دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اقترنت الانجازات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري في الشهرين الاخرين مع الصرامة في اعلان مواقف سياسية افصحت بوضوح عن الاستراتيجية المعتمدة من قبل محور المقاومة في مواجهة العدوان على حلقته الوسطى المتمثلة بسورية، كما و اظهرت فهم هذا المحور لطبيعة العدوان و اهدافه و للمخاطر التي سترتب عليه في حال نجح في تحقيقها و لهذا فقد اكد القرار بالمواجهة مهما كان الثمن غاليا و مهما طالت مدتها لانه لا مفر من تحقيق الانتصار ، لان الهزيمة تعني النهاية و الانهيار لانجازات و انتصارات حققت في العقود الثلاثة الاخيرة ، و كيف يمكن التفريط بها بعد الاثمان التي دفعت حتى الان..
لقد بات واضحا ان العدوان على سورية ليس من اجل منصب رئيس او موقع حزب او نظام سياسي معتمد في الدولة ، بل انه اعتداء على الامة العربية و الاسلامية التي عرفت في العقود الاخيرة الثلاثة طريقها للتخلص من الاعتداء الذي وقع عليها في فلسطين قبل اكثر من ستة عقود، و على الدولة التي مع محورها عطلت خطط الغرب في ارساء نظام عالمي بقيادة اميركية يحيل العالم كله فضاء تتحكم بها اميركا بمفردها .
نعم في العام 1948 اعتدي على الامة في فلسطين و تمثل بتسليم منطقة عربية و اسلامية الى الحركة الصهيونية العالمية بقرار بريطاني اولا ثم بتكريس و مصادقة من الامم المتحدة التي انشئت من تجمع المنتصرين في الحرب العالمية الثانية على انقاض عصبة الامم التي ولدتها الحرب الاولى .. الامم المتحدة التي أقيمت من اجل منع العدوان و منع انتهاك حقوق الغير و من اجل حراسة و صيانة الامن و السلام الدوليين حتى و لو بالقوة العسكرية ( الفصل السابع ) هذه المنظمة بدأت اعمالها خلافا لميثاقها و كرست الاعتداء الغربي الصهيوني على الامة العربية في فلسطين و لا نقول اعتداء على فلسطين رغم إن موطن الاعتداء كان فيها .. فالاعتداء كان في الاصل موجها للامة كلها في جزء من جسمها اسمه فلسطين و كل فهم اخر للامر يعتبر شذوذا عن الحقيقة و مجافاة لها .
لقد حاولت الامة ان تتخلص من اثار العدوان ، و تستعيد حقوقها لاكثر من مرة عبر نظامها الرسمي و لكن كان امرها كاللاعب في الرمال المتحركة كلما تحرك ازداد غرقا، و عندما خرجت مصر من الصراع – الدولة العربية الاكبر و مركز الثقل في الصراع العربي الاسرائيلي – انطلقت في مواجهة العدوان في لبنان الذي احتلت أرضه بعد هذا الخروج ، انطلقت مقاومة احتضنتها سورية و دعمتها مبدأ و بعض فصائل ايران رغم ما كانت فيه من حرب خطط لها الغرب و نفذها بأيدٍ عربية عراقية .
بعد نيف و 18 سنة تمكنت المقاومة من تسجيل الانتصار العسكري الميداني المكتمل الاول على العدو ( ادى خروج السادات في العام 1973 من الحرب الى تضييع فرصة الانتصار الكامل و هدر الكثير من انتصارات – انجازات الحرب انذاك ) ، و قد تعاظم قدر انتصار المقاومة و تأثيره لانه اتى في ظل بيئة دولية غير مؤاتية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و انتهاء الحرب الباردة ، لهذا اعتبر ذاك الانتصار حدثاً يأتي خارج السياق و معاكسا للانسياب الطبيعي للامور في تلك الحقبة . و مع هذا الانتصار كانت المرحلة الجديدة في المواجهة : خطط انتقام و ثأر من قبل المنظومة العدوانية على الامة ، و مواقف تحضير الدفاع بشتى وجوهه لحفظ الانجاز و لحفظ القضية الاساس القضية الفلسطنية و منع المعتدي من تصفيتها بما يناسبه و يناسب الصهيونية العالمية . و في مرحلة الانتقام و الثأر هذه كانت موجات متلاحقة بدأت بالقرار 1559 بشأن لبنان، ثم حرب 2006 ضد المقاومة التي يقودها حزب الله في لبنان ، ثم انقلاب الى الاستراتيجية الناعمة التي كانت باكورتها في لبنان عبر قرارات نزع سلاح الاشارة في المقاومة و بعده الى ايران في العام 2009 ....موجات متلاحقة تكسرت عند اقدام المقاومين و مكونات محور المقاومة و كان لسورية – الحلقة الوسطى في المحور – الدور الجوهري في تحقيق ذلك و منع المتعدي من تحقيق اهدافه ...لذا كانت خطة اسقاط سورية .
ان الموضوعية و الفكر السليم و المنطقي يوجب فهم الهجوم على سورية بقيادة اميركية على انه هجوم على المقاومة و محورها ، و لا علاقة له بما يدعى من حرية و ديمقراطية و ما اليها من شعارات ترويجية للعدوان ..و لانه عدوان على المقاومة وجب ان يكون الرد الدفاعي من المقاومة و مكوناتها .. و بالتالي يكون غريبا مثيرا للاستهجان لا بل للسخرية ان تقول للمستهدف باعتداء ، اياك و الدفاع عن نفسك او تقيده بوسيلة الدفاع ...ان مكونات محور المقاومة اليوم تمارس في سورية حق الدفاع المشروع عن النفس كل وفقا لظرفه و للامكانات المتاحة و احتراما للمرجعية السورية و السيادة الوطنية السورية التي لا يمكن لاحد ان يتخطاها او يتنازل عنها.
و لان الهجوم على المقاومة كان كونيا و حشدت له كل تلك الطاقات على انواعها و مستوياتها المختلفة ، فان رد محور المقاومة كان ملزما ان توضع له استراتيجية دفاعية تناسب الاخطار التي شكلها العدوان ، و هذا ما حصل بالفعل ، و عمل به في البدء من غير اعلان و توصيف تجنبا لاعطاء خدمات مجانية للعدو و ايضا لاعطاء الذريعة لهذا او ذاك من الذين يتقنون التفليق و تحريف المواقف و الكلم عن مواضعه . و عليه نقول ان انخراط مكونات محور المقاومة – كل حسب موقعه و ظرفه – انخراطه في الدفاع عن المحور و عن المقاومة ليس حديثا او وليد اليوم، بل إنّه بدأ منذ الايام الاولى للعدوان لكن كانت طبيعة العمل مرتبطة بالنوايا و عضويا و فعالية بالمرحلة المتشكلة في حينه و طبيعة و اسلوب ممارسة العدوان .
اما اليوم و في المرحلة التي وصلت اليها الامور في المواجهة بين محور المقاومة و المعتدين عليه في الميدان السوري فان المشهد بات يتيح لا بل يفرض الافصاح و التأكيد على ثوابت المواقف و اركان استراتيجية المواجهة، و لهذا كانت المواقف الاخيرة التي اطلقها السيد حسن نصرالله و الرئيس الدكتور بشار الاسد و القيادة الايرانية بعناوينها كلها مواقف تقطع بان المواجهة الدفاعية التي يخوضها محور المقاومة تتم و تتابع وفقا لما يلي :
1) انها مواجهة دفاعية عن الذات و الدور و الوظيفة ، يمارس فيها حق الدفاع المشروع عن النفس ، دون التوقف عند رضا هذا الفريق او ذاك ، قريبا كان او بعيدا عن فكر المقاومة و نهجها و اهدافها .
2) انها مواجهة تفرض زج كل الطاقات و الامكانات التي يملكها المحور بكل مكوناته ، و بالتالي هي مواجهة شاملة تشكل ترجمة عملية لما كان اعلن في دمشق في 25 شباط 2010 و الصورة الثلاثية التي اشارت الى تلك الاستراتيجية بانها حرب شاملة مع تعدد الجبهات و اشتراك الجميع دونما ترك المجال للتفكير بالاستفراد و العزل .
3) ان الجغرافية لا تقيد مكونات محور المقاومة ، و ان توزع الادوار و الوظائف قد يتأثر بهذه الجغرافية لكنه لا يكون اسيرا لها كما لا يكون اسيرا لخطوط الحدود السياسية و الادارية و ما اليها فالمعول عليه الانتصار في الدفاع و هو الاساس في العمل .
4) ان لمحور المقاومة و بكل مكوناته الحق الثابت و المشروع بان يحشد طاقاته و يراكم قدراته كله و يلجأ الى اي سلاح متاح و يجيز القانون الدولي امتلاكه و استعماله ، من اجل النجاح في المعركة الدفاعية تلك و كل صخب او عويل و او تهديد من الجهة المعتدية يبقى خارج البحث و النظر ، اذ ليس من المعقول ان يكون للمعتدي الحق بتحديد كيف ندافع او اي سلاح نستعمل في الدفاع .
5) ان محور المقاومة جاهز و قادر على الاستمرار في المواجهة حتى دحر العدوان كما انه جاهز لدفع ثمن الانتصار مهما بلغ قدره ، و بالتالي ان ما سجل من انتصار حتى الان ليس الا البداية و البقية تأتي ، و ان الانتصار هو الان من اجل الشعب السوري و ليس على الشعب السوري كما يلفق المعتدون ، و ان المستفيد من الانتصار هو الامة و بالتحديد قضيتها المركزية – فلسطين - .
6) ان ابواب محور المقاومة بكل مكوناته مفتوحة كما هو قلبه و عقله لاي حوار بحثا عن مخرج يوقف العدوان ، و يضع حدا للقتل و الهدم الذي ينفذه العدوان على الارض السورية ، و لكن طبعا تحت سقف السيادة و الاستقلال.
و من هنا نفهم كيف ان قادة محور المقاومة اظهروا ثقتهم بالنصر الآتي و بشكل اكيد ، و قد صرحوا بذلك ثقة مردها الى عزيمتهم و ارادتهم في المواجهة و ايضا معرفتهم بوضع العدو و طبيعته و احواله المتردية يوما اثر يوم .
المصدر :
الثورة/ د.أمين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة