دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
وجه الرئيس السوري بشار الأسد رسالة إلى دول مجموعة «البريكس»، التي عقدت اجتماعها الاسبوع الماضي، دعاهم فيها إلى «المساهمة في وقف فوري للعنف في سوريا» ملقيا بثقل سياسي على التجمع الدولي الناشئ، في الوقت الذي تشهد فيه الأوضاع السورية جمودا على المستوى السياسي، حين يتعلق الأمر «باللاعبين الكبار»، ونشاطا محموما على مستوى «اللاعبين الصغار». وهو جمود يحقق جملة أهداف صغيرة ومتوسطة المدى، ليس من بينها ما يمكن القول أنه «مصلحة سوريا بعيدة المدى».
ودعا الأسد في رسالته، إلى قمة «البريكس»، «للعمل معاً من أجل وقف فوري للعنف في سوريا، بهدف ضمان نجاح الحل السياسي الذي يتطلب إرادة دولية واضحة، بتجفيف مصادر الإرهاب ووقف تمويله وتسليحه»، معبرا «عن تطلعات الشعب السوري للعمل مع دول البريكس كقوة عادلة تسعى إلى نشر السلام والأمن والتعاون بين الدول، بعيداً عن الهيمنة وإملاءاتها وظلمها، الذي استمر عقوداً على شعوبنا وأمتنا».
وتأتي الرسالة، بعد زيارة قامت بها المستشارة الرئاسية بثينة شعبان إلى كل من الهند وجنوب إفريقيا في آذار الماضي، وزيارة مماثلة قام بها نائب وزير الخارجية فيصل المقداد إلى البرازيل والصين وروسيا، بهدف الحصول على دعم واضح من تلك الدول.
وشكلت دول «البريكس» بالنسبة إلى دمشق، من بداية تشكلها خلال العقد الماضي، ثقلا موازيا للمحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة ، ويبسط سيطرته ونفوذه على منظمات دولية وإقليمية. إلا أن سياسة الدول الخمس على خلاف المحور المنافس، لا تميل للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولا تقبل التورط في النزاعات ذات الطابع الأهلي، وهو ما تبين عمليا في الأزمة الليبية، حين اتخذت موقفا ناقدا للتدخل الغربي في النزاع الليبي، من دون أية قدرة ردع، ما يضعف من تأثيرها العملي، أمر تتمنى دمشق رؤية أثر أكبر منه.
أما الرهان على وضعية هذه الدول في المحافل الدولية، فتبقى منسجمة بوضوح مع السياسة الروسية التي تبني على «اتفاق جنيف» في حزيران الماضي، وتفضل ممارسة دور بعيد عن التدخل المباشر. ويلاحظ مراقبون محليون وديبلوماسيون أن الدور الروسي، رغم استمراريته وثباته، يبدو أقل زخما، واندفاعا. ويعود هذا ربما إلى حالة التصعيد التي قادتها فرنسا وبريطانيا ولاقت «رضى أميركا»، وتتلخص بمحاولة تغيير موازين القوى ميدانيا، وهو الأمر الذي تستثمره قطر وتركيا حاليا، وبنت عليه موقفها في القمة العربية في الدوحة.
تنتظر روسيا على ما يبدو تغيرا ما في التوازنات، يميل ديبلوماسيوها إلى ترقبه في جسم المعارضة الذي ترى موسكو أن تماسكه ناتج عن «صمغ» خارجي، وأن ملامح تفككه تتشكل بسرعة. لكن أحدا في دمشق لا يعلم ما هي الخطوة المقبلة أو يضع تصورا لها. كما يميل الروس إلى «الاستراحة» لإعطاء منافسيهم الوقت اللازم «للفشل»، ذلك أن قناعة موسكو لم تتغير، بأن أيا من الطرفين العسكريين غير قادر على تحقيق نصر ساحق. وكما أن سقوط 50 قذيفة هاون على دمشق أسبوعيا، يعني أن الصراع الميداني يأخذ أبعادا وحشية جديدة، فإنه أيضا يعني خسارة مزدوجة للطرفين.
لذلك، ما من رهان على تحرك روسي منسجم تماما مع ما ترغب دمشق في رؤيته عمليا، خصوصا أن القيادة السورية لا تقبل بـ«وثيقة جنيف» بالمطلق وتعتبرها ورقة «للنقاش»، وهو ما يكثف الرهان على الواقع الميداني مرة أخرى. منظور ينسجم مع رهان طهران أيضا، ويتطابق مع قراءة معارضين سوريين لأفق الصراع، وفق ما قاله أحدهم لـ«السفير» بتوقع «تصعيد عسكري وسياسي أكبر، يبلغ ذروته خلال الشهرين المقبلين». تصعيد يرى المعارض المقيم في دمشق أنه ينسجم تماما مع رغبة الولايات المتحدة في «استنزاف سوريا تماما، وإخراجها لعقود من دائرة التخطيط الاستراتيجي الإقليمي».
وفي هذا السياق، يبدو لافتا استبقاء قيادة الأسطول الروسي بارجاتها الحربية وسفن إنزالها في بيروت رغم أن وجهتها كانت طرطوس منذ أسبوعين. وهو أمر تقول مصادر ديبلوماسية روسية لـ«السفير» أنه «اعتيادي. مجرد روتين هدفه تعميق علاقات الصداقة والتعاون بين لبنان وروسيا»، معتبرة أن هذا يخرج عن سياق اكتشاف منظومة تجسس الكترونية على الساحل السوري، يعتقد أنها إسرائيلية، وأن هدفها التحركات العسكرية الروسية.
على صعيد آخر، يقر ديبلوماسيون بأنه في ظل حالة الجمود الحاصلة حاليا، ثمة سعي قطري - تركي واضح لاستثمارها على صعيد إعدادهم لما يسمى بـ«اليوم التالي» لسقوط النظام، إن سقط.
ويأتي، ضمن هذا الاستعداد، المؤتمران اللذان نظما بمسافة زمنية متقاربة، وبرعاية أو مباركة من حكومتي البلدين في كل من القاهرة واسطنبول. الأول استهدف القول إن ثمة تمثيلا للعلويين في أي تشكيل مقبل للمعارضة يتحدث باسمهم، والثاني لتركمان سوريا بحضور رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان.
ويهدف المؤتمران لتقريب الخلافات بين رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض «المستقيل» احمد معاذ الخطيب، وبعض كتل «الائتلاف» حول إشراك ممثلين للأقليات وشرائح المجتمع السوري، وتوسيع بنية المعارضة أكثر، بهدف تحقيق عدة أهداف من بينها تراجع الخطيب عن «الاستقالة الإعلامية» التي أعلنها. ويتوافق الأميركيون والروس، من دون متعة التوافق، على أن الخطيب «لا يعوّض، كقيادي للمعارضة» الأمر الذي يعني العمل «دوما للحفاظ عليه»، ولاسيما في وجه البروز المتصاعد للقوى الإسلامية المتشددة في صفوف المعارضة، وفي خلفيتها نفوذ «حركة الإخوان المسلمين» العالمية.
كما يندرج الجهد التركي - القطري ضمن خطة «اليوم التالي» والتي بدأت تأخذ ملامح «محاصصة طائفية» شبيهة بتلك التي في العراق ولبنان.
وتعيد هذه الأفكار الأزمة السورية إلى صيف العام 2011، حين طرح الأتراك عبر مندوبين رسميين على دمشق تصورا «غير رسمي» لنظام محاصصة طائفية، يقوم على إبقاء مراكز القوة العسكرية والأمنية بيد ممثلين عن الأقليات المسيحية والمسلمة، ومنح الفئات الأكبر الدور الأساسي في العملية الاقتصادية والسياسية والتنموية، وهو ما أدرجت إمكانية عودة «حركة الإخوان» إلى سوريا في سياقه، وهي أفكار رفضت كما هو معروف على الفور.
المصدر :
السفير\ زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة