العواصم الغربية المعنية لم ترد على الدعوة الإيرانية

في هذا الوقت، انتشر في بيروت دخان التسريبات عن اتهامات محتملة لعناصر من «حزب الله» بالمشاركة في جريمة اغتيال رفيق الحريري. وأصبح القرار الظني المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة عنواناً لأزمة داخلية لا يريد «حزب الله» إدارتها بأنصاف الحلول أو بتسويات ومخارج، فإما أن تسحب الاتهامات وإما أن توضع الحكومة اللبنانية في أتون ضغوط تجبرها على التنصل من المحكمة والامتناع عن التعامل معها بأي شكل

وفي كل الأحوال أوضح الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ان المشكلة هي مع إسرائيل بمقدار ما هي مع الفريق الآخر الذي يراهن على المحكمة التي أصبحت – كما قال – «مشروعاً اسرائيلياً

أبعد من الأزمة الداخلية، ومع دخول إسرائيل على خط التسريبات في شكل فج ومفضوح، بدا واضحاً ان الاتهامات لا ترمي الى تلطيخ سمعة «حزب الله» والتشكيك في شرعيته فحسب، وإنما تهدف عملياً الى اتهام إيران أيضاً في قضية اغتيال تعامل دولياً بموجب القرارات المتعلقة بالحرب على الإرهاب. وهكذا انطوى التأزيم اللبناني على استباقيةٍ ما أوجبت تحركاً عربياً سريعاً لمعالجتها

والأرجح أن هذه المعالجة تركت في عهدة سورية لتتدبرها مع حلفائها. لكن يفترض أن تكون دمشق تلقت «رسالة» ما تحفزها على تغليب التهدئة على رغم رفضها المحكمة الدولية واعتراضها عليها

في السياق نفسه، يمكن فهم الاصطفاف العربي لترجيح خيار ذهاب السلطة الفلسطينية الى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل مع «شيء من الضمانات». وفي هذا الإطار أيضاً يمكن وضع العودة الجزئية لـ «حماس» الى التوتير، وكذلك إطلاق الصواريخ على إيلات والعقبة الذي يرجح البعض أنه تم بإيعاز إيراني. ذلك ان جو الحرب بات أكثر ترجيحاً منذ اللقاء الأخير بين الرئيس باراك أوباما وبنيامين نتانياهو، وعلى رغم ان واشنطن حريصة تقليدياً على شرح توجهاتها، ولو على لسان مصدر لا يرغب في كشف هويته، إلا أنها تكتمت هذه المرة مفسحة في المجال لكل التكهنات عن دوافع انقلاب أوباما على المبادئ التي كان تبناها للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية ومسارها. لكن العنوان الوحيد المتداول لهذا الانقلاب هو «إيران». ومع أن الأمر ينطوي على مبالغة، إلا أن بعض المحللين يشبّهون لقاء أوباما – نتانياهو باللقاء الشهير بين جورج دبليو بوش وتوني بلير عندما أسرّ الأول للثاني انه حسم أمره بالذهاب الى الحرب على العراق.

  • فريق ماسة
  • 2010-08-04
  • 9635
  • من الأرشيف

إيران وسورية ولبنان أمام واقع الحرب المحتملة

خلال أسبوع واحد سجل تصاعد غير مسبوق في الحديث عن حرب محتملة، وللمرة الأولى شارك مسؤولون إيرانيون في هذا السجال بلهجات جدية وغير معهودة. كان الرئيس محمود أحمدي نجاد هو من افتتح المسلسل بقوله ان الولايات المتحدة وإسرائيل ستشنّان قريباً حرباً على بلدين على الأقل في المنطقة. وفهم انه يعني لبنان وسورية وجاء ما يشبه التأكيد لكلام نجاد من الجانب الأميركي، انما في اتجاه مختلف. إذ إن قائد أركان الجيوش الأميركية الأدميرال مايكل مولن قال ان خطة الهجوم على إيران «جاهزة»، وأبدى ملاحظتين، أولاهما ان الهجوم مشروط بامتلاك إيران سلاحاً نووياً، والثانية ان العواقب غير المتوقعة للهجوم مقلقة نظراً الى ما تتسم به المنطقة من انعدام الاستقرار وإذ يعتبر كلام مولن الأكثر وضوحاً في ترجيح احتمال الحرب، فقد استدعى رداً من القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني يد الله جواني، وهو قفز فوراً الى طرح مسألة أمن الخليج، مشيراً الى ان أي مغامرة أميركية ستعرّض أمن المنطقة للخطر، كما أنه أكد بعبارات أكثر وضوحاً ان «أمن الخليج للجميع أو لن ينعم به أحد بعد ذلك، كان دور وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ليقول ان أي حرب في الشرق الأوسط «لن تكون محدودة»، مؤكداً ان إيران ستقف الى جانب سورية ودول المنطقة كافة فيما هي تعدّ نفسها لمواجهة أي عدوان قبل ذلك، اغتنم الرئيس السوري بشار الأسد مناسبة عيد الجيش، ليعلن في كلمة نشرتها مجلة «جيش الشعب» ان «السلام الحقيقي يبتعد وتزداد احتمالات الحرب». صحيح أنها لم تكن المرة الأولى التي يطلق فيها تقويمه هذا للموضوع، إلا أن التوقيت يبدو أكثر تناغماً مع الإشارات الإيرانية والمؤشرات الأخرى في المقابل، انتهز وزير الخارجية السوري وليد المعلم محاضرة له في جامعة دمشق ليستبعد عملاً عسكرياً أميركياً ضد ايران «إلا إذا قامت إسرائيل بتوريط الولايات المتحدة بذلك». لكنه استطرد معرباً عن أسفه «لأن بعض العرب أصبح يتجاهل اعتبار إسرائيل هي العدو للعرب، وبات يعتبر ان إيران هي العدو»، محذراً هؤلاء العرب من الحرب «لأنها إذا وقعت فسيتطاير شرارها اليهم». وفي سياق متصل، نفى الوزير ان يكون العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز حمل أي رسالة أميركية الى دمشق خلال زيارته الأخيرة ويلاحظ في الفترة الأخيرة ان تغييراً طرأ على الأداء الإيراني في إدارة الأزمة النووية والتعامل مع العقوبات. فبعد السخرية البالغة التي شهرها نجاد فور إقرار مجلس الأمن الدولي للعقوبات، ووعيده بأن طهران تعد رداً قاسياً على الدول التي أيدتها، أصبح الخطاب الآن أكثر واقعية ولم يخف ان الحكومة ومجلس الشورى تقاذفا ملف الرد على العقوبات، الى أن أصبح الآن شبه منسي، على رغم أن جميع المسؤولين الكبار تعهدوا سابقاً أن أي عقوبات جديدة لن تمر من دون حساب. حتى ان التهديد بقطع العلاقات مع بعض الدول طُوي من دون أي توضيح الأكثر دلالة كان الموقف من المفاوضات مع الدول الكبرى. إذ بدأ باستبعاد أي مفاوضات جديدة، ثم تطور الى تحديد شروط للتفاوض، وإرجائه الى ما بعد شهر رمضان، وانتهى بمذكرة الى وكالة الطاقة الذرية تطلب الدخول فوراً في مفاوضات «ومن دون شروط»، كما أكد المندوب الإيراني لدى الوكالة. ومنذ ذلك الوقت توالى نجاد ومسؤولون آخرون وفي شكل يومي على الدعوة الى التفاوض الآن. واللافت ان وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كانت أبدت استعجالاً لعقد محادثات مع الإيرانيين لحضّهم على العودة الى المفاوضات بلا تأخير، إلا انها لم تعد متعجلة، كما ان العواصم الغربية المعنية لم ترد على الدعوة الإيرانية في هذا الوقت، انتشر في بيروت دخان التسريبات عن اتهامات محتملة لعناصر من «حزب الله» بالمشاركة في جريمة اغتيال رفيق الحريري. وأصبح القرار الظني المرتقب صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة عنواناً لأزمة داخلية لا يريد «حزب الله» إدارتها بأنصاف الحلول أو بتسويات ومخارج، فإما أن تسحب الاتهامات وإما أن توضع الحكومة اللبنانية في أتون ضغوط تجبرها على التنصل من المحكمة والامتناع عن التعامل معها بأي شكل وفي كل الأحوال أوضح الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ان المشكلة هي مع إسرائيل بمقدار ما هي مع الفريق الآخر الذي يراهن على المحكمة التي أصبحت – كما قال – «مشروعاً اسرائيلياً أبعد من الأزمة الداخلية، ومع دخول إسرائيل على خط التسريبات في شكل فج ومفضوح، بدا واضحاً ان الاتهامات لا ترمي الى تلطيخ سمعة «حزب الله» والتشكيك في شرعيته فحسب، وإنما تهدف عملياً الى اتهام إيران أيضاً في قضية اغتيال تعامل دولياً بموجب القرارات المتعلقة بالحرب على الإرهاب. وهكذا انطوى التأزيم اللبناني على استباقيةٍ ما أوجبت تحركاً عربياً سريعاً لمعالجتها والأرجح أن هذه المعالجة تركت في عهدة سورية لتتدبرها مع حلفائها. لكن يفترض أن تكون دمشق تلقت «رسالة» ما تحفزها على تغليب التهدئة على رغم رفضها المحكمة الدولية واعتراضها عليها في السياق نفسه، يمكن فهم الاصطفاف العربي لترجيح خيار ذهاب السلطة الفلسطينية الى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل مع «شيء من الضمانات». وفي هذا الإطار أيضاً يمكن وضع العودة الجزئية لـ «حماس» الى التوتير، وكذلك إطلاق الصواريخ على إيلات والعقبة الذي يرجح البعض أنه تم بإيعاز إيراني. ذلك ان جو الحرب بات أكثر ترجيحاً منذ اللقاء الأخير بين الرئيس باراك أوباما وبنيامين نتانياهو، وعلى رغم ان واشنطن حريصة تقليدياً على شرح توجهاتها، ولو على لسان مصدر لا يرغب في كشف هويته، إلا أنها تكتمت هذه المرة مفسحة في المجال لكل التكهنات عن دوافع انقلاب أوباما على المبادئ التي كان تبناها للمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية ومسارها. لكن العنوان الوحيد المتداول لهذا الانقلاب هو «إيران». ومع أن الأمر ينطوي على مبالغة، إلا أن بعض المحللين يشبّهون لقاء أوباما – نتانياهو باللقاء الشهير بين جورج دبليو بوش وتوني بلير عندما أسرّ الأول للثاني انه حسم أمره بالذهاب الى الحرب على العراق.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة