تأخّرت المحكمة الدولية طويلاً في إجراء تحقيق نظيف حول التسريبات الصادرة عنها في شأن التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. صحيح أن قوى عملت مع المحكمة سبق لها أن سربت ما تملكه من معطيات ووثائق إلى جهات سياسية أو استخباراتية دولية، لكن الصحيح، ايضاً، أن أجهزة استخبارات عالمية كانت ولا تزال ناشطة في كل غرف المحكمة ومكاتبها، سواء في لاهاي أو في لبنان. وهذه الأجهزة باتت تملك نسخة، ربما غير كاملة، عن الموجود في المحكمة، وقد عمدت، أكثر من مرة، الى تسريب معطيات دقيقة الى جهات سياسية تولّت نقلها الى وسائل إعلامية، أو حصل التسريب مباشرة إلى الاعلاميين. هذا الأمر بدأ مع الرئيس الاول للجنة التحقيق ديتليف ميليس، واستمر في عهد سيرج براميرتس الذي كان ــ كما خلفه دانيال بلمار ــ يتشاور في عمله مع دبلوماسيين وسياسيين، وذلك كما ظهر في وثائق «ويكيليكس». لكن أخطر عملية تسريب كانت قد بدأت عام 2006 مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، وتطور الأمر مع صحيفة «دير شبيغل» الالمانية وصولاً الى القناة التلفزيونية الكندية.

وفي كل الحالات، كانت لجنة التحقيق، أو المحكمة لاحقاً، ترفض التعليق على محتوى ما ينشر، لكنها كانت تنبّه او تحذّر او تستنكر مبدأ النشر. الا ان اي اجراء فعلي لم يتخذ، برغم انه مع نشوء المحكمة، وإعداد قواعد الاجراء والاثبات، صدرت المادة (60 مكرر) من القواعد التي تهتم عملياً بالتسريبات من جهة، وبما اتفق على تسميته «تحقير» المحكمة وعملها من جهة ثانية، وتتيح ملاحقة المسرّبين.

غير أن الصمت لم يصمد طويلاً، اذ بمجرد ان وصلت الى وسائل اعلام لبنانية وعربية ودولية قوائم بأسماء الشهود الذين طلب منهم الادعاء العام الاستعداد للمثول أمام المحكمة حتى استنفر الجميع، خصوصاً في المحكمة. لكن بعض التدقيق يساعد على فهم حقيقة ما يحصل.

ـــ في المرحلة الاولى، كان مكتب المدعي العام يرفض أي اتهام له بأن المعلومات المتداولة في وسائل الاعلام قد صدرت عنه، فكان بلمار، على وجه الخصوص، يحرص على الاشادة بانضباطية فريقه.

ـــ في المرحلة الثانية، ظهر أن التسريبات في الصحافة الغربية تناسب فريق الادعاء، لأنها تسهّل له خلق مناخ يناسب ما قرره حيال الاتهام، وكان فريق الادعاء نفسه يرفض مجرد الدعوة الى التدقيق.

ـــ في المرحلة التالية، صار الحديث يدور عن عملية سرقة لملفات، ولطالما اشير الى «حاسوب العيادة»، والمقصود به جهاز الكومبيوتر الذي فُقِد من أحد عناصر فريق الادعاء، خلال المواجهة بين الفريق وبين اهال احتشدوا معترضين على اقتحام الفريق الدولي عيادة طبية نسائية في الضاحية. من يومها، تناوب أعضاء في فريق التحقيق، وفي اجهزة استخبارات لبنانية وعربية ودولية، على اعتبار أن ما يُسرَّب جزء من معلومات كانت موجودة في ذاكرة هذا الحاسوب. لكن الهدف من وراء هذا الكلام هو اتهام حزب الله بأنه الجهة المسربة، ولطالما اتهم الحزب بأنه أرسل من سرق الحاسوب من الموظف الدولي على باب العيادة النسائية.

لكنّ كل ذلك لم يكن كافياً لمعالجة الأمر، خصوصاً مع بدء تسريب لوائح الشهود. في هذه المرحلة، دبّ الذعر على أكثر من صعيد، سواء من جانب فريق الادعاء الذي يشعر بأن كل موجوداته صارت في يد طرف آخر، او من جانب فريق المحكمة من الاداريين والقضاة الذين باتت سمعة محكمتهم مثار جدل، او من جانب فريق الادعاء السياسي الذي انكشف دوره في ترتيب غالبية الشهود، بالاضافة الى الخشية من ان يقرر الشهود الانسحاب والاعتذار عن عدم مواصلة التعاون مع المحكمة. وبالنسبة إلى الشهود، فالأمر خطير، والمسؤولية تقع حصراً على المحكمة، لأنها هي من قالت لهم (فريق الادعاء) بأن اسماءهم وهوياتهم وافاداتهم ستبقى سرية، وان المحكمة قادرة على حماية المعلومات التي أدلوا بها، وهذا ما لم يحصل.

مع ذلك، حاول فريق الادعاء التملص من المسؤولية، ولجأ إلى ترهيب وسائل الإعلام، لمنعها من التعامل مع هذا الملف. وإزاء فشل هذا البعد، كان فريق الادعاء يحاول الوصول الى تسوية تمنع وسائل الاعلام من استمرار تداول الملف.

لكن ما حصل هو أن فريق الدفاع في المحكمة وجد أن من الضروري مواجهة الأمر مباشرة. إذ فيما يواصل فريق الادعاء حجب المعطيات عن فريق الدفاع، فإن الأخير، صار يطّلع على هذه المعطيات في وسائل الإعلام. ثم ان فريق الدفاع معنيّ بأن يكون هناك تحقيق شامل وشفاف حول كل ملف التسريبات، ومن اليوم الأول، وعدم حصره بملف الشهود. وهذا ما فرض على رئاسة المحكمة الإقرار بالحاجة إلى قرار.

بناء عليه، ومنذ شهرين إلى الآن، عقدت المحكمة اجتماعات متلاحقة، حضرها كل من هو معني، من الادعاء إلى الدفاع إلى رئيس القلم إلى وحدة الضحايا، وتم الاتفاق على الوصول الى قرار عملي، يقضي بالاستعانة بـ«صديق للمحكمة» للمساعدة في إجراء تحقيق حول عملية «تحقير المحكمة». وإزاء إصرار محامي الدفاع جون جونز على ضرورة عدم اسناد المهمة الى فريق الادعاء، نظرا الى وجود تضارب مصالح. وقبل نحو اسبوع (28 أيار) صدر القرار بالاتفاق مع صديق للمحكمة، وتولى رئيس قلم المحكمة بالوكالة الاميركي داريل مُندس (سبق له ان شغل منصب رئيس قسم الادعاء في مكتب المدعي العام) التعاقد بمبلغ مالي كبير مع هيوغو كيث، وهو محام بريطاني، لتولي عملية التحقيق، تحت اشراف قاضي الملف، وهو رئيس المحكمة.

قرار رئيس المحكمة بتعيين كيث رئيسا لفريق التحقيق في «تحقير المحكمة» نص على ملاحقة او مساءلة او مقاضاة جريدة «الأخبار» اللبنانية بتهمة التحقير. والقرار يفترض ان يشمل وسائل اعلامية اخرى من بينها قناة «الجديد»، وموقع «المستقبل» الالكتروني، بسبب نشر معلومات عن الشهود. علما ان ادارة «المستقبل» تحدثت عن عملية قرصنة تعرض لها موقعها لساعات عدة من قبل موقع مجهول تولى نشر قوائم الشهود.

المحامي البريطاني تلقى علومه الحقوقية ونال درجة دراسات عليا من جامعة اوكسفورد، وانتخب في مجلس نقابة المحامين، ولعب دوراً بارزاً بين العامين 1995 و1998، وهو عضو في لجنة التدقيق المالي (العام 2001). وقد حصل عام 2009 على صفة «محامي الملكة ــ QC»، وهي رتبة مميزة تعطى لمحامين لديهم خبرة وخدمات كبيرة للدولة البريطانية. وهو يتولى مهام كثيرة، من بينها تمثيله الملكة البريطانية في متابعة التحقيقات في حادثة مقتل الاميرة ديانا. كما يعمل في شركة خاصة معنية بقضايا قانونية عدة. وسبق ان عمل على ملفات ذات صلة بحوادث ارهابية، منها قضية مواطن جزائري اعتقلته السلطات البريطانية اثر احداث 11 ايلول، ونجح كيث في منع صدور قرار من المحكمة في بريطانيا بتسليمه الى الولايات المتحدة وتمت تبرئته وقضت له المحكمة بالحصول على تعويض. ويتولى كيث، ايضاً، قضية حساسة تتعلق برجل الاعمال الروسي النافذ سابقاً بوريس بيريزنفسكي الذي هرب من روسيا بعد ملاحقته بقضايا فساد وسرقة مال عام. كما تولّى متابعة قضية الاسلامي الشهير «ابو حمزة» الذي سلّمته لندن الى الولايات المتحدة. وتستشيره الحكومة البريطانية في التحقيقات المفتوحة مع رجال حكومة طوني بلير حول الحرب في العراق. كما عمل في قضية متصلة بتفجيرات لندن في تموز 2006.

في مكان ما، يمكن ملاحظة أن عملية اختيار هذا المحامي لم تكن معزولة عن النشاط الاستخباراتي البريطاني داخل المحكمة، وهو نشاط كثيف منذ زمن بعيد. فهناك ضباط استخبارات بريطانيون ناشطون في لجان التحقيق الدولية، ولندن ممثلة في مجلس ادارة المحكمة الدولية، كما أن مايكل تايلور، المسؤول عن التحقيقات في مكتب المدعي العام في المحكمة، ضابط سابق في الاستخبارات التابعة لشرطة اسكتلنديارد. بالاضافة الى نشاط غير مرئي في مقر المحكمة في لاهاي. وقد يكون احد اسباب اختيار هذا المحقق القريب من السلطات في بريطانيا السعي الى الامساك بأوراق جديدة تريد لندن استخدامها حيث وحين تحتاج إليها.

لهذا المحقق صلاحيات واضحة، فهو لا يمكنه الادعاء على احد، ولا اصدار مذكرات اتهام ولا التوصية بذلك، لكنه مكلف اعداد تقرير عن اعماله التي تشمل تحقيقات عامة وخاصة، ويرفعه الى الجهة المعنية في المحكمة. لكنه في مهمته، سيستفيد من طبيعة الاتفاق بين لبنان والمحكمة لناحية ان السلطات الامنية والقضائية اللبنانية ملزمة تقديم كل التسهيلات لعمله سواء في ملاحقة اشخاص والاستماع اليهم او تقديم وثائق ومعطيات.

وفي هذا السياق، يبدو أن رجال المحكمة بدأوا ينشطون في تجميع معلومات معينة. ويتولى الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف سؤال اعلاميين وناشطين لبنانيين عن جريدة «الأخبار» ومن يملكها ومن يموّلها وما هي طبيعة هيكلتها الادارية، بينما تتولى جهات امنية لبنانية وغربية تقديم معلومات تتعلق بأشخاص في «الأخبار»، والبحث عن نوع الصلات التي تربط هؤلاء بقيادات في حزب الله.

الترحيب بالمحقق البريطاني واجب. اما مساعدته في مهمته فهو امر يخص من يقدر على مساعدته. وقبل توجيه اي سؤال، ينبغي أن تكون في حوزة المحقق اجوبة حاسمة عما اذا كان ما نشر في «الأخبار» صحيحاً ام لا. وعليه البحث، اولاً، عمن سرب هذه المعلومات من داخل مكاتب المحكمة ومن العاملين فيها. اما ما يتعلق بكيفية حصول «الأخبار» على ما نشرته من وثائق، فربما يخدمه «المتعقب التقني» الناشط حاليا في توفير ما يحتاج إليه من معطيات ستقوده، حتما وفقط، الى موقع الكتروني بات عنوانه معروفاً.

هيوغو كيث، اهلاً بك!

  • فريق ماسة
  • 2013-06-04
  • 8703
  • من الأرشيف

المحكمة الدولية تكلّف محامياً بريــطانياً التحقيق مع «الأخبار»

تأخّرت المحكمة الدولية طويلاً في إجراء تحقيق نظيف حول التسريبات الصادرة عنها في شأن التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. صحيح أن قوى عملت مع المحكمة سبق لها أن سربت ما تملكه من معطيات ووثائق إلى جهات سياسية أو استخباراتية دولية، لكن الصحيح، ايضاً، أن أجهزة استخبارات عالمية كانت ولا تزال ناشطة في كل غرف المحكمة ومكاتبها، سواء في لاهاي أو في لبنان. وهذه الأجهزة باتت تملك نسخة، ربما غير كاملة، عن الموجود في المحكمة، وقد عمدت، أكثر من مرة، الى تسريب معطيات دقيقة الى جهات سياسية تولّت نقلها الى وسائل إعلامية، أو حصل التسريب مباشرة إلى الاعلاميين. هذا الأمر بدأ مع الرئيس الاول للجنة التحقيق ديتليف ميليس، واستمر في عهد سيرج براميرتس الذي كان ــ كما خلفه دانيال بلمار ــ يتشاور في عمله مع دبلوماسيين وسياسيين، وذلك كما ظهر في وثائق «ويكيليكس». لكن أخطر عملية تسريب كانت قد بدأت عام 2006 مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، وتطور الأمر مع صحيفة «دير شبيغل» الالمانية وصولاً الى القناة التلفزيونية الكندية. وفي كل الحالات، كانت لجنة التحقيق، أو المحكمة لاحقاً، ترفض التعليق على محتوى ما ينشر، لكنها كانت تنبّه او تحذّر او تستنكر مبدأ النشر. الا ان اي اجراء فعلي لم يتخذ، برغم انه مع نشوء المحكمة، وإعداد قواعد الاجراء والاثبات، صدرت المادة (60 مكرر) من القواعد التي تهتم عملياً بالتسريبات من جهة، وبما اتفق على تسميته «تحقير» المحكمة وعملها من جهة ثانية، وتتيح ملاحقة المسرّبين. غير أن الصمت لم يصمد طويلاً، اذ بمجرد ان وصلت الى وسائل اعلام لبنانية وعربية ودولية قوائم بأسماء الشهود الذين طلب منهم الادعاء العام الاستعداد للمثول أمام المحكمة حتى استنفر الجميع، خصوصاً في المحكمة. لكن بعض التدقيق يساعد على فهم حقيقة ما يحصل. ـــ في المرحلة الاولى، كان مكتب المدعي العام يرفض أي اتهام له بأن المعلومات المتداولة في وسائل الاعلام قد صدرت عنه، فكان بلمار، على وجه الخصوص، يحرص على الاشادة بانضباطية فريقه. ـــ في المرحلة الثانية، ظهر أن التسريبات في الصحافة الغربية تناسب فريق الادعاء، لأنها تسهّل له خلق مناخ يناسب ما قرره حيال الاتهام، وكان فريق الادعاء نفسه يرفض مجرد الدعوة الى التدقيق. ـــ في المرحلة التالية، صار الحديث يدور عن عملية سرقة لملفات، ولطالما اشير الى «حاسوب العيادة»، والمقصود به جهاز الكومبيوتر الذي فُقِد من أحد عناصر فريق الادعاء، خلال المواجهة بين الفريق وبين اهال احتشدوا معترضين على اقتحام الفريق الدولي عيادة طبية نسائية في الضاحية. من يومها، تناوب أعضاء في فريق التحقيق، وفي اجهزة استخبارات لبنانية وعربية ودولية، على اعتبار أن ما يُسرَّب جزء من معلومات كانت موجودة في ذاكرة هذا الحاسوب. لكن الهدف من وراء هذا الكلام هو اتهام حزب الله بأنه الجهة المسربة، ولطالما اتهم الحزب بأنه أرسل من سرق الحاسوب من الموظف الدولي على باب العيادة النسائية. لكنّ كل ذلك لم يكن كافياً لمعالجة الأمر، خصوصاً مع بدء تسريب لوائح الشهود. في هذه المرحلة، دبّ الذعر على أكثر من صعيد، سواء من جانب فريق الادعاء الذي يشعر بأن كل موجوداته صارت في يد طرف آخر، او من جانب فريق المحكمة من الاداريين والقضاة الذين باتت سمعة محكمتهم مثار جدل، او من جانب فريق الادعاء السياسي الذي انكشف دوره في ترتيب غالبية الشهود، بالاضافة الى الخشية من ان يقرر الشهود الانسحاب والاعتذار عن عدم مواصلة التعاون مع المحكمة. وبالنسبة إلى الشهود، فالأمر خطير، والمسؤولية تقع حصراً على المحكمة، لأنها هي من قالت لهم (فريق الادعاء) بأن اسماءهم وهوياتهم وافاداتهم ستبقى سرية، وان المحكمة قادرة على حماية المعلومات التي أدلوا بها، وهذا ما لم يحصل. مع ذلك، حاول فريق الادعاء التملص من المسؤولية، ولجأ إلى ترهيب وسائل الإعلام، لمنعها من التعامل مع هذا الملف. وإزاء فشل هذا البعد، كان فريق الادعاء يحاول الوصول الى تسوية تمنع وسائل الاعلام من استمرار تداول الملف. لكن ما حصل هو أن فريق الدفاع في المحكمة وجد أن من الضروري مواجهة الأمر مباشرة. إذ فيما يواصل فريق الادعاء حجب المعطيات عن فريق الدفاع، فإن الأخير، صار يطّلع على هذه المعطيات في وسائل الإعلام. ثم ان فريق الدفاع معنيّ بأن يكون هناك تحقيق شامل وشفاف حول كل ملف التسريبات، ومن اليوم الأول، وعدم حصره بملف الشهود. وهذا ما فرض على رئاسة المحكمة الإقرار بالحاجة إلى قرار. بناء عليه، ومنذ شهرين إلى الآن، عقدت المحكمة اجتماعات متلاحقة، حضرها كل من هو معني، من الادعاء إلى الدفاع إلى رئيس القلم إلى وحدة الضحايا، وتم الاتفاق على الوصول الى قرار عملي، يقضي بالاستعانة بـ«صديق للمحكمة» للمساعدة في إجراء تحقيق حول عملية «تحقير المحكمة». وإزاء إصرار محامي الدفاع جون جونز على ضرورة عدم اسناد المهمة الى فريق الادعاء، نظرا الى وجود تضارب مصالح. وقبل نحو اسبوع (28 أيار) صدر القرار بالاتفاق مع صديق للمحكمة، وتولى رئيس قلم المحكمة بالوكالة الاميركي داريل مُندس (سبق له ان شغل منصب رئيس قسم الادعاء في مكتب المدعي العام) التعاقد بمبلغ مالي كبير مع هيوغو كيث، وهو محام بريطاني، لتولي عملية التحقيق، تحت اشراف قاضي الملف، وهو رئيس المحكمة. قرار رئيس المحكمة بتعيين كيث رئيسا لفريق التحقيق في «تحقير المحكمة» نص على ملاحقة او مساءلة او مقاضاة جريدة «الأخبار» اللبنانية بتهمة التحقير. والقرار يفترض ان يشمل وسائل اعلامية اخرى من بينها قناة «الجديد»، وموقع «المستقبل» الالكتروني، بسبب نشر معلومات عن الشهود. علما ان ادارة «المستقبل» تحدثت عن عملية قرصنة تعرض لها موقعها لساعات عدة من قبل موقع مجهول تولى نشر قوائم الشهود. المحامي البريطاني تلقى علومه الحقوقية ونال درجة دراسات عليا من جامعة اوكسفورد، وانتخب في مجلس نقابة المحامين، ولعب دوراً بارزاً بين العامين 1995 و1998، وهو عضو في لجنة التدقيق المالي (العام 2001). وقد حصل عام 2009 على صفة «محامي الملكة ــ QC»، وهي رتبة مميزة تعطى لمحامين لديهم خبرة وخدمات كبيرة للدولة البريطانية. وهو يتولى مهام كثيرة، من بينها تمثيله الملكة البريطانية في متابعة التحقيقات في حادثة مقتل الاميرة ديانا. كما يعمل في شركة خاصة معنية بقضايا قانونية عدة. وسبق ان عمل على ملفات ذات صلة بحوادث ارهابية، منها قضية مواطن جزائري اعتقلته السلطات البريطانية اثر احداث 11 ايلول، ونجح كيث في منع صدور قرار من المحكمة في بريطانيا بتسليمه الى الولايات المتحدة وتمت تبرئته وقضت له المحكمة بالحصول على تعويض. ويتولى كيث، ايضاً، قضية حساسة تتعلق برجل الاعمال الروسي النافذ سابقاً بوريس بيريزنفسكي الذي هرب من روسيا بعد ملاحقته بقضايا فساد وسرقة مال عام. كما تولّى متابعة قضية الاسلامي الشهير «ابو حمزة» الذي سلّمته لندن الى الولايات المتحدة. وتستشيره الحكومة البريطانية في التحقيقات المفتوحة مع رجال حكومة طوني بلير حول الحرب في العراق. كما عمل في قضية متصلة بتفجيرات لندن في تموز 2006. في مكان ما، يمكن ملاحظة أن عملية اختيار هذا المحامي لم تكن معزولة عن النشاط الاستخباراتي البريطاني داخل المحكمة، وهو نشاط كثيف منذ زمن بعيد. فهناك ضباط استخبارات بريطانيون ناشطون في لجان التحقيق الدولية، ولندن ممثلة في مجلس ادارة المحكمة الدولية، كما أن مايكل تايلور، المسؤول عن التحقيقات في مكتب المدعي العام في المحكمة، ضابط سابق في الاستخبارات التابعة لشرطة اسكتلنديارد. بالاضافة الى نشاط غير مرئي في مقر المحكمة في لاهاي. وقد يكون احد اسباب اختيار هذا المحقق القريب من السلطات في بريطانيا السعي الى الامساك بأوراق جديدة تريد لندن استخدامها حيث وحين تحتاج إليها. لهذا المحقق صلاحيات واضحة، فهو لا يمكنه الادعاء على احد، ولا اصدار مذكرات اتهام ولا التوصية بذلك، لكنه مكلف اعداد تقرير عن اعماله التي تشمل تحقيقات عامة وخاصة، ويرفعه الى الجهة المعنية في المحكمة. لكنه في مهمته، سيستفيد من طبيعة الاتفاق بين لبنان والمحكمة لناحية ان السلطات الامنية والقضائية اللبنانية ملزمة تقديم كل التسهيلات لعمله سواء في ملاحقة اشخاص والاستماع اليهم او تقديم وثائق ومعطيات. وفي هذا السياق، يبدو أن رجال المحكمة بدأوا ينشطون في تجميع معلومات معينة. ويتولى الناطق باسم المحكمة مارتن يوسف سؤال اعلاميين وناشطين لبنانيين عن جريدة «الأخبار» ومن يملكها ومن يموّلها وما هي طبيعة هيكلتها الادارية، بينما تتولى جهات امنية لبنانية وغربية تقديم معلومات تتعلق بأشخاص في «الأخبار»، والبحث عن نوع الصلات التي تربط هؤلاء بقيادات في حزب الله. الترحيب بالمحقق البريطاني واجب. اما مساعدته في مهمته فهو امر يخص من يقدر على مساعدته. وقبل توجيه اي سؤال، ينبغي أن تكون في حوزة المحقق اجوبة حاسمة عما اذا كان ما نشر في «الأخبار» صحيحاً ام لا. وعليه البحث، اولاً، عمن سرب هذه المعلومات من داخل مكاتب المحكمة ومن العاملين فيها. اما ما يتعلق بكيفية حصول «الأخبار» على ما نشرته من وثائق، فربما يخدمه «المتعقب التقني» الناشط حاليا في توفير ما يحتاج إليه من معطيات ستقوده، حتما وفقط، الى موقع الكتروني بات عنوانه معروفاً. هيوغو كيث، اهلاً بك!

المصدر : الأخبار/ابراهيم الامين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة