لم يستطع أي فريق دولي أو إقليمي تحديد جواب عن سؤال عريض: إلى أين تذهب منطقة الشرق الأوسط؟. ثمة ثابتة غربية واحدة "أمن إسرائيل لا يجب أن يهتز". الإتفاق الروسي-الأميركي حول عنوان الحل السوري حصل، لكن شيطان التفاصيل قائم، لاعتبارات لا تمت إلى العناوين التي تطرحها المعارضة بصلة. لا يهم الأميركيين موضوع بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه أو عدمه، فالهدف أبعد من حدود شخص الرئيس وقياديي الحكم في سورية، إذ أن واشنطن تعلم أن الأسد قادر على الصمود والفوز بالإنتخابات المقبلة، خصوصاً مع إرتفاع منسوب تذمّر السوريين من تصرفات المسلحين المعارضين والعنف والذبح والتنكيل... إلى حد الكفر بالمعارضة. لكن الأميركيين لا يستخدمون مطلب التنحي إيماناً برؤية المعارضين، بل لرفع سقف التفاوض حول العناصر الأساسية.

طرح واشنطن التفاوضي حول سورية يقوم على عناصر أبرزها:

1- تحديد عديد وتسليح وقوة الجيش السوري، هل سيكون جيشاً عربياً شرساً ضمن محور الممانعة في المنطقة؟ هل سيبقى مجهز العقيدة ضد إسرائيل؟

2- الحدود السورية مع اسرائيل، كيف ستكون؟ هل ضمن خط إنتشار القوات الدولية؟ أم في حدود 1973؟ وهنا تُترجم خطوة إقدام تل أبيب على تكليف شركة للتنقيب عن النفط في الجولان.

3- من يستثمر النفط والغاز في سورية وخصوصاً في الساحل؟ ماذا عن خط نقل الغاز ودول الجوار وحدود القرار الروسي؟

كل العناصر الأساسية لا تتعلق بدمشق وحدها بل تتصل بموسكو وطهران وفي الخلف الصين ودول أخرى. ويصبح التعاطي الروسي-الإيراني بديهياً حول سورية.

وفي هذا السياق، تدرك الولايات المتحدة أن الفرصة سانحة اليوم لتحقيق حلم أميركي-إسرائيلي بضرب محور المقاومة بصراعات مذهبية وإشغالها بالساحات الداخلية. وهنا يسجل للأميركيين نجاح في إدارة أزمة سورية لن تبقى حدوده ضمن إرادة واشنطن. لكن لم تستطع الولايات المتحدة أن تحقق نجاحاً في فرض الخيارات الجديدة في سورية بسهولة. ولذلك جاء أمر العمليات بتوسيع ساحة الإشتباك بإتجاه العراق ولبنان، بعد عجز الأميركيين عن فرض التفاوض وفق المسار الذي تحدده واشنطن.

وتوسيع حدود الإشتباك يعني زيادة عناصر الأزمة، وبالمقابل الإستعداد للحل الصعب. لكن الأميركيين يحسبون لتفلّت الأوضاع في سورية بإتجاه سيطرة أوسع وأشمل للأصولية المتطرفة وجماعة القاعدة. لكن لا مشكلة لهم في بقاء العنف السوري، أو إستمرار الأزمة على المستويات القائمة سنوات إضافية، تستطيع من خلالها واشنطن فرض شروط جديدة مع الروس والإيرانيين وإنهاك السوريين وإضعاف محور يناهضها منذ عقود مضت، وطرح برنامج يغيّب الجيش السوري حالياَ وحتى أمد بعيد عن إسرائيل.

الى ذلك، لا يبدو ملف إيران النووي بعيداً أيضاً عن السلة المطروحة، رغم أن طهران حاولت فكفكة عناصر التوتر مع الأميركيين بالمفرق، دون أن يكتب لخطتها النجاح، وصارت ملزمة ببحث جدي تسعى دول الخليج لأن تكون جزءاً أساسياً منه.

لكن المفاجأة غير المتوقعة ما حصل مؤخراً في كازاخستان خلال التفاوض بين الدول الست والجمهورية الإيرانية حول الملف النووي، حيث رُصدت إشارات إيجابية بكلام المندوبة الأميركية في مخاطبة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي، فركزت على الحوار الدبلوماسي مع طهران والإستعداد لرفع العقوبات عن إيران، إلى حد شكل كلامها صدمة للدول الأوروبية، ما يعني أن إمكانية التفاهم الأميركي مع طهران قابلة للصرف.

ماذا سيقدم الروس والإيرانيون للأميركيين حول سورية؟ هل يتعلق الأمر بأمن يمتد من تل أبيب إلى الخليج؟ أم يقتصر على ملف نووي إيراني بدأت بشائره تلوح من وقائع لقاء كازاخستان؟ وهل تقاسم واشنطن موسكو في إستثمارات النفط وإمدادات الغاز؟ وإلى أي حدود تسمح طهران بالتنازل عن بعض عناصر "المحور"؟

عناوين الأزمة المعلنة في سورية لا تحضر إلاّ في الكلام المباح، ليصبح موضوع تأليف حكومة معارضة أو هيئة وصولاً إلى مقعد الجامعة العربية مجرد تفاصيل روتينية في حسابات العواصم الكبرى، بينما تعمل دول عربية ضد سورية في وقت الفراغ لفرض شروطها في الحل، والتصويب على نهج سوري وتحالفٍ خصم.

رغم الظواهر، تعاني الولايات المتحدة من صلابة روسية-إيرانية في عرض الحل، ما يوحي بإزدياد عناصر الضغط في سورية ودول الجوار.

إذا وُجد الإتفاق الأميركي-الروسي وضمناً الإيراني، ستسلّح واشنطن الجيش العربي السوري وستحيي النظام الذي يقاتل "القاعدة" في سورية – "تلك مهمته لا قتال إسرائيل"-.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-12
  • 9161
  • من الأرشيف

واشنطن توسّع مسرح التفاوض..على سورية

لم يستطع أي فريق دولي أو إقليمي تحديد جواب عن سؤال عريض: إلى أين تذهب منطقة الشرق الأوسط؟. ثمة ثابتة غربية واحدة "أمن إسرائيل لا يجب أن يهتز". الإتفاق الروسي-الأميركي حول عنوان الحل السوري حصل، لكن شيطان التفاصيل قائم، لاعتبارات لا تمت إلى العناوين التي تطرحها المعارضة بصلة. لا يهم الأميركيين موضوع بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه أو عدمه، فالهدف أبعد من حدود شخص الرئيس وقياديي الحكم في سورية، إذ أن واشنطن تعلم أن الأسد قادر على الصمود والفوز بالإنتخابات المقبلة، خصوصاً مع إرتفاع منسوب تذمّر السوريين من تصرفات المسلحين المعارضين والعنف والذبح والتنكيل... إلى حد الكفر بالمعارضة. لكن الأميركيين لا يستخدمون مطلب التنحي إيماناً برؤية المعارضين، بل لرفع سقف التفاوض حول العناصر الأساسية. طرح واشنطن التفاوضي حول سورية يقوم على عناصر أبرزها: 1- تحديد عديد وتسليح وقوة الجيش السوري، هل سيكون جيشاً عربياً شرساً ضمن محور الممانعة في المنطقة؟ هل سيبقى مجهز العقيدة ضد إسرائيل؟ 2- الحدود السورية مع اسرائيل، كيف ستكون؟ هل ضمن خط إنتشار القوات الدولية؟ أم في حدود 1973؟ وهنا تُترجم خطوة إقدام تل أبيب على تكليف شركة للتنقيب عن النفط في الجولان. 3- من يستثمر النفط والغاز في سورية وخصوصاً في الساحل؟ ماذا عن خط نقل الغاز ودول الجوار وحدود القرار الروسي؟ كل العناصر الأساسية لا تتعلق بدمشق وحدها بل تتصل بموسكو وطهران وفي الخلف الصين ودول أخرى. ويصبح التعاطي الروسي-الإيراني بديهياً حول سورية. وفي هذا السياق، تدرك الولايات المتحدة أن الفرصة سانحة اليوم لتحقيق حلم أميركي-إسرائيلي بضرب محور المقاومة بصراعات مذهبية وإشغالها بالساحات الداخلية. وهنا يسجل للأميركيين نجاح في إدارة أزمة سورية لن تبقى حدوده ضمن إرادة واشنطن. لكن لم تستطع الولايات المتحدة أن تحقق نجاحاً في فرض الخيارات الجديدة في سورية بسهولة. ولذلك جاء أمر العمليات بتوسيع ساحة الإشتباك بإتجاه العراق ولبنان، بعد عجز الأميركيين عن فرض التفاوض وفق المسار الذي تحدده واشنطن. وتوسيع حدود الإشتباك يعني زيادة عناصر الأزمة، وبالمقابل الإستعداد للحل الصعب. لكن الأميركيين يحسبون لتفلّت الأوضاع في سورية بإتجاه سيطرة أوسع وأشمل للأصولية المتطرفة وجماعة القاعدة. لكن لا مشكلة لهم في بقاء العنف السوري، أو إستمرار الأزمة على المستويات القائمة سنوات إضافية، تستطيع من خلالها واشنطن فرض شروط جديدة مع الروس والإيرانيين وإنهاك السوريين وإضعاف محور يناهضها منذ عقود مضت، وطرح برنامج يغيّب الجيش السوري حالياَ وحتى أمد بعيد عن إسرائيل. الى ذلك، لا يبدو ملف إيران النووي بعيداً أيضاً عن السلة المطروحة، رغم أن طهران حاولت فكفكة عناصر التوتر مع الأميركيين بالمفرق، دون أن يكتب لخطتها النجاح، وصارت ملزمة ببحث جدي تسعى دول الخليج لأن تكون جزءاً أساسياً منه. لكن المفاجأة غير المتوقعة ما حصل مؤخراً في كازاخستان خلال التفاوض بين الدول الست والجمهورية الإيرانية حول الملف النووي، حيث رُصدت إشارات إيجابية بكلام المندوبة الأميركية في مخاطبة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي، فركزت على الحوار الدبلوماسي مع طهران والإستعداد لرفع العقوبات عن إيران، إلى حد شكل كلامها صدمة للدول الأوروبية، ما يعني أن إمكانية التفاهم الأميركي مع طهران قابلة للصرف. ماذا سيقدم الروس والإيرانيون للأميركيين حول سورية؟ هل يتعلق الأمر بأمن يمتد من تل أبيب إلى الخليج؟ أم يقتصر على ملف نووي إيراني بدأت بشائره تلوح من وقائع لقاء كازاخستان؟ وهل تقاسم واشنطن موسكو في إستثمارات النفط وإمدادات الغاز؟ وإلى أي حدود تسمح طهران بالتنازل عن بعض عناصر "المحور"؟ عناوين الأزمة المعلنة في سورية لا تحضر إلاّ في الكلام المباح، ليصبح موضوع تأليف حكومة معارضة أو هيئة وصولاً إلى مقعد الجامعة العربية مجرد تفاصيل روتينية في حسابات العواصم الكبرى، بينما تعمل دول عربية ضد سورية في وقت الفراغ لفرض شروطها في الحل، والتصويب على نهج سوري وتحالفٍ خصم. رغم الظواهر، تعاني الولايات المتحدة من صلابة روسية-إيرانية في عرض الحل، ما يوحي بإزدياد عناصر الضغط في سورية ودول الجوار. إذا وُجد الإتفاق الأميركي-الروسي وضمناً الإيراني، ستسلّح واشنطن الجيش العربي السوري وستحيي النظام الذي يقاتل "القاعدة" في سورية – "تلك مهمته لا قتال إسرائيل"-.

المصدر : النشرة/ عباس ضاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة