دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بالنسبة إلى سورية، لم نعد إزاء مواقف أردنية يمكن تلخيصها في جملة مفيدة، بل إزاء مشهد أردني بالغ التعقيد، يدور مدار الأزمة السورية. لكن اتضح، الأربعاء، أن محور هذا المشهد، هو، بالفعل، كما أوجزه الزميل إبراهيم الأمين في «الأخبار» في اليوم نفسه، حين كتب أن الأردن يواجه الاختيار بين الحرب الأهلية أو الانضمام إلى جبهة الحرب على سورية.
في جلسة «النواب» المخصصة للبحث في تداعيات أزمة تفاقم أعداد اللاجئين السوريين إلى البلاد، ظهر تيار واسع بين صفوف ممثلي البيروقراطية التقليدية، للهجوم على «مهزلة» قمة الدوحة، التي جاءت بـ«زلمة أميركا» ليحتل «مقعد الدولة السورية»، وعلى قطر التي «تموّل تدمير سورية». عندها، وفي عزّ التصعيد النيابي المطالب بوقف استقبال اللاجئين أو إرسالهم إلى الدول التي تدعم المسلحين السوريين، فاجأ أحد نوّاب تيار التوطين والمحاصصة، المجلسَ، بخطاب تصعيدي، خارج موضوع الجلسة، يطالب ببحث قضية الوضع القانوني لأزواج وأبناء الأردنيات المتزوجين فلسطينيين، ما أثار على الفور، مشادات وفوضى وانسحابات، كان واضحاً أن القصد منها هو منع المجلس من اتخاذ موقف مضاد للسياسات الأميركية والقَطرية نحو سورية.
المعادلة انكشفت، إذاً، عاريةً تماماً: تمسك الأردن بمواقف إيجابية نحو دمشق، بأي صورة، سيواجَه، فوراً، بتصعيد الانشقاق الأردني ــــ الفلسطيني، نحو صدام سياسي وأجواء متشنجة، يمكن، في ظلها، حادثاً أمنياً واحداً، أن يفتح الباب نحو حرب أهلية. هكذا، قد نكون في مواجهة لحظة الهاوية، وسط ضغوط عديدة، اقتصادية ومالية وإعلامية وأمنية، لعلها الأساس وراء الغموض الذي يكتنف المشهد.
لم يسجّل الوفد الأردني في قمة الدوحة اعتراضاً رسمياً على الاعتراف بـ«الائتلاف»، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، لكن الملك عبد الله الثاني، كان متعجلاً مغادرة العاصمة القَطرية، حتى إنه درس إيكال مهمة إلقاء كلمة الأردن في القمة إلى وليّ عهده، الفتى اليافع، حسين، كنوع من التمرين الافتراضي في قمة افتراضية. في النهاية، ألقى الكلمة بنفسه، متجاهلاً، كلياً، وفد معاذ الخطيب واتجاهات القمة، ليؤكد مخاطر تفاقم الأزمة السورية على الإقليم، ويدعو إلى «حل سياسي سلمي بمشاركة جميع الأطراف»، أي حل بمشاركة النظام السوري، في تطابق واضح مع الموقف الروسيّ. وكان الملك الأردني قد أكّد الموقف نفسه، في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، لدى زيارة الأخير لعمان يوم الجمعة الماضي.
في مجلس النوّاب، في اليوم التالي للقمة، كان يمكن الدولة الأردنية العميقة أن تعرب عن غضبها إزاء «مهزلة الدوحة». وليس من دون معنى أن رئيس مجلس النواب الأسبق والنائب المخضرم، عبدالكريم الدغمي، المقرّب من دوائر القرار، هو الذي افتتح الهجوم على قطر والدول المموّلة للحرب على سورية و«الائتلاف» التابع لأميركا التي «ستحصل على الغُنم، بينما يحصل الأردن على الغُرم» من تداعيات الأزمة السورية.
لم يأت الدغمي على ذكر التعاون الأردني ـــ الأميركي في تدريب المنشقين السوريين. ورغم أن هذا الخبر أصبح متداولاً في الصحافة العالمية، إلا أن المسؤولين الأردنيين يحيطونه بالكتمان الشديد، وينكرونه كلياً، ما يثير العديد من التكهنات في تفسير التناقض في السياسات الأردنية نحو سورية.
الإخوان المسلمون الذين رحّبوا «بتبوّء الشيخ أحمد معاذ الخطيب، المقعد السوري في القمة العربية، وطالبوا بتسليم السفارات السورية لممثلي الائتلاف الوطني»، تجاهلوا مطالبة الخطيب بالتدخل العسكري الأميركي ضد بلاده، لكنهم، في المقابل، اتهموا السلطات الأردنية بتدريب منشقين سوريين وتجنيد عناصر من اللاجئين والفصائل المسلحة، بهدف «التأثير على مسار الثورة السورية».
يؤكّد الإخوان، إذاً، أن عمان لا تساعد الجماعات السورية المسلحة، بل تسعى إلى اختراقها، عسكرياً وأمنياً. فهل نأخذ بهذا الاقتراح لحلّ لغز تناقض السياسات الأردنية نحو سورية؟ وهل يمكن، عندها، فهم دواعي الإجراءات المكتومة؟ وهل نحن بإزاء مساحة تفاهم بين عمان ودمشق؟ أسئلة معلّقة، يظهر، من بينها، السؤال الأساسيّ، عن طبيعة التفاهمات الأردنية ـــ الأميركية، وتقاطعها مع التفاهمات الأردنية ـــ الروسية؟ أيؤدي الأردن ـــ الرافض، حتماً، للسياسات القَطرية التركية الإخوانية، سوريّاً وإقليمياً ـــ دوراً متشابك المصالح والأهداف؟
للأردن مصلحة أكيدة في حل بمشاركة النظام السوري، يكفل عدم أسلمة أو تقسيم البلد الجار أو تحوّله حصناً إرهابياً. وهذا هو جوهر توجهه السياسي، لكنه يتحسّب لإمكانية تحقيق المعارضة المسلحة، نجاحاً، فلا يتركها من دون حضور داخلها، بينما يعيش، لحظة بلحظة، الضغوط الكارثية لسيل اللاجئين المتدفّق نحوه، بين ضغوط عديدة أخرى، تصبّ في مجرى التهديد بانفجار داخلي.
المصدر :
الأخبار/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة