مع بلوغ التفاوض الدولي حول ملفات إقليمية حساسة، أبرزها النووي الإيراني والأزمة السورية، مرحلة تثبيت وقائع معينة، قبل اتخاذ قرارات كبرى، يزداد الضغط على الواقع السياسي اللبناني، من داخله الهش أصلاً، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، ومن الخارج، الذي يريد من خلال «الميدان اللبناني» فرض وقائع وموازين قوى جديدة، تستثمر حتماً في حسابات غير لبنانية.

والمفجع في هذا الأمر، أن الطبقة السياسية بكل مشاربها تدرك تلك الحقائق، وتتعمد رمي اللبنانيين في معادلات الآخرين وحساباتهم، غير آبهة بمصالح بلدها وشعبها.

في هذا السياق، كشف مرجع لبناني واسع الاطلاع لـ«السفير» أن الإدارة الأميركية بدأت تقارب الملف اللبناني بطريقة مختلفة في الآونة الأخيرة، وقال: «بدأنا نسمع من السفيرة الأميركية مورا كونيلي ومساعديها في السفارة كلاماً جديداً إزاء حكومة نجيب ميقاتي و«حزب الله» والانتخابات والاستقرار».

وأضاف المرجع «اكتشف الأميركيون فجأة أن الحكومة الحالية، التي صار عمرها أكثر من سنتين من تاريخ تكليف رئيسها، هي حكومة «حزب الله».. ولذلك صاروا يتحدثون عن أحد خيارين أمام ميقاتي: إما أن يقيل وزيري «حزب الله» منها (أي محمد فنيش وحسين الحاج حسن) وإما أن تستقيل الحكومة نفسها، وبالتالي تتألف حكومة جديدة لا تضم أي وزير من «حزب الله» وتتولى الإشراف على الانتخابات النيابية».

وتابع المرجع أن الأميركيين «باتوا يقدمون الانتخابات على الاستقرار، وهي نقطة جوهرية يختلفون بشأنها مع عواصم غربية أخرى، أبرزها بريطانيا التي تتمسك بالاستقرار وبالحكومة الميقاتية أيضاً.. ولو أنها تتفق مع الأميركيين على أهمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، حتى لو اقتضى الأمر أن تجري وفق «قانون الستين» النافذ حالياً».

ويؤكد المرجع نفسه أننا أمام مرحلة جديدة من الضغط على الواقع اللبناني، وقد بلغت حد تلويح البعض بإسقاط الشرعية عن كل المؤسسات الدستورية اللبنانية، إذا أقدمت على التمديد للمجلس النيابي، ويشير الى أن المؤسف في الأمر «أن بعض القوى اللبنانية تتماهى مع الضغط الأميركي سياسياً، وفي المقابل، تنزلق قوى أخرى، ومن موقع معارضتها للأميركيين، في خدمة مآربهم اللبنانية».

وينصح المرجع بالعودة الى طاولة الحوار وتلبية دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان من دون أي تحفظات، وأن يتقدم العنوان الانتخابي على كل ما عداه في جدول أعمال الحوار قانوناً انتخابياً وحكومة جديدة تشرف على الانتخابات... وصولا الى تثبيت خيار حكومة الوحدة الوطنية للمّ شمل البلد بعد انتهاء الاستحقاق التشريعي».

ويقول المرجع إن رئيس الجمهورية «مطالب بأن يجري سلسلة مشاورات سريعة وصولاً الى القيام بجولة خارجية تقوده الى عواصم عدة أبرزها الرياض وطهران تحت عنوان توفير مظلة حماية للبنان في المرحلة المقبلة».

مواعيد الترشيح..

وفق «الستين»!

من جهة ثانية، واستكمالاً لتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس «قانون الستين»، أطلق وزير الداخلية مروان شربل عجلة الترشيحات للانتخابات النيابية وفق «قانون الستين» اعتباراً من 11 آذار الجاري ولغاية 10 نيسان المقبل.

وقال شربل لـ«السفير» إنه بموجب قانون الانتخاب النافذ، هناك مواعيد ومهل يجب الالتزام بها.. والاثنين المقبل هو آخر مهلة لفتح باب الترشيحات، مشيراً الى أن «قانون الستين» المعدل بموجب اتفاق الدوحة «لم يرد فيه ما يشير الى انه معمول به لمرة واحدة».

ويضيف: «مع ذلك، أعددت كتاباً اليوم (امس) سأرسله الى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لأخذ الرأي القانوني في ما اذا كان «قانون الستين» نافذاً أم لا، فإذا جاء الرأي بأنه غير نافذ تلغى كل الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية، وإذا كان نافذاً نكون قد قمنا بواجبنا الدستوري والقانوني».

ولقي إجراء وزير الداخلية بفتح باب الترشح، صدى سلبياً لدى قوى الأكثرية، التي عبرت عن رفضها، وهو ما عكسه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله بقوله إن فتح باب الترشيح كما دعوة الناخبين استفزاز وتحد للإجماع الوطني على رفض «قانون الستين». رافضاً منطق التهويل وما اسماها «الخطوات الاستفزازية»، محذراً من أن تأخذ البلد الى المجهول.

ورفض عضو «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب آلان عون فتح باب الترشيح، وقال لـ«السفير» إن أي شخص يقدم ترشيحه وخاصة من المسيحيين «سيتحمل كلفة معنوية وسياسية كبيرة أمام الرأي العام المسيحي».

«الستين» لمرة واحدة

بدوره استغرب مرجع سياسي بارز في «قوى 8 آذار» كيف يتم تجاوز رأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل الذي اكدت فيه أن «قانون الستين» ناجز لمرة واحدة، بالإضافة الى تأكيد وزير العدل شكيب قرطباوي على رأي الهيئة، بدليل أن المشترع قد لحظ أحكاماً تنظم عمل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية لسنة 2009 ولم يتحسب لأي عملية انتخابية غيرها».

وقال مرجع قانوني لـ«السفير» إن دعوة الهيئات الناخبة وكذلك تحديد موعد تقديم الترشيحات، بمعزل عن وجود «قانون الستين» أو عدمه، لا معنى له ما لم تُعيّن هيئة الإشراف على الانتخابات بعد.

وقال وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ«السفير» إن قيام هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية أمر إلزامي لا مفر منه، ، ولا يستطيع مجلس الوزاء إلا أن يحاول تعيين رئيس وأعضاء الهيئة، وإذا قررت الأكثرية في الحكومة عدم تشكيلها فيكون عندها خيار سياسي يبنى عليه ما يبنى».

وأشار بارود الى أن عدم تعيين الهيئة يضع الأمور امام واحد من خيارين، الاول، يعتبر ان عدم تشكيل الهيئة، لا يلغي إمكان إجراء الانتخابات من دونها، وفي حال اعتمد هذا الرأي فبإمكان أي متضرر او صاحب صفة او مصلحة أن يطعن ليس بالانتخابات وإنما بالترشيحات، وذلك امام مجلس شورى الدولة، مما قد يعطل فعلياً إمكان الاستمرار في العملية الانتخابية، ولكن من دون ان يلغي ذلك إمكان الطعن أمام المجلس الدستوري لاحقاً بنتائج الانتخابات إن حصلت.

أما الخيار الثاني، «فيعتبر ان لا إمكانية لإجراء الانتخابات في غياب الهيئة المشرفة عليها، باعتبار ان هذه الهيئة هي من الصيغ الجوهرية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالانتخابات» على حد تعبير بارود.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-08
  • 9879
  • من الأرشيف

واشنطن تضغط لإطاحة الحكومة اللبنانية .. والاستقرار

مع بلوغ التفاوض الدولي حول ملفات إقليمية حساسة، أبرزها النووي الإيراني والأزمة السورية، مرحلة تثبيت وقائع معينة، قبل اتخاذ قرارات كبرى، يزداد الضغط على الواقع السياسي اللبناني، من داخله الهش أصلاً، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، ومن الخارج، الذي يريد من خلال «الميدان اللبناني» فرض وقائع وموازين قوى جديدة، تستثمر حتماً في حسابات غير لبنانية. والمفجع في هذا الأمر، أن الطبقة السياسية بكل مشاربها تدرك تلك الحقائق، وتتعمد رمي اللبنانيين في معادلات الآخرين وحساباتهم، غير آبهة بمصالح بلدها وشعبها. في هذا السياق، كشف مرجع لبناني واسع الاطلاع لـ«السفير» أن الإدارة الأميركية بدأت تقارب الملف اللبناني بطريقة مختلفة في الآونة الأخيرة، وقال: «بدأنا نسمع من السفيرة الأميركية مورا كونيلي ومساعديها في السفارة كلاماً جديداً إزاء حكومة نجيب ميقاتي و«حزب الله» والانتخابات والاستقرار». وأضاف المرجع «اكتشف الأميركيون فجأة أن الحكومة الحالية، التي صار عمرها أكثر من سنتين من تاريخ تكليف رئيسها، هي حكومة «حزب الله».. ولذلك صاروا يتحدثون عن أحد خيارين أمام ميقاتي: إما أن يقيل وزيري «حزب الله» منها (أي محمد فنيش وحسين الحاج حسن) وإما أن تستقيل الحكومة نفسها، وبالتالي تتألف حكومة جديدة لا تضم أي وزير من «حزب الله» وتتولى الإشراف على الانتخابات النيابية». وتابع المرجع أن الأميركيين «باتوا يقدمون الانتخابات على الاستقرار، وهي نقطة جوهرية يختلفون بشأنها مع عواصم غربية أخرى، أبرزها بريطانيا التي تتمسك بالاستقرار وبالحكومة الميقاتية أيضاً.. ولو أنها تتفق مع الأميركيين على أهمية إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، حتى لو اقتضى الأمر أن تجري وفق «قانون الستين» النافذ حالياً». ويؤكد المرجع نفسه أننا أمام مرحلة جديدة من الضغط على الواقع اللبناني، وقد بلغت حد تلويح البعض بإسقاط الشرعية عن كل المؤسسات الدستورية اللبنانية، إذا أقدمت على التمديد للمجلس النيابي، ويشير الى أن المؤسف في الأمر «أن بعض القوى اللبنانية تتماهى مع الضغط الأميركي سياسياً، وفي المقابل، تنزلق قوى أخرى، ومن موقع معارضتها للأميركيين، في خدمة مآربهم اللبنانية». وينصح المرجع بالعودة الى طاولة الحوار وتلبية دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان من دون أي تحفظات، وأن يتقدم العنوان الانتخابي على كل ما عداه في جدول أعمال الحوار قانوناً انتخابياً وحكومة جديدة تشرف على الانتخابات... وصولا الى تثبيت خيار حكومة الوحدة الوطنية للمّ شمل البلد بعد انتهاء الاستحقاق التشريعي». ويقول المرجع إن رئيس الجمهورية «مطالب بأن يجري سلسلة مشاورات سريعة وصولاً الى القيام بجولة خارجية تقوده الى عواصم عدة أبرزها الرياض وطهران تحت عنوان توفير مظلة حماية للبنان في المرحلة المقبلة». مواعيد الترشيح.. وفق «الستين»! من جهة ثانية، واستكمالاً لتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس «قانون الستين»، أطلق وزير الداخلية مروان شربل عجلة الترشيحات للانتخابات النيابية وفق «قانون الستين» اعتباراً من 11 آذار الجاري ولغاية 10 نيسان المقبل. وقال شربل لـ«السفير» إنه بموجب قانون الانتخاب النافذ، هناك مواعيد ومهل يجب الالتزام بها.. والاثنين المقبل هو آخر مهلة لفتح باب الترشيحات، مشيراً الى أن «قانون الستين» المعدل بموجب اتفاق الدوحة «لم يرد فيه ما يشير الى انه معمول به لمرة واحدة». ويضيف: «مع ذلك، أعددت كتاباً اليوم (امس) سأرسله الى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لأخذ الرأي القانوني في ما اذا كان «قانون الستين» نافذاً أم لا، فإذا جاء الرأي بأنه غير نافذ تلغى كل الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية، وإذا كان نافذاً نكون قد قمنا بواجبنا الدستوري والقانوني». ولقي إجراء وزير الداخلية بفتح باب الترشح، صدى سلبياً لدى قوى الأكثرية، التي عبرت عن رفضها، وهو ما عكسه عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله بقوله إن فتح باب الترشيح كما دعوة الناخبين استفزاز وتحد للإجماع الوطني على رفض «قانون الستين». رافضاً منطق التهويل وما اسماها «الخطوات الاستفزازية»، محذراً من أن تأخذ البلد الى المجهول. ورفض عضو «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب آلان عون فتح باب الترشيح، وقال لـ«السفير» إن أي شخص يقدم ترشيحه وخاصة من المسيحيين «سيتحمل كلفة معنوية وسياسية كبيرة أمام الرأي العام المسيحي». «الستين» لمرة واحدة بدوره استغرب مرجع سياسي بارز في «قوى 8 آذار» كيف يتم تجاوز رأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل الذي اكدت فيه أن «قانون الستين» ناجز لمرة واحدة، بالإضافة الى تأكيد وزير العدل شكيب قرطباوي على رأي الهيئة، بدليل أن المشترع قد لحظ أحكاماً تنظم عمل هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية لسنة 2009 ولم يتحسب لأي عملية انتخابية غيرها». وقال مرجع قانوني لـ«السفير» إن دعوة الهيئات الناخبة وكذلك تحديد موعد تقديم الترشيحات، بمعزل عن وجود «قانون الستين» أو عدمه، لا معنى له ما لم تُعيّن هيئة الإشراف على الانتخابات بعد. وقال وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ«السفير» إن قيام هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية أمر إلزامي لا مفر منه، ، ولا يستطيع مجلس الوزاء إلا أن يحاول تعيين رئيس وأعضاء الهيئة، وإذا قررت الأكثرية في الحكومة عدم تشكيلها فيكون عندها خيار سياسي يبنى عليه ما يبنى». وأشار بارود الى أن عدم تعيين الهيئة يضع الأمور امام واحد من خيارين، الاول، يعتبر ان عدم تشكيل الهيئة، لا يلغي إمكان إجراء الانتخابات من دونها، وفي حال اعتمد هذا الرأي فبإمكان أي متضرر او صاحب صفة او مصلحة أن يطعن ليس بالانتخابات وإنما بالترشيحات، وذلك امام مجلس شورى الدولة، مما قد يعطل فعلياً إمكان الاستمرار في العملية الانتخابية، ولكن من دون ان يلغي ذلك إمكان الطعن أمام المجلس الدستوري لاحقاً بنتائج الانتخابات إن حصلت. أما الخيار الثاني، «فيعتبر ان لا إمكانية لإجراء الانتخابات في غياب الهيئة المشرفة عليها، باعتبار ان هذه الهيئة هي من الصيغ الجوهرية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالانتخابات» على حد تعبير بارود.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة