ليس غريباً في السياسة والوقائع أن يعيد التاريخ نفسه في كثير من المحطات والمواضع، لكن التبصّر والحكمة غالباً ما يظهران في الأداء، من خلال الاستفادة من التجارب السابقة، وأخذ العبر من الكثير من الأحداث التي جرت في المنطقة. وحيث أننا أمام المشهد السوري، والكل يراقب ما تقوم به الحكومة السورية أو النظام بشكل عام، وكذلك ما تقوم به المعارضات والجماعات المسلحة بشكل خاص، وقياساً على ما جرت به الأمور في دول ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، وأيضاً الحرب على العراق وفيه، وكذلك لبنان ومحَنه، إضافة إلى المسيرة التاريخية لفصائل المقاومة الفلسطينية، فإنه تمّ لحظ ما يلي:

أولاً: حافظ النظام في سورية على الالتصاق بالشعب، ولم يتنصل أو يستقل من واجباته في تقديم الخدمات العامة حتى اللحظة، رغم مضي أكثر من سنتين وشهرين على الأزمة، وفي ظل هذه الحرب الطاحنة عليه، مع ما يترتب على ذلك من جهد ومخاطر وموازنات مالية هائلة، وفي ظل غياب الواردات بشكل عام، في حين أن حرباً مشابهة في مكان آخر أدّت إلى فصل تام بين النظام والمجتمع المدني.

ثانياً: بالرغم من التركيز الهائل باستعمال كل الوسائل الضاغطة مالياً وعسكرياً ودينياً وإعلاميّاً ومخابراتياً لإضعاف الجيش العربي السوري وتشتيته وتغيير عقيدته، استطاع أن يحافظ على كيانه وتماسكه وقدراته الاستراتيجية والتكتيكية، وكذلك، وهو الأهم، احتضان الشعب له، وثقته الكبيرة فيه.

ثالثاً: الأداء الرسمي السوري، سواء في الشأن الداخلي أو الخارجي، كان حكيماً وصبوراً، خصوصاً في الدعوة إلى الحوار واستكمال القضايا الإصلاحية، وبجدية اذهلت العدو والخصم قبل الصديق والحليف.

رابعاً: لم تغيّر السلطة أياً من عناوين السيادة والقضايا الوطنية والقومية، وهذا ما أعطاها مصداقية مطلقة عند الشعب السوري والشعوب العربية، وتعاطفاً مهمّاً معها.

في المقابل، كانت قوى المعارضة، خصوصاً المسلحة منها، تكرر سياقاً قد مرّ آخرون في تجربته، ولم يفلحوا، وذلك على الوجه الآتي:

أولاً: بدأت مفككة ومتناثرة على المستويين السياسي والعسكري، وشبيهة بالميليشيات التي غلب عليها طابع التفلّت وتلقي الأوامر من الخارج، وكلٌّ وفقاً للارتباط والمرجعية التي شكلته ودعمته، دون أن تعي أنها بذلك ستصل إلى يوم تكون فيه سلعة على طاولة المفاوضات والتسوية، لتُباع ويُسقط منها قسم، ويتم إدخال قسم آخر في اللعبة السياسية المرتقَبة.

ثانياً: هذه القوى لم تكسب ود وثقة الشعب، بل مارست الفوضى والفلتان في الأماكن التي سيطرت عليها، ما أسهم إلى حد كبير في تغيير جذري في المزاج الشعبي عند من ناصرها ومشى في ركابها سائلاً نفسه: أي مستقبل تغييري سيقودنا إليه هؤلاء؟

ثالثاً: هذه المعارضة، ومن خلال العناوين الطائفية والصور الفاضحة للجرائم التي ارتكبتها، وغباء الكثيرين ممن صرّحوا في الإعلام عن مكنوناتهم وأحقادهم الطائفية والمذهبية، واستغلالهم لهذه العناوين، خصوصاً جبهة النصرة، ومن سار في ركابها من تيارات “إسلامية” متطرفة مرتبطة بالخارج، ولّدت حالة من الاشمئزاز والنفور لدى الشعب السوري ودول الجوار، ومن التخوف من انتقال العدوى الطائفية والمذهبية إلى أوروبا، وتحديداً الفاتيكان.

رابعاً: الأموال التي تدفّقت على هذه المعارضات، والسرقات الهائلة للمؤسسات السورية العامة والخاصة، والمعامل والأسواق، وعمليات الخطف طلباً للفدية، كل ذلك أوجد جوّاً من الفساد بشكل هائل عند من يدعون لمحاربة السلطة تحت عناوين الفساد، وذلك قبل أن يصلوا هم إلى السلطة.

خامساً: تكرار مشاهد الانهزام عند رموز المعارضة في ما سمي بـ”الائتلاف السوري”، وقبله مجلس اسطنبول، وانسياقهم قهراً أمام سلاطين المال والإملاءات، وبشكل مفضوح، أسهما إلى حدّ بعيد في إسقاط ثقة الشعب بهم.

سادساً: الدعم اللوجستي والاستخباراتي والعسكري والإعلامي “الإسرائيلي” لمجموعات مهمة في هذه المعارضات، وبشكل علني، أعطى صورة أكثر سلبية مما قامت به بعض القوى اللبنانية من ارتباط مباشر بالعدو “الإسرائيلي” أثناء الحرب اللبنانية، من دون أخذ العبرة مما جرّته من ويلات على الذين تعاملوا معه.

كل ذلك أدى إلى حسم القرار عند من كان يفكّر بالحياد، وتراجُع الكثيرين من المعارضين، فبدأوا ينعطفون لتصحيح المسار، وكذلك حدا بالأميركي للجنوح إلى التسوية، بعد تراكم الفشل تلو الآخر عند هذه المعارضة المصنَّعة بمواصفات خليجية وتركية بائسة.
  • فريق ماسة
  • 2013-05-15
  • 11352
  • من الأرشيف

سورية.. بين نظام متماسك ومعارضات متهالكة

ليس غريباً في السياسة والوقائع أن يعيد التاريخ نفسه في كثير من المحطات والمواضع، لكن التبصّر والحكمة غالباً ما يظهران في الأداء، من خلال الاستفادة من التجارب السابقة، وأخذ العبر من الكثير من الأحداث التي جرت في المنطقة. وحيث أننا أمام المشهد السوري، والكل يراقب ما تقوم به الحكومة السورية أو النظام بشكل عام، وكذلك ما تقوم به المعارضات والجماعات المسلحة بشكل خاص، وقياساً على ما جرت به الأمور في دول ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، وأيضاً الحرب على العراق وفيه، وكذلك لبنان ومحَنه، إضافة إلى المسيرة التاريخية لفصائل المقاومة الفلسطينية، فإنه تمّ لحظ ما يلي: أولاً: حافظ النظام في سورية على الالتصاق بالشعب، ولم يتنصل أو يستقل من واجباته في تقديم الخدمات العامة حتى اللحظة، رغم مضي أكثر من سنتين وشهرين على الأزمة، وفي ظل هذه الحرب الطاحنة عليه، مع ما يترتب على ذلك من جهد ومخاطر وموازنات مالية هائلة، وفي ظل غياب الواردات بشكل عام، في حين أن حرباً مشابهة في مكان آخر أدّت إلى فصل تام بين النظام والمجتمع المدني. ثانياً: بالرغم من التركيز الهائل باستعمال كل الوسائل الضاغطة مالياً وعسكرياً ودينياً وإعلاميّاً ومخابراتياً لإضعاف الجيش العربي السوري وتشتيته وتغيير عقيدته، استطاع أن يحافظ على كيانه وتماسكه وقدراته الاستراتيجية والتكتيكية، وكذلك، وهو الأهم، احتضان الشعب له، وثقته الكبيرة فيه. ثالثاً: الأداء الرسمي السوري، سواء في الشأن الداخلي أو الخارجي، كان حكيماً وصبوراً، خصوصاً في الدعوة إلى الحوار واستكمال القضايا الإصلاحية، وبجدية اذهلت العدو والخصم قبل الصديق والحليف. رابعاً: لم تغيّر السلطة أياً من عناوين السيادة والقضايا الوطنية والقومية، وهذا ما أعطاها مصداقية مطلقة عند الشعب السوري والشعوب العربية، وتعاطفاً مهمّاً معها. في المقابل، كانت قوى المعارضة، خصوصاً المسلحة منها، تكرر سياقاً قد مرّ آخرون في تجربته، ولم يفلحوا، وذلك على الوجه الآتي: أولاً: بدأت مفككة ومتناثرة على المستويين السياسي والعسكري، وشبيهة بالميليشيات التي غلب عليها طابع التفلّت وتلقي الأوامر من الخارج، وكلٌّ وفقاً للارتباط والمرجعية التي شكلته ودعمته، دون أن تعي أنها بذلك ستصل إلى يوم تكون فيه سلعة على طاولة المفاوضات والتسوية، لتُباع ويُسقط منها قسم، ويتم إدخال قسم آخر في اللعبة السياسية المرتقَبة. ثانياً: هذه القوى لم تكسب ود وثقة الشعب، بل مارست الفوضى والفلتان في الأماكن التي سيطرت عليها، ما أسهم إلى حد كبير في تغيير جذري في المزاج الشعبي عند من ناصرها ومشى في ركابها سائلاً نفسه: أي مستقبل تغييري سيقودنا إليه هؤلاء؟ ثالثاً: هذه المعارضة، ومن خلال العناوين الطائفية والصور الفاضحة للجرائم التي ارتكبتها، وغباء الكثيرين ممن صرّحوا في الإعلام عن مكنوناتهم وأحقادهم الطائفية والمذهبية، واستغلالهم لهذه العناوين، خصوصاً جبهة النصرة، ومن سار في ركابها من تيارات “إسلامية” متطرفة مرتبطة بالخارج، ولّدت حالة من الاشمئزاز والنفور لدى الشعب السوري ودول الجوار، ومن التخوف من انتقال العدوى الطائفية والمذهبية إلى أوروبا، وتحديداً الفاتيكان. رابعاً: الأموال التي تدفّقت على هذه المعارضات، والسرقات الهائلة للمؤسسات السورية العامة والخاصة، والمعامل والأسواق، وعمليات الخطف طلباً للفدية، كل ذلك أوجد جوّاً من الفساد بشكل هائل عند من يدعون لمحاربة السلطة تحت عناوين الفساد، وذلك قبل أن يصلوا هم إلى السلطة. خامساً: تكرار مشاهد الانهزام عند رموز المعارضة في ما سمي بـ”الائتلاف السوري”، وقبله مجلس اسطنبول، وانسياقهم قهراً أمام سلاطين المال والإملاءات، وبشكل مفضوح، أسهما إلى حدّ بعيد في إسقاط ثقة الشعب بهم. سادساً: الدعم اللوجستي والاستخباراتي والعسكري والإعلامي “الإسرائيلي” لمجموعات مهمة في هذه المعارضات، وبشكل علني، أعطى صورة أكثر سلبية مما قامت به بعض القوى اللبنانية من ارتباط مباشر بالعدو “الإسرائيلي” أثناء الحرب اللبنانية، من دون أخذ العبرة مما جرّته من ويلات على الذين تعاملوا معه. كل ذلك أدى إلى حسم القرار عند من كان يفكّر بالحياد، وتراجُع الكثيرين من المعارضين، فبدأوا ينعطفون لتصحيح المسار، وكذلك حدا بالأميركي للجنوح إلى التسوية، بعد تراكم الفشل تلو الآخر عند هذه المعارضة المصنَّعة بمواصفات خليجية وتركية بائسة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة