دخلت الازمة السورية منعطفاً جديداً على المستوييْن السياسي والميداني العسكري - الأمني، وهو ما بات ملحوظاً لدى المنخرطين في الأزمة، سواء من المعنيين مباشرة بالمؤامرة، أو من المهتمين الذين تخاف قلوبهم على مستقبل سورية؛ مصيراً ودوراً.

أ‌- على المستوى الميداني، بدأت القناعة الدولية تتبلور أكثر باستحالة انهيار النظام، على الرغم من حشد كل القوى الدولية بأسلحتها القذرة تقنياً ونفسياً ومعنوياً، لا بل إن كل المشاركين في المؤامرة التي تتعرض لها سورية، بإمكاناتهم الضخمة وغير المحدودة، مع البروباغندا الهائلة، تيقنوا من فشل ما رموا إليه وحشدوا لأجله ما لم يتصوّره عقل، بعد المفاجأة التي أعدّها الجيش السوري الأسبوع الماضي، إذ بادر إلى شن عمليات واسعة النطاق، وفي أماكن عدة، وبتوقيت موحَّد، ما يعني أن زمام المبادرة مازالت في يد الجيش، وما التمدد الذي حصل من جانب المسلحين قبل ذلك إلا في سياق السماح التكتيكي للاحتواء والانقضاض، بعد تقدير ميداني لأصحاب الاختصاص والتخطيط، بحيث هم من يحدد أرض وزمان المعركة، وليس الانجرار إلى معركة جرى الإعداد لها من جانب الأعداء بدقة، وجرى تجنيد كل التقنيات، بما فيها القدرات الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية، أي بمعنى آخر تم تفويت الفرصة على الخصوم، وهذا بحد ذاته يسجَّل تحت بند النصر المؤسس والمضاف إلى النصر الميداني المتحقق لاحقاً.

ب - أدّت المشاغلة الميدانية قبيل المبادرة إلى انطلاق العمليات في مختلف المحافظات، إلى انكشاف التورط الميداني لثلاث دول أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي في العمليات العسكرية، هي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، بعد التسليح الذي قدّموه ورعوا نقله عبر جسرين جوّييْن إلى الأردن وتركيا، فضلاً عن التدريبات التي يشرف عليها خبراء من الدول الآنفة الذكر لمسلحين من جنسيات مختلفة على الأراضي التركية والأردنية، وهو ما كشفته الصحافتيْن الأميركية والبريطانية.

ج- هذه الفضائح التي دأبت الدول المذكورة تتستّر على حقائقها منذ البداية، عبر الحديث تارة عن معونات "إنسانية"، وطوراً عن أسلحة غير قاتلة، دفعت تلك الدول، وعلى رأسها أميركا، إلى الاعتراف بأن الهدف من التدريبات هو نشر هؤلاء المسلحين الذين باتوا أشبه بعناصر ملحقة بالمخابرات الأميركية في "منطقة عازلة في الجولان"، لمنع أي جماعة من استهداف القوات "الإسرائيلية"، وطبعاً سمّت واشنطن "جبهة النصرة" للتغطية على الفعلة الكبرى، بزعم الفصل بين القوات "الإسرائيلية" ومنطقة عمل "الجهاديين".

د- المنجزات على الأرض التي أوجدت صراعاً في الاتحاد الأوروبي بين مؤيد لمزيد من تسليح المعارضين، وبين معارض، أجبرت الحكومتين الأكثر تطرّفاً (فرنسا وبريطانيا) على التريّث في الاندفاعة، سيما أن آلاف الأطنان التي نُقلت مؤخراً لم تُثمر النتائج المتوخاة، لا بل إن الإرهاب تركّز على تفجيرات استهدفت المدنيين، وعلى قصف عشوائي على أحياء دمشق، وعلى استهداف الجامعات والطلاب فيها بقصد تعطيل الحياة، وهذا ما تنبّه له السوريون الذين ازدادوا التفافاً حول دولتهم وقيادتهم.

 

هـ - بروز صراع دموي بين الإرهابيين أنفسهم، للاستحواذ على المعونات والمغريات، بالرغم من الرشاوى المقدَّمة عبر دول خليجية أثبت حكامها أنهم مجرد موظفي صرفيات في الشركة الأميركية، وأكبر دليل أن غسان هيتو الذي لم يعش في سورية إنما في أميركا، يسعى للتعارف بحماية المخابرات الأميركية، وبمرافقة استخبارية تركية، فيما الصراع على أشدّه بين ما يسمى "الجيش الحر" على حقيبة الدفاع في الحكومة المموّلة من قطر، وهو ما أعلنته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، وكذلك إعلان العديد من المعارضين جهاراً على الفضائيات أن هناك مؤامرات من داخل المجلس الوطني (مجلس اسطنبول) ومن الائتلاف (مجلس الدوحة - الأميركي).

كل ذلك شكل جزءاً من الإرهاصات التي تؤسّس للحل السياسي المنشود، والذي يلقى دعماً وتشجيعاً وعملاً دؤوباً من أصدقاء سوريا الحقيقيين، وسط صلات مباشرة بدأت مع معارضين يرفضون حمام الدم الجاري في سورية، ومكونات معارضة تنبذ تقاتل أبناء البلد الواحد، ما يؤشر إلى بداية حوار جدي لحل الأزمة السورية، التي لم تدخل بعد مرحلة التفاؤل الكبير، بموازاة بقاء بعض الأطراف على غيّهم في الدفع إلى مزيد من الفوضى، وهذا ما يمكن أن يعيد الاقتراب من حرب إقليمية.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-10
  • 8632
  • من الأرشيف

سورية بين إرهاصات الحل المنشود.. والحرب الإقليمية

دخلت الازمة السورية منعطفاً جديداً على المستوييْن السياسي والميداني العسكري - الأمني، وهو ما بات ملحوظاً لدى المنخرطين في الأزمة، سواء من المعنيين مباشرة بالمؤامرة، أو من المهتمين الذين تخاف قلوبهم على مستقبل سورية؛ مصيراً ودوراً. أ‌- على المستوى الميداني، بدأت القناعة الدولية تتبلور أكثر باستحالة انهيار النظام، على الرغم من حشد كل القوى الدولية بأسلحتها القذرة تقنياً ونفسياً ومعنوياً، لا بل إن كل المشاركين في المؤامرة التي تتعرض لها سورية، بإمكاناتهم الضخمة وغير المحدودة، مع البروباغندا الهائلة، تيقنوا من فشل ما رموا إليه وحشدوا لأجله ما لم يتصوّره عقل، بعد المفاجأة التي أعدّها الجيش السوري الأسبوع الماضي، إذ بادر إلى شن عمليات واسعة النطاق، وفي أماكن عدة، وبتوقيت موحَّد، ما يعني أن زمام المبادرة مازالت في يد الجيش، وما التمدد الذي حصل من جانب المسلحين قبل ذلك إلا في سياق السماح التكتيكي للاحتواء والانقضاض، بعد تقدير ميداني لأصحاب الاختصاص والتخطيط، بحيث هم من يحدد أرض وزمان المعركة، وليس الانجرار إلى معركة جرى الإعداد لها من جانب الأعداء بدقة، وجرى تجنيد كل التقنيات، بما فيها القدرات الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية، أي بمعنى آخر تم تفويت الفرصة على الخصوم، وهذا بحد ذاته يسجَّل تحت بند النصر المؤسس والمضاف إلى النصر الميداني المتحقق لاحقاً. ب - أدّت المشاغلة الميدانية قبيل المبادرة إلى انطلاق العمليات في مختلف المحافظات، إلى انكشاف التورط الميداني لثلاث دول أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي في العمليات العسكرية، هي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، بعد التسليح الذي قدّموه ورعوا نقله عبر جسرين جوّييْن إلى الأردن وتركيا، فضلاً عن التدريبات التي يشرف عليها خبراء من الدول الآنفة الذكر لمسلحين من جنسيات مختلفة على الأراضي التركية والأردنية، وهو ما كشفته الصحافتيْن الأميركية والبريطانية. ج- هذه الفضائح التي دأبت الدول المذكورة تتستّر على حقائقها منذ البداية، عبر الحديث تارة عن معونات "إنسانية"، وطوراً عن أسلحة غير قاتلة، دفعت تلك الدول، وعلى رأسها أميركا، إلى الاعتراف بأن الهدف من التدريبات هو نشر هؤلاء المسلحين الذين باتوا أشبه بعناصر ملحقة بالمخابرات الأميركية في "منطقة عازلة في الجولان"، لمنع أي جماعة من استهداف القوات "الإسرائيلية"، وطبعاً سمّت واشنطن "جبهة النصرة" للتغطية على الفعلة الكبرى، بزعم الفصل بين القوات "الإسرائيلية" ومنطقة عمل "الجهاديين". د- المنجزات على الأرض التي أوجدت صراعاً في الاتحاد الأوروبي بين مؤيد لمزيد من تسليح المعارضين، وبين معارض، أجبرت الحكومتين الأكثر تطرّفاً (فرنسا وبريطانيا) على التريّث في الاندفاعة، سيما أن آلاف الأطنان التي نُقلت مؤخراً لم تُثمر النتائج المتوخاة، لا بل إن الإرهاب تركّز على تفجيرات استهدفت المدنيين، وعلى قصف عشوائي على أحياء دمشق، وعلى استهداف الجامعات والطلاب فيها بقصد تعطيل الحياة، وهذا ما تنبّه له السوريون الذين ازدادوا التفافاً حول دولتهم وقيادتهم.   هـ - بروز صراع دموي بين الإرهابيين أنفسهم، للاستحواذ على المعونات والمغريات، بالرغم من الرشاوى المقدَّمة عبر دول خليجية أثبت حكامها أنهم مجرد موظفي صرفيات في الشركة الأميركية، وأكبر دليل أن غسان هيتو الذي لم يعش في سورية إنما في أميركا، يسعى للتعارف بحماية المخابرات الأميركية، وبمرافقة استخبارية تركية، فيما الصراع على أشدّه بين ما يسمى "الجيش الحر" على حقيبة الدفاع في الحكومة المموّلة من قطر، وهو ما أعلنته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، وكذلك إعلان العديد من المعارضين جهاراً على الفضائيات أن هناك مؤامرات من داخل المجلس الوطني (مجلس اسطنبول) ومن الائتلاف (مجلس الدوحة - الأميركي). كل ذلك شكل جزءاً من الإرهاصات التي تؤسّس للحل السياسي المنشود، والذي يلقى دعماً وتشجيعاً وعملاً دؤوباً من أصدقاء سوريا الحقيقيين، وسط صلات مباشرة بدأت مع معارضين يرفضون حمام الدم الجاري في سورية، ومكونات معارضة تنبذ تقاتل أبناء البلد الواحد، ما يؤشر إلى بداية حوار جدي لحل الأزمة السورية، التي لم تدخل بعد مرحلة التفاؤل الكبير، بموازاة بقاء بعض الأطراف على غيّهم في الدفع إلى مزيد من الفوضى، وهذا ما يمكن أن يعيد الاقتراب من حرب إقليمية.

المصدر : يونس عودة - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة