لا يمكن اختصار ما يجري في مناطق القتال في سورية على المعارك بين الجيش والمعارضة المسلحة. فالأخيرة ليست موحدة، والمعارك التي تدور بين مقاتليها عنيفة، خصوصاً أنها أيديولوجية إلى حد ما، فكل جهة تبحث لإحكام سيطرتها على منطقة معينة والتوسع منها.

 ومن المعروف أن المعارك بين مايسمى «كتيبة الفاروق» و«جبهة النصرة» هي الأبرز، وقد نقلت مجلة «التايم» الأميركية أمس الأول تقريراً عن هذا الاقتتال الداخلي عبر قصة الاعتداء على قائد «كتيبة الفاروق» أبو عزام.

«بدأ يوم الأحد (الماضي) عادياً بالنسبة لمحمد الضاهر، المعروف بأبو عزام، وهو قائد كتيبة الفاروق في منطقة الجزيرة في شرقي سورية والممتدة من الحدود التركية إلى الحدود العراقية، وتجمع ثلاث محافظات الرقة، الحسكة ودير الزور»، تروي الـ«التايم».

شارك القيادي (34 عاماً) في مجموعة اجتماعات في مدينة تل الأبيض على الحدود التركية، ومن ثم توجه لرؤية والدته أم محمد. وبعد السلام، قال لها «حتى لا تسمعي ذلك من أحد آخر، زرعوا عبوة في سيارتي البارحة»، وأضاف «أعلم أني سأموت على يد النظام أو الجبهة»، وكأنه استحضر ما سيحصل له فعلاً بعد عدة ساعات. ثم تساءل «ما هي المناطق التي حرروها؟ إنهم هنا فقط لمحاولة فرض قوانينهم علينا... هددوا بأن يصنفوني على أني كافر، بسبب ذلك».

وهذه ليست المرة الأولى التي يشتبك فيها أبو عزام مع المتشددين الإسلاميين. فقبل تل الأبيض، كان هو المسؤول عن معبر باب الهوى على الحدود التركية، ونشب خلاف حاد وقتها حين أراد أبو محمد العبسي، وهو قائد كتيبة من الجهاديين الأجانب، رفع علم تنظيم «القاعدة» الأسود. إلا أن أبا عبسي قتل في أيلول العام 2012، غالباً على يد «كتيبة الفاروق»، ولم يسكت الجهاديون، بل انتقموا لاحقاً عبر اغتيال خليفة أبو عزام في باب الهوى.

وفي عدة لقاءات مع «التايم»، كان أبو عزام واضحاً في أنه «لن يسمح للإسلاميين المتشددين بسرقة ما اسماها بالثورة». يُذكر أن «كتيبة الفاروق» انطلقت من حمص والرستن بعد أشهر من بدء الاحتجاجات في سورية، وبدأت بالعمل تحت مظلة «الجيش  الحر»، وقد شكلت وحدات امتدت من درعا جنوباً إلى الحدود التركية شمالاً.

بعد الغداء عند الوالدة، ذهب أبو منصور، وهو نائب أبو عزام وقريبه، للاطمئنان على عائلته في مدينة أكجاكالي على الجانب التركي. وما هي إلا دقائق بعد وصوله ـ تقريباً عند الساعة الخامسة بعد الظهر ـ حتى وصله خبر إصابة أبو عزام. فقد تلقى الأخير رسالة أن «جبهة النصرة» نصبت حاجزاً في الطريق الرئيسي في تل الأبيض، واعتقلت عدداً من عناصر «الفاروق»، فما كان منه إلا أن حمل سلاحه وترك منزل والدته، وما أن وصل إلى الموقع وخرج من سيارته حتى ألقى عليه عناصر الجبهة قنبلة، أسفرت عن إصابته وآخرين، ونقل الجرحى سريعاً الى أكجاكالي.

توافد مقاتلو «الفاروق» على المستشفى، تلقى أحدهم اتصالاً، وبدأ بالصراخ «لا أحد يفعل شيء قبل أن نحصل على الرجال والسلاح... فليهدأ الرجال، تحدث مع أم محمد (والدة أبو عزام)، وافعلوا ما تقول لكم».

حملت أم محمد الهاتف «الوقت ليس مناسباً لاتخاذ قرارات متهورة، علينا أن نكون أذكياء، اهدأوا، جميعنا غاضبون. الأمر أصبح شخصياً، ولا نريد أن نخسر المزيد من الأرواح».

وبحسب ما تبين في المستشفى، فقد قتل في الاشتباكات مقاتلان من «جبهة النصرة»، إلا أن أبو عزام وحتى اليوم لا يزال على قيد الحياة برعاية أمنية تركية.

ومساء يوم الأحد، جلس اثنان من «كتيبة الفاروق» أمام منزل أبو منصور في الجهة التركية، وقال أحدهم إن الأيام التي مرت جعلته يريد أن ينسى «الثورة»، وأضاف «إذا تحولت إلى هذا الشكل، أن نقاتل بعضنا، فأنا أريد أن أجلس في المنزل وأدعم (الرئيس السوري) بشار (الأسد)».

ولا زالت الاشتباكات مستمرة بين «كتيبة الفاروق» و«جبهة النصرة» في تل الأبيض على الأقل، ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

ومن المعروف أن «الجهاديين» في سورية يأتون من كل حدب وصوب، ونقلت صحيفة «وورلد تريبون» الإلكترونية أمس، عن مصادر أسمتها «إسلامية» أن قطر والسعودية مولتا تجنيد مقاتلين من الشيشان، وغالبيتهم من قدامى المقاتلين في الحرب ضد روسيا منذ 15 عاماً، وخبراء تصنيع قنابل.

وبحسب المصادر فإنه «يُنظر إلى الشيشان على أنهم أفضل المقاتلين الجهاديين، وقد تم استخدامهم في عدة حملات».

وفي شباط العام الحالي، نُشر فيديو على الانترنت للقيادي أبو عمر الشيشاني يطلب من رفاقه الانضمام إليه للحرب في سورية. وقال «لقد فوتنا فرصاً كثيرة، ولكن اليوم صدقاً هناك فرصة لإقامة دولة إسلامية».

ووفقاً لمصادر «وورلد تريبيون»، فإنه إلى حد الآن قاتل حوالي مئة شيشاني في سورية، ويقال عنهم إنهم الأكثر تنظيماً وجرأة. وقتل 17 منهم في المعارك خارج حلب في شباط العام الحالي.
  • فريق ماسة
  • 2013-03-28
  • 10985
  • من الأرشيف

وجه آخر للصراع بين «النصرة» و«الفاروق»

لا يمكن اختصار ما يجري في مناطق القتال في سورية على المعارك بين الجيش والمعارضة المسلحة. فالأخيرة ليست موحدة، والمعارك التي تدور بين مقاتليها عنيفة، خصوصاً أنها أيديولوجية إلى حد ما، فكل جهة تبحث لإحكام سيطرتها على منطقة معينة والتوسع منها.  ومن المعروف أن المعارك بين مايسمى «كتيبة الفاروق» و«جبهة النصرة» هي الأبرز، وقد نقلت مجلة «التايم» الأميركية أمس الأول تقريراً عن هذا الاقتتال الداخلي عبر قصة الاعتداء على قائد «كتيبة الفاروق» أبو عزام. «بدأ يوم الأحد (الماضي) عادياً بالنسبة لمحمد الضاهر، المعروف بأبو عزام، وهو قائد كتيبة الفاروق في منطقة الجزيرة في شرقي سورية والممتدة من الحدود التركية إلى الحدود العراقية، وتجمع ثلاث محافظات الرقة، الحسكة ودير الزور»، تروي الـ«التايم». شارك القيادي (34 عاماً) في مجموعة اجتماعات في مدينة تل الأبيض على الحدود التركية، ومن ثم توجه لرؤية والدته أم محمد. وبعد السلام، قال لها «حتى لا تسمعي ذلك من أحد آخر، زرعوا عبوة في سيارتي البارحة»، وأضاف «أعلم أني سأموت على يد النظام أو الجبهة»، وكأنه استحضر ما سيحصل له فعلاً بعد عدة ساعات. ثم تساءل «ما هي المناطق التي حرروها؟ إنهم هنا فقط لمحاولة فرض قوانينهم علينا... هددوا بأن يصنفوني على أني كافر، بسبب ذلك». وهذه ليست المرة الأولى التي يشتبك فيها أبو عزام مع المتشددين الإسلاميين. فقبل تل الأبيض، كان هو المسؤول عن معبر باب الهوى على الحدود التركية، ونشب خلاف حاد وقتها حين أراد أبو محمد العبسي، وهو قائد كتيبة من الجهاديين الأجانب، رفع علم تنظيم «القاعدة» الأسود. إلا أن أبا عبسي قتل في أيلول العام 2012، غالباً على يد «كتيبة الفاروق»، ولم يسكت الجهاديون، بل انتقموا لاحقاً عبر اغتيال خليفة أبو عزام في باب الهوى. وفي عدة لقاءات مع «التايم»، كان أبو عزام واضحاً في أنه «لن يسمح للإسلاميين المتشددين بسرقة ما اسماها بالثورة». يُذكر أن «كتيبة الفاروق» انطلقت من حمص والرستن بعد أشهر من بدء الاحتجاجات في سورية، وبدأت بالعمل تحت مظلة «الجيش  الحر»، وقد شكلت وحدات امتدت من درعا جنوباً إلى الحدود التركية شمالاً. بعد الغداء عند الوالدة، ذهب أبو منصور، وهو نائب أبو عزام وقريبه، للاطمئنان على عائلته في مدينة أكجاكالي على الجانب التركي. وما هي إلا دقائق بعد وصوله ـ تقريباً عند الساعة الخامسة بعد الظهر ـ حتى وصله خبر إصابة أبو عزام. فقد تلقى الأخير رسالة أن «جبهة النصرة» نصبت حاجزاً في الطريق الرئيسي في تل الأبيض، واعتقلت عدداً من عناصر «الفاروق»، فما كان منه إلا أن حمل سلاحه وترك منزل والدته، وما أن وصل إلى الموقع وخرج من سيارته حتى ألقى عليه عناصر الجبهة قنبلة، أسفرت عن إصابته وآخرين، ونقل الجرحى سريعاً الى أكجاكالي. توافد مقاتلو «الفاروق» على المستشفى، تلقى أحدهم اتصالاً، وبدأ بالصراخ «لا أحد يفعل شيء قبل أن نحصل على الرجال والسلاح... فليهدأ الرجال، تحدث مع أم محمد (والدة أبو عزام)، وافعلوا ما تقول لكم». حملت أم محمد الهاتف «الوقت ليس مناسباً لاتخاذ قرارات متهورة، علينا أن نكون أذكياء، اهدأوا، جميعنا غاضبون. الأمر أصبح شخصياً، ولا نريد أن نخسر المزيد من الأرواح». وبحسب ما تبين في المستشفى، فقد قتل في الاشتباكات مقاتلان من «جبهة النصرة»، إلا أن أبو عزام وحتى اليوم لا يزال على قيد الحياة برعاية أمنية تركية. ومساء يوم الأحد، جلس اثنان من «كتيبة الفاروق» أمام منزل أبو منصور في الجهة التركية، وقال أحدهم إن الأيام التي مرت جعلته يريد أن ينسى «الثورة»، وأضاف «إذا تحولت إلى هذا الشكل، أن نقاتل بعضنا، فأنا أريد أن أجلس في المنزل وأدعم (الرئيس السوري) بشار (الأسد)». ولا زالت الاشتباكات مستمرة بين «كتيبة الفاروق» و«جبهة النصرة» في تل الأبيض على الأقل، ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً. ومن المعروف أن «الجهاديين» في سورية يأتون من كل حدب وصوب، ونقلت صحيفة «وورلد تريبون» الإلكترونية أمس، عن مصادر أسمتها «إسلامية» أن قطر والسعودية مولتا تجنيد مقاتلين من الشيشان، وغالبيتهم من قدامى المقاتلين في الحرب ضد روسيا منذ 15 عاماً، وخبراء تصنيع قنابل. وبحسب المصادر فإنه «يُنظر إلى الشيشان على أنهم أفضل المقاتلين الجهاديين، وقد تم استخدامهم في عدة حملات». وفي شباط العام الحالي، نُشر فيديو على الانترنت للقيادي أبو عمر الشيشاني يطلب من رفاقه الانضمام إليه للحرب في سورية. وقال «لقد فوتنا فرصاً كثيرة، ولكن اليوم صدقاً هناك فرصة لإقامة دولة إسلامية». ووفقاً لمصادر «وورلد تريبيون»، فإنه إلى حد الآن قاتل حوالي مئة شيشاني في سورية، ويقال عنهم إنهم الأكثر تنظيماً وجرأة. وقتل 17 منهم في المعارك خارج حلب في شباط العام الحالي.

المصدر : الماسة السورية/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة