قبل أن يقول وزير الخارجية عدنان منصور ما قاله في الاجتماع الوزاري العربي، بوجوب عودة سورية الى جامعة الدول العربية، كان المناخ الخليجي يشي بتوتر غير مسبوق في التخاطب مع السلطات الرسمية اللبنانية.. ومن سمع الهمس الديبلوماسي الخليجي والغربي بعد مداخلة وزير خارجية لبنان، يدرك أن ثمة قراءة خارجية للواقع اللبناني، من شأنها أن تفضي الى طرح علامات استفهام حول الوضع الحكومي والاستقرار وما اذا كان لبنان قد أصبح ساحة من الساحات المباشرة للأزمة السورية؟

وقد توقف المراقبون امام مضمون الرسالة التي حملها امين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني وسفراء دول مجلس التعاون الخليجي الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، بتكليف من المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، وهي الرسالة التي تم توزيع مضمونها على وسائل الاعلام على غير عادة ديبلوماسية الصمت الخليجية.

يعتبر المراقبون أن الرسالة الخليجية «تحمل في طياتها إشارات ذات مغزى كبير، تنم عن تطور مقلق في العلاقات التاريخية المميزة التي طبعت علاقات لبنان مع كل الدول العربية، وتحديداً الخليجية، لا سيما أن هذه الدول كانت دوماً تسارع الى مساعدة لبنان عند كل ازمة، وفتحت أبوابها امام اللبنانيين الذين وجدوا ملاذاً رحباً للعمل، وساهموا بإخلاص في نهضة هذه الدول».

توقف المراقبون مطولاً عند نص الرسالة الخليجية التي عبّرت عما وصفته «قلق بالغ من عدم الالتزام الكامل بإعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس»، حيث يتطلع المجلس، بحسب الرسالة، الى «الالتزام قولاً وفعلاً بموقف النأي بالنفس وتفادي كل ما من شأنه تعريض أمن لبنان واستقراره للخطر، أو يؤثر على مصالح شعبه وسلامته».

يعني هذا الكلام، بحسب المراقبين أنفسهم، «ان هذه الدول تجاوزت الامتعاض الى التحذير الضمني من مغبة حدوث ارتدادات ربما ذات طابع أمني جراء عدم الالتزام الصارم بمندرجات «إعلان بعبدا»، ولعل علامة الاستفهام الكبيرة تمثلت في تناول البيان الخليجي «مصالح الشعب اللبناني وسلامته»، اذ يعرف القاصي والداني ان هناك زهاء ستمئة الف لبناني يعملون في الخليج، وأي إخلال بحيادية لبنان تجاه ما يحصل في محيطه العربي، وتحديداً السوري، ربما يضع مصير هؤلاء الناس على المحك».

ووصف مصدر متابع الرسالة بأنها «غير المسبوقة»، وقال إنها «تندرج في إطار الاستياء الخليجي من الأداء اللبناني تجاه ما يحصل في عدد من الدول العربية، اذ ان بعض المواقف التي يدلي بها افرقاء في هذا الاتجاه او ذاك، تحدث أصداء وارتدادات سلبية جدا وتضع اللبنانيين المسالمين الذي يبحثون عن لقمة عيشهم ومصدر رزقهم في دائرة الشبهة، بما يناقض الصورة المرسومة عنهم تاريخياً بأنهم شعب مسالم ومنفتح ويريد الخير لأشقائه».

ويشير المصدر الى أن الاستياء الأبرز هو من الأداء السلبي جداً لأفرقاء لبنانيين حيال الأزمة السورية بما يتنافى مع مضمون «إعلان بعبدا».

ويوضح المصدر أنه من حيث الشكل، كان لافتاً للانتباه تعمد الزياني أن يزور قصر بعبدا زيارة خاطفة برفقة كل سفراء دول الخليج. أما من حيث المضمون، فإنه لم يسبق لدول الخليج ان خاطبت لبنان الرسمي مجتمعة بهذه الحدة المبطّنة، وهذا الأمر ينم عن حالة من الغضب لا يمكن إزالتها إلا عبر نأي لبنان بنفسه عن الازمات المحيطة وفي مقدمها سوريا، «وإلا فإن الامور قد تصل جدياً الى حدّ سيّئ، فهم يعتبرون ان النأي عن ازمة سوريا غير جدي وغير عملي، والامر ينطــبق ايضاً على موضوع البحرين، والتي تشكل حساسيـة خليــجية مباشرة».

وأبدى المصدر، استناداً الى ما بين سطور كلام الزياني ونبرته الحازمة، خشيته من بروز اتجاه لتصنيف لبنان «كطرف في ما يحصل على الساحة العربية وليس كبلد محايد، مما يعني وضعه في اطار محور مقابل محور آخر، الأمر الذي يمكن أن يشكل خطراً على مصالح لبنان في دول الخليج».

ويلفت المصدر الانتباه الى أن «الرسالة اعقبت مباشرة جولة وزير الخارجية الاميركية جون كيري الخليجية واجتماعه بالمجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، كما تزامنت مع الدخول الاميركي على خط الانتخابات النيابية (تصريح مورا كونيلي من عين التينة)، وبدء الضغط على الأحزاب المسيحية في «14 اذار» للتخلي عن «المشروع الأرثوذكسي» والانضواء في معادلة الانتخابات في موعدها حتى وفق «قانون الستين»، باعتبار ان هذا القانون كفيل بتأمين اكثرية نيابية لـ«قوى 14 آذار».

كما تتزامن الرسالة مع التفاهم الروسي الاميركي على بدء مباحثات بين وزيري خارجية البلدين للبحث في حلّ للأزمة السورية، «ما يعني ان لبنان بحاجة ماسة للحذر الشديد لتجنب أي ارتدادات على ساحته قد تنجم عن إتمام تسوية كهذه»، على حد تعبير المصدر ذاته.

ويشير المصدر الى ان «الرئيس سليمان كان حاسماً في التأكيد على ثوابت الموقف اللبناني لجهة تمسك لبنان بحسن العلاقات الأخوية مع دول الخليج، التي يرتبط معها بوشائج انسانية وعلاقات تاريخية مميزة، والحرص على القيام بكل إجراء عملي من شأنه دفع جميع الاطراف في اتجاه الالتزام قولاً وفعلاً بـ«إعلان بعبدا»، الذي هو مصلحة لبنانية خالصة تؤمن مظلة لكل الأفرقاء، بما يقيها شر العاصفة التي تضرب المنطقة، وهو باشر سلسلة مشاورات واتصالات لوضع الافرقاء امام مسؤولياتهم الوطنية، لأن أي انغماس في الازمات المحيطة لن يقدم او يؤخر في شيء الا انه سيصيب لبنان بأضرار حاضرة ومستقبلية فادحة».

  • فريق ماسة
  • 2013-03-07
  • 11210
  • من الأرشيف

رسالة التحذير الخليجية وصلت.. وسليمان لاستدراك الممكن

قبل أن يقول وزير الخارجية عدنان منصور ما قاله في الاجتماع الوزاري العربي، بوجوب عودة سورية الى جامعة الدول العربية، كان المناخ الخليجي يشي بتوتر غير مسبوق في التخاطب مع السلطات الرسمية اللبنانية.. ومن سمع الهمس الديبلوماسي الخليجي والغربي بعد مداخلة وزير خارجية لبنان، يدرك أن ثمة قراءة خارجية للواقع اللبناني، من شأنها أن تفضي الى طرح علامات استفهام حول الوضع الحكومي والاستقرار وما اذا كان لبنان قد أصبح ساحة من الساحات المباشرة للأزمة السورية؟ وقد توقف المراقبون امام مضمون الرسالة التي حملها امين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني وسفراء دول مجلس التعاون الخليجي الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، بتكليف من المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، وهي الرسالة التي تم توزيع مضمونها على وسائل الاعلام على غير عادة ديبلوماسية الصمت الخليجية. يعتبر المراقبون أن الرسالة الخليجية «تحمل في طياتها إشارات ذات مغزى كبير، تنم عن تطور مقلق في العلاقات التاريخية المميزة التي طبعت علاقات لبنان مع كل الدول العربية، وتحديداً الخليجية، لا سيما أن هذه الدول كانت دوماً تسارع الى مساعدة لبنان عند كل ازمة، وفتحت أبوابها امام اللبنانيين الذين وجدوا ملاذاً رحباً للعمل، وساهموا بإخلاص في نهضة هذه الدول». توقف المراقبون مطولاً عند نص الرسالة الخليجية التي عبّرت عما وصفته «قلق بالغ من عدم الالتزام الكامل بإعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس»، حيث يتطلع المجلس، بحسب الرسالة، الى «الالتزام قولاً وفعلاً بموقف النأي بالنفس وتفادي كل ما من شأنه تعريض أمن لبنان واستقراره للخطر، أو يؤثر على مصالح شعبه وسلامته». يعني هذا الكلام، بحسب المراقبين أنفسهم، «ان هذه الدول تجاوزت الامتعاض الى التحذير الضمني من مغبة حدوث ارتدادات ربما ذات طابع أمني جراء عدم الالتزام الصارم بمندرجات «إعلان بعبدا»، ولعل علامة الاستفهام الكبيرة تمثلت في تناول البيان الخليجي «مصالح الشعب اللبناني وسلامته»، اذ يعرف القاصي والداني ان هناك زهاء ستمئة الف لبناني يعملون في الخليج، وأي إخلال بحيادية لبنان تجاه ما يحصل في محيطه العربي، وتحديداً السوري، ربما يضع مصير هؤلاء الناس على المحك». ووصف مصدر متابع الرسالة بأنها «غير المسبوقة»، وقال إنها «تندرج في إطار الاستياء الخليجي من الأداء اللبناني تجاه ما يحصل في عدد من الدول العربية، اذ ان بعض المواقف التي يدلي بها افرقاء في هذا الاتجاه او ذاك، تحدث أصداء وارتدادات سلبية جدا وتضع اللبنانيين المسالمين الذي يبحثون عن لقمة عيشهم ومصدر رزقهم في دائرة الشبهة، بما يناقض الصورة المرسومة عنهم تاريخياً بأنهم شعب مسالم ومنفتح ويريد الخير لأشقائه». ويشير المصدر الى أن الاستياء الأبرز هو من الأداء السلبي جداً لأفرقاء لبنانيين حيال الأزمة السورية بما يتنافى مع مضمون «إعلان بعبدا». ويوضح المصدر أنه من حيث الشكل، كان لافتاً للانتباه تعمد الزياني أن يزور قصر بعبدا زيارة خاطفة برفقة كل سفراء دول الخليج. أما من حيث المضمون، فإنه لم يسبق لدول الخليج ان خاطبت لبنان الرسمي مجتمعة بهذه الحدة المبطّنة، وهذا الأمر ينم عن حالة من الغضب لا يمكن إزالتها إلا عبر نأي لبنان بنفسه عن الازمات المحيطة وفي مقدمها سوريا، «وإلا فإن الامور قد تصل جدياً الى حدّ سيّئ، فهم يعتبرون ان النأي عن ازمة سوريا غير جدي وغير عملي، والامر ينطــبق ايضاً على موضوع البحرين، والتي تشكل حساسيـة خليــجية مباشرة». وأبدى المصدر، استناداً الى ما بين سطور كلام الزياني ونبرته الحازمة، خشيته من بروز اتجاه لتصنيف لبنان «كطرف في ما يحصل على الساحة العربية وليس كبلد محايد، مما يعني وضعه في اطار محور مقابل محور آخر، الأمر الذي يمكن أن يشكل خطراً على مصالح لبنان في دول الخليج». ويلفت المصدر الانتباه الى أن «الرسالة اعقبت مباشرة جولة وزير الخارجية الاميركية جون كيري الخليجية واجتماعه بالمجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، كما تزامنت مع الدخول الاميركي على خط الانتخابات النيابية (تصريح مورا كونيلي من عين التينة)، وبدء الضغط على الأحزاب المسيحية في «14 اذار» للتخلي عن «المشروع الأرثوذكسي» والانضواء في معادلة الانتخابات في موعدها حتى وفق «قانون الستين»، باعتبار ان هذا القانون كفيل بتأمين اكثرية نيابية لـ«قوى 14 آذار». كما تتزامن الرسالة مع التفاهم الروسي الاميركي على بدء مباحثات بين وزيري خارجية البلدين للبحث في حلّ للأزمة السورية، «ما يعني ان لبنان بحاجة ماسة للحذر الشديد لتجنب أي ارتدادات على ساحته قد تنجم عن إتمام تسوية كهذه»، على حد تعبير المصدر ذاته. ويشير المصدر الى ان «الرئيس سليمان كان حاسماً في التأكيد على ثوابت الموقف اللبناني لجهة تمسك لبنان بحسن العلاقات الأخوية مع دول الخليج، التي يرتبط معها بوشائج انسانية وعلاقات تاريخية مميزة، والحرص على القيام بكل إجراء عملي من شأنه دفع جميع الاطراف في اتجاه الالتزام قولاً وفعلاً بـ«إعلان بعبدا»، الذي هو مصلحة لبنانية خالصة تؤمن مظلة لكل الأفرقاء، بما يقيها شر العاصفة التي تضرب المنطقة، وهو باشر سلسلة مشاورات واتصالات لوضع الافرقاء امام مسؤولياتهم الوطنية، لأن أي انغماس في الازمات المحيطة لن يقدم او يؤخر في شيء الا انه سيصيب لبنان بأضرار حاضرة ومستقبلية فادحة».

المصدر : السفير \ داوود رمال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة