أصاب الحرج والإرباك الإدارة الأميركية بعدما أعلن قائدان عسكريان إسرائيليان أن هناك من اجتاز «الخط الأحمر»، وأن واشنطن لم تحرك ساكناً. وليس صدفة أن التصريحين صدرا في اليوم ذاته، وعلى منصة «مركز دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، الذي يُعتبر الأشهر بين مراكز الأبحاث الإسرائيلية.

فقد أعلن رئيس لواء الأبحاث في الاستخبارات العسكرية العميد إيتي بارون أن سوريا اجتازت «الخط الأحمر» الأميركي باستخدامها سلاحاً كيميائياً، هو غاز السارين ضد معارضيها. كما أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، ورئيس المركز، الجنرال عاموس يادلين شدد على أنه إذا لم تكن إيران قد اجتازت حتى اليوم «الخط الأحمر» النووي، فإنها ستجتازه قبل حلول الصيف المقبل.وكما هو معروف، بادر وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى الإعلان بأنه اتصل برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي لم يؤكد تماماً ما ذهب إليه الجنرال بارون. وجاء هذا الإعلان السريع من جانب كيري لينفي أن سوريا اجتازت «الخط الأحمر» الكيميائي، الأمر الذي لا يقتضي اتخاذ أي إجراءات عاجلة. وكانت أميركا وروسيا أيضاً قد أعلنتا أن استخدام السلاح الكيميائي «خط أحمر». ولكن الموقف الأميركي يختلف عن الموقف الروسي على الأقل في المعسكر الذي يقفان فيه: أحدهما داعم للنظام، والثاني داعم للمعارضة. وفي كل الأحوال وضعت الإدارة الأميركية هذا الاتهام في موضع الادّعاء الذي يحتاج إلى إثبات، بالرغم من إعلان كل من بريطانيا وفرنسا أن لديهما الأدلة اللازمة.

وعاد المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني ليشدد على أن الإدارة الأميركية تستند حالياً إلى تقديراتها، ولا تدخل في «التخمينات». وأوضح «نحن نشارك بوسائل اخرى في الرقابة على نقل السلاح الكيميائي في سوريا. ولكن لا يمكنني أن أدخل في تفاصيل اخرى. نحن نبحث عن دليل قاطع، اذا كان مثل هذا الدليل قائماً».

وكان الجنرال بارون قد أعلن في معرض تقييمه للوضع في سوريا أنه «بتقديرنا، يستخدم النظام في سوريا سلاحاً كيميائياً، أغلب الظن غاز سارين». وأضاف «في سوريا توجد ترسانة هائلة من السلاح الكيميائي، مجرد استخدامه من دون رد مناسب من جانب العالم يمكن أن يؤشر بأنه شرعي».

وكشف المراسل السياسي لصحيفة «يديعوت» شمعون شيفر النقاب عن أن إسرائيل عرضت على الرئيس الأميركي باراك اوباما، عند زيارته الى إسرائيل الشهر الماضي، أدلة مختلفة تعزز الادّعاء بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية. كما عرضت على وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل، لدى زيارته الأخيرة منذ أيام، أدلة مشابهة أيضاً. وكتب شيفر «غير أن ادارة اوباما، التي حددت استخدام (الرئيس السوري بشار) الأسد للسلاح الكيميائي خطاً أحمر، ترفض الاقتناع.

فالأميركيون غير مستعدين لأن تقرر إسرائيل لهم متى سيرسل جنود أميركيون إلى سوريا». واعتبر أن الأميركيين لا يبحثون عن أدلة، ويفضلون ان يقرروا بأنفسهم متى تنضج الظروف للتدخل. وهم يقولون لنظرائهم إنهم لا يزالون يبحثون عن أدلة ذاتية من الميدان، أو بتعبير آخر: «لا تشوشوا لنا العقل. نحن نقرر متى نتدخل».

عموماً اعتبرت صحف إسرائيلية أن رد نتنياهو على كيري يظهر عدم وجود تنسيق بين رئاسة الحكومة والجيش الإسرائيلي. ورأى المعلق العسكري في «معاريف» عمير ربابورات أن أقوال الجنرال بارون «يمكن أن تجعل الإدارة تبدو كقوة واهنة لا تتعاطى بجدية مع الخطوط الحمراء التي تطرحها». وشدد على أن بارون لم يزلّ لسانه، وأنه قال ما قال بوعي وعن ثقة بمعلوماته، ولذلك استخدم عبارة «ضيق في حدقة العين وزبد يخرج من فم» الضحايا كمؤشرات على ذلك. وتساءل ربابورات «هل قيل ما قيل عن قصد لممارسة ضغط على الأميركيين للعمل ضد السوريين أو لإحراجهم؟».ورأى ربابورات أن الحديث يدور عن تقدير مهني، باحتمالية عالية جداً، تشارك فيه أيضاً أجهزة استخبارات أخرى في الغرب (في بريطانيا مثلاً). ويحبذ الأميركيون، لأسباب محفوظة لديهم، التشديد على أنه لا يوجد برهان كهذا. والأمر يجسد أن «الخط الأحمر»، وفي واقع الأمر كل «خط احمر»، يمكن أن يكون مرناً.

أما «الخط الأحمر» الآخر الذي اجتيز، فهو الخط الذي وضعته اسرائيل لإيران في كل ما يتعلق ببرنامجها النووي، بحسب يادلين. والحقيقة أن يادلين خالف بموقفه بارون نفسه، وهو الذي قال إن إيران ليست قريبة خلال عام من «زمن الاختراق». لكن يادلين، كما نشر أمس في «السفير» يشدد على أن «زمن الاختراق» محدود بشهرين هما موعد الانتخابات الإيرانية. وأشار إلى أن لدى إيران قدرة تخصيب يورانيوم، ولديها المادة الخام، وهي حذرة من اجتياز «الخط الأحمر» الإسرائيلي، و«خلال أسبوع يمكن لهذه المادة أن تتحول إلى مادة للقنبلة النووية».

ولاحظ ربابورات في «معاريف» أن «الخط الأحمر» الإسرائيلي النووي تجاه إيران مرن بقدر لا يقل عن مرونة «الخط الأحمر» الكيميائي الأميركي تجاه سوريا.

أما دان مرغليت في «إسرائيل اليوم»، المقربة من حكومة نتنياهو، فكتب رابطاً بين تصريحي بارون ويادلين أنه «توجد علاقة بين الواقعتين. اذا لم تكن أميركا صادقة في تحذيرها وتهديدها لدمشق، فمن يضمن للعالم الحر أن تكون أكثر حزماً وتصميماً على مواجهة طهران التي تتجاهل تهديدات اوباما؟ إن هذا الوضع يُثقل على الحوار الديبلوماسي الذي يرمي الى منع إيران من الحصول على السلاح الذري. إن اوباما في الماضي ووزير دفاعه الذي زار تل أبيب تشاك هايغل، يريان انسحاق خطوطهما الحمراء في سوريا وفي إيران أيضاً كما يبدو، ويفضلان أن يسلكا سلوك مصابين بعمى ألوان، فهما لا يريان ولا يعترفان، لكن مَن في العالم لا يفهم صورة الوضع؟».

عموماً، يرى شيفر أنه «ومثلما تبدو الامور من هنا، فإن لدى اسرائيل سبباً وجيها للقلق. من طبيعة الخطوط الحمراء، كما يتبين، أنها تتمدد حتى درجة التغيير الإستراتيجي للواقع. اوباما سيسمح للطرف الاسرائيلي بالمحاولة وبالإقناع، ولكن القرارات ستتخذ في نهاية المطاف في الغرفة البيضاوية لا في تل أبيب».
  • فريق ماسة
  • 2013-04-24
  • 11667
  • من الأرشيف

إسرائيل قلقة: هل «الخط الأحمر» الأميركي مرن؟

أصاب الحرج والإرباك الإدارة الأميركية بعدما أعلن قائدان عسكريان إسرائيليان أن هناك من اجتاز «الخط الأحمر»، وأن واشنطن لم تحرك ساكناً. وليس صدفة أن التصريحين صدرا في اليوم ذاته، وعلى منصة «مركز دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي في جامعة تل أبيب، الذي يُعتبر الأشهر بين مراكز الأبحاث الإسرائيلية. فقد أعلن رئيس لواء الأبحاث في الاستخبارات العسكرية العميد إيتي بارون أن سوريا اجتازت «الخط الأحمر» الأميركي باستخدامها سلاحاً كيميائياً، هو غاز السارين ضد معارضيها. كما أن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، ورئيس المركز، الجنرال عاموس يادلين شدد على أنه إذا لم تكن إيران قد اجتازت حتى اليوم «الخط الأحمر» النووي، فإنها ستجتازه قبل حلول الصيف المقبل.وكما هو معروف، بادر وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى الإعلان بأنه اتصل برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي لم يؤكد تماماً ما ذهب إليه الجنرال بارون. وجاء هذا الإعلان السريع من جانب كيري لينفي أن سوريا اجتازت «الخط الأحمر» الكيميائي، الأمر الذي لا يقتضي اتخاذ أي إجراءات عاجلة. وكانت أميركا وروسيا أيضاً قد أعلنتا أن استخدام السلاح الكيميائي «خط أحمر». ولكن الموقف الأميركي يختلف عن الموقف الروسي على الأقل في المعسكر الذي يقفان فيه: أحدهما داعم للنظام، والثاني داعم للمعارضة. وفي كل الأحوال وضعت الإدارة الأميركية هذا الاتهام في موضع الادّعاء الذي يحتاج إلى إثبات، بالرغم من إعلان كل من بريطانيا وفرنسا أن لديهما الأدلة اللازمة. وعاد المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني ليشدد على أن الإدارة الأميركية تستند حالياً إلى تقديراتها، ولا تدخل في «التخمينات». وأوضح «نحن نشارك بوسائل اخرى في الرقابة على نقل السلاح الكيميائي في سوريا. ولكن لا يمكنني أن أدخل في تفاصيل اخرى. نحن نبحث عن دليل قاطع، اذا كان مثل هذا الدليل قائماً». وكان الجنرال بارون قد أعلن في معرض تقييمه للوضع في سوريا أنه «بتقديرنا، يستخدم النظام في سوريا سلاحاً كيميائياً، أغلب الظن غاز سارين». وأضاف «في سوريا توجد ترسانة هائلة من السلاح الكيميائي، مجرد استخدامه من دون رد مناسب من جانب العالم يمكن أن يؤشر بأنه شرعي». وكشف المراسل السياسي لصحيفة «يديعوت» شمعون شيفر النقاب عن أن إسرائيل عرضت على الرئيس الأميركي باراك اوباما، عند زيارته الى إسرائيل الشهر الماضي، أدلة مختلفة تعزز الادّعاء بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية. كما عرضت على وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل، لدى زيارته الأخيرة منذ أيام، أدلة مشابهة أيضاً. وكتب شيفر «غير أن ادارة اوباما، التي حددت استخدام (الرئيس السوري بشار) الأسد للسلاح الكيميائي خطاً أحمر، ترفض الاقتناع. فالأميركيون غير مستعدين لأن تقرر إسرائيل لهم متى سيرسل جنود أميركيون إلى سوريا». واعتبر أن الأميركيين لا يبحثون عن أدلة، ويفضلون ان يقرروا بأنفسهم متى تنضج الظروف للتدخل. وهم يقولون لنظرائهم إنهم لا يزالون يبحثون عن أدلة ذاتية من الميدان، أو بتعبير آخر: «لا تشوشوا لنا العقل. نحن نقرر متى نتدخل». عموماً اعتبرت صحف إسرائيلية أن رد نتنياهو على كيري يظهر عدم وجود تنسيق بين رئاسة الحكومة والجيش الإسرائيلي. ورأى المعلق العسكري في «معاريف» عمير ربابورات أن أقوال الجنرال بارون «يمكن أن تجعل الإدارة تبدو كقوة واهنة لا تتعاطى بجدية مع الخطوط الحمراء التي تطرحها». وشدد على أن بارون لم يزلّ لسانه، وأنه قال ما قال بوعي وعن ثقة بمعلوماته، ولذلك استخدم عبارة «ضيق في حدقة العين وزبد يخرج من فم» الضحايا كمؤشرات على ذلك. وتساءل ربابورات «هل قيل ما قيل عن قصد لممارسة ضغط على الأميركيين للعمل ضد السوريين أو لإحراجهم؟».ورأى ربابورات أن الحديث يدور عن تقدير مهني، باحتمالية عالية جداً، تشارك فيه أيضاً أجهزة استخبارات أخرى في الغرب (في بريطانيا مثلاً). ويحبذ الأميركيون، لأسباب محفوظة لديهم، التشديد على أنه لا يوجد برهان كهذا. والأمر يجسد أن «الخط الأحمر»، وفي واقع الأمر كل «خط احمر»، يمكن أن يكون مرناً. أما «الخط الأحمر» الآخر الذي اجتيز، فهو الخط الذي وضعته اسرائيل لإيران في كل ما يتعلق ببرنامجها النووي، بحسب يادلين. والحقيقة أن يادلين خالف بموقفه بارون نفسه، وهو الذي قال إن إيران ليست قريبة خلال عام من «زمن الاختراق». لكن يادلين، كما نشر أمس في «السفير» يشدد على أن «زمن الاختراق» محدود بشهرين هما موعد الانتخابات الإيرانية. وأشار إلى أن لدى إيران قدرة تخصيب يورانيوم، ولديها المادة الخام، وهي حذرة من اجتياز «الخط الأحمر» الإسرائيلي، و«خلال أسبوع يمكن لهذه المادة أن تتحول إلى مادة للقنبلة النووية». ولاحظ ربابورات في «معاريف» أن «الخط الأحمر» الإسرائيلي النووي تجاه إيران مرن بقدر لا يقل عن مرونة «الخط الأحمر» الكيميائي الأميركي تجاه سوريا. أما دان مرغليت في «إسرائيل اليوم»، المقربة من حكومة نتنياهو، فكتب رابطاً بين تصريحي بارون ويادلين أنه «توجد علاقة بين الواقعتين. اذا لم تكن أميركا صادقة في تحذيرها وتهديدها لدمشق، فمن يضمن للعالم الحر أن تكون أكثر حزماً وتصميماً على مواجهة طهران التي تتجاهل تهديدات اوباما؟ إن هذا الوضع يُثقل على الحوار الديبلوماسي الذي يرمي الى منع إيران من الحصول على السلاح الذري. إن اوباما في الماضي ووزير دفاعه الذي زار تل أبيب تشاك هايغل، يريان انسحاق خطوطهما الحمراء في سوريا وفي إيران أيضاً كما يبدو، ويفضلان أن يسلكا سلوك مصابين بعمى ألوان، فهما لا يريان ولا يعترفان، لكن مَن في العالم لا يفهم صورة الوضع؟». عموماً، يرى شيفر أنه «ومثلما تبدو الامور من هنا، فإن لدى اسرائيل سبباً وجيها للقلق. من طبيعة الخطوط الحمراء، كما يتبين، أنها تتمدد حتى درجة التغيير الإستراتيجي للواقع. اوباما سيسمح للطرف الاسرائيلي بالمحاولة وبالإقناع، ولكن القرارات ستتخذ في نهاية المطاف في الغرفة البيضاوية لا في تل أبيب».

المصدر : حلمي موسى\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة