أبى الجيش السوري انتظار حسم معركة القصير كي يفتح معركة حلب. معلومات أمنية لـ«الأخبار» تكشف عن بدء الجيش السوري حشد قوّاته العسكرية في محيط حلب تمهيداً لاقتحامها وتحريرها من سيطرة مسلّحي المعارضة الذين استولوا عليها أواخر تموز الماضي.

تتحدث المصادر عن استراتيجية لـ«تقطيع أوصال أهم المحافظات السورية للحؤول دون استمرار وصول الإمدادات العسكرية إلى المسلّحين المتحصّنين فيها قبل دخولها»، مشيرة إلى أنّ «أيّاماً قليلة تفصل عن بدء المعركة».

وذلك، لو تحقّق، سيعني استعادة قوّات النظام زمام السيطرة على أهمّ محافظتين سوريتين، إحداهما أكبر المحافظات، أي حمص، تلك التي كانت حتّى الأمس القريب «عاصمة الثورة السورية»، والتي بدأت تترنّح على وقع معركة القصير التي ستُحسم، عاجلاً أو آجلاً، لمصلحة النظام الذي يشنّ حملة لـ«القضاء على ما تبقى من جيوب للمسلّحين في عدد من قرى ريف الشام كداريا وجوبر وبساتين برزة ودُمّر».

لم يكد يمرّ على خروج حلب من عباءة النظام سوى عشرة أشهر حتى صدر القرار باستعادتها، إذ، بحسب المصادر الرفيعة نفسها، «لم يكن مُقدّراً للشهباء أن تسقط في أيدي المسلّحين». كيف ذلك؟ تتساءل المصادر قبل أن تُجيب: «بعدما كان قد مرّ نحو سنة على بدء الأزمة في سوريا، لم يُطلق في حلب طلقة واحدة، باستثناء بعض مناطق العشوائيات التي كانت قد تلقّت إنذارات بالإخلاء».

وللمدينة عدة مداخل: أحدها عبر طريق كارفور وقبر الإنكليز وأعزاز، وآخر من الرقّة، وثالث عبر مدخل دوار الموت ــ باب الهوى (طريق الشام)، الذي كان تحت إمرة الرئيس الأسبق لفرع الأمن العسكري في حماة العميد محمد مفلح. واستناداً إلى معلومات عسكرية سورية، فإنّ «خيانة مفلح وضعت المدينة في قبضة المسلّحين بين ليلة وضحاها». وتؤكد المعلومات أنّ «مفلح قبض مبلغاً من المال لقاء السماح لآلاف المسلّحين بالتسلّل إلى المدينة التي كانت نائمة في أحضان النظام قبل أن تستيقظ ليجد جزء من أهلها أنفسهم تحت رحمة المسلّحين». وقد انتشروا في الأحياء التي سيطروا عليها حتى منطقة باب النيرب لجهة العشوائيات. وتؤكد المصادر العسكرية أن «حلب لم تقم ضد النظام، لكن أهلها اضطرّوا إلى مسايرة المسلّحين الموجودين بالقوّة»، مشيرة إلى أن «المسلّحين دخلوا إليها حاقدين وصفّوا عائلات موالية للنظام كأفراد عشيرة آل برّي، عندما لم يجدوا حاضنة اجتماعية لهم». وتُضيف قائلة: «كيف لمدينة اقتصادية أن تقوم ضد نظام، فيما أصغر تاجر فيها بإمكانه الاتصال مباشرة برئيس الجمهورية؟»، في دلالة على العلاقة الشخصية التي تربط الرئيس بشار الأسد بمعظم تجّار حلب. وتجدر الإشارة إلى أنّ المصادر نفسها تُقدّر وجود قرابة عشرين ألف مُسلّح يُسيطرون على حلب.

جديد قصّة سقوط حلب التي صارت معروفة، معلومات تكشف حقيقة تشكيل «لواء التوحيد». تذكر المصادر أنّ العميد مفلح، (تردد أنّه قُتل، فيما رجّحت معلومات أُخرى ترويج معارضين شائعة مقتله تسهيلاً لهروبه وتجنّباً لحمل وزر تاريخه في حماة، بعد انشقاقه وانضمامه إلى صفوف المعارضة)، تولّى مهمة التنسيق مع «لواء التوحيد» التابع للمعارضة المسلحة في حلب وإدلب. بلغ عديد هذا اللواء قرابة خمسة آلاف مقاتل، ووصل التنسيق بين مفلح وقيادة «التوحيد» إلى حدّ النقاش في تسليم قادة اللواء وعناصره أسلحتهم، ما إن يتمكّن من تثبيت حضوره كقوّة رئيسية في صفوف المعارضة المسلّحة. وعلى هذا الأساس، انخرط «لواء التوحيد» في معارك جانبية مع كتائب مسلّحة، تابعة للمعارضة، بحجّة أنّها «خائنة للثورة» وبتهمة توافر معلومات تُثبت أنّها تعمل لصالح النظام. هكذا تمكّن «لواء التوحيد» من القضاء على عدد من الكتائب المسلّحة الصغيرة، واشتبك مع عناصر من «جبهة النصرة»، بمؤازرة من القوات التابعة لمحمد مفلح، لتوسيع مناطق نفوذه. كانت الأمور تسير على ما يُرام إلى حين انشقاق العميد مفلح. لم ينقطع الاتصال يومها بين قادة اللواء ومسؤولين آخرين في النظام السوري. بدت الأمور تحت السيطرة إلى أن اتّفق مع قيادة اللواء على «تسليم السلاح وإعلان الدخول في مفاوضات مع النظام لتشجيع باقي الكتائب على حذوِ حذوهم»، لكنّهم تنصّلوا من الاتفاق المبرم ليتبيّن فتحهم قناة مع كل من دولتي تركيا وقطر، قبل انضوائهم تحت راية «الإخوان المسلمين».

أمّا قصّة الثأر القديم بين تركيا وحلب، فيتحدّث عنها تجار سوريون لـ«الأخبار»، كاشفين أنّ تركيا أكثر المستفيدين من دمار حلب. ينطلق هؤلاء من مقولة أن «السياسة والاقتصاد حزبان متلازمان»، ويخلصون إلى أنّ «حلب لا تُشبه غيرها». يُبررون «الدافع التركي» خلف تدمير المدينة بـ«الخطر الكبير» الذي تمثله حلب على الاقتصاد التركي، علماً بأن الفائدة الاستراتيجية القصوى التي قد يُحصّلها مسلّحو المعارضة من سيطرتهم على حلب لا تتجاوز «شلّ الاقتصاد السوري ورفع الأسعار، لكنها تبقى غير مجدية عسكرياً»، بحسب المعارضين أنفسهم، «في ظل الدعم الاقتصادي الذي توفّره كل من إيران والصين وروسيا للنظام السوري». ينطلق هؤلاء التجّار الذين التقتهم «الأخبار» في دمشق من أنّ «سوريا هي الدولة الثانية عالمياً من حيث إنتاج القطن»، لافتين إلى أنّ «سوريا وتركيا يُنافسان مصر في سوق القطن عالمياً». ويكشف هؤلاء أن «مدينة حلب كانت المتحكّمة الأولى في سوق الخيطان في الشرق الأوسط»، قبل أن تسرق تركيا مصانعها بواسطة مسلحي المعارضة. يحكي هؤلاء عن علاقة وطيدة تربط بين تجّار حلب والصين خفّفت من حدّة المخاوف الصينية من مدينة حلب، لا سيّما أنّ المواد الخام التي تستوردها سوريا لا تكاد تُذكر بسبب الاكتفاء الذاتي الذي تتمتع سوريا به. فمعظم المواد الأولية والحاجات الضرورية التي يحتاج إليها المواطن السوري تُصنّع محليّاً.

إذاً، ستُصبح حلب مجدداً قبلة الأنظار في المقبل من الأيام. فقد «اتُّخذ القرار بإعادة الشهباء إلى عباءة النظام». أيّام وربما ساعات، تفصل عن بدء المعارك التي يُعدّ ضبّاط الجيش السوري عدّتها. وبالتزامن مع بدء تهاوي معقل المعارضة السورية المسلّحة في القصير، سيحتدم القتال قريباً لاستعادة عاصمة الاقتصاد السوري.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-27
  • 11023
  • من الأرشيف

الأخبار : الجيش السوري يستعد لمعركة حلب خلال أيام

أبى الجيش السوري انتظار حسم معركة القصير كي يفتح معركة حلب. معلومات أمنية لـ«الأخبار» تكشف عن بدء الجيش السوري حشد قوّاته العسكرية في محيط حلب تمهيداً لاقتحامها وتحريرها من سيطرة مسلّحي المعارضة الذين استولوا عليها أواخر تموز الماضي. تتحدث المصادر عن استراتيجية لـ«تقطيع أوصال أهم المحافظات السورية للحؤول دون استمرار وصول الإمدادات العسكرية إلى المسلّحين المتحصّنين فيها قبل دخولها»، مشيرة إلى أنّ «أيّاماً قليلة تفصل عن بدء المعركة». وذلك، لو تحقّق، سيعني استعادة قوّات النظام زمام السيطرة على أهمّ محافظتين سوريتين، إحداهما أكبر المحافظات، أي حمص، تلك التي كانت حتّى الأمس القريب «عاصمة الثورة السورية»، والتي بدأت تترنّح على وقع معركة القصير التي ستُحسم، عاجلاً أو آجلاً، لمصلحة النظام الذي يشنّ حملة لـ«القضاء على ما تبقى من جيوب للمسلّحين في عدد من قرى ريف الشام كداريا وجوبر وبساتين برزة ودُمّر». لم يكد يمرّ على خروج حلب من عباءة النظام سوى عشرة أشهر حتى صدر القرار باستعادتها، إذ، بحسب المصادر الرفيعة نفسها، «لم يكن مُقدّراً للشهباء أن تسقط في أيدي المسلّحين». كيف ذلك؟ تتساءل المصادر قبل أن تُجيب: «بعدما كان قد مرّ نحو سنة على بدء الأزمة في سوريا، لم يُطلق في حلب طلقة واحدة، باستثناء بعض مناطق العشوائيات التي كانت قد تلقّت إنذارات بالإخلاء». وللمدينة عدة مداخل: أحدها عبر طريق كارفور وقبر الإنكليز وأعزاز، وآخر من الرقّة، وثالث عبر مدخل دوار الموت ــ باب الهوى (طريق الشام)، الذي كان تحت إمرة الرئيس الأسبق لفرع الأمن العسكري في حماة العميد محمد مفلح. واستناداً إلى معلومات عسكرية سورية، فإنّ «خيانة مفلح وضعت المدينة في قبضة المسلّحين بين ليلة وضحاها». وتؤكد المعلومات أنّ «مفلح قبض مبلغاً من المال لقاء السماح لآلاف المسلّحين بالتسلّل إلى المدينة التي كانت نائمة في أحضان النظام قبل أن تستيقظ ليجد جزء من أهلها أنفسهم تحت رحمة المسلّحين». وقد انتشروا في الأحياء التي سيطروا عليها حتى منطقة باب النيرب لجهة العشوائيات. وتؤكد المصادر العسكرية أن «حلب لم تقم ضد النظام، لكن أهلها اضطرّوا إلى مسايرة المسلّحين الموجودين بالقوّة»، مشيرة إلى أن «المسلّحين دخلوا إليها حاقدين وصفّوا عائلات موالية للنظام كأفراد عشيرة آل برّي، عندما لم يجدوا حاضنة اجتماعية لهم». وتُضيف قائلة: «كيف لمدينة اقتصادية أن تقوم ضد نظام، فيما أصغر تاجر فيها بإمكانه الاتصال مباشرة برئيس الجمهورية؟»، في دلالة على العلاقة الشخصية التي تربط الرئيس بشار الأسد بمعظم تجّار حلب. وتجدر الإشارة إلى أنّ المصادر نفسها تُقدّر وجود قرابة عشرين ألف مُسلّح يُسيطرون على حلب. جديد قصّة سقوط حلب التي صارت معروفة، معلومات تكشف حقيقة تشكيل «لواء التوحيد». تذكر المصادر أنّ العميد مفلح، (تردد أنّه قُتل، فيما رجّحت معلومات أُخرى ترويج معارضين شائعة مقتله تسهيلاً لهروبه وتجنّباً لحمل وزر تاريخه في حماة، بعد انشقاقه وانضمامه إلى صفوف المعارضة)، تولّى مهمة التنسيق مع «لواء التوحيد» التابع للمعارضة المسلحة في حلب وإدلب. بلغ عديد هذا اللواء قرابة خمسة آلاف مقاتل، ووصل التنسيق بين مفلح وقيادة «التوحيد» إلى حدّ النقاش في تسليم قادة اللواء وعناصره أسلحتهم، ما إن يتمكّن من تثبيت حضوره كقوّة رئيسية في صفوف المعارضة المسلّحة. وعلى هذا الأساس، انخرط «لواء التوحيد» في معارك جانبية مع كتائب مسلّحة، تابعة للمعارضة، بحجّة أنّها «خائنة للثورة» وبتهمة توافر معلومات تُثبت أنّها تعمل لصالح النظام. هكذا تمكّن «لواء التوحيد» من القضاء على عدد من الكتائب المسلّحة الصغيرة، واشتبك مع عناصر من «جبهة النصرة»، بمؤازرة من القوات التابعة لمحمد مفلح، لتوسيع مناطق نفوذه. كانت الأمور تسير على ما يُرام إلى حين انشقاق العميد مفلح. لم ينقطع الاتصال يومها بين قادة اللواء ومسؤولين آخرين في النظام السوري. بدت الأمور تحت السيطرة إلى أن اتّفق مع قيادة اللواء على «تسليم السلاح وإعلان الدخول في مفاوضات مع النظام لتشجيع باقي الكتائب على حذوِ حذوهم»، لكنّهم تنصّلوا من الاتفاق المبرم ليتبيّن فتحهم قناة مع كل من دولتي تركيا وقطر، قبل انضوائهم تحت راية «الإخوان المسلمين». أمّا قصّة الثأر القديم بين تركيا وحلب، فيتحدّث عنها تجار سوريون لـ«الأخبار»، كاشفين أنّ تركيا أكثر المستفيدين من دمار حلب. ينطلق هؤلاء من مقولة أن «السياسة والاقتصاد حزبان متلازمان»، ويخلصون إلى أنّ «حلب لا تُشبه غيرها». يُبررون «الدافع التركي» خلف تدمير المدينة بـ«الخطر الكبير» الذي تمثله حلب على الاقتصاد التركي، علماً بأن الفائدة الاستراتيجية القصوى التي قد يُحصّلها مسلّحو المعارضة من سيطرتهم على حلب لا تتجاوز «شلّ الاقتصاد السوري ورفع الأسعار، لكنها تبقى غير مجدية عسكرياً»، بحسب المعارضين أنفسهم، «في ظل الدعم الاقتصادي الذي توفّره كل من إيران والصين وروسيا للنظام السوري». ينطلق هؤلاء التجّار الذين التقتهم «الأخبار» في دمشق من أنّ «سوريا هي الدولة الثانية عالمياً من حيث إنتاج القطن»، لافتين إلى أنّ «سوريا وتركيا يُنافسان مصر في سوق القطن عالمياً». ويكشف هؤلاء أن «مدينة حلب كانت المتحكّمة الأولى في سوق الخيطان في الشرق الأوسط»، قبل أن تسرق تركيا مصانعها بواسطة مسلحي المعارضة. يحكي هؤلاء عن علاقة وطيدة تربط بين تجّار حلب والصين خفّفت من حدّة المخاوف الصينية من مدينة حلب، لا سيّما أنّ المواد الخام التي تستوردها سوريا لا تكاد تُذكر بسبب الاكتفاء الذاتي الذي تتمتع سوريا به. فمعظم المواد الأولية والحاجات الضرورية التي يحتاج إليها المواطن السوري تُصنّع محليّاً. إذاً، ستُصبح حلب مجدداً قبلة الأنظار في المقبل من الأيام. فقد «اتُّخذ القرار بإعادة الشهباء إلى عباءة النظام». أيّام وربما ساعات، تفصل عن بدء المعارك التي يُعدّ ضبّاط الجيش السوري عدّتها. وبالتزامن مع بدء تهاوي معقل المعارضة السورية المسلّحة في القصير، سيحتدم القتال قريباً لاستعادة عاصمة الاقتصاد السوري.

المصدر : الأخبار/ رضوان مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة