يتوهم اللبنانيون، مواطنين ومسؤولين، ان في البلد حياة سياسية ونقاشات ومنازلات وصراعات على خلفيات سياسية. يبدون مقتنعين انهم يوالون ويعارضون ويناقشون قوانين ومشاريع ولديهم حكومة ومجلس نيابي وثلاثة رؤساء وعدد من الزعماء. ينظّرون في الديموقراطية والحرية والحقوق ولا يكتفون. يتنطح الساسة اللبنانيون ليدلوا بدلوهم في احداث العالم، القريبة منهم والبعيدة. يفعلون كل ذلك بثقة بالنفس عز نظيرها.

لا ينشغل احد في التفكير بماهية السياسة ومفهومها وترجماتها في بلد يعيش ابناؤه في الريبة والخوف من بعضهم البعض. فاي بلد هو الذي يقوم على الشك والقلق والخوف المتبادل واحتمالات الحرب الاهلية المتواصلة؟ واية سياسة هي التي تجتر اخطاءها وخطاياها منذ عقود بلا محاسبة ولا مساءلة ولا استشراف.

مناسبة الكلام تحذيرات نقلتها اوساط ديبلوماسية الى مجموعة من رجال الدين المسيحيين في معرض ابداء الحرص على البلد واستقراره.

تقول الأوساط انه "لا يبدو لها ان اللبنانيين يقدرون المخاطر الفعلية التي تحدق ببلدهم. بل على العكس، يبدون مندفعين الى الانزلاق في منحدرات غير مسبوقة تودي بهم الى هاوية بلا قعر. وليس مفهوما هذا الاستخفاف بالتعاطي مع قضايا خطيرة وحساسة سواء في السياسة الداخلية والتفاهمات الوطنية او في تعاطيهم مع الحرائق من حولهم، خصوصا في سوريا".

تضيف "ان الدول الغربية تحرص اشد الحرص على استقرار لبنان وحفاظه على السلم الاهلي وترقيه في سلم الديموقراطية لكن كل دول العالم مجتمعة لا يمكنها ان تمنع بلدا من ان ينتحر. ويمكن تشبيه ما يقوم به اللبنانيون في هذه المرحلة برعونة مراهق يعاني اضطرابات نفسية وميلا مرضيا الى الانتحار".

حاول الحاضرون الاستفسار عن كيفية معالجة الوضع محملين "عوامل ودولا خارجية" جزءا كبيرا من واقع الحال، الا ان الأوساط الديبلوماسية شددت على "ان المسؤولية الاساسية تقع على عاتق اللبنانيين". وقالت "لا يتعاطى اللبنانيون مع وطنهم من منظار واحد وكل فريق او حزب او طائفة يحاول تحقيق مكتسباته الخاصة ولو كانت على حساب المجموعة. والاخطر انه يتم الاستخفاف بالناس على اعتبار ان العصبيات قادرة على حشد الناس اكثر من مصالحهم واستقرارهم واقتصادهم".

وتتوقف الأوساط بشكل خاص عند "الوضع الاقتصادي في لبنان الذي يزداد صعوبة وحراجة. ولا تبدو الاجراءات المتخذة بحجم الواقع المتردي". وتقول ان ازدياد الاعباء على لبنان بسبب توافد مئات الآلاف من السوريين "سيزيد الامور تأزما وتعقيدا. يحصل كل ذلك واللبنانيون يختلفون على قانون انتخابات ويبحثون في تأجيل مهل واستحقاقات دستورية".

وتؤكد مصادر شاركت في اللقاء الديبلوماسي الكنسي ان "الجلسة كانت اقرب الى لقاء بين اصدقاء قدامى وان الشخصية الديبلوماسية كانت تتحدث من باب الحرص على لبنان والخوف عليه، بشكل خاص من ابنائه. وقد ابدت خوفا حقيقيا من ان تتسبب التوترات الامنية المفتعلة والشحن المتواصل والنفخ في الابواق الطائفية واللعب على الغرائز الى فتنة او حرب لا يمكن التكهن بنتائجها".

وتنقل المصادر "وجوب عدم الاستخفاف بالاجواء السائدة في البلد. فالارض مضبوطة لان الافق مبهم ولان كل الاطراف اللبنانية لا تملك قناعة اكيدة انها الاقوى او لها قدرة على الحسم سواء في السياسة او الانتخابات او في اية اعمال حربية. فتوازن الخوف والضعف هو ما يحول دون انفجار الوضع في لبنان وليس حكمة اللبنانيين او اتعاظهم مما سبق ان عايشوه من اقتتال وتدمير. لكن هذه الحسابات قد تسقط في لحظة... وبالتالي، في غياب أي شبكة امان داخلية، يبقى مصير البلد قيد المجهول".

تصر الأوساط الديبلوماسية على ان "جميع الدول الغربية المعنية بالملف اللبناني تتواصل مع معظم الاطراف الداخلية وتنقل اليها هذه الهواجس محذرة من الاستخفاف بالوضع الامني والسماح ببعض استعراض القوى والعضلات". وتشير الى ان هذه الدول لطالما حذرت الجميع من تداعيات التهاون والاستخفاف بهذه الامور الخطيرة والمصيرية. وفي الشكل يبدي الجميع تفهما وحرصا على سلام البلد واستتباب الامن فيه، لكن عمليا تسجل كل يوم خروقات لا تعد ولا تحصى في هذا المجال".

لا تختصر الأوساط الديبلوماسية مكامن الخطر من تداعيات الازمة السورية ومواقف اللبنانيين منها. تقول "هذه لا شك محور اساسي للصراع وفي وجه من وجوهها ترجمة له. لكن الخلافات والصراعات الللبنانية - اللبنانية تتجاوز الازمة السورية والانقسام حولها الى ازمة في العقلية السياسية اللبنانية وفي المفاهيم وفي النظرة الى الامور وسبل مقاربتها ومعالجتها".

تختم الأوساط نفسها بالتأكيد انه "على اللبنانيين التوصل الى تفاهمات جوهرية في ما بينهم والا فهم سائرون بعيون مفتوحة الى صدام وانفجار خطير". وينقل الحاضرون انهم خرجوا من لقائهم بانطباع ان "التوترات والحروب قدر اللبنانيين المحتوم، الا اذا..".

  • فريق ماسة
  • 2013-03-08
  • 8407
  • من الأرشيف

تخوف ديبلوماسي غربي متعاظم من الفتنة في لبنان

يتوهم اللبنانيون، مواطنين ومسؤولين، ان في البلد حياة سياسية ونقاشات ومنازلات وصراعات على خلفيات سياسية. يبدون مقتنعين انهم يوالون ويعارضون ويناقشون قوانين ومشاريع ولديهم حكومة ومجلس نيابي وثلاثة رؤساء وعدد من الزعماء. ينظّرون في الديموقراطية والحرية والحقوق ولا يكتفون. يتنطح الساسة اللبنانيون ليدلوا بدلوهم في احداث العالم، القريبة منهم والبعيدة. يفعلون كل ذلك بثقة بالنفس عز نظيرها. لا ينشغل احد في التفكير بماهية السياسة ومفهومها وترجماتها في بلد يعيش ابناؤه في الريبة والخوف من بعضهم البعض. فاي بلد هو الذي يقوم على الشك والقلق والخوف المتبادل واحتمالات الحرب الاهلية المتواصلة؟ واية سياسة هي التي تجتر اخطاءها وخطاياها منذ عقود بلا محاسبة ولا مساءلة ولا استشراف. مناسبة الكلام تحذيرات نقلتها اوساط ديبلوماسية الى مجموعة من رجال الدين المسيحيين في معرض ابداء الحرص على البلد واستقراره. تقول الأوساط انه "لا يبدو لها ان اللبنانيين يقدرون المخاطر الفعلية التي تحدق ببلدهم. بل على العكس، يبدون مندفعين الى الانزلاق في منحدرات غير مسبوقة تودي بهم الى هاوية بلا قعر. وليس مفهوما هذا الاستخفاف بالتعاطي مع قضايا خطيرة وحساسة سواء في السياسة الداخلية والتفاهمات الوطنية او في تعاطيهم مع الحرائق من حولهم، خصوصا في سوريا". تضيف "ان الدول الغربية تحرص اشد الحرص على استقرار لبنان وحفاظه على السلم الاهلي وترقيه في سلم الديموقراطية لكن كل دول العالم مجتمعة لا يمكنها ان تمنع بلدا من ان ينتحر. ويمكن تشبيه ما يقوم به اللبنانيون في هذه المرحلة برعونة مراهق يعاني اضطرابات نفسية وميلا مرضيا الى الانتحار". حاول الحاضرون الاستفسار عن كيفية معالجة الوضع محملين "عوامل ودولا خارجية" جزءا كبيرا من واقع الحال، الا ان الأوساط الديبلوماسية شددت على "ان المسؤولية الاساسية تقع على عاتق اللبنانيين". وقالت "لا يتعاطى اللبنانيون مع وطنهم من منظار واحد وكل فريق او حزب او طائفة يحاول تحقيق مكتسباته الخاصة ولو كانت على حساب المجموعة. والاخطر انه يتم الاستخفاف بالناس على اعتبار ان العصبيات قادرة على حشد الناس اكثر من مصالحهم واستقرارهم واقتصادهم". وتتوقف الأوساط بشكل خاص عند "الوضع الاقتصادي في لبنان الذي يزداد صعوبة وحراجة. ولا تبدو الاجراءات المتخذة بحجم الواقع المتردي". وتقول ان ازدياد الاعباء على لبنان بسبب توافد مئات الآلاف من السوريين "سيزيد الامور تأزما وتعقيدا. يحصل كل ذلك واللبنانيون يختلفون على قانون انتخابات ويبحثون في تأجيل مهل واستحقاقات دستورية". وتؤكد مصادر شاركت في اللقاء الديبلوماسي الكنسي ان "الجلسة كانت اقرب الى لقاء بين اصدقاء قدامى وان الشخصية الديبلوماسية كانت تتحدث من باب الحرص على لبنان والخوف عليه، بشكل خاص من ابنائه. وقد ابدت خوفا حقيقيا من ان تتسبب التوترات الامنية المفتعلة والشحن المتواصل والنفخ في الابواق الطائفية واللعب على الغرائز الى فتنة او حرب لا يمكن التكهن بنتائجها". وتنقل المصادر "وجوب عدم الاستخفاف بالاجواء السائدة في البلد. فالارض مضبوطة لان الافق مبهم ولان كل الاطراف اللبنانية لا تملك قناعة اكيدة انها الاقوى او لها قدرة على الحسم سواء في السياسة او الانتخابات او في اية اعمال حربية. فتوازن الخوف والضعف هو ما يحول دون انفجار الوضع في لبنان وليس حكمة اللبنانيين او اتعاظهم مما سبق ان عايشوه من اقتتال وتدمير. لكن هذه الحسابات قد تسقط في لحظة... وبالتالي، في غياب أي شبكة امان داخلية، يبقى مصير البلد قيد المجهول". تصر الأوساط الديبلوماسية على ان "جميع الدول الغربية المعنية بالملف اللبناني تتواصل مع معظم الاطراف الداخلية وتنقل اليها هذه الهواجس محذرة من الاستخفاف بالوضع الامني والسماح ببعض استعراض القوى والعضلات". وتشير الى ان هذه الدول لطالما حذرت الجميع من تداعيات التهاون والاستخفاف بهذه الامور الخطيرة والمصيرية. وفي الشكل يبدي الجميع تفهما وحرصا على سلام البلد واستتباب الامن فيه، لكن عمليا تسجل كل يوم خروقات لا تعد ولا تحصى في هذا المجال". لا تختصر الأوساط الديبلوماسية مكامن الخطر من تداعيات الازمة السورية ومواقف اللبنانيين منها. تقول "هذه لا شك محور اساسي للصراع وفي وجه من وجوهها ترجمة له. لكن الخلافات والصراعات الللبنانية - اللبنانية تتجاوز الازمة السورية والانقسام حولها الى ازمة في العقلية السياسية اللبنانية وفي المفاهيم وفي النظرة الى الامور وسبل مقاربتها ومعالجتها". تختم الأوساط نفسها بالتأكيد انه "على اللبنانيين التوصل الى تفاهمات جوهرية في ما بينهم والا فهم سائرون بعيون مفتوحة الى صدام وانفجار خطير". وينقل الحاضرون انهم خرجوا من لقائهم بانطباع ان "التوترات والحروب قدر اللبنانيين المحتوم، الا اذا..".

المصدر : السفير - دنيز عطالله حداد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة