في اليوم نفسه، أعلنت صحيفتان أمريكيتان انتصار الأسد، عسكريا وسياسيا. اعترفت " واشنطن بوست" بأن الجيش السوري يحرز تقدما ملموسا في الميدان، لكن الأهم هو ما أوردته " هيرالد تربيون" نقلا عن استطلاع تبناه حلف الأطلسي ( وليس موسكو أو طهران أو حزب الله) يؤكد أن 70 بالمائة من السوريين يؤيدون الرئيس بشار الأسد، بينما 20 بالمائة منهم محايدون، في حين أن المعارضة السورية، بكل أطيافها المدنية والمسلحة، الليبرالية والإسلامية، لا تحوز سوى 10 من تأييد السوريين. وهذا ما كنّا نقوله دائما؛ فما يسمى الثورة السورية ليست حتى تمردا مسلحا وإنما هي، كما اتضح، مجرد غزو مسلح، لكنه لم يستخدم الجيوش النظامية، بل المرتزقة والتكفيريين.

لم يعد أحدٌ يُماري بانتصار الأسد، وما تبقى من عمليات عسكرية وتفاوضية أصبح محددا بهذا المسار. هذا الانتصار الذي توقعناه منذ اليوم الأول، لم يكن صادرا عن إيمان، وإنما عن تحليل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. وهي كلها كانت وما تزال في مصلحة الأسد.

بالمقابل، كان العديد من المسؤولين والكتّاب يتوقعون سقوط النظام السوري، اليوم أو غدا أو الشهر المقبل الخ ، معبرين عن إيمان عميق بقوة الولايات المتحدة والغرب، وعن الرغبات لا عن الواقع الملموس في الميدان والسياسة، وعن مدى الجهل ببنية سورية ومجتمعها وجيشها ونظامها.

وعلى كل حال، كانت هناك حملات سياسية وإعلامية مستمرة منذ سنوات، هدفها شيطنة النظام السوري، ليس لأنه مستبدّ، وإنما لأنه ناجح في كل ما فشل فيه العرب الآخرون؛ فسورية، وحدها، بين البلدان العربية غير النفطية، التي تمتعت، دوما، بالفائض ولم تعرف العجز والمديونية العامة إلا في حدود هامشية. كما أنها الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك نظاما انتاجيا في الزراعة والصناعة، قادرا على توفير احتياجات المواطنين والمنافسة التصديرية. وإلى ذلك، تمثل سورية التراث العلماني العروبي، وتقاليد الاستقلالية وإدامة الصراع مع إسرائيل، "بلا تفريط ولا إفراط" ـ والتعبير للراحل الملك حسين في وصف سياسات الراحل حافظ الأسد ـ رحمهما الله.

لكن المسؤولية الحكومية والسياسية، تتطلب الكفاءة والنزاهة. وبصراحة، فإن العديد ممن أداروا في مطبخ القرار الأردني، الأزمة السورية، لم يكن لديهم ما يكفي من تينك الصفتين. ولا بد من محاسبة كل مسؤول تبنى تحليلات خيالية أو حرّفها لمصلحة ما، ما ورّطنا في تدخلات في الشأن السوري، وفي استيراد اللاجئين السوريين لأسباب سياسية. وكنا في غنى عن كل ذلك، لو كان هناك مَن يصغي لصوت العقل.

أتذكر الآن الكثير من الأقاويل الفارغة التي كانت تشكل قناعات يومية لمسؤولين أردنيين، داخل المنصب وخارجه؛ وكلها ناجمة عن أوهام وذاتيات وارتباطات ولا صلة لها بالواقع السوري، ابتداء من توقع السقوط كلما تمكن الإرهابيون من قطع شارع أو الاستيلاء على حي، ومرورا بالكلام عن المصاعب الاقتصادية، وليس انتهاء بمروحة من السيناريوهات عن خيار الدويلة العلوية الخ وآخر تلك الأوهام القول المتكرر بأنه من المستحيل أن يبقى الأسد رئيسا بعد كل هذا العدد من القتلى السوريين.. وكأن النظام السوري هو المسؤول عن القتل والتدمير، وليس عصابات الغزو الاجرامية. على كل حال، هذا هو الرئيس الذي طالما وصفتموه بأنه " قاتل شعبه" يجد لدى شعبه نسبة من التأييد لا يحظى بها رئيس عربي آخر.

الطقم السياسي الذي قدّم الاستشارات المضللة حول سورية، ينبغي أن يغادر فورا؛ فلقد خسر صدقيته كليا وأساء للمصالح الوطنية العليا للبلاد، وعلينا منذ الآن أن نفكر في اجتراح مقاربة جديدة للتعامل الواقعي مع سورية منتصرة هي رابطة العقد في حلف يمتد من بكين إلى موسكو إلى طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى جنوبي لبنان.

  • فريق ماسة
  • 2013-06-03
  • 11042
  • من الأرشيف

مجددا، كسبنا الرهان

في اليوم نفسه، أعلنت صحيفتان أمريكيتان انتصار الأسد، عسكريا وسياسيا. اعترفت " واشنطن بوست" بأن الجيش السوري يحرز تقدما ملموسا في الميدان، لكن الأهم هو ما أوردته " هيرالد تربيون" نقلا عن استطلاع تبناه حلف الأطلسي ( وليس موسكو أو طهران أو حزب الله) يؤكد أن 70 بالمائة من السوريين يؤيدون الرئيس بشار الأسد، بينما 20 بالمائة منهم محايدون، في حين أن المعارضة السورية، بكل أطيافها المدنية والمسلحة، الليبرالية والإسلامية، لا تحوز سوى 10 من تأييد السوريين. وهذا ما كنّا نقوله دائما؛ فما يسمى الثورة السورية ليست حتى تمردا مسلحا وإنما هي، كما اتضح، مجرد غزو مسلح، لكنه لم يستخدم الجيوش النظامية، بل المرتزقة والتكفيريين. لم يعد أحدٌ يُماري بانتصار الأسد، وما تبقى من عمليات عسكرية وتفاوضية أصبح محددا بهذا المسار. هذا الانتصار الذي توقعناه منذ اليوم الأول، لم يكن صادرا عن إيمان، وإنما عن تحليل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. وهي كلها كانت وما تزال في مصلحة الأسد. بالمقابل، كان العديد من المسؤولين والكتّاب يتوقعون سقوط النظام السوري، اليوم أو غدا أو الشهر المقبل الخ ، معبرين عن إيمان عميق بقوة الولايات المتحدة والغرب، وعن الرغبات لا عن الواقع الملموس في الميدان والسياسة، وعن مدى الجهل ببنية سورية ومجتمعها وجيشها ونظامها. وعلى كل حال، كانت هناك حملات سياسية وإعلامية مستمرة منذ سنوات، هدفها شيطنة النظام السوري، ليس لأنه مستبدّ، وإنما لأنه ناجح في كل ما فشل فيه العرب الآخرون؛ فسورية، وحدها، بين البلدان العربية غير النفطية، التي تمتعت، دوما، بالفائض ولم تعرف العجز والمديونية العامة إلا في حدود هامشية. كما أنها الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك نظاما انتاجيا في الزراعة والصناعة، قادرا على توفير احتياجات المواطنين والمنافسة التصديرية. وإلى ذلك، تمثل سورية التراث العلماني العروبي، وتقاليد الاستقلالية وإدامة الصراع مع إسرائيل، "بلا تفريط ولا إفراط" ـ والتعبير للراحل الملك حسين في وصف سياسات الراحل حافظ الأسد ـ رحمهما الله. لكن المسؤولية الحكومية والسياسية، تتطلب الكفاءة والنزاهة. وبصراحة، فإن العديد ممن أداروا في مطبخ القرار الأردني، الأزمة السورية، لم يكن لديهم ما يكفي من تينك الصفتين. ولا بد من محاسبة كل مسؤول تبنى تحليلات خيالية أو حرّفها لمصلحة ما، ما ورّطنا في تدخلات في الشأن السوري، وفي استيراد اللاجئين السوريين لأسباب سياسية. وكنا في غنى عن كل ذلك، لو كان هناك مَن يصغي لصوت العقل. أتذكر الآن الكثير من الأقاويل الفارغة التي كانت تشكل قناعات يومية لمسؤولين أردنيين، داخل المنصب وخارجه؛ وكلها ناجمة عن أوهام وذاتيات وارتباطات ولا صلة لها بالواقع السوري، ابتداء من توقع السقوط كلما تمكن الإرهابيون من قطع شارع أو الاستيلاء على حي، ومرورا بالكلام عن المصاعب الاقتصادية، وليس انتهاء بمروحة من السيناريوهات عن خيار الدويلة العلوية الخ وآخر تلك الأوهام القول المتكرر بأنه من المستحيل أن يبقى الأسد رئيسا بعد كل هذا العدد من القتلى السوريين.. وكأن النظام السوري هو المسؤول عن القتل والتدمير، وليس عصابات الغزو الاجرامية. على كل حال، هذا هو الرئيس الذي طالما وصفتموه بأنه " قاتل شعبه" يجد لدى شعبه نسبة من التأييد لا يحظى بها رئيس عربي آخر. الطقم السياسي الذي قدّم الاستشارات المضللة حول سورية، ينبغي أن يغادر فورا؛ فلقد خسر صدقيته كليا وأساء للمصالح الوطنية العليا للبلاد، وعلينا منذ الآن أن نفكر في اجتراح مقاربة جديدة للتعامل الواقعي مع سورية منتصرة هي رابطة العقد في حلف يمتد من بكين إلى موسكو إلى طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى جنوبي لبنان.

المصدر : العرب اليوم / ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة