لمّحنا في مقال سابق إلى أن صمود القيادة وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والإدارية في سورية، وتصديهم للعدوان المتواصل منذ أكثر من عامين ، هما دليلان على أن السلطة في هذه البلاد أصلحت ذاتها، أو بالأحرى «قامت بثورة» على بنيتها.

من المحتمل ان يكون إنشقاق العناصر السيئة عنها وانضمامهم إلى حركة التمرد و«الثورة»، قد أضرّ هذه الأخيرة، وحدّ من شرها.

ومهما يكن فإن السوريين سيحفظون دون أدنى شك، أن حركة التمرد التي تجند فيها مقاتلو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إلى جانب جماعات الوهابيين المنضوين تحت راية التنظيم الأم المعروف باسم القاعدة (النصرة وأخواتها)، أستخدمت جامعة الدول العربية ، التي تزعمها أمراء قطر. فتحولت إلى ذراع سياسي وديبلوماسي ضد الدولة السورية. وأن حركة التمرد هذه تحالفت مع الدول الإستعمارية. وتلقت منها أسلحة، وخبرات عسكرية. وأغلب الظن أنها ارتبطت أيضا بعلاقات مع المستعمرين الإسرائيليين، تجسدت بمستشفيات ميدانية إسرائيلية في هضبة الجولان، وفي تركيا والأردن، بالإضافة إلى محاولة إنقاذ جماعات المتمردين من أوضاع عسكرية حرجة بواسطة ضرب مواقع الجيش العربي السوري بالطيران. ولا تسل عن تجييش وهياج وسائل الإعلام العالمية من أجل تزيين وجه حركة التمرد، وإظهارها على شكل ثورة شعبية ضد الطغيان.

ومن المفروض ايضا ألا ينسى السوريون الجهود التي بذلتها جامعة الدول العربية من أجل اسقاط دولتهم، أو جعلها دولة فاشلة.إقترحت الجامعة المذكورة إرسال مراقبين عرب. ثم ما لبثت أن طعنت بأهليتهم. بادرت بعد ذلك، إلى طرح «الملف» السوري أمام مجلس الأمن الدولي واستصدرت قرارا منه بإرسال مراقبين دوليين إلى سوريا. لم يمكث هؤلاء بدورهم، طويلا . لان تكليفهم، كمثل تكليف المراقبين العرب، كان مبنيا على قاعدة إلغاء الدولة السورية .

لم تترك جامعة الدول العربية بزعامة أمير قطر، بابا إلا وطرقته من أجل جرّ الدول الاستعمارية، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا إلى رفع مستوى دعمها لجماعات الإخوان المسلمين والوهابيين والتكفيريين التي تحارب الدولة السورية. كم من مرة طالبت هذه الجامعة، بحظر جوي وتدخل مباشر، أميركي ـ أوروبي نصرة «للثورة الديمقراطية» في سوريا؟ جملة القول أن جامعة الدول العربية جلبت الإميرياليين الأميركيين وأعوانهم الأوروبيين إلى الكرم السوري . فصارت سوريا «قلب العروبة النابض»، كما قال جمال عبد الناصر ، قضية على طاولة المؤتمرات الدولية ، في جنيف وغيرها! فنِعـْم «الثورة»، ونعـْم جامعة الدول العربية التي يسوسها أمير قطر!

لنترك لإختصاصي العلوم السياسية أمر تفسير الأولويات التي تحدد القوى الكبرى استنادا إليها، مواعيد المؤتمرات الدولية للتباحث حول القضايا المتنازع عليها. وكيف ينوي كل طرف معني بها الإستفادة من الوقت المتبقي قبل إنعقاد المؤتمر. وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر حتى لا يتم تأجيل تاريخ إنعقاده. أعتقد شخصيا بكل بساطة ، أن الحرب لا تتوقف طالما ظل كل فريق من أفرقاء الصراع يأمل بتحسين وضعه الميداني. بمعنى ان المتحاربين ينالون بموجب الأتفاقيات التي يتم التوصل إليها نتيجة للحرب، ما كسبوه على ارض المعركة. أن القضية السورية لن تشذ عن هذه القاعدة.

من البديهي، في المجال الدولي، أن الروس، وربما الصينيون أيضا، والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية إلى حدِ ما، لعبت جميعها دورا مؤثرا إلى جانب الدولة السورية، في سيرورة الحرب التي تتعرض لها هذه الأخيرة. مثلما أن الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها في فرنسا وبريطانيا وعملاءها ونواطير نفطها وشيوخ إسلامها ومفكريها، أعدوا جيشاَ كبيرا، من الأخوان المسلمين والوهابيين لمهاجمة سورية. ما أود قوله هو أنه لولا الولايات المتحدة الاميركية لما اتخذت الأوضاع في سوريا منحى خطيرا بحيث صار الإنسان السوري مهددا ليس فقط بفقدان هويته الوطنية السورية والقومية العربي ، ولكن بإلغاء وجوده ايضا. وفي المقابل، لولا الروس لما استطاع السوريون الصمود والمقاومة، وإبقاء جذوة الأمل في نفوسهم.

من المرجح أن يكون السوريون قد أحرزوا في المدة الأخيرة، نجاحات عسكرية، ضد الجماعات التي تقاتل لحساب الولايات المتحدة الأميركية. وربما يكون مرد ذلك إلى كون الحرب التي تستهدفهم، هي في الوقت نفسه حربا على المقاومة في لبنان وعلى إيران أيضا. وإلى فشل محاولات الفصل بين هذه الأطراف الثلاثة، للإستفراد بها طرفا بعد آخر. فالدلائل تشير إلى أنها يقظة ومتضامنة، وتدير المواجهة بواقعية وشجاعة.

تأسيساً على ما تقدم، فإن عقد مؤتمر لبحث «القضية السورية»، يعني انه سيكون لكل الحاضرين في هذا المؤتمر رأي في «القضية». من سيحضر مؤتمر جنيف2؟ ومن يستطيع إفشاله أو تأجيله؟ ان شرط التئامه هو اضطرار طرف أساسي في الحرب على سوريا لذلك، ورضوخه لمطالب الطرف الآخر. أي بتعبير آخر أن يكون هناك منتصر محتمل من جهة ومنكسر محتمل من جهة ثانية، وأن إمكانية تغيير هذه المحصلة المرتقبة ضعيفة جدا.

يؤدي هذا المنطق إلى خلاصة تفيد بأن الإدارة الأميركية وهي طرف أساسي في الحرب على سوريا، ليست مضطرة لوقف هذه الحرب. بل لا يضيرها مواصلتها حتى آخر جهادي وآخر دينار في جيب أمير قطر إذا جاز التعبير .. ينبني عليه أنه ليس مستبعدا أن تبقي نار الحرب مشتعلة، حتى يميل ميزان القوى في الميدان لصالح جماعاتها، فتصير قادرة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب. بالمقابل إن الحكومة السورية تتمنى أن يصمت السلاح بأسرع وقت، لأن الحرب تدور في سوريا والذين يدفعون الثمن هم السوريون. ولكن هذه الحكومة ستبذل أقصى طاقتها لكي تمنع الولايات المتحدة الاميركية من بلوغ غاياتها على حساب المنظومة الدفاعية المكونة من سوريا ولبنان وإيران . ليس مستبعدا إذا أن يؤجل مؤتمر جنيف، أو يفشل، أو يتحول إلى مسلسل طويل، كمثل مسلسل المباحثات التي كانت بطلته الوزيرة الأسرائيلية تسيبني ليفني إلى جانب المسؤول الفلسطيني احمد قريع، نسمع جعجعة ولا نرى طحنا..!.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-27
  • 10642
  • من الأرشيف

نواطير النفط وعناقيد الشام

لمّحنا في مقال سابق إلى أن صمود القيادة وأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والإدارية في سورية، وتصديهم للعدوان المتواصل منذ أكثر من عامين ، هما دليلان على أن السلطة في هذه البلاد أصلحت ذاتها، أو بالأحرى «قامت بثورة» على بنيتها. من المحتمل ان يكون إنشقاق العناصر السيئة عنها وانضمامهم إلى حركة التمرد و«الثورة»، قد أضرّ هذه الأخيرة، وحدّ من شرها. ومهما يكن فإن السوريين سيحفظون دون أدنى شك، أن حركة التمرد التي تجند فيها مقاتلو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إلى جانب جماعات الوهابيين المنضوين تحت راية التنظيم الأم المعروف باسم القاعدة (النصرة وأخواتها)، أستخدمت جامعة الدول العربية ، التي تزعمها أمراء قطر. فتحولت إلى ذراع سياسي وديبلوماسي ضد الدولة السورية. وأن حركة التمرد هذه تحالفت مع الدول الإستعمارية. وتلقت منها أسلحة، وخبرات عسكرية. وأغلب الظن أنها ارتبطت أيضا بعلاقات مع المستعمرين الإسرائيليين، تجسدت بمستشفيات ميدانية إسرائيلية في هضبة الجولان، وفي تركيا والأردن، بالإضافة إلى محاولة إنقاذ جماعات المتمردين من أوضاع عسكرية حرجة بواسطة ضرب مواقع الجيش العربي السوري بالطيران. ولا تسل عن تجييش وهياج وسائل الإعلام العالمية من أجل تزيين وجه حركة التمرد، وإظهارها على شكل ثورة شعبية ضد الطغيان. ومن المفروض ايضا ألا ينسى السوريون الجهود التي بذلتها جامعة الدول العربية من أجل اسقاط دولتهم، أو جعلها دولة فاشلة.إقترحت الجامعة المذكورة إرسال مراقبين عرب. ثم ما لبثت أن طعنت بأهليتهم. بادرت بعد ذلك، إلى طرح «الملف» السوري أمام مجلس الأمن الدولي واستصدرت قرارا منه بإرسال مراقبين دوليين إلى سوريا. لم يمكث هؤلاء بدورهم، طويلا . لان تكليفهم، كمثل تكليف المراقبين العرب، كان مبنيا على قاعدة إلغاء الدولة السورية . لم تترك جامعة الدول العربية بزعامة أمير قطر، بابا إلا وطرقته من أجل جرّ الدول الاستعمارية، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا إلى رفع مستوى دعمها لجماعات الإخوان المسلمين والوهابيين والتكفيريين التي تحارب الدولة السورية. كم من مرة طالبت هذه الجامعة، بحظر جوي وتدخل مباشر، أميركي ـ أوروبي نصرة «للثورة الديمقراطية» في سوريا؟ جملة القول أن جامعة الدول العربية جلبت الإميرياليين الأميركيين وأعوانهم الأوروبيين إلى الكرم السوري . فصارت سوريا «قلب العروبة النابض»، كما قال جمال عبد الناصر ، قضية على طاولة المؤتمرات الدولية ، في جنيف وغيرها! فنِعـْم «الثورة»، ونعـْم جامعة الدول العربية التي يسوسها أمير قطر! لنترك لإختصاصي العلوم السياسية أمر تفسير الأولويات التي تحدد القوى الكبرى استنادا إليها، مواعيد المؤتمرات الدولية للتباحث حول القضايا المتنازع عليها. وكيف ينوي كل طرف معني بها الإستفادة من الوقت المتبقي قبل إنعقاد المؤتمر. وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر حتى لا يتم تأجيل تاريخ إنعقاده. أعتقد شخصيا بكل بساطة ، أن الحرب لا تتوقف طالما ظل كل فريق من أفرقاء الصراع يأمل بتحسين وضعه الميداني. بمعنى ان المتحاربين ينالون بموجب الأتفاقيات التي يتم التوصل إليها نتيجة للحرب، ما كسبوه على ارض المعركة. أن القضية السورية لن تشذ عن هذه القاعدة. من البديهي، في المجال الدولي، أن الروس، وربما الصينيون أيضا، والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية إلى حدِ ما، لعبت جميعها دورا مؤثرا إلى جانب الدولة السورية، في سيرورة الحرب التي تتعرض لها هذه الأخيرة. مثلما أن الولايات المتحدة الأميركية وأذنابها في فرنسا وبريطانيا وعملاءها ونواطير نفطها وشيوخ إسلامها ومفكريها، أعدوا جيشاَ كبيرا، من الأخوان المسلمين والوهابيين لمهاجمة سورية. ما أود قوله هو أنه لولا الولايات المتحدة الاميركية لما اتخذت الأوضاع في سوريا منحى خطيرا بحيث صار الإنسان السوري مهددا ليس فقط بفقدان هويته الوطنية السورية والقومية العربي ، ولكن بإلغاء وجوده ايضا. وفي المقابل، لولا الروس لما استطاع السوريون الصمود والمقاومة، وإبقاء جذوة الأمل في نفوسهم. من المرجح أن يكون السوريون قد أحرزوا في المدة الأخيرة، نجاحات عسكرية، ضد الجماعات التي تقاتل لحساب الولايات المتحدة الأميركية. وربما يكون مرد ذلك إلى كون الحرب التي تستهدفهم، هي في الوقت نفسه حربا على المقاومة في لبنان وعلى إيران أيضا. وإلى فشل محاولات الفصل بين هذه الأطراف الثلاثة، للإستفراد بها طرفا بعد آخر. فالدلائل تشير إلى أنها يقظة ومتضامنة، وتدير المواجهة بواقعية وشجاعة. تأسيساً على ما تقدم، فإن عقد مؤتمر لبحث «القضية السورية»، يعني انه سيكون لكل الحاضرين في هذا المؤتمر رأي في «القضية». من سيحضر مؤتمر جنيف2؟ ومن يستطيع إفشاله أو تأجيله؟ ان شرط التئامه هو اضطرار طرف أساسي في الحرب على سوريا لذلك، ورضوخه لمطالب الطرف الآخر. أي بتعبير آخر أن يكون هناك منتصر محتمل من جهة ومنكسر محتمل من جهة ثانية، وأن إمكانية تغيير هذه المحصلة المرتقبة ضعيفة جدا. يؤدي هذا المنطق إلى خلاصة تفيد بأن الإدارة الأميركية وهي طرف أساسي في الحرب على سوريا، ليست مضطرة لوقف هذه الحرب. بل لا يضيرها مواصلتها حتى آخر جهادي وآخر دينار في جيب أمير قطر إذا جاز التعبير .. ينبني عليه أنه ليس مستبعدا أن تبقي نار الحرب مشتعلة، حتى يميل ميزان القوى في الميدان لصالح جماعاتها، فتصير قادرة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب. بالمقابل إن الحكومة السورية تتمنى أن يصمت السلاح بأسرع وقت، لأن الحرب تدور في سوريا والذين يدفعون الثمن هم السوريون. ولكن هذه الحكومة ستبذل أقصى طاقتها لكي تمنع الولايات المتحدة الاميركية من بلوغ غاياتها على حساب المنظومة الدفاعية المكونة من سوريا ولبنان وإيران . ليس مستبعدا إذا أن يؤجل مؤتمر جنيف، أو يفشل، أو يتحول إلى مسلسل طويل، كمثل مسلسل المباحثات التي كانت بطلته الوزيرة الأسرائيلية تسيبني ليفني إلى جانب المسؤول الفلسطيني احمد قريع، نسمع جعجعة ولا نرى طحنا..!.

المصدر : الديار/ ثريا عاصي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة