فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما العالم بنجاحه، ليس في وقف الاستيطان ولا في تحريك العملية السلمية، وإنما في إنهائه الخلاف القائم بين إسرائيل وتركيا منذ اقتحام القوات الإسرائيلية سفينة «مرمرة» في عرض البحر المتوسط، وقتلها مجموعة من المتضامنين الأتراك مع أهالي قطاع غزة قبل نحو ثلاثة اعوام. وقبلت إسرائيل تقديم الاعتذار الرسمي لتركيا عن المجزرة، وهذا ما حصل، ووافقت تركيا بدورها على إعادة العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين إلى طبيعتها.

وشكلت محاولة إقامة الصلح بين رئيسي الحكومتين، التركية رجب طيب أردوغان والإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المسعى الفعلي الأساسي لزيارة أوباما، وهو ما غطى على المسعى الإعلامي حتى في التقرب من الجمهور الإسرائيلي. وفي هذه الأثناء تبين أن في إسرائيل نوعا من الانتقاد الضمني لعدم اهتمام الإدارة الأميركية بتصعيد الهجوم على النظام السوري.

وهكذا ما ان ترك أوباما إسرائيل متجهاً إلى الأردن، حتى نشر البيت الأبيض بلاغاً مثيراً، أشار فيه إلى اعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلية لتركيا في اتصال هاتفي أجراه مع أردوغان عن نتائج الغارة الإسرائيلية على سفينة «مرمرة». وجاء في بيان البيت الأبيض أن «الولايات المتحدة تكن التقدير العميق للشراكة سواء مع تركيا أو مع إسرائيل، ونحن نولي أهمية كبيرة لترميم العلاقات الإيجابية بينهما لتحقيق السلام الإقليمي والأمن». وأضاف البيان ان أوباما «يأمل أن يسمح الحوار لهما (نتنياهو وأردوغان) بالتعاون بشكل أعمق، لمواجهة التحديات الكثيرة والفرص».

وقد تحادث نتنياهو هاتفياً مع أردوغان بعد وساطة أوباما، مقدماً اعتذار إسرائيل. وأعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن الاتفاق مع تركيا تضمن وقف جميع الإجراءات القضائية التي اتخذت ضد جنود وضباط إسرائيليين شاركوا في العملية، وأن إسرائيل ستحول أموالاً إلى صندوق إنساني كتعويضات طلبتها تركيا.

وجاء في بيان الحكومة الإسرائيلية أن «نتنياهو قال لرئيس الحكومة أردوغان انه أجرى مباحثات طيبة مع الرئيس أوباما بشأن التعاون الإقليمي وأهمية العلاقات الإسرائيلية التركية. وقد أعرب نتنياهو عن أسفه لتدهور العلاقات الإسرائيلية التركية، وعن التزامه بتسوية الخلافات بهدف تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة». وشدد البيان على أن نتنياهو «قال انه رأى المقابلة الأخيرة التي منحها أردوغان لصحيفة دنمركية، وأعرب عن تقديره لتصريحاته». وكان أردوغان قد حاول في المقابلة هذه توضيح أن ما نُسب إليه من قول بأن «الصهيونية جريمة ضد الإنسانية» لم يُفسر كما ينبغي.

وبحسب البيان الإسرائيلي فإن «نتنياهو أوضح أن النتائج المأساوية لأسطول مرمرة لم تكن مقصودة، وأن إسرائيل أعربت عن أسفها على المساس وفقدان أرواح. وفي ضوء التحقيق الإسرائيلي للحادث الذي أشار إلى عدة أخطاء عملانية، أعرب رئيس الحكومة نتنياهو عن اعتذاره للشعب التركي عن كل خطأ قاد إلى خسارة أرواح، ووافق على إتمام اتفاق حول التعويضات».

وبشأن المطلب التركي الثالث أي رفع الحصار عن قطاع غزة، أوضح البيان أن «نتنياهو أشار أيضاً إلى أن إسرائيل رفعت عدة قيود على حركة المواطنين والبضائع على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة، وهذا سيستمر ما تم الحفاظ على الهدوء».

بدورها، أعلنت رئاسة الحكومة التركية أنه، خلال المكالمة الهاتفية مع نتنياهو، قبل أردوغان باسم الشعب التركي الاعتذار، وشدد على الأهمية الكامنة في الصداقة القوية والتعاون بين «الشعبين» الإسرائيلي والتركي.

وقد تمت المكالمة الهاتفية بين أردوغان ونتنياهو قبل دقائق معدودة من مراسم وداع إسرائيل للرئيس الأميركي. وأعلن البيت الأبيض عن المكالمة والاعتذار وعودة العلاقات بين الدولتين أثناء مراسم الوداع. وقال مسؤولون أميركيون ان المكالمة التي استغرقت 30 دقيقة أجريت في مطار تل أبيب، حيث اجتمع نتنياهو وأوباما قبل يستقل الأخير طائرته متجهاً إلى الأردن.

وخلال مؤتمره الصحافي مع الملك الأردني عبد الله الثاني في عمان، اعتبر أوباما أن الوقت الآن مناسب لأن تصلح إسرائيل وتركيا علاقتهما، مضيفاً: ليس على الدولتين أن تتوافقا على كل شيء لتعملا معاً على الأمن في المنطقة وقضايا أخرى.

واعتبرت أوساط إسرائيلية أن الاتفاق على إعادة العلاقات وحل الأزمة مع تركيا يشكل إنجازاً لإسرائيل. وأشار موقع «يديعوت» الإلكتروني إلى أن «أوباما وصل إلى هنا طالباً إنهاء الأزمة، والاقتراح الذي قُبل هو اقتراح بلورته إسرائيل. وهي قادت خطوة وضعت أوباما كزعيم للعالم، وسمحت له بالخروج من زيارته هنا بإنجاز. وفي الإعداد للزيارة قال الأميركيون انهم يرغبون في حل هذه المسألة وأنهم يريدونها هدية الوداع».

وشددت المصادر الإسرائيلية على أن استئناف العلاقات مع تركيا يتسم بأهمية فائقة خصوصاً هذه الأيام بسبب ما يجري في سورية وحاجة أميركا لخلق محور مضاد للرئيس السوري بشار الأسد. وأضافت ان نتنياهو «اتخذ قراراً صعباً في كل ما يتعلق بالاعتذار عما قررت لجنة فحص إسرائيلية أنه أخطاء عملانية».

ومن المهم معرفة أن الجيش الإسرائيلي كثيراً ما طالب بتقديم الاعتذار لتركيا نظراً لأهمية العلاقات الاستراتيجية معها. وقد حاول وزير الدفاع السابق إيهود باراك ترميم العلاقة مع تركيا مراراً بما في ذلك القبول بتقديم اعتذار، إلا إن ما حال دون حل الأزمة كان موقف وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان.

والواقع أن ليبرمان لم يعجبه الحل الذي تم فحمل بشدة على قرار نتنياهو الاعتذار، وقال «ان اعتذار دولة إسرائيل عن نشاط جنود الجيش الإسرائيلي ضد منظمة إرهابية خطأ خطير». وليبرمان، الذي يرأس حزب «إسرائيل بيتنا» ويتولى اليوم رئاسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أضاف ان «كل من رأى الصور التي التقطت على سفينة مرمرة يفهم من دون ريب أن الجيش الإسرائيلي عمل انطلاقاً من الدفاع عن النفس ضد نشطاء منظمة IHH (مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية) المعروفة كمنظمة إرهابية حتى في الدول الأوروبية، وبينها المانيا وهولندا». وخلص ليبرمان إلى أن «اعتذاراً كهذا يضر حافزية جنود الجيش الإسرائيلي واستعدادهم للخروج في مهمات كهذه في المستقبل ويعزز الجهات المتطرفة في المنطقة».

عموماً انتقدت أوساط إسرائيلية موقف الرئيس الأميركي من الوضع في سورية. ونقلت «معاريف» عن هذه الأوساط قولها ان أوباما يطالب إسرائيل بالشجاعة لكنه لا يتصرف مع سورية هكذا. وأشارت «معاريف» إلى أن أوباما في لقاءات مغلقة، يشرح أن سورية تعكس تحديات أكثر تعقيداً من التحدي الليبي. ويُقدم تفسيرات منمقة عن الفوارق بين الحالتين. فسورية، كما يدّعي، تتشكل من مجموعات عرقية متنازعة في ما بينها، و«جيش الأسد أقوى من جيش القذافي سابقاً». والأهم، أنه يرفض اتخاذ أي قرار لا يقره مجلس الأمن الدولي.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-22
  • 11327
  • من الأرشيف

أوبـامـا يصـالـح إسـرائيـل وتـركيـا

فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما العالم بنجاحه، ليس في وقف الاستيطان ولا في تحريك العملية السلمية، وإنما في إنهائه الخلاف القائم بين إسرائيل وتركيا منذ اقتحام القوات الإسرائيلية سفينة «مرمرة» في عرض البحر المتوسط، وقتلها مجموعة من المتضامنين الأتراك مع أهالي قطاع غزة قبل نحو ثلاثة اعوام. وقبلت إسرائيل تقديم الاعتذار الرسمي لتركيا عن المجزرة، وهذا ما حصل، ووافقت تركيا بدورها على إعادة العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين إلى طبيعتها. وشكلت محاولة إقامة الصلح بين رئيسي الحكومتين، التركية رجب طيب أردوغان والإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المسعى الفعلي الأساسي لزيارة أوباما، وهو ما غطى على المسعى الإعلامي حتى في التقرب من الجمهور الإسرائيلي. وفي هذه الأثناء تبين أن في إسرائيل نوعا من الانتقاد الضمني لعدم اهتمام الإدارة الأميركية بتصعيد الهجوم على النظام السوري. وهكذا ما ان ترك أوباما إسرائيل متجهاً إلى الأردن، حتى نشر البيت الأبيض بلاغاً مثيراً، أشار فيه إلى اعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلية لتركيا في اتصال هاتفي أجراه مع أردوغان عن نتائج الغارة الإسرائيلية على سفينة «مرمرة». وجاء في بيان البيت الأبيض أن «الولايات المتحدة تكن التقدير العميق للشراكة سواء مع تركيا أو مع إسرائيل، ونحن نولي أهمية كبيرة لترميم العلاقات الإيجابية بينهما لتحقيق السلام الإقليمي والأمن». وأضاف البيان ان أوباما «يأمل أن يسمح الحوار لهما (نتنياهو وأردوغان) بالتعاون بشكل أعمق، لمواجهة التحديات الكثيرة والفرص». وقد تحادث نتنياهو هاتفياً مع أردوغان بعد وساطة أوباما، مقدماً اعتذار إسرائيل. وأعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن الاتفاق مع تركيا تضمن وقف جميع الإجراءات القضائية التي اتخذت ضد جنود وضباط إسرائيليين شاركوا في العملية، وأن إسرائيل ستحول أموالاً إلى صندوق إنساني كتعويضات طلبتها تركيا. وجاء في بيان الحكومة الإسرائيلية أن «نتنياهو قال لرئيس الحكومة أردوغان انه أجرى مباحثات طيبة مع الرئيس أوباما بشأن التعاون الإقليمي وأهمية العلاقات الإسرائيلية التركية. وقد أعرب نتنياهو عن أسفه لتدهور العلاقات الإسرائيلية التركية، وعن التزامه بتسوية الخلافات بهدف تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة». وشدد البيان على أن نتنياهو «قال انه رأى المقابلة الأخيرة التي منحها أردوغان لصحيفة دنمركية، وأعرب عن تقديره لتصريحاته». وكان أردوغان قد حاول في المقابلة هذه توضيح أن ما نُسب إليه من قول بأن «الصهيونية جريمة ضد الإنسانية» لم يُفسر كما ينبغي. وبحسب البيان الإسرائيلي فإن «نتنياهو أوضح أن النتائج المأساوية لأسطول مرمرة لم تكن مقصودة، وأن إسرائيل أعربت عن أسفها على المساس وفقدان أرواح. وفي ضوء التحقيق الإسرائيلي للحادث الذي أشار إلى عدة أخطاء عملانية، أعرب رئيس الحكومة نتنياهو عن اعتذاره للشعب التركي عن كل خطأ قاد إلى خسارة أرواح، ووافق على إتمام اتفاق حول التعويضات». وبشأن المطلب التركي الثالث أي رفع الحصار عن قطاع غزة، أوضح البيان أن «نتنياهو أشار أيضاً إلى أن إسرائيل رفعت عدة قيود على حركة المواطنين والبضائع على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك غزة، وهذا سيستمر ما تم الحفاظ على الهدوء». بدورها، أعلنت رئاسة الحكومة التركية أنه، خلال المكالمة الهاتفية مع نتنياهو، قبل أردوغان باسم الشعب التركي الاعتذار، وشدد على الأهمية الكامنة في الصداقة القوية والتعاون بين «الشعبين» الإسرائيلي والتركي. وقد تمت المكالمة الهاتفية بين أردوغان ونتنياهو قبل دقائق معدودة من مراسم وداع إسرائيل للرئيس الأميركي. وأعلن البيت الأبيض عن المكالمة والاعتذار وعودة العلاقات بين الدولتين أثناء مراسم الوداع. وقال مسؤولون أميركيون ان المكالمة التي استغرقت 30 دقيقة أجريت في مطار تل أبيب، حيث اجتمع نتنياهو وأوباما قبل يستقل الأخير طائرته متجهاً إلى الأردن. وخلال مؤتمره الصحافي مع الملك الأردني عبد الله الثاني في عمان، اعتبر أوباما أن الوقت الآن مناسب لأن تصلح إسرائيل وتركيا علاقتهما، مضيفاً: ليس على الدولتين أن تتوافقا على كل شيء لتعملا معاً على الأمن في المنطقة وقضايا أخرى. واعتبرت أوساط إسرائيلية أن الاتفاق على إعادة العلاقات وحل الأزمة مع تركيا يشكل إنجازاً لإسرائيل. وأشار موقع «يديعوت» الإلكتروني إلى أن «أوباما وصل إلى هنا طالباً إنهاء الأزمة، والاقتراح الذي قُبل هو اقتراح بلورته إسرائيل. وهي قادت خطوة وضعت أوباما كزعيم للعالم، وسمحت له بالخروج من زيارته هنا بإنجاز. وفي الإعداد للزيارة قال الأميركيون انهم يرغبون في حل هذه المسألة وأنهم يريدونها هدية الوداع». وشددت المصادر الإسرائيلية على أن استئناف العلاقات مع تركيا يتسم بأهمية فائقة خصوصاً هذه الأيام بسبب ما يجري في سورية وحاجة أميركا لخلق محور مضاد للرئيس السوري بشار الأسد. وأضافت ان نتنياهو «اتخذ قراراً صعباً في كل ما يتعلق بالاعتذار عما قررت لجنة فحص إسرائيلية أنه أخطاء عملانية». ومن المهم معرفة أن الجيش الإسرائيلي كثيراً ما طالب بتقديم الاعتذار لتركيا نظراً لأهمية العلاقات الاستراتيجية معها. وقد حاول وزير الدفاع السابق إيهود باراك ترميم العلاقة مع تركيا مراراً بما في ذلك القبول بتقديم اعتذار، إلا إن ما حال دون حل الأزمة كان موقف وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان. والواقع أن ليبرمان لم يعجبه الحل الذي تم فحمل بشدة على قرار نتنياهو الاعتذار، وقال «ان اعتذار دولة إسرائيل عن نشاط جنود الجيش الإسرائيلي ضد منظمة إرهابية خطأ خطير». وليبرمان، الذي يرأس حزب «إسرائيل بيتنا» ويتولى اليوم رئاسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أضاف ان «كل من رأى الصور التي التقطت على سفينة مرمرة يفهم من دون ريب أن الجيش الإسرائيلي عمل انطلاقاً من الدفاع عن النفس ضد نشطاء منظمة IHH (مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية) المعروفة كمنظمة إرهابية حتى في الدول الأوروبية، وبينها المانيا وهولندا». وخلص ليبرمان إلى أن «اعتذاراً كهذا يضر حافزية جنود الجيش الإسرائيلي واستعدادهم للخروج في مهمات كهذه في المستقبل ويعزز الجهات المتطرفة في المنطقة». عموماً انتقدت أوساط إسرائيلية موقف الرئيس الأميركي من الوضع في سورية. ونقلت «معاريف» عن هذه الأوساط قولها ان أوباما يطالب إسرائيل بالشجاعة لكنه لا يتصرف مع سورية هكذا. وأشارت «معاريف» إلى أن أوباما في لقاءات مغلقة، يشرح أن سورية تعكس تحديات أكثر تعقيداً من التحدي الليبي. ويُقدم تفسيرات منمقة عن الفوارق بين الحالتين. فسورية، كما يدّعي، تتشكل من مجموعات عرقية متنازعة في ما بينها، و«جيش الأسد أقوى من جيش القذافي سابقاً». والأهم، أنه يرفض اتخاذ أي قرار لا يقره مجلس الأمن الدولي.

المصدر : السفير/حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة