دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سوف ابتعد عن كل الأساطير التي تخوض في قصة الخلق والتكوين وتفسير الظواهر الطبيعية ولكنني سأصحب من أراد مواصلة صحبتي في رحلة مشوقة عنوانها الرئيس ” الواقع الأسطوري ” ،
لحكايتنا اليوم ساحتان إثنتان وبعضٌ من المحطات ،، الساحة الأولى لمن تفوح من جدران منازلها رائحة عطر الياسمين وتهدل في سمآتها أسراب الحمام ، الساحة الأولى للفيحاء ، لباب الكعبة ، للفاتنة التي تبارز فرسان الكون للفوز بشرف مراقصتها و تقبيل أناملها ، المبارزات التي كان التاريخ فيها جميعاً حكماً وفيصلاً و شاهد عيان حقيقي … .
من الساحة الأولى كان البدء ، بدء توقيع أهل الساحة وجند الساحة بالأحرف الأولى على المشروع الذي ذاع صيته في مغارب الأرض ومشارقها ، المشروع الذي قام أهل الساحة بتصميمه وأقسموا على حفظه وصونه فيما بصم جند الساحة بالدم على قسم الشرف والوطن والإخلاص فشيد بعضهم من رفاتهم أساساته فيما ينتظر رفاق الدرب دورهم لإعلاء بنيانه ، إنه مشروع الصمود الأسطوري الذي يعترف به الصديق والعدو والواقع والتاريخ تماماً كما تعترف به شواهدٌ تحيط بها وتزينها شقائق النعمان فيما يرتوى التراب الذي تعتليه بدماء من رحلوا من صناع الأساطير وأبطال الأساطير ساعة تمسي الأسطورة واقعاً وحقيقةً معاشة . إنه الصمود السوري الأسطوري لشعب هذه الأرض وجيشها الذي مرغ بالتراب لحًى إسلاماوية تكفيرية وسحب وجرجر عقول أصحابها وأدخلها في عصر الجنون من بوابة الجنون الطائفي حتى بتنا نرى المفتن المفسد في الأرض الحاخام يوسف القرضاوي يصاب بحالة من العته والفصام فنراه في سوريا مفتناً ومحرضاً على القتل والذبح والعنف والتدمير وداعياً لقتال جند الوطن السوري ومحاربة من يوزع عليهم ألقابه و يطلق عليهم أحكامه الإلهية المنزلة فمرةً هم كفرة ومرةً أنجاس وأخرى رافضة وكيف لا وهو ” الناطق بإسم الله ” في إمتيازٍ تفوق به على أنبياء الله ورسله جميعاً ، فيما نرى ذات السحنة القرضاوية الشيطانية الكافرة تدعو الشعب المصري الثائر إلى الهدوء والسكينة والتآلف وتغليب العقل وعدم الخروج عن طاعة ولي الأمر مرسي الجعجاع الذي عينه الحاكم بأمر الله المرشد الاخواني العام وكيلاً عنه … .
وأما الساحة الثانية فهي العروس التي لطالما داعبت ملامحها مخيلة هوميروس اليوناني في يقظته ومنامه ، وهي الصبية السمراء التي تسابق على نيل رضاها قدماء الزمان ومعاصروه ، انها الساحة الأقدم من كل دين ومذهب وطائفة ، الساحة التي إختارها التاريخ ليبدأ كتابة حروفه الأولى .. منها وعنها وبفضلها . و قبل الإنتقال إلى الساحة الثانية أقول بدايةً بأن أصحابها كانوا منذ الأزل من أوائل البنائين في عالم المجد والقوة والحضارة والرقي كما في تزيين كتب التاريخ ببطولاتٍ أسطورية فريدة ، وأن زمن التلاقي بين الساحتين متجذر في قدمه والتاريخ يشهد فهو يمتد من عهد الملك تحتمس الأول وصولاً إلى تجربة الوحدة في زمن الراحل جمال عبد الناصر وليس إنتهاءً بتجربة خطي آلون على الجبهة السورية وبارليف على الجبهة المصرية في حرب أكتوبر زمن الراحل حافظ الأسد ، و طرق التلاقي بين الشعبين كانت ولا تزال أكثر من أن تعد أو تحصى ، نشهد اليوم طريقاً جديداً تلتقي فيه جموع أبناء الشعبين السوري والمصري في ساحاتٍ مشتركة وميادين مشتركة لتحقيق أهدافٍ عديدة أحد أهمها إسقاط محاولة إغتصاب السلطة في البلدين من بوابة الدين من قبل الإخوان التكفيريين … . ومع كل محبتي وتقديري لمعظم من سكن الساحة الثانية في غابر الأزمان كما لمن يرقص هذه الأيام فيها على أنغام أغنية ” أحلف بسماها وترابها ” وأغنية ”والله زمان يا سلاحي ” وأغنية ” قوم يا مصري مصر دايماً بتناديك ” ، إلا أن نظرة واقعية متجردة لواقع حال الخارطة الأوسع قليلاً أو كثيراً من مساحة مصر و التمعن قليلاً في مجريات الأحداث على الساحة الأولى وقراءة تفاصيل الصمود الأسطوري للشعب والجيش السوريين في مجابهة غيلان ووحوش و أفاعي العدوان على سوريا ، نظرة متعمقة كهذه تجعل صاحبها يقرأ بوضوحٍ كافٍ جملة بسيطة تقول : أن الأسطورة الأولى ساهمت إلى حدٍ كبير في تسهيل ولادة الأسطورة الثانية وتخفيف آلام مخاضها ، و أن الشعب السوري ينتصر في ساحات وميادين مصر ….. .
لنا أن نتخيل هنا حال مصر ومعنويات شعبها العظيم في حال السقوط السريع والمريع لسوريا من خلال تداعي بنيانها بكل مكوناته وتفكك جيشها وتحول إسمها على الخارطة إلى ” سوريات متعددة على أساسٍ طائفي أو عرقي أو مذهبي ” ، تدين بالتبعية لأحكام المرشدين وحاخامات الغرب والصهيونية المتنكرين بآيات الله وأحاديث نبيه . لا شك أن السقوط المرتجى للشعب والجيش السوريين كان سيسجل إنتصاراً لكل أصحاب الذقون النتنة والجباه التي تنز منها إشارة تكفير الآخر أياً يكن هذا أو ذاك الآخر ، ولا شك أن احزاب مصر ” الإسلامية ” سيما الإخوانية والسلفية منها كانت لتعتبر يوماً كهذا يوم قرب الإنتصار الماحق على من يفترض أنهم شركائها في المواطنة و يوم ترسيخ السيطرة على شعوب ومقدرات وكراسي حكم المنطقة من بوابة الدين . وكيف لا ومصر بدورها التاريخي كانت محور تشكيل المحاور تماماً كما سوريا وكيف لا ومصر كما سوريا كانت في صدارة قائمة القيادة والريادة لأشباه الدول الأعرابية ومشيخات النفط والغاز . وفيما لو عرف هذا السقوط المرتجى كونياً سبيله إلى سوريا فأن حالة سلبية من الشعور بوهج نيران التنين الإسلاموي كانت ستلفح ملايين الأرواح المصرية وتحاول أن تبني فيها أعشاشاً من اليأس بإمكانية الخلاص وجدوى المحاولة ، هذه الحالة كانت ستنتشر كما الوباء في صفوف كل من هو خارج تيار ” من ليس معنا فهو كافر ومن يعارض مشيئة الحاكم فهو كافر ومن يعترض على قرارات الحاكم بأمر الله فهو كافر ” ، فيما يستثني ذات التيار كل حاخامات وزعماء آل صهيون من قائمة الكفر ويعطيهم صكوكاً بالبراءة والغفران . أشك هنا بأن أحداً يستطيع محاججة الرأي الذي يقول أن الأسطورة السورية قد حفرت في العقول والقلوب والأرواح ممراً شبيهاً بقناة السويس يختصر الوقت والزمن والجهد ويوفر على الشعب المصري كما على التاريخ قبحاً إخوانياً إضافياً و كفراً يلبس لبوس الثورة … .
اليوم يدشن المصريين طريقاً جديداً إسمه طريق الكرامة و المجد و تحرير مصر من جيوش اللحى الكافرة ، إنه طريق إستعادة الوطن إلى أحضان مواطنيه بكافة أطيافهم . اليوم يشهد العالم إنهياراتٍ لا سابق عهد له بها ، تنهار جبالٌ من الثلج الإسلاموي والجليد التكفيري الإقصائي لتغرق وتغرق من عليها ، ومن بنى قصوراً من الجليد لا بد له أن يشهد إنهيار قصوره وذوبانها بفعل حمم براكين الحقيقة ، والحقيقة المصرية تقول بالفم الملآن أن زمن حكم المرشدين قد ولى وأفل إلى غير رجعة وأن الأحزاب الإسلامية لن يكون لها دور على الساحة المصرية منذ بداية الحراك إلا في إطار المشاركة و الرضى والقبول بما يطلبه الشعب ويرتضيه وينشده ويطمح إليه ، مرةً أخرى وبالعودة للأساطير وبغض النظر عن الرأي الذي لا يعترف أصلاً بقصة الطوفان ومركب نوح ، أقول أن أحفاد نوح من المصريين يشكلون اليوم لوحة من الطوفان البشري الهادر ذيلوها بعبارة ” الشعب يريد إسقاط حكم المرشد ” ، هياكل عديدة من ماركة شيخٍ فتنوي أو داعية تكفيري سوف يغرقها الطوفان المصري لتبتلعها القيعان وترمي ببعضها ربما في جوف الحيتان . الفارق بين قصة نوح وما تشهده مصر اليوم أن مصر هي قارب النجاة الذي لا يعترف بالغرق ، وأن قارب النجاة المصري لن يقبل على سطحه بعد اليوم كل من يدعي امتلاكه عقود بيع إلهية يتملك من خلالها البلاد ويستعبد العباد …. .
سيغرق الطوفان المصري خزائن الفتاوى التكفيرية ويبتلعها مع أصحابها ليطوي صفحةً إخوانية كانت وستبقى والقذارة صنوان ، من منكم لم تلحظ عيناه حالة الهلع المرتسم على وجوه تيار ” نحن ورثة عرش الله وولاة حكمه ” ؟ من منكم لم يقرأ على جباههم في مكانٍ ملاصق لزبيبة الإيمان والتقوى والورع عبارة ” الله لنا .. الله ملكنا “ ، من منكم لم يسمع صراخ المارد الإخواني وعويل رجالاته ومجاهديه واستنجادهم بالله الحصري ؟ ، من منكم لم يلحظ تجسد إنقلاب السحر على الساحر ساعة كان مبدأ أولئك ولا يزال ” أنا .. ومن بعدي الطوفان ” ، ليأتيهم الرد المصري هادراً .. ها قد أتاكم الطوفان الذي سيجرفكم ويرمي بكم بعيداً ،، ربما إلى صحراء النفط والغاز الأعرابية وربما نحو رفاق السلف الطالح في تورا بورا ، أو بإتجاه من حاربتم أهل الوطن من المسلمين والمسحيين كرمى لعيونهم وتقديساً للقلنسوات التي يعتمرون .. الطوفان الذي قد يقذف بكم تحت أقدام أسيادكم ، والسادة أيها العبيد لا تكترث لما يعلق بأسفل أحذيتها فتسوقه إلى حيث تمضي إلى أن ترمي بالحذاء وما يعلق به في سلال القمامة ولكم في الحمدين القطريين عبرة إن كنتم تقرؤون العبر . لنا أن نترقب في هذا الخصوص كم من الوقت سوف يمضي قبل أن يخلع أوباما ورفاقه أحذيتهم و يرموا بها في مراكز فرز القمامة و إعادة تصنيع ما يصلح للتصنيع من مكوناتها ، الحالة مع طوفان مصر الجديد مغايرة لما قرأناه عن طوفان نوح ، فمن يريد النجاة عليه إعلان انتمائه أولاً وقبل أي إنتماء لمصر وللتراب المصري ، وعليه التبرؤ من أي إنتماء ينافس الإنتماء للوطن أو يحاربه .. والمصريون اليوم أعلنوها وأسمعوا العالم هتافاً مقدساً يقول نحن لمصر ومصر لنا .. ولن يكون شريكنا من لا يقدس تراب هذا الأرض قبل أية قداسة ، في هذا الخصوص لنا أن نترقب أيضاً على مدار الساعات والأيام القادمة قفزاتٍ عديدة لشخصياتٍ عديدة على أعلى المستويات من المراكب الإخوانية الغارقة لتلحق بمن سبقها في القفز وإرتدى طوق النجاة ساعة أعلن انتماءه لمصر وشعب مصر وتبروئه من الإنتماء لمرسي أو للكرسي . إن المشهد المصري اليوم واضح أشد الوضوح لكنه من حيث التداعيات والنتائج في المدى المنظور أعقد من أن يختصره رأي أو تختذله مقالة أو يتضمنه كتاب ، إنها براكين الغضب ضد الضمير والأخلاق والغايات والأهداف والتبعية والعمالة والسلوك الإخوانية جميعها .. البراكين التي أثارت طوفان مصر البشري الذي فاضت به ميادينها و الذي تعود من خلاله مصر إلى حضن التاريخ من بوابة الكرامة والمجد … .
إنها الأسطورة التي تتخذ من الواقع أساساً لبنيانها وتزرع على شرفاته أزهار الحقيقة وتسقيها ساعة تحين ساعة ريها بدماء من شكلوا الأسطورة وسطروها إن كان في سوريا أو في مصر .. .
آمل ألا يقدر للتاريخ يوماً أن تصيب القذارة صفحاته المصرية فيكتب مفرداتٍ شبيهة بما كتبه عن دموية ووحشية وبدائية وهمجية الثورات .. ساعة تلبس الثورات آياتٍ وأحاديث إسلامية كما كان ولا زال عليه الحال في سوريا .. . مع تسجيل خشيتي أن الأساس ذاته موجود والسماد التكفيري ذاته متوفر ، والتعطش لشرب دماء ” الكفار ” يغزو أرواح البعض .. كتلك التي هاجت وماجت ساعة قتلها للشيخ حسن شحاتة وصحبه منذ أيامٍ عشر ..
المصدر :
نمير سعد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة