دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم ينتظر الرئيس بوتين – العائد من قمة البريكس – لم ينتظر الوصول الى موسكو ليناقش مع قيادته العسكرية شأنا عسكرياً هاما يتعلق بتحريك اساطيل وقوى عسكرية بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاسود بل سارع وهو في الطائرة لتوجيه الامر لقيادة الجيش الروسي باجراء مناورة بحرية واسعة النطاق في البحر الاسود وتحريك الاسطول الروسي المتواجد في المتوسط ليلاقيها في الحركة العسكرية المنسقة التي تضع تركيا بين فكي كماشة البحرية الروسية من الشمال والجنوب مع التذكير بالمعبر بينهما والذي يخترق تركيا ايضا.
قد يرى البعض ان المناورات العسكرية هذه تاتي في سياق عمل الجيوش من حيث التدريب ورفع الجهوزية، وهو رأي يؤخذ به فيما لو لم تكن البيئة العالمية على هذا القدر من الدقة والحساسية نتيجة المواجهة القائمة على الساحة السورية، وهو صراع قسم العالم الى قسمين متواجهين، ومن بقي خارجهما مدعيا الحياد او النأي بالنفس فانه و بقصد او من غير قصد يكون قد عزل نفسه اوهمشها لانه في المواجهات العالمية الكبرى لا يمكن لاحد ان يحمي حياده مهما كبر شأنه ويكون عليه ان ينتمي او يلتحق بفريق ما حتى يؤمن فرص الربح لنفسه، و ان يمنع نفسه من ان تتحول الى ورقة تعديل الاوزان بين الاقوياء لاجراء القسمة بعد الحرب.
لقد تقررت المناورات العسكرية الروسية بشكل مفاجئ وفي وضع رأى فيه البعض ان اميركا اضطرت امام صمود و ثبات الدولة السورية في معركتها الدفاعية رغم سنتين من العدوان المتعدد الاشكال والاساليب، اضطرت اميركا ان تلقي بسلاحها الثقيل في المعركة فجاء رئيسها كما بات واضحا الى المنطقة ليحشدها في معركة الحسم الفاصلة التي يعد لها خلال الاشهر الثلاثة القادمة، وعمل اوباما على تسوية العلاقة وتطبيع الاوضاع مع وبين اسرائيل وتركيا والاردن واسقط في لبنان حكومة نجيب الميقاتي التي كان اتباع الغرب يسمونها “حكومة حزب الله “، وضغط على العراق لتجنيده ضد سورية و قاد حرباً نفسية على المقاومة في لبنان مستعيدا ما يصفها به ، ودفع اسرائيل الى الانخراط المباشر في الازمة السورية و على خطوط ثلاثة، تبدأ بتمكين الجماعات المسلحة من العمل على خط وقف اطلاق النار في الجولان وتقديم الدعم والمساندة الفاعلة لهم، ثم فتح “الحدود المؤقتة” امام جرحى تلك العصابات للدخول الى مستشفيات العدو الاسرائيلي للاستشفاء في مبادرة تذكر بما كان يسمى “ الجدار الطيب “ في جنوب لبنان في العام 1976 الجدار الذي انقلب الى احتلال جنوبي الليطاني في العام 1978 واقامة الحزام الامني لاسرائيل وتكليف الرائد الفار من الجيش اللبناني سعد الحداد بقيادة قوى اسميت “جيش لبنان الحر” لادارته بالاشراف الاسرائيلي، واخيرا تسخين الاجواء في جنوب لبنان للتهويل على حزب الله بان الحرب عليه باتت قريبة في عمل يقصد منه تثبيت الحزب وتجميد حركته لمنعه من تقديم اي نوع من المؤازرة للقوى التي تدافع عن سورية.
لقد رأى بوتين ان استعادة التوازن في المشهد الدولي يلزمه عمل ميداني خاصة بعد الفجور الذي ابداه الفريق الاخر بالدعوة الى تسليح المعارضة علانية و الانخراط في الحرب بصيغة او باخرى دون مراعاة لقاعدة في قانون او اخلاق . فجور عبرت عنه مواقف وقحة اتخذتها الاطراف المنخرطة في العدوان على سورية وجاءت متزامنة مع تصعيد ميداني في اداء الجماعات المسلحة و تكثيف جرائمها، وسجل هنا السعي العلني من قبل الثنائي الاوروبي فرنسا – بريطانيا، لتسليح المعارضة السورية ثم زج القوى التي تم تدريبها في الاردن على يد الاميركيين والاوروبيين زجها في المعركة في جنوب سورية في مسعى لاقتطاع درعا وريفها و وضعها تحت سيطرة تلك الجماعات. ثم كان التلويح الاميركي والاطلسي او التسريبات بان هناك خطط وضعت او قيد الاعداد من اجل التدخل العسكري المباشر في سورية تسريبات واكبت قرارات العار العربي التي اتخذتها قمة عربان الدوحة الداعية الى امداد القتلة بالسلاح و كل انواع الذخائر الفتاكة لقتل الشعب السوري.
لقد ادركت روسيا بان هناك حبكة خداع غربية صهيونية مركبة، تريد منها اميركا الايحاء بانها جادة في الحل السلمي وتبعث في نفس القوى المدافعة عن سورية ما يخدرها، ثم تقوم بالعمل العسكري المتتابع بما يفرغ العملية السلمية من محتواها ويضع الجميع امام الامر الواقع في الميدان حيث تكون الجماعات المسلحة – كما تخطط اميركا – قد استولت على اكثر المناطق وحاصرت دمشق، ثم تاتي ولتتسلم السلطة ما يدعى انها حكومة انتقالية انشأتها اميركا وادعت التمثيل وطالبت الحلف الاطلسي بالتدخل.... في سيناريو يبدو ان من وضعه لا زال منفصلا عن الوقائع ولكن يبدو انه هو المعتمد من قبل قيادة العدوان.
هنا ادركت روسيا بان على القوى المدافعة – كل في نطاق الدائرة التي يتحرك فيها – على تلك القوى القيام بما يلزم لافشال الخطة الاميركية وتوجيه الرسائل الحازمة بان الخديعة تلك لن تمر ولان القرار السياسي لا يكون له وزن او قيمة ان لم يكن مستندا الى قوة تحميه لذا كان التصرف الميداني الضروري وجاء الرد من قبل القوى كل في نطاقه كما يلي :
1) على الصعيد السوري تنامى العمل في الاستراتيجية المتبعة في الدفاع عن سورية، وهي الاستراتيجية التي اذهلت الغرب كونها بنيت على ذهنية المواجهة الطويلة النفس، عبر الاقتصاد بالقوي ما امكن، واعتماد مبدأ المشاغلة ومنع استقرار المسلحين في اي مكان دخلوا اليه، واخيرا تكامل العمل الدفاعي بين وحدات الجيش العربي السوري والقوى الشعبية التي انتظمت في جيش الدفاع الوطني ما ادى الى تحقيق انجازات هامة في المعركة الدفاعية القائمة.
2) على الصعيد الروسي، بعد تبني قمة البريكس التي انعقدت في جنوبي افريقيا، تبنيها منطق سورية وروسيا القائم على الدعوة للحوار والحل السلمي ورفض تسليح المعارضة وعسكرة المواجهة، تشددت روسيا في مواقفها وبشكل احدث صدمة في صفوف الخصم حيث انها رفضت قرارات الجامعة العربية الداعية الى تسليح المعارضة واعتبرت ان مثل هذه الدعوة المخالفة لوظيفة الجامعة ولقواعد القانون الدولي العالم، تؤدي و بشكل قاطع الى فقدان الجامعة العربية لاي دور في الحل السلمي للازمة السورية, ثم و تتويجا لكل ما ذكر جاءت مناورات البحر الاسود لتوجه رسالة قاطعة بالغة بان روسيا لن تكتفي بالعمل السياسي والتمنيات والنصح والارشاد، بل انها جاهزة ان اقتضى الامر لعمل ميداني ان اقتضى الدفاع عن مواقفها السياسية مثل ذلك.
3) اما على صعيد من تبقى من محور المقاومة فقد كانت التحضيرات والاستعداد لاي طارئ والحركة في الميدان تحت مراقبة الاقمار الصناعية الاميركية والاسرائيلية كفيلة بايصال رسالة قصيرة وسريعة مفادها “لا تجربونا “ فاننا جاهزون والحرب ان اندلعت فلن يكون لها ضوابط او حدود.
ويبدو ان الخصم استوعب ردات الفعل واستوعب الرسائل حيث احدثت السلوكيات الدفاعية تلك مفاعليها المقصودة لذا وجدنا كيف ان فرنسا التي ابدت الحماس المنقطع النظير قبل اسبوع لتسليح الارهابيين عادت وتراجعت عن الامر بعد التطور الذي حصل، وكيف ان بريطانيا بلعت لسانها، وكيف ان الاطلسي نفى نيته او رغبته او حتى تفكيره باي تدخل عسكري في سورية وسفه الدمية المسماة ائتلاف معارضة سورية، في طلبها لاقامة حظر جوي فوق الشمال السوري. واخيرا كان التباكي الاسرائيلي على خسائر فادحة قد تقع في اسرائيل في الحرب القادمة التي ستمطر فيها اسرائيل بالف صاروخ يوميا، ولن تخرج منها الا جريحة لا تقوى على جمع جراحها.
وعليه يمكن ان نقول ان خطة اميركا التي قررت تنفيذها في الاشهر الثلاثة المقبلة يبدو انها سقطت في الاسابيع الاولى لانطلاقها واجهضتها متانة البنية الدفاعية في الداخل السوري، و صلابة المواقف الجادة للمنظومة الاقليمية والدولية التي ترفض ان ينجح العدوان على سورية في تحقيق اهدافه، فهل يؤدي هذا السقوط الى تراجع المخطط واختصار المهل والسعي الى الحل السلمي بصدق ام سيتابع التنفيذ ضمن المهلة الاصلية التي حددها؟
المصدر :
الثورة \ د. امين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة