دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يكن الامر يحتاج الى هذا القدر من الصراحة من جانب حزب الله حتى ينتقل التعامل مع ملف الازمة السورية من حدث نعيش على طرفه الى حدث صرنا في قلبه. ولهذا فان المصارحة على أساس الواقعية يمكنها ان تعكس تقديرات معقولة ازاء ما ينتظرنا في قادم الايام.
الجبهة الموحدة
لطالما كانت العلاقة بين المقاومة في لبنان والنظام السوري في حالة ممتازة، وهي لامست مستوى غير مسبوق من التنسيق. لكن من دون ان يتجاوز كل طرف خصوصية الطرف الآخر، مع اقرار متبادل بالدور المحوري للطرفين في ازمات المنطقة. على ان ما حصل على مستوى العلاقة الثنائية منذ اندلاع الازمة السورية، نقل هذه العلاقة الى مستوى جديد، فيه الكثير من التداخل بعدما حصل تطابق على مستوى الاهداف، كما هي الحال في التطابق على مستوى التهديد الذي يعيشه الجانبان.
وعندما باشر حزب الله مساعدة الحكم في سوريا على مواجهة الازمة، لم تكن الاولوية للدعم العسكري، بل لمدّ قنوات اتصال وفتح كوة في الجدار المرتفع مع قوى رئيسية في المعارضة السورية. لكن تسارع التطورات في سوريا، جعل الامور تأخذ شكلاً مختلفاً، خصوصاً مع التورط الاسرائيلي المباشر ولو من باب يتصل مباشرة بسلاح المقاومة. علماً ان البعد الآخر للتدخل الاسرائيلي يتعلق بتهديد النظام في سوريا وترهيبه ودفعه الى التراجع بطريقة تفيد المتمردين المسلحين داخلياً.
الرد السوري على العدوان الاسرائيلي بفتح جبهة الجولان أمام المقاومة، واعلان الاستعداد العملياتي للرد المباشر على اي قصف اسرائيلي جديد، لم يكن ليكون على الشكل الذي برز فيه، لولا ان المقاومة في لبنان ــــ كما ايران وروسيا ــــ في موقع مساند. لا بل اكثر، في موقع المشارك في تحمل مسؤولية الرد على اسرائيل.
ومع ان السيد حسن نصرالله شرح بما يكفي خلفيات مشاركة الحزب في القتال الى جانب النظام وأبعادها، فان ما لم يقله ــــ لاسباب تخصه ــــ هو أن دور الحزب في الازمة السورية، ببعدها الداخلي، ليس من دون افق او حدود. لكن هذا الدور قابل للتمدد او الانحسار، بحسب ما تؤول اليه التطورات، سيما ان الحزب اعلن هدفاً محدداً وجلياً بأنه لن يسمح بوجود تهديد على مقربة منه، اي ما يخص الحدود مع لبنان.
لكن في ما يتعلق بالشق المتعلق بالمعركة مع اسرائيل، فعلى الجميع التصرف على اساس انه توسع فعلي للجبهة الشمالية. وربما نشهد، في المرحلة المقبلة، استمرار الهدوء على طول الحدود مع لبنان، بينما تكون الجبهة اكثر سخونة او اشتعالا على حدود فلسطين مع سوريا، في معادلة معكوسة لما كانت عليه الامور في العقود الماضية. والله اعلم، حينها، اذا كان المتمردون السوريون ــــ وبدعم من يدعمهم ــــ سيشنّون حملة رافضة لمعركة تحرير الجولان، واعتبارها معركة تخص حزب الله وايران، ولا تخص الشعب السوري... ولم الغرابة؟ ألم يُقل لنا، طيلة ثلاثة عقود، أن النظام في سوريا لا يحرّك جبهته بينما يقاتل عبر لبنان؟
ببساطة، سنكون امام مستوى جديد من التوحد بين المقاومة في لبنان وبين سوريا، وهو امر ستكون له متمماته الطبيعية في الاردن وفلسطين، وفي كل منطقة تقود الى تماس مع العدو.
على ان احتمال اندلاع المواجهة الشاملة التي لا تبقي أي نوع من الحدود بين لبنان وسوريا لا يزال قائماً. وهذا هو بيت القصيد. والمسألة، هنا، ليست متصلة فقط بجانب جغرافي او لوجستي، بل هي متصلة بتحوّل أساسي يتعلّق بواقع المشرق العربي. وهو امر من المفيد التفكير به، خصوصاً عند الذين لا يزالون يعتقدون بأن لبنان قادر على العيش منعزلاً او محدود التفاعل مع محيطه ومع عمقه الطبيعي.
ثمن دور المقاومة... لبنانياً
في جانب آخر، هناك البعد المتصل بكيفية تفاعل خصوم حزب الله مع اعلانه مشاركته المباشرة في القتال الى جانب النظام في سوريا. وفي حقيقة الامر، ليس من سبيل لمصارحة تخلو من شيء قد يبدو تهويلاً. لكن الصاروخين اللذين اطلقا امس على الضاحية هما اشارة اولى لبرنامج ثمة من يعمل ليكون حافلاً بالاعمال الارهابية ضد المقاومة في لبنان.
قد يتأخر الوقت حتى تتجرأ جهة محلية على تبني اعمال من هذا النوع. صحيح ان هناك امكانية جدية لأن يكون المنفّذ مجموعات غير لبنانية من دون الحاجة الى وسيط لبناني. وصحيح ان ما جرى يندرج في سياق المواجهة المتصلة مباشرة بما يجري في سوريا. لكن الصحيح، ايضاً، ان هذا النوع من الاعمال يحتاج الى غطاء لا اكثر، ويحتاج القائمون به الى حضن لا اكثر. ويحتاج المنفذون الى من يوجه اليهم التحية ويمنع عنهم النقد. وهذه المهام لا تكون ذات فعالية ما لم تكن موقعة باسم جهة لبنانية منذ اكثر من عشر سنوات.
حزب الله لا يخفي مشاركته في القتال الى جانب النظام في سوريا. بل اكثر من ذلك، فان الحزب، بلسان امينه العام، يشرح خلفية هذا الموقف واسبابه وابعاده. ما يجعل موقع الحزب جليا واضحا لا لبس فيه. اما خصوم الحزب ومناصرو المتمردين المسلحين في سوريا فيستمرون في تلطّيهم خلف اقنعة لا تخفي انفعالاتهم. ومهما تأخرت المكاشفة الحقيقية، فان الجميع يعلم حقيقة وتفاصيل الدور التي تلعبه جهات ومجموعات لبنانية في الازمة السورية انطلاقا من لبنان.
ولأن احداً غير قادر على تصور المشهد المقبل، فان المقدمات تدل على مستوى عال جداً من التوتر المصحوب بدرجة عالية من التعبئة العمياء من جانب فريق بدأ الاحباط يتسلل بقوة الى دواخله بسبب عدم نجاح مشروع اسقاط النظام في سوريا، وتالياً عدم القدرة على الاستثمار في سوريا نفسها او في لبنان. وهذا التوتر بدأ ينتقل الى خطوات تؤشر الى ما هو اخطر، ويبدو ان علينا مراقبة ما يجري في طرابلس وصيدا، وما يمكن ان يتطور على صعيد الاعتداء على الضاحية او على المناطق التي تعتبر مؤيدة للمقاومة.
ولأن تجربة الشمال لا توحي بالخير، فان السؤال عن قدرة الاجهزة الامنية والقوى العسكرية الرسمية في احتواء التوتر صار ملحاً بقوة. فكيف اذا تبين ان فريق المستقبل، ومن خلفه جهات امنية ودبلوماسية عربية واجنبية، تمارس تدخلاً كبيراً في عمل مؤسسات الدولة وفي مقدمها قوى الامن الداخلي.. هذا ما يقود الى استنتاجات مقلقة لدى المواطنين الذين يتأملون فقط بمؤسسات الدولة.
أخيراً، ربما على الجميع التصرف بعقلانية مع وجهة مختلفة لسياق التدهور العام في المنطقة. اذ فيما ينجح الاميركيون ومعهم الاوروبيون وبعض العرب في اعادة تعميم منطق الاستعمار مع ما يرافقه من مزيد من التفتيت والاحتراب، فان خطة المواجهة تفتح الباب تلقائياً أمام تجديد الحلم بوحدة من نوع مختلف. وهو أمر قابل للتجربة العملانية التي تقود الى نتائج مغايرة لكل السياق، ولان المعركة مع العدو تتحكم دائما بوجهة الغرب، فان حق المقاومة ضد العدو سيكون مدخلاً حقيقياً لنوع جديد من الوحدة.
لنتخيل ونتعود!
المصدر :
الأخبار/ ابراهيم الأمين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة