لماذا نحن برابرة الى هذا الحد؟ ولماذا الذين حولنا متواطئون مع البربرية الى هذا الحد؟

وهل هناك خارج نطاق هذه الثورات الرثة من يتجرأ على القول بـ«البربرية المقدسة»؟ ويقولون انها البربرية المستوردة للتو من الله. لا تجزعوا، إن الله ضحية مثلنا، قتيل مثلنا، محطم مثلنا، بين اسنان ياجوج وماجوج مثلنا…

ولكي نزيل النظام في سورية، علينا ان نزيل، اولاً، الشعب في سورية، فأي ثوار هؤلاء، واي مسلمون هؤلاء، عندما لا يدركون بهاء دمشق، وعبقرية دمشق، التي كان يفد اليها من كل حدب وصوب من يريدون ان يكونوا اقرب الى الله، في الحالة وفي النص، في الرؤية وفي الرؤيا. لماذا لا نقول حتى في المسافة ايضاً؟

مرة تلو المرة، قلنا ان هؤلاء تلامذة التلمود، وبراثن التلمود، لا تلامذة القرآن، واحزان القرآن، لا بل انهم يهددون الآن بما هو اشد فتكاً من قذائف الهاون. يتحدثون عن ليلة الصواريخ في دمشق، ودائماً على الجامعات، والجوامع، والتجمعات، لكي يستيقظ النظام اذا تسنى له ان ينام، فلا يجد اي اثر للناس. كلهم قتلى، فيرحل، مع ان الانظمة في دنيا العرب، مثل الثورات، تستسيغ عادة ان يكون مواطنوها في العالم الآخر.

حيال تلك المشاهد في دمشق وغير دمشق، كيف لا تهتز جامعة نبيل العربي؟ بل كيف تهتز تلك الظاهرة الخشبية التي قال لنا الشاذلي القليبي ذات يوم انه سيحاول تحويلها من متحف للشمع الى مؤسسة تتقن لغة العصر. كان الرجل مثالياً اكثر من اللزوم، ومتأثراً بالنماذج الاخرى اكثر من اللزوم، ولم يدرك ان التماثيل انما صنعت من الوحل، او من الغبار اذا شئتم، لا من الشمع.

عادة، النظام هو الذي يكون همجياً لان من مزايا النظام في العالم العربي ان يقطع اي صلة بالناس، او ان يقطع اوصالهم فكرياً او جسدياً. الآن، نتعرف على طراز آخر من الثورات. الثورات الهمجية. هذا لا يحدث الا في الثورات الناطقة بالفصحى، القاتلة بالفصحى، فأي ثوار، من اجل الحرية والعدالة، يسلحهم العرب ويزيد في تسليحهم، لكي يقتلوا الطلاب في جامعاتهم، والكادحون في الميكروباصات، والاطفال والمسنين على اسرّتهم؟

سألنا، بل وتابعنا على الارض. ليست مقاتلو «جبهة النصرة» وحدهم من يتلذذون بمرأى الاشلاء التي يقدمونها كسيرة ذاتية تؤمن لهم المقام الرفيع في الجنة (فضلاً عن حوريات العين اللواتي هن الهدف الايديولوجي والاستراتيجي لذلك الطراز من الثورة والثوار). الكل ضالعون في المذبحة. من يتلقون الاوامر من الكهوف ومن يتلقون الاوامر من هذا الشهريار العربي او ذاك…

مع كل الامتنان لاولئك المثقفين الفرنسيين الذين قالوا انهم سيرفعون الصوت في وجه فرنسوا هولاند، وتحت شعار «كفانا عاراً»، لوقف تلك السياسات الزبائنية، وبالتالي استعادة البعد الاخلاقي في النظرة الفرنسية الى ما يحدث في العالم العربي، فإزالة التوتاليتاريات، وعلى نحو انتقائي كما نرى، لا يعني ان نمد بالاعتدة، وبالمستشارين، وبالشاشات، اولئك الذين يقولون بالمحاكاة بين الطريق الى الحرية والطريق الى الهاوية…

ألم يقل روجيه غارودي منذ عقدين على الاقل ان الله صناعة القلب. ولعل فرنسوا هولاند بدأ يستشعر ما يعنيه تسليح تلك القبائل البدائية، فراح يحتسب خطواته، على الاقل لان فرنسا المرهقة، المرهقة اخلاقيا وفلسفيا بالدرجة الاولى، لا تستطيع ان تتحمل السياسات البهلوانية. نذكرّه فقط بقول ريجيس دوبريه «لا تستطيع فرنسا الا ان تكون عقلاً، ونذكرّه فقط بذلك الرسم حيث بدا سيد الاليزيه على شاكلة لويس الرابع عشر بالملابس المزركشة، ممتطياً الحصان، وقد امتشق الساطور. هل هو ساطور ديكارت ام ساطور ابي مصعب الزرقاوي؟

البرابرة يزحفون الى دمشق، واحمد معاذ الخطيب الذي لا نتصور ابداً ان يكون باهتا، وفارغاً، ورهينة الى هذا الحد عاتب على اميركا لانها لا تحمي المدنيين ولقد وعدته كما يبدو باقامة منطقة حظر جوي في سوريا لكي يستطيع الوقوف على قدميه. على كل حال،هل تستطيع يا حضرة رئيس الائتلاف الوطني، بقامتك الشاحبة وباستقالتك المضحكة، ان تقول لنا من يقتل ومن يذبح ومن يغتصب من اجل ان يسقط نظاماً بات الناس يتحسرون على خشيته وعلى الاضطهاد الذي كان يمارسه لان البديل، ولا يحتاج الامر الى اي دليل، هو تقطيع الرؤوس. قالها بالفم الملآن عدنان العرعور: ان تتدحرج هذه الرؤوس الى النار…

هل هي اشلاء اهل النظام تلك التي تبعثرت على المقاعد، وعلى الجدران، في كلية الهندسة في دمشق؟ ندرك تماماً مدى هشاشة احمد معاذ الخطيب، وكيف يدار كأي شخصية صدئة اخرى، ولكن لا بد ان نسأل ونسأل ما اذا كان قد شاهد في المخيمات التركية منظر الباشا والحثالة؟ اولئك الذين لا يريدون للسوريين الا ان يكونوا تحت اقدامهم (السلجوقية إياها)، وسواء كانوا في المخيمات ام في المقابر ام في القاعات حيث لا يمكن للدمى ومهما نفختها الشاشات، والعباءات، الا ان تكون الدمى..

اجل، كان المشهد هكذا «الباشا والحثالة». مسكين احمد داود اوغلو. كان يعتقد انه سيختال في حواري دمشق، كما آباؤه الولاة، بمجرد ان يومىء باصبعه للنظام ان يسقط فيسقط.

لكن دمشق شيء آخر يا صاحب المعالي. ذهب جمال باشا السفاح بمشانقه، وبقي محيي الدين بن عربي بلآلئه!
  • فريق ماسة
  • 2013-03-29
  • 10714
  • من الأرشيف

باشا و… الحثالة

لماذا نحن برابرة الى هذا الحد؟ ولماذا الذين حولنا متواطئون مع البربرية الى هذا الحد؟ وهل هناك خارج نطاق هذه الثورات الرثة من يتجرأ على القول بـ«البربرية المقدسة»؟ ويقولون انها البربرية المستوردة للتو من الله. لا تجزعوا، إن الله ضحية مثلنا، قتيل مثلنا، محطم مثلنا، بين اسنان ياجوج وماجوج مثلنا… ولكي نزيل النظام في سورية، علينا ان نزيل، اولاً، الشعب في سورية، فأي ثوار هؤلاء، واي مسلمون هؤلاء، عندما لا يدركون بهاء دمشق، وعبقرية دمشق، التي كان يفد اليها من كل حدب وصوب من يريدون ان يكونوا اقرب الى الله، في الحالة وفي النص، في الرؤية وفي الرؤيا. لماذا لا نقول حتى في المسافة ايضاً؟ مرة تلو المرة، قلنا ان هؤلاء تلامذة التلمود، وبراثن التلمود، لا تلامذة القرآن، واحزان القرآن، لا بل انهم يهددون الآن بما هو اشد فتكاً من قذائف الهاون. يتحدثون عن ليلة الصواريخ في دمشق، ودائماً على الجامعات، والجوامع، والتجمعات، لكي يستيقظ النظام اذا تسنى له ان ينام، فلا يجد اي اثر للناس. كلهم قتلى، فيرحل، مع ان الانظمة في دنيا العرب، مثل الثورات، تستسيغ عادة ان يكون مواطنوها في العالم الآخر. حيال تلك المشاهد في دمشق وغير دمشق، كيف لا تهتز جامعة نبيل العربي؟ بل كيف تهتز تلك الظاهرة الخشبية التي قال لنا الشاذلي القليبي ذات يوم انه سيحاول تحويلها من متحف للشمع الى مؤسسة تتقن لغة العصر. كان الرجل مثالياً اكثر من اللزوم، ومتأثراً بالنماذج الاخرى اكثر من اللزوم، ولم يدرك ان التماثيل انما صنعت من الوحل، او من الغبار اذا شئتم، لا من الشمع. عادة، النظام هو الذي يكون همجياً لان من مزايا النظام في العالم العربي ان يقطع اي صلة بالناس، او ان يقطع اوصالهم فكرياً او جسدياً. الآن، نتعرف على طراز آخر من الثورات. الثورات الهمجية. هذا لا يحدث الا في الثورات الناطقة بالفصحى، القاتلة بالفصحى، فأي ثوار، من اجل الحرية والعدالة، يسلحهم العرب ويزيد في تسليحهم، لكي يقتلوا الطلاب في جامعاتهم، والكادحون في الميكروباصات، والاطفال والمسنين على اسرّتهم؟ سألنا، بل وتابعنا على الارض. ليست مقاتلو «جبهة النصرة» وحدهم من يتلذذون بمرأى الاشلاء التي يقدمونها كسيرة ذاتية تؤمن لهم المقام الرفيع في الجنة (فضلاً عن حوريات العين اللواتي هن الهدف الايديولوجي والاستراتيجي لذلك الطراز من الثورة والثوار). الكل ضالعون في المذبحة. من يتلقون الاوامر من الكهوف ومن يتلقون الاوامر من هذا الشهريار العربي او ذاك… مع كل الامتنان لاولئك المثقفين الفرنسيين الذين قالوا انهم سيرفعون الصوت في وجه فرنسوا هولاند، وتحت شعار «كفانا عاراً»، لوقف تلك السياسات الزبائنية، وبالتالي استعادة البعد الاخلاقي في النظرة الفرنسية الى ما يحدث في العالم العربي، فإزالة التوتاليتاريات، وعلى نحو انتقائي كما نرى، لا يعني ان نمد بالاعتدة، وبالمستشارين، وبالشاشات، اولئك الذين يقولون بالمحاكاة بين الطريق الى الحرية والطريق الى الهاوية… ألم يقل روجيه غارودي منذ عقدين على الاقل ان الله صناعة القلب. ولعل فرنسوا هولاند بدأ يستشعر ما يعنيه تسليح تلك القبائل البدائية، فراح يحتسب خطواته، على الاقل لان فرنسا المرهقة، المرهقة اخلاقيا وفلسفيا بالدرجة الاولى، لا تستطيع ان تتحمل السياسات البهلوانية. نذكرّه فقط بقول ريجيس دوبريه «لا تستطيع فرنسا الا ان تكون عقلاً، ونذكرّه فقط بذلك الرسم حيث بدا سيد الاليزيه على شاكلة لويس الرابع عشر بالملابس المزركشة، ممتطياً الحصان، وقد امتشق الساطور. هل هو ساطور ديكارت ام ساطور ابي مصعب الزرقاوي؟ البرابرة يزحفون الى دمشق، واحمد معاذ الخطيب الذي لا نتصور ابداً ان يكون باهتا، وفارغاً، ورهينة الى هذا الحد عاتب على اميركا لانها لا تحمي المدنيين ولقد وعدته كما يبدو باقامة منطقة حظر جوي في سوريا لكي يستطيع الوقوف على قدميه. على كل حال،هل تستطيع يا حضرة رئيس الائتلاف الوطني، بقامتك الشاحبة وباستقالتك المضحكة، ان تقول لنا من يقتل ومن يذبح ومن يغتصب من اجل ان يسقط نظاماً بات الناس يتحسرون على خشيته وعلى الاضطهاد الذي كان يمارسه لان البديل، ولا يحتاج الامر الى اي دليل، هو تقطيع الرؤوس. قالها بالفم الملآن عدنان العرعور: ان تتدحرج هذه الرؤوس الى النار… هل هي اشلاء اهل النظام تلك التي تبعثرت على المقاعد، وعلى الجدران، في كلية الهندسة في دمشق؟ ندرك تماماً مدى هشاشة احمد معاذ الخطيب، وكيف يدار كأي شخصية صدئة اخرى، ولكن لا بد ان نسأل ونسأل ما اذا كان قد شاهد في المخيمات التركية منظر الباشا والحثالة؟ اولئك الذين لا يريدون للسوريين الا ان يكونوا تحت اقدامهم (السلجوقية إياها)، وسواء كانوا في المخيمات ام في المقابر ام في القاعات حيث لا يمكن للدمى ومهما نفختها الشاشات، والعباءات، الا ان تكون الدمى.. اجل، كان المشهد هكذا «الباشا والحثالة». مسكين احمد داود اوغلو. كان يعتقد انه سيختال في حواري دمشق، كما آباؤه الولاة، بمجرد ان يومىء باصبعه للنظام ان يسقط فيسقط. لكن دمشق شيء آخر يا صاحب المعالي. ذهب جمال باشا السفاح بمشانقه، وبقي محيي الدين بن عربي بلآلئه!

المصدر : الديار/ نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة