"كلما صمدت وتقدمت الدولة الوطنية السورية، شعر حكام عرب بقرب آجالهم".. هذه هي الخلاصة التي يخرج بها زوار البيت الأبيض الأميركي، الذين يتحدثون عن أكثر من خمسة زعماء عرب التقوا باراك أوباما قبل أسابيع، كلٌّ بمفرده، مستنجدين به أمام التطورات السورية، التي تشير إلى تقدم ميداني استراتيجي للجيش العربي السوري على جميع الجبهات التي فُتحت ضده، في وقت بدأت الشعوب العربية تستفيق من "غيبوبتها"، على حدّ تعبيرهم، وبدأ يتكون رأي عام عربي آخذاً بالتوسع ليتحول إلى سيل جارف، معيدين إلى الذاكرة العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، التي جعلت من جمال عبد الناصر، القوة الفاعلة والمؤثرة التي صار يخشاها كل الزعماء العرب في تلك المرحلة الاستعمارية، حتى إذا ما دخلت تركيا آنئذ على خط تهديد سورية، كان إعلان الوحدة بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 التي شكلت ردأ حاسماً على الأطماع التركية، فانتهت تلك الفترة عام 1961، باعتقال الرئيس التركي جلال بايار والحكم عليه بالسجن المؤبد، ورئيس الحكومة عدنان مندريس الذي نفذ به حكم الإعدام، مع العلم بأن الرجلين كانا يقودان حزباً أخوانياً منذ العام 1951 تحت اسم "الحزب الديمقراطي".

هؤلاء "الزعماء" العرب، من زوار البيت الأبيض، ربطوا مصيرهم إذن، بالمصير التركي، من حيث يعلمون أو لا يعملون.

أمام هذا الوقع، وسّع الحلف المعادي لسورية من حركته، لاستجماع القوة، والعمل على إجهاض ما أمكنه من أوراق القوة بين يدي الدولة السورية، فكانت البداية في زيارة أمير قطر إلى غزة، ومبايعته كفاتح تاريخي، في الوقت الذي كان الحليف الكبير في مصر يدمّر الأنفاق ويغلق المعابر بوتيرة متسارعة لم يشهدها عهد مبارك، لتتابع الحركة التصعيدية ضد سورية في قمة الأعراب في الدوحة، التي وضعت اللّبِنة الأولى لمشروع شيمون بيريز، الذي تحدث عنه في كتابه الذي أصدره عام 1992 (الشرق الأوسط الجديد)، والذي تحدث عن "جامعة الشرق الأوسط" بدل الجامعة العربية، تضم الأعراب و"إسرائيل"، وفيه تحدث عن بناء شرق أوسط جديد يقوم على ثلاثة ركائز هي: العقل اليهودي، والمال الخليجي، واليد العاملة العربية الرخيصة.

لقد بلغت قمة العدوان على سورية بعد إرسال عشرات آلاف المسلحين من جنسيات عربية وأجنبية، إلى حد توفير الغطاء الكامل للغارة "الإسرائيلية" على دمشق، التي أجهض كل غاياتها وأهدافها رباطة أعصاب وجأش القيادة السورية، التي ردت بالشكل المناسب؛ بإعطاء المقاومة السلاح الكاسر للتوازن مع العدو "الإسرائيلي"، وإعلان المقاومة الشعبية في الجولان المحتل، وفتح جبهته أمام الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي لقي حماساً وتأييداً هائلاً ومذهلاً من جانب الشعب الفلسطيني ومعظم الفصائل، وأعاد الورقة الفلسطينية بقوة إلى سورية.

وهنا تفيد المعلومات الموثوقة أن العشرات من كوادر حركة "حماس" العسكرية قررت الذهاب إلى سورية للمشاركة في القتال ضد العصابات المسلحة، وهو ما أربك الجناح القطري في "الحركة"، وكانت زيارة القرضاوي للقطاع محاولة لإثبات حسن النية تجاه الكرم القطري، لكن هذه الزيارة لم تلق الاهتمام، في ظل مقاطعة واسعة من "حماس" ومختلف الفصائل والتنظيمات الفلسطينية.

وعليه، لا تستبعد مصادر مطلعة أن يلجأ النظام القطري للّعب بدم شعبه؛ على الطريقة التركية، بافتعال تفجيرات في مجمع تجاري، أو ساحة عامة، أو في أي مكان، من أجل المسارعة في توجيه الاتهام إلى دمشق، كما لا تستبعد هذه المصادرة مثل هذه الممارسات في أي دولة خليجية أو عربية، بتمويل وإعداد قطري، لتوجيه مثل هذه المزاعم والاتهامات ضد سورية.

وهنا تلفت هذه المصادر إلى التفجيرات الأخيرة في بلدة الريحانية؛ في لواء الاسكندرون السليب، حيث إن معظم سكانها من أصول عربية سورية، وهم كانوا قد أعلنوا في أكثر من مناسبة رفضهم لانخراط الحكومة التركية في الحرب والمؤامرة الكونية على سورية، وبالتالي فإن هذه التفجيرات لا يُستبعد أبداً أن تكون من صنع المخابرات التركية نفسها، لتوجيه الاتهام الجاهز سلفاً نحو سورية،، علماً أنه لا يستبعد برأي هذه المصادر أيضاً أن تكون هذه التفجيرات من صنع المعارضات السورية المسلحة نفسها، التي بدأ يضيق عليها التحرك في تركيا، بعد أن أخذت السلطات التركية تشعر بالخطر الذي صنعته بيديها.

ثمة حقيقة واضحة هنا، وهي أن الدول الإقليمية المعادية لسورية بدأت تشعر بخطورة الامتدادات الأزمة السورية إلى داخلها، فبدأ بعضها يحاول ركوب سفينة النجاة لينجو بنفسه، كما هو حال مصر، التي أعلنت الموافقة على حل سياسي في سورية، وأنها مستعدة لتفعيل اللجنة الرباعية، فكان تسريب الأخبار عن إلقاء القبض على سورييْن معهما لوائح دعم لما يسمى "الجيش الحر"، وكانت المواقف الرئاسية المصرية حول ضرورة وقف النزيف السوري، في نفس الوقت الذي تستقبل الرياض مبعوثاً إيرانياً بالترحاب، من دون أن يعني ذلك أن الصراع حُسم في السعودية لهذا الطرف أو ذاك، حيث لا يزال جناح بندر بن سلطان قوياً وفاعلاً، وعليه أيضاً كانت المسارعة القطرية لطلب زيارة طهران، في محاولة من الدوحة للدخول إلى اللجنة الرباعية، لتصير خماسية، أو لإعطائها دوراً في مواكبة التغييرات الحاصلة.

لا يعني ذلك أن المؤامرة على سورية في طور النهاية، أو أن تأنيباً للضمير حصل عند العقول الشريرة، كما لا يعني ذلك أن الحملة ضد سورية قد توقفت، بل على العكس تماماً؛ فثمة سباق في محور أعداء سورية لعلهم ينجحون في مؤامرتهم، سواء على مستوى الميدان أو على مستوى الحرب الدبلوماسية، حيث تفيد المعلومات عن تحضير فرنسي – بريطاني – قطري لمشروع قرار في الأمم المتحدة لتسليم مقعد سورية للمعارضات السورية.

بأي حال، ثمة وضوح تام بدأ يتكون في معظم دول العالم، فكثير من الدول الأوروبية أخذت تجهر برفضها للحملة ضد سورية، حتى أن ألمانيا بدأت بالتواصل مع دمشق، في وقت أخذت التظاهرات تتسع وتتزايد في العالم العربي ضد المؤامرة على سورية.

وما على حلفاء سورية إلا أن يبدأوا بوضع برنامج عملي لتشكيل الجبهة العربية – العالمية للدفاع عن سورية ودولتها الوطنية التقدمية، وحشد كل قوى التقدم والتحرر في العالم للنزول إلى الساحات والميادين لفضح الأهداف والمشاريع الاستعمارية.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-15
  • 10340
  • من الأرشيف

كلما صمدت وتقدمت الدولة الوطنية السورية، شعر حكام عرب بقرب آجالهم"

"كلما صمدت وتقدمت الدولة الوطنية السورية، شعر حكام عرب بقرب آجالهم".. هذه هي الخلاصة التي يخرج بها زوار البيت الأبيض الأميركي، الذين يتحدثون عن أكثر من خمسة زعماء عرب التقوا باراك أوباما قبل أسابيع، كلٌّ بمفرده، مستنجدين به أمام التطورات السورية، التي تشير إلى تقدم ميداني استراتيجي للجيش العربي السوري على جميع الجبهات التي فُتحت ضده، في وقت بدأت الشعوب العربية تستفيق من "غيبوبتها"، على حدّ تعبيرهم، وبدأ يتكون رأي عام عربي آخذاً بالتوسع ليتحول إلى سيل جارف، معيدين إلى الذاكرة العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، التي جعلت من جمال عبد الناصر، القوة الفاعلة والمؤثرة التي صار يخشاها كل الزعماء العرب في تلك المرحلة الاستعمارية، حتى إذا ما دخلت تركيا آنئذ على خط تهديد سورية، كان إعلان الوحدة بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 التي شكلت ردأ حاسماً على الأطماع التركية، فانتهت تلك الفترة عام 1961، باعتقال الرئيس التركي جلال بايار والحكم عليه بالسجن المؤبد، ورئيس الحكومة عدنان مندريس الذي نفذ به حكم الإعدام، مع العلم بأن الرجلين كانا يقودان حزباً أخوانياً منذ العام 1951 تحت اسم "الحزب الديمقراطي". هؤلاء "الزعماء" العرب، من زوار البيت الأبيض، ربطوا مصيرهم إذن، بالمصير التركي، من حيث يعلمون أو لا يعملون. أمام هذا الوقع، وسّع الحلف المعادي لسورية من حركته، لاستجماع القوة، والعمل على إجهاض ما أمكنه من أوراق القوة بين يدي الدولة السورية، فكانت البداية في زيارة أمير قطر إلى غزة، ومبايعته كفاتح تاريخي، في الوقت الذي كان الحليف الكبير في مصر يدمّر الأنفاق ويغلق المعابر بوتيرة متسارعة لم يشهدها عهد مبارك، لتتابع الحركة التصعيدية ضد سورية في قمة الأعراب في الدوحة، التي وضعت اللّبِنة الأولى لمشروع شيمون بيريز، الذي تحدث عنه في كتابه الذي أصدره عام 1992 (الشرق الأوسط الجديد)، والذي تحدث عن "جامعة الشرق الأوسط" بدل الجامعة العربية، تضم الأعراب و"إسرائيل"، وفيه تحدث عن بناء شرق أوسط جديد يقوم على ثلاثة ركائز هي: العقل اليهودي، والمال الخليجي، واليد العاملة العربية الرخيصة. لقد بلغت قمة العدوان على سورية بعد إرسال عشرات آلاف المسلحين من جنسيات عربية وأجنبية، إلى حد توفير الغطاء الكامل للغارة "الإسرائيلية" على دمشق، التي أجهض كل غاياتها وأهدافها رباطة أعصاب وجأش القيادة السورية، التي ردت بالشكل المناسب؛ بإعطاء المقاومة السلاح الكاسر للتوازن مع العدو "الإسرائيلي"، وإعلان المقاومة الشعبية في الجولان المحتل، وفتح جبهته أمام الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي لقي حماساً وتأييداً هائلاً ومذهلاً من جانب الشعب الفلسطيني ومعظم الفصائل، وأعاد الورقة الفلسطينية بقوة إلى سورية. وهنا تفيد المعلومات الموثوقة أن العشرات من كوادر حركة "حماس" العسكرية قررت الذهاب إلى سورية للمشاركة في القتال ضد العصابات المسلحة، وهو ما أربك الجناح القطري في "الحركة"، وكانت زيارة القرضاوي للقطاع محاولة لإثبات حسن النية تجاه الكرم القطري، لكن هذه الزيارة لم تلق الاهتمام، في ظل مقاطعة واسعة من "حماس" ومختلف الفصائل والتنظيمات الفلسطينية. وعليه، لا تستبعد مصادر مطلعة أن يلجأ النظام القطري للّعب بدم شعبه؛ على الطريقة التركية، بافتعال تفجيرات في مجمع تجاري، أو ساحة عامة، أو في أي مكان، من أجل المسارعة في توجيه الاتهام إلى دمشق، كما لا تستبعد هذه المصادرة مثل هذه الممارسات في أي دولة خليجية أو عربية، بتمويل وإعداد قطري، لتوجيه مثل هذه المزاعم والاتهامات ضد سورية. وهنا تلفت هذه المصادر إلى التفجيرات الأخيرة في بلدة الريحانية؛ في لواء الاسكندرون السليب، حيث إن معظم سكانها من أصول عربية سورية، وهم كانوا قد أعلنوا في أكثر من مناسبة رفضهم لانخراط الحكومة التركية في الحرب والمؤامرة الكونية على سورية، وبالتالي فإن هذه التفجيرات لا يُستبعد أبداً أن تكون من صنع المخابرات التركية نفسها، لتوجيه الاتهام الجاهز سلفاً نحو سورية،، علماً أنه لا يستبعد برأي هذه المصادر أيضاً أن تكون هذه التفجيرات من صنع المعارضات السورية المسلحة نفسها، التي بدأ يضيق عليها التحرك في تركيا، بعد أن أخذت السلطات التركية تشعر بالخطر الذي صنعته بيديها. ثمة حقيقة واضحة هنا، وهي أن الدول الإقليمية المعادية لسورية بدأت تشعر بخطورة الامتدادات الأزمة السورية إلى داخلها، فبدأ بعضها يحاول ركوب سفينة النجاة لينجو بنفسه، كما هو حال مصر، التي أعلنت الموافقة على حل سياسي في سورية، وأنها مستعدة لتفعيل اللجنة الرباعية، فكان تسريب الأخبار عن إلقاء القبض على سورييْن معهما لوائح دعم لما يسمى "الجيش الحر"، وكانت المواقف الرئاسية المصرية حول ضرورة وقف النزيف السوري، في نفس الوقت الذي تستقبل الرياض مبعوثاً إيرانياً بالترحاب، من دون أن يعني ذلك أن الصراع حُسم في السعودية لهذا الطرف أو ذاك، حيث لا يزال جناح بندر بن سلطان قوياً وفاعلاً، وعليه أيضاً كانت المسارعة القطرية لطلب زيارة طهران، في محاولة من الدوحة للدخول إلى اللجنة الرباعية، لتصير خماسية، أو لإعطائها دوراً في مواكبة التغييرات الحاصلة. لا يعني ذلك أن المؤامرة على سورية في طور النهاية، أو أن تأنيباً للضمير حصل عند العقول الشريرة، كما لا يعني ذلك أن الحملة ضد سورية قد توقفت، بل على العكس تماماً؛ فثمة سباق في محور أعداء سورية لعلهم ينجحون في مؤامرتهم، سواء على مستوى الميدان أو على مستوى الحرب الدبلوماسية، حيث تفيد المعلومات عن تحضير فرنسي – بريطاني – قطري لمشروع قرار في الأمم المتحدة لتسليم مقعد سورية للمعارضات السورية. بأي حال، ثمة وضوح تام بدأ يتكون في معظم دول العالم، فكثير من الدول الأوروبية أخذت تجهر برفضها للحملة ضد سورية، حتى أن ألمانيا بدأت بالتواصل مع دمشق، في وقت أخذت التظاهرات تتسع وتتزايد في العالم العربي ضد المؤامرة على سورية. وما على حلفاء سورية إلا أن يبدأوا بوضع برنامج عملي لتشكيل الجبهة العربية – العالمية للدفاع عن سورية ودولتها الوطنية التقدمية، وحشد كل قوى التقدم والتحرر في العالم للنزول إلى الساحات والميادين لفضح الأهداف والمشاريع الاستعمارية.

المصدر : الثبات/ أحمد زين الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة