يشكو اللاجئون السوريون ورؤساء بلديات وجمعيات من تمييز مناطقي في الاحتضان وتوزيع المساعدات. تمييز يتخطى الإعاشات والأضواء، إلى درجة تطفّله على دين اللاجئين بأمر من وزارة الداخلية... قبل العودة عنه

منذ بداية شهر آذار الفائت، عدّلت البلديات التي يقصدها اللاجئون السوريون الإجراءات التي تتخذها إزاءهم. لم تفعل شيئاً لناحية تعزيز وسائل دعمهم وإعانتهم، بل لناحية تكثيف الاستقصاء والإحصاءات الأمنية حولهم.

فعلوا ذلك بضوء أخضر، بما أن عدداً من الوزراء في الحكومة لم ينفكوا يحمّلون السوريين مسؤولية الأزمات التي يعاني منها لبنان. وفي ظلّ تصريحات عنصرية من هنا وهناك، لم يتردّد وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في الحديث عن جرائم يرتكبها سوريون، تماماً كما قال إن الدولة لم تتعاط بجدية مع هذا الملف منذ البداية.

قد يكون شربل أكثر من عبّر عن قلقه من اللاجئين السوريين، لكنه عندما بحث عن الحلّ، بحكم منصبه، أصدر تعميماً إلى المحافظين والقائمقامين والبلديات في المناطق لسؤال اللاجئين السوريين عن دينهم ومذهبهم. وجاء هذا التعميم بعدما كلّفت البلديات، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية منذ بدء لجوء السوريين، بتنظيم إحصاء دائم عن أسمائهم وأعدادهم وأماكن إقامتهم إلخ... هذه الإحصاءات تستعين بها الأجهزة الأمنية والجمعيات الأهلية والدولية ومؤسسات الأمم المتحدة التي تتولى دعم اللاجئين.

لكن، ما الذي استجدّ لتطلب الوزارة سؤالهم عن دينهم أيضاً، وفق التعميم الصادر أواخر شهر شباط الماضي عن شربل نفسه والذي بدأت البلديات بتطبيقه؟ ماذا سيقدم أو يؤخر دين من اضطر إلى اللجوء إلى دولة الطوائف؟ علماً بأن مصادر مواكبة نقلت لـ«الأخبار» امتعاض الكثير من السوريين من طرح السؤال عليهم، لافتين النظر إلى أن الهوية السورية لا تذكر الدين بل تكتفي بأن حاملها عربي سوري. من هنا، أكدت المصادر أن بعض البلديات تغضّ النظر عن ملء المكان المخصص للمذهب في إطار الاستمارة الرسمية التي أرفقت بالتعميم.

رئيس اتحاد بلديات جنوبية عبّر عن خجله من اضطراره الى طرح سؤال المذهب على اللاجئين إلى بلدته الجنوبية، التي لجأ الكثير من أبنائها إلى سوريا خلال عدوان تموز. واقترح على الدولة، بما أنها لبنانية وبالتالي خبيرة في معرفة الطوائف، إذا ما أرادت التقصي عن دين اللاجئين السوريين «أن تحصل على مرادها بأسلوب أقل وقاحة من خلال النظر إلى مكان الولادة السوري».

رئيس اللجنة الأمنية المكلّفة متابعة شؤون اللاجئين في الوزارة، العميد بيار سالم، اعتبر في اتصال مع «الأخبار» أن الاستمارة اندرجت في إطار «إجراء إحصاء على مستوى الدولة لمختلف اللاجئين»، نافياً أن «تكون عنصرية وموجّهة ضد السوريين تحديداً، بل تعتمدها الوزارة في جميع الاستمارات». وأوضح أن القرار باعتمادها صدر عن الخلية الأمنية المركزية المؤلفة من ضباط ويتفرّع منها خلايا في المناطق تتسلمها القائمقاميات وتتعاون مع ممثلي وزارات الصحة والداخلية والشؤون الاجتماعية والتربية والأجهزة الأمنية.

اللافت أن الاستمارة المذهبية عادية، إلا أن سالم نفسه كشف عن تعليق العمل بها مؤخراً، بناءً على طلب من وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. وقد وافق شربل وأرسل أمراً إلى اللجنة لإصدار قرار يبطل قرارها السابق بالسؤال عن المذهب خلال تعبئة الاستمارة. لكن «الأخبار» استطلعت رأي عدد من رؤساء البلديات والاتحادات في الجنوب الذين أكدوا أن التعميم الذي يلغي التعميم المذهبي لم يصل إليهم بعد. وعليه، فإن معظمهم لا يزال يعمل بها.

تعاميم «الداخلية» لم تكتف بالتقصي عن المذهب. إنما أرسلت نسخة عن استمارة شخصية في إطار تعميم يطلب إلى البلديات «ضرورة إيداعنا الإحصاءات التي أجرتها، لما للموضوع من أهمية على المستوى الحياتي والأمني ولما له من عناية خاصة من قبل مجلس الوزراء ووزير الداخلية والبلديات». الاستمارة الشخصية تورد بيانات اللاجئ الشخصية مرفقة بصورة شمسية عنه. الهوية على الطريقة اللبنانية تحوّل إلى بطاقة هوية يحملها اللاجئ معه للتصريح عن نفسه. لكن من يضمن أن البيانات التي قدمها اللاجئ تعود له شخصياً؟ أجاب مصدر معني بأن بإمكان البلديات أن تطلب شاهدين من أقاربه للتأكيد على صحة البيانات!

  • فريق ماسة
  • 2013-04-23
  • 10414
  • من الأرشيف

الدولة تسأل السوريين عن دينهم... وتتراجع

يشكو اللاجئون السوريون ورؤساء بلديات وجمعيات من تمييز مناطقي في الاحتضان وتوزيع المساعدات. تمييز يتخطى الإعاشات والأضواء، إلى درجة تطفّله على دين اللاجئين بأمر من وزارة الداخلية... قبل العودة عنه منذ بداية شهر آذار الفائت، عدّلت البلديات التي يقصدها اللاجئون السوريون الإجراءات التي تتخذها إزاءهم. لم تفعل شيئاً لناحية تعزيز وسائل دعمهم وإعانتهم، بل لناحية تكثيف الاستقصاء والإحصاءات الأمنية حولهم. فعلوا ذلك بضوء أخضر، بما أن عدداً من الوزراء في الحكومة لم ينفكوا يحمّلون السوريين مسؤولية الأزمات التي يعاني منها لبنان. وفي ظلّ تصريحات عنصرية من هنا وهناك، لم يتردّد وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في الحديث عن جرائم يرتكبها سوريون، تماماً كما قال إن الدولة لم تتعاط بجدية مع هذا الملف منذ البداية. قد يكون شربل أكثر من عبّر عن قلقه من اللاجئين السوريين، لكنه عندما بحث عن الحلّ، بحكم منصبه، أصدر تعميماً إلى المحافظين والقائمقامين والبلديات في المناطق لسؤال اللاجئين السوريين عن دينهم ومذهبهم. وجاء هذا التعميم بعدما كلّفت البلديات، بالتنسيق مع مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية منذ بدء لجوء السوريين، بتنظيم إحصاء دائم عن أسمائهم وأعدادهم وأماكن إقامتهم إلخ... هذه الإحصاءات تستعين بها الأجهزة الأمنية والجمعيات الأهلية والدولية ومؤسسات الأمم المتحدة التي تتولى دعم اللاجئين. لكن، ما الذي استجدّ لتطلب الوزارة سؤالهم عن دينهم أيضاً، وفق التعميم الصادر أواخر شهر شباط الماضي عن شربل نفسه والذي بدأت البلديات بتطبيقه؟ ماذا سيقدم أو يؤخر دين من اضطر إلى اللجوء إلى دولة الطوائف؟ علماً بأن مصادر مواكبة نقلت لـ«الأخبار» امتعاض الكثير من السوريين من طرح السؤال عليهم، لافتين النظر إلى أن الهوية السورية لا تذكر الدين بل تكتفي بأن حاملها عربي سوري. من هنا، أكدت المصادر أن بعض البلديات تغضّ النظر عن ملء المكان المخصص للمذهب في إطار الاستمارة الرسمية التي أرفقت بالتعميم. رئيس اتحاد بلديات جنوبية عبّر عن خجله من اضطراره الى طرح سؤال المذهب على اللاجئين إلى بلدته الجنوبية، التي لجأ الكثير من أبنائها إلى سوريا خلال عدوان تموز. واقترح على الدولة، بما أنها لبنانية وبالتالي خبيرة في معرفة الطوائف، إذا ما أرادت التقصي عن دين اللاجئين السوريين «أن تحصل على مرادها بأسلوب أقل وقاحة من خلال النظر إلى مكان الولادة السوري». رئيس اللجنة الأمنية المكلّفة متابعة شؤون اللاجئين في الوزارة، العميد بيار سالم، اعتبر في اتصال مع «الأخبار» أن الاستمارة اندرجت في إطار «إجراء إحصاء على مستوى الدولة لمختلف اللاجئين»، نافياً أن «تكون عنصرية وموجّهة ضد السوريين تحديداً، بل تعتمدها الوزارة في جميع الاستمارات». وأوضح أن القرار باعتمادها صدر عن الخلية الأمنية المركزية المؤلفة من ضباط ويتفرّع منها خلايا في المناطق تتسلمها القائمقاميات وتتعاون مع ممثلي وزارات الصحة والداخلية والشؤون الاجتماعية والتربية والأجهزة الأمنية. اللافت أن الاستمارة المذهبية عادية، إلا أن سالم نفسه كشف عن تعليق العمل بها مؤخراً، بناءً على طلب من وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. وقد وافق شربل وأرسل أمراً إلى اللجنة لإصدار قرار يبطل قرارها السابق بالسؤال عن المذهب خلال تعبئة الاستمارة. لكن «الأخبار» استطلعت رأي عدد من رؤساء البلديات والاتحادات في الجنوب الذين أكدوا أن التعميم الذي يلغي التعميم المذهبي لم يصل إليهم بعد. وعليه، فإن معظمهم لا يزال يعمل بها. تعاميم «الداخلية» لم تكتف بالتقصي عن المذهب. إنما أرسلت نسخة عن استمارة شخصية في إطار تعميم يطلب إلى البلديات «ضرورة إيداعنا الإحصاءات التي أجرتها، لما للموضوع من أهمية على المستوى الحياتي والأمني ولما له من عناية خاصة من قبل مجلس الوزراء ووزير الداخلية والبلديات». الاستمارة الشخصية تورد بيانات اللاجئ الشخصية مرفقة بصورة شمسية عنه. الهوية على الطريقة اللبنانية تحوّل إلى بطاقة هوية يحملها اللاجئ معه للتصريح عن نفسه. لكن من يضمن أن البيانات التي قدمها اللاجئ تعود له شخصياً؟ أجاب مصدر معني بأن بإمكان البلديات أن تطلب شاهدين من أقاربه للتأكيد على صحة البيانات!

المصدر : آمال خليل\ الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة