يسير المخطط الغربي المرسوم لدول الشرق الأوسط، بشكل متسارع وجيد، على هوى ما تريد الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة لها وإن كان الأمر تطلّب أكثر من سنتين في سوريا وحدها لإيجاد الحلّ الذي يرضي مصالحها فقط لأنّه حتى الآن لم يحلّ الأزمة ولم يوقف إطلاق النار فيها..

 فكلّ ما رسمته الدول الغربية للمنطقة يتحقّق بغض النظر عن الوضع الحالي للبلدان التي طرأ عليها التغيير، وبغض النظر عمّا إذا استتب الأمن في هذه البلدان أم لا، وبغض النظر أيضاً عمّا إذا كانت متطلّبات الشعوب العربية قد وصلت الى برّ الأمان..

فالدول الغربية، بحسب رأي مرجع ديبلوماسي، شاءت أن تقلب الأنظمة في دول الشرق الأوسط تحت عنوان كبير «إحلال الديموقراطية الصحيحة»، انطلاقاً من أنّ شعوب المنطقة مغبون على أمرهم لا يحصلون على حقوقهم من رؤساء أنظمتهم الذين ورثوا السلطة أباً عن جدّ، وأورثوها لأبنائهم، غير أنّه بعد التدخّل العسكري في العراق وإسقاط نظام الرئيس صدّام حسين، ثمّ نجاح الثورات في كلّ من تونس واليمن ومصر وليبيا في قلب الأنظمة، لم نسمع حتى الآن أنّ الأمن والاستقرار سادا هذه الدول وتحقّق فيها النمو والازدهار، بل على العكس لا تزال الخلافات جارية بين الأطراف السياسية الحاكمة وكأنّ شيئاً لم يتغيّّر، فأين أحلّت الولايات المتحدة الديموقراطية وبمن تستهزىء؟

ويرى أنّ الولايات المتحدة عملت جاهدة من أجل أن يتسلّم أشخاص تابعين لها السلطة في هذه الدول لتبقى هي المهيمنة على قراراتها، كما نجدها تسيطر على كلّ قرارات جامعة الدول العربية من جهة، وعلى قرارات الأمم المتحدة من جهة ثانية، لولا الوقوف الأخير لكلّ من روسيا والصين في وجهها باستخدام حقّ النقض «الفيتو» ضدّ إدانة النظام السوري، لأنّ في الإطاحة به فتح بوّابة للقضاء على «حزب الله» في لبنان، وبالتالي إبعاد خطره وخطر التهديدات الإيرانية عن إسرائيل. وقد ظهر خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما الى الأراضي المقدسة عندما أعلن بكلّ فخر «أنّ التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل أبدي، وأنّ من مصالح أمننا القومي الرئيسية الوقوف مع إسرائيل، فإنّ ذلك يجعل كلّ منا أقوى». ودعا كلّ دولة تقيم وزناً للعدالة أن تنعت «حزب الله» بما هو فعلاً: منظمة إرهابية، على حدّ قوله، متناسياً ما فعلته ولا تزال تفعله إسرائيل بحقّ الفلسطينيين من قتل وتهجير واستيطان في أرضهم.

 

ولعلّ كلّ ما قاله أوباما كان أكثر من كاف ليُظهر انحيازه كجلاد على حساب الضحية، على ما قيل، ودعوته العالم العربي الى القبول بالكيان الصهيوني كدولة يهودية بدون تحقيق مطالب الفلسطينيين مثل حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم (إذا ترك لهم الجانب الإسرائيلي هذه الديار) ووقف بناء المستوطنات الذي لم يتمكّن أوباما في الضغط على إسرائيل للكفّ عن هذا البناء. إضافة الى تخصيص أكثر من سبعين ساعة من زيارته للإسرائيليين، مقابل خمس ساعات فقط للجانب الفلسطيني، وعدم إدراج زيارة لضريح الزعيم الراحل ياسر عرفات، في حين تضمّن برنامج زيارته قبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين.

كذلك فإنّ أوباما، بحسب رأيه، يرى الأزمة السورية بعين واحدة، فهو يتحدّث عن مخزونات الأسلحة الكيماوية التابعة للنظام، مهدّداً بعدم التهاون إذا استخدمت ضدّ الشعب، ويخشى بالتالي من وقوعها في أيدي الإرهابيين، ويغضّ النظر في الوقت نفسه عمّا تقوم به الجماعات والمعارضات المسلّحة، كما عن الأسلحة الكيماوية التي استعملتها أخيراً في معاركها، لأنّ من يسلّحها هي الدول المدعومة من بلاده. فالعالم يراقب وسوف يحاسب على ذلك، إلاّ أنّ هذا العالم لا يمثّل، من وجهة نظر الرئيس أوباما، سوى الولايات المتحدة والدول الحليفة لها.

وتساءل المرجع كيف يحذّر أوباما من خطر السلاح النووي الإيراني الذي ينادي بتدمير إسرائيل، ويشدّد على أنّه «ليس مجرد تحدّ لإسرائيل، بل خطر على العالم كلّه» داعياً الحكومة الإيرانية الى التخلّي عن الأسلحة النووية، في حين لا يرى أنّ السلاح النووي الذي تمتلكه إسرائيل يُشكّل أي خطر على دول المنطقة، لأنّه في أيدي الإسرائيليين الذين لم يطبّقوا حتى الآن أي من قرارات الأمم المتحدة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة؟!».

وبرأيه، إنّ كلّ مواقف أوباما الأخيرة بالنسبة للأزمة السورية، ترجمتها قمة الدوحة التي تستضيفها قطر أمس واليوم، فالدول العربية الحليفة لأميركا لا سيما قطر والسعودية، منحت مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة السورية في خطوة استباقية للاعتراف بالحكومة الانتقالية التي شُكّلت في اسطنبول برئاسة غسّان هيتو كبديلة عن النظام السوري . علماً أنّ هذا النظام لم يسقط بعد وكانت التسوية الأميركية- الروسية من أجل حلّ سلمي للأزمة السورية جارية على قدمٍ وساق، مع التوافق على بقاء الأسد خلال المفاوضات. لكن ما قامت به الدول العربية بإرادة أميركية كانت خطوة أمام المجتمع الدولي لإظهار أنّ العرب أنفسهم تخلّوا عن الأسد، وذلك لكي تتمكّن الولايات المتحدة والدول الغربية لاحقاً بالاعتراف بهذه الحكومة كممثلة للشعب السوري انطلاقاً من تخلّي جامعة الدول العربية عن النظام السوري، علماً أنّ مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير بشّار الجعفري لم يزل في موقعه ممثلاً للدولة السورية ، ولم تقم المنظمة بطرده بعد واستبداله بمندوب عن المعارضة السورية.

أمّا لماذا تعترف الدول العربية لأول مرة في تاريخها بمعارضة بدلاً من النظام، فلأنّ غالبيتها بحسب المرجع نفسه مهدّدة وتمارس عليها الضغوطات، فالأمراء والملوك الذين يهيمنون اليوم على السلطة في الدول العربية لا يزال عددهم كبيراً، وبدلاً من أن تطال أنظمتهم موس «الديموقراطية الصحيحة»، قرّروا التضحية بالنظام السوري مرغمين لكي يضمنوا استمراريتهم، غير أنّ الدور سيلحق بهم عاجلاً أم آجلاً، ولن يجدوا من يدافع عن بقائهم على عروشهم.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-03-30
  • 7422
  • من الأرشيف

ملوك وأمراء الدول العربيّة يُضحّون بالنظام السوري لضمان استمراريتهم

يسير المخطط الغربي المرسوم لدول الشرق الأوسط، بشكل متسارع وجيد، على هوى ما تريد الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة لها وإن كان الأمر تطلّب أكثر من سنتين في سوريا وحدها لإيجاد الحلّ الذي يرضي مصالحها فقط لأنّه حتى الآن لم يحلّ الأزمة ولم يوقف إطلاق النار فيها..  فكلّ ما رسمته الدول الغربية للمنطقة يتحقّق بغض النظر عن الوضع الحالي للبلدان التي طرأ عليها التغيير، وبغض النظر عمّا إذا استتب الأمن في هذه البلدان أم لا، وبغض النظر أيضاً عمّا إذا كانت متطلّبات الشعوب العربية قد وصلت الى برّ الأمان.. فالدول الغربية، بحسب رأي مرجع ديبلوماسي، شاءت أن تقلب الأنظمة في دول الشرق الأوسط تحت عنوان كبير «إحلال الديموقراطية الصحيحة»، انطلاقاً من أنّ شعوب المنطقة مغبون على أمرهم لا يحصلون على حقوقهم من رؤساء أنظمتهم الذين ورثوا السلطة أباً عن جدّ، وأورثوها لأبنائهم، غير أنّه بعد التدخّل العسكري في العراق وإسقاط نظام الرئيس صدّام حسين، ثمّ نجاح الثورات في كلّ من تونس واليمن ومصر وليبيا في قلب الأنظمة، لم نسمع حتى الآن أنّ الأمن والاستقرار سادا هذه الدول وتحقّق فيها النمو والازدهار، بل على العكس لا تزال الخلافات جارية بين الأطراف السياسية الحاكمة وكأنّ شيئاً لم يتغيّّر، فأين أحلّت الولايات المتحدة الديموقراطية وبمن تستهزىء؟ ويرى أنّ الولايات المتحدة عملت جاهدة من أجل أن يتسلّم أشخاص تابعين لها السلطة في هذه الدول لتبقى هي المهيمنة على قراراتها، كما نجدها تسيطر على كلّ قرارات جامعة الدول العربية من جهة، وعلى قرارات الأمم المتحدة من جهة ثانية، لولا الوقوف الأخير لكلّ من روسيا والصين في وجهها باستخدام حقّ النقض «الفيتو» ضدّ إدانة النظام السوري، لأنّ في الإطاحة به فتح بوّابة للقضاء على «حزب الله» في لبنان، وبالتالي إبعاد خطره وخطر التهديدات الإيرانية عن إسرائيل. وقد ظهر خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي باراك أوباما الى الأراضي المقدسة عندما أعلن بكلّ فخر «أنّ التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل أبدي، وأنّ من مصالح أمننا القومي الرئيسية الوقوف مع إسرائيل، فإنّ ذلك يجعل كلّ منا أقوى». ودعا كلّ دولة تقيم وزناً للعدالة أن تنعت «حزب الله» بما هو فعلاً: منظمة إرهابية، على حدّ قوله، متناسياً ما فعلته ولا تزال تفعله إسرائيل بحقّ الفلسطينيين من قتل وتهجير واستيطان في أرضهم.   ولعلّ كلّ ما قاله أوباما كان أكثر من كاف ليُظهر انحيازه كجلاد على حساب الضحية، على ما قيل، ودعوته العالم العربي الى القبول بالكيان الصهيوني كدولة يهودية بدون تحقيق مطالب الفلسطينيين مثل حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم (إذا ترك لهم الجانب الإسرائيلي هذه الديار) ووقف بناء المستوطنات الذي لم يتمكّن أوباما في الضغط على إسرائيل للكفّ عن هذا البناء. إضافة الى تخصيص أكثر من سبعين ساعة من زيارته للإسرائيليين، مقابل خمس ساعات فقط للجانب الفلسطيني، وعدم إدراج زيارة لضريح الزعيم الراحل ياسر عرفات، في حين تضمّن برنامج زيارته قبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين. كذلك فإنّ أوباما، بحسب رأيه، يرى الأزمة السورية بعين واحدة، فهو يتحدّث عن مخزونات الأسلحة الكيماوية التابعة للنظام، مهدّداً بعدم التهاون إذا استخدمت ضدّ الشعب، ويخشى بالتالي من وقوعها في أيدي الإرهابيين، ويغضّ النظر في الوقت نفسه عمّا تقوم به الجماعات والمعارضات المسلّحة، كما عن الأسلحة الكيماوية التي استعملتها أخيراً في معاركها، لأنّ من يسلّحها هي الدول المدعومة من بلاده. فالعالم يراقب وسوف يحاسب على ذلك، إلاّ أنّ هذا العالم لا يمثّل، من وجهة نظر الرئيس أوباما، سوى الولايات المتحدة والدول الحليفة لها. وتساءل المرجع كيف يحذّر أوباما من خطر السلاح النووي الإيراني الذي ينادي بتدمير إسرائيل، ويشدّد على أنّه «ليس مجرد تحدّ لإسرائيل، بل خطر على العالم كلّه» داعياً الحكومة الإيرانية الى التخلّي عن الأسلحة النووية، في حين لا يرى أنّ السلاح النووي الذي تمتلكه إسرائيل يُشكّل أي خطر على دول المنطقة، لأنّه في أيدي الإسرائيليين الذين لم يطبّقوا حتى الآن أي من قرارات الأمم المتحدة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة؟!». وبرأيه، إنّ كلّ مواقف أوباما الأخيرة بالنسبة للأزمة السورية، ترجمتها قمة الدوحة التي تستضيفها قطر أمس واليوم، فالدول العربية الحليفة لأميركا لا سيما قطر والسعودية، منحت مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة السورية في خطوة استباقية للاعتراف بالحكومة الانتقالية التي شُكّلت في اسطنبول برئاسة غسّان هيتو كبديلة عن النظام السوري . علماً أنّ هذا النظام لم يسقط بعد وكانت التسوية الأميركية- الروسية من أجل حلّ سلمي للأزمة السورية جارية على قدمٍ وساق، مع التوافق على بقاء الأسد خلال المفاوضات. لكن ما قامت به الدول العربية بإرادة أميركية كانت خطوة أمام المجتمع الدولي لإظهار أنّ العرب أنفسهم تخلّوا عن الأسد، وذلك لكي تتمكّن الولايات المتحدة والدول الغربية لاحقاً بالاعتراف بهذه الحكومة كممثلة للشعب السوري انطلاقاً من تخلّي جامعة الدول العربية عن النظام السوري، علماً أنّ مندوب سوريا في الأمم المتحدة السفير بشّار الجعفري لم يزل في موقعه ممثلاً للدولة السورية ، ولم تقم المنظمة بطرده بعد واستبداله بمندوب عن المعارضة السورية. أمّا لماذا تعترف الدول العربية لأول مرة في تاريخها بمعارضة بدلاً من النظام، فلأنّ غالبيتها بحسب المرجع نفسه مهدّدة وتمارس عليها الضغوطات، فالأمراء والملوك الذين يهيمنون اليوم على السلطة في الدول العربية لا يزال عددهم كبيراً، وبدلاً من أن تطال أنظمتهم موس «الديموقراطية الصحيحة»، قرّروا التضحية بالنظام السوري مرغمين لكي يضمنوا استمراريتهم، غير أنّ الدور سيلحق بهم عاجلاً أم آجلاً، ولن يجدوا من يدافع عن بقائهم على عروشهم.  

المصدر : الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة