أشاع اختطاف جنود قوة الطوارئ الدولية العاملة في هضبة الجولان السورية المحتلة في الجانب السوري من الحدود مخاوف في إسرائيل من تسخين هذه الجبهة. ونبعت المخاوف أساساً من تزايد نفوذ القوى الإسلامية، خصوصاً تنظيم «القاعدة»، في المناطق التي سقطت فيها سيطرة النظام، ووقعت الأسلحة في أيدي التنظيم. وزادت هذه المخاوف بشكل كبير إثر الإعلان عن سيطرة جماعات إسلامية على مخازن أسلحة، وقواعد صواريخ من طراز «سكود» في مناطق بعيدة حتى الآن عن الحدود. كذلك، فإن سقوط قذائف هاون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في هضبة الجولان فاقم من هذه المخاوف.

واعتبرت الأوساط الإسرائيلية أن اختطاف 21 جندياً من قوات الأمم المتحدة «الأندوف» على أيدي رجال المعارضة السورية قرب الحدود مع هضبة الجولان زاد المخاوف من احتمال تفكك القوات الدولية التي تراقب الحدود منذ اتفاقية فصل القوات التي أعقبت «حرب تشرين» في العام 1973.

وقد وقعت عملية الاختطاف، كما هو معلوم، قرب قرية جملة، على بعد خمسة كيلومترات فقط من حدود فصل القوات. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة التي تمت عملية الاختطاف فيها هي منطقة منزوعة السلاح تقريباً، وتخضع لإدارة مدنية سورية. وربما هذا ما زاد المخاوف الإسرائيلية من احتمال سيطرة قوى إسلامية معارضة، خصوصاً من «القاعدة» على هذه المنطقة التي يحظر على الجيش السوري النظامي التواجد فيها.

وعن المخطوفين، أكد متحدث باسم الأمم المتحدة أن المراقبين الفلبينيين الـ21 كانوا «يقومون بمهمة تموين معتادة» في جنوبي هضبة الجولان عند احتجازهم. من جهته، أفاد الرئيس الفلبيني بينينيو اكينو أن الجنود «يعامَلون جيداً»، مضيفاً «حتى الآن لا شيء يشير إلى أنهم في خطر».

ونقل مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن عن متحدث باسم لواء «شهداء اليرموك» قوله إن المخطوفين «محتجزون كضيوف في قرية الجملة». وأوضح عبد الرحمن أنهم لن يتعرضوا للأذى، لكن مقاتلي المعارضة يريدون انسحاب الجيش السوري ودباباته من المنطقة». وبيّنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إنها تتحرى أمر لواء «شهداء اليرموك» لاحتمال تورطه في عمليات إعدام بما في ذلك عملية قتل جنود سوريين صوّرت بالفيديو.

ولاحظت إسرائيل بقلق أن مجريات الحرب الأهلية السورية دفعت قوات الأمم المتحدة إلى تقليص نشاطاتها في منطقة فصل القوات، فضلاً عن تراجع عديد هذه القوة إثر عودة جزء منها إلى بلاده. فقد أخلت القوة الفنلندية مواقعها وعادت إلى بلادها، كما أن القوة الكرواتية تجهز نفسها للعودة. والمهم أن القوات الدولية كانت تعد حوالي ألف جندي، وهي الآن أقل من ذلك بكثير.

ومنذ بدأت الأزمة السورية شرعت إسرائيل في الاستعداد لمواجهة سيناريو سقوط النظام وانهيار اتفاقية فصل القوات. وفي هذا الإطار أجرت مناورات متكررة، وقامت بحفر خنادق وإقامة أسوار شائكة ونشر المزيد من القوات لمنع تسلل من تعتبرهم جهات معادية.

وبعد اختطاف جنود القوة الدولية، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لم يصدر بعد أي أوامر بتغيير قواعد إطلاق النار على الحدود مع سوريا، وأنه يرى في الاختطاف عملاً داخلياً سورياً لا يغير الوضع ولا صلة له بالجيش الإسرائيلي. ولكن هذا الإعلان لا يعني أن التوتر تراجع أو تقلص بل على العكس من ذلك.

وكانت المخاوف قد تعاظمت إثر سيطرة «الجيش الســوري الحر»، والذي يضم الكثير من القوى الإسلامية، على مناطق واسعة في سوريا تحوي مخازن أسلحة مهمة من بينها صواريخ «سكود». وما أن نشرت جهات معارضة خصوصاً «جبهة النــصرة» أشرطة فيديو تثــبت السيطرة على قواعد تلك الصواريخ في دير الــزور وقرب حلب، حــتى بدأت الصحف الإسرائيلية تنشر هذه الأخبار على صدر صفحـاتها الأولى. وأظهرت الصــور السيطرة على ما لا يقل عن 13 صاروخ «سكود»، وهو طراز يستطيع الوصول إلى ما بين 180 و700 كيلو متر، وبعضها قادر على حمل رؤوس حربية غير تقليدية.

وتعتبر أوساط إسرائيلية أن التزاوج بين التطرف الإسلامي ونوعيات متقدمة وخطيرة من الأسلحة يعني تعاظم الخطر. وكتب المعلق العسكري في صحيفة «معاريف» عمير ربابورات أن الكثير من المعارضين الذين يحظون بدعم غربي يصنفون أنفسهم أعداء لإسرائيل «الكافرة» التي سيتجهون ضدها حال التخلص من حكم الرئيس بشار الأسد. ولذلك فإن الصور التي تنشر على موقع «يوتيوب»، بحسب رأيه، «مقلقة حقاً، فالجمع بين رجال الجهاد العالمي وصواريخ أرض أرض يعتبر أمراً إشكالياً».

غير أن ربابورات يستدرك، ويقول إن الاستخبارات الغربية تقدر أن هناك في سوريا الآن بضع مئات من رجال «القاعدة»، غالبيتهم في شمال سوريا وقسم منهم في درعا. وأضاف أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه كلما تقدم الوقت فإن الرئيس السوري يبدو وكأنه يعمل لإقامة دولة علوية في الشمال مع منفذ بحري في اللاذقية. وبحسب رأيهم فإن الأسد سيجمع هناك ما يتبقى لديه من أسلحة إستراتيجية، لكنه سيخسر بعضاً من هذه الأسلحة في المناطق التي يُمنى فيها بالهزيمة.

واعتبر ربابورات أن أخــطر ما في ترســانة سوريا هي صواريخ «M-600»، التي يبلغ مداها مئات الكيلومترات والقادرة على إصابة أهدافها بدقة أمتار قليلة. وأشار إلى أنه لم يسبق لإسرائيل أن تعاملت مع صواريخ بمثل هذه الدقة، وأنها تنظر بخطورة إلى احتمال وقوعها بأيدٍ «غير مسؤولة».

وفضلاً عن ذلك، تخشى إسرائيل من وقوع صواريخ «SA-17» المضادة للطائرات وصواريخ «ياخونت» البحرية ذات الدقة الكبيرة في أيدي المعارضين. وهي ترى أن مثل هذه الصواريخ تشكل خطراً حتى على منصات الغاز في عرض البحر المتوسط، وعلى السفن الحربية والتجارية الإسرائيلية. كما أن الصواريخ المضادة للطائرات تمس بتفوق إسرائيل الجوي وتقيّد سلاحها الجوي.

ومع ذلك يرى ربابورات أنه لن يكون للمعارضين مصلحة في إطلاق الصواريخ حالياً على إسرائيل، فضلاً عن احتمال ألا تتوفر لديهم أصلاً القدرة على ذلك. ولهذا السبب يرى أن الخشية الحقيقية في إسرائيل هي من تسرب هذه الأسلحة أو مثيلاتها إلى «حزب الله» تحديداً.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-07
  • 9045
  • من الأرشيف

قلـق إسرائيـل والأزمـة السوريـة: الجـولان و«القاعـدة» و«حـزب اللـه»

أشاع اختطاف جنود قوة الطوارئ الدولية العاملة في هضبة الجولان السورية المحتلة في الجانب السوري من الحدود مخاوف في إسرائيل من تسخين هذه الجبهة. ونبعت المخاوف أساساً من تزايد نفوذ القوى الإسلامية، خصوصاً تنظيم «القاعدة»، في المناطق التي سقطت فيها سيطرة النظام، ووقعت الأسلحة في أيدي التنظيم. وزادت هذه المخاوف بشكل كبير إثر الإعلان عن سيطرة جماعات إسلامية على مخازن أسلحة، وقواعد صواريخ من طراز «سكود» في مناطق بعيدة حتى الآن عن الحدود. كذلك، فإن سقوط قذائف هاون في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في هضبة الجولان فاقم من هذه المخاوف. واعتبرت الأوساط الإسرائيلية أن اختطاف 21 جندياً من قوات الأمم المتحدة «الأندوف» على أيدي رجال المعارضة السورية قرب الحدود مع هضبة الجولان زاد المخاوف من احتمال تفكك القوات الدولية التي تراقب الحدود منذ اتفاقية فصل القوات التي أعقبت «حرب تشرين» في العام 1973. وقد وقعت عملية الاختطاف، كما هو معلوم، قرب قرية جملة، على بعد خمسة كيلومترات فقط من حدود فصل القوات. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة التي تمت عملية الاختطاف فيها هي منطقة منزوعة السلاح تقريباً، وتخضع لإدارة مدنية سورية. وربما هذا ما زاد المخاوف الإسرائيلية من احتمال سيطرة قوى إسلامية معارضة، خصوصاً من «القاعدة» على هذه المنطقة التي يحظر على الجيش السوري النظامي التواجد فيها. وعن المخطوفين، أكد متحدث باسم الأمم المتحدة أن المراقبين الفلبينيين الـ21 كانوا «يقومون بمهمة تموين معتادة» في جنوبي هضبة الجولان عند احتجازهم. من جهته، أفاد الرئيس الفلبيني بينينيو اكينو أن الجنود «يعامَلون جيداً»، مضيفاً «حتى الآن لا شيء يشير إلى أنهم في خطر». ونقل مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن عن متحدث باسم لواء «شهداء اليرموك» قوله إن المخطوفين «محتجزون كضيوف في قرية الجملة». وأوضح عبد الرحمن أنهم لن يتعرضوا للأذى، لكن مقاتلي المعارضة يريدون انسحاب الجيش السوري ودباباته من المنطقة». وبيّنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إنها تتحرى أمر لواء «شهداء اليرموك» لاحتمال تورطه في عمليات إعدام بما في ذلك عملية قتل جنود سوريين صوّرت بالفيديو. ولاحظت إسرائيل بقلق أن مجريات الحرب الأهلية السورية دفعت قوات الأمم المتحدة إلى تقليص نشاطاتها في منطقة فصل القوات، فضلاً عن تراجع عديد هذه القوة إثر عودة جزء منها إلى بلاده. فقد أخلت القوة الفنلندية مواقعها وعادت إلى بلادها، كما أن القوة الكرواتية تجهز نفسها للعودة. والمهم أن القوات الدولية كانت تعد حوالي ألف جندي، وهي الآن أقل من ذلك بكثير. ومنذ بدأت الأزمة السورية شرعت إسرائيل في الاستعداد لمواجهة سيناريو سقوط النظام وانهيار اتفاقية فصل القوات. وفي هذا الإطار أجرت مناورات متكررة، وقامت بحفر خنادق وإقامة أسوار شائكة ونشر المزيد من القوات لمنع تسلل من تعتبرهم جهات معادية. وبعد اختطاف جنود القوة الدولية، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لم يصدر بعد أي أوامر بتغيير قواعد إطلاق النار على الحدود مع سوريا، وأنه يرى في الاختطاف عملاً داخلياً سورياً لا يغير الوضع ولا صلة له بالجيش الإسرائيلي. ولكن هذا الإعلان لا يعني أن التوتر تراجع أو تقلص بل على العكس من ذلك. وكانت المخاوف قد تعاظمت إثر سيطرة «الجيش الســوري الحر»، والذي يضم الكثير من القوى الإسلامية، على مناطق واسعة في سوريا تحوي مخازن أسلحة مهمة من بينها صواريخ «سكود». وما أن نشرت جهات معارضة خصوصاً «جبهة النــصرة» أشرطة فيديو تثــبت السيطرة على قواعد تلك الصواريخ في دير الــزور وقرب حلب، حــتى بدأت الصحف الإسرائيلية تنشر هذه الأخبار على صدر صفحـاتها الأولى. وأظهرت الصــور السيطرة على ما لا يقل عن 13 صاروخ «سكود»، وهو طراز يستطيع الوصول إلى ما بين 180 و700 كيلو متر، وبعضها قادر على حمل رؤوس حربية غير تقليدية. وتعتبر أوساط إسرائيلية أن التزاوج بين التطرف الإسلامي ونوعيات متقدمة وخطيرة من الأسلحة يعني تعاظم الخطر. وكتب المعلق العسكري في صحيفة «معاريف» عمير ربابورات أن الكثير من المعارضين الذين يحظون بدعم غربي يصنفون أنفسهم أعداء لإسرائيل «الكافرة» التي سيتجهون ضدها حال التخلص من حكم الرئيس بشار الأسد. ولذلك فإن الصور التي تنشر على موقع «يوتيوب»، بحسب رأيه، «مقلقة حقاً، فالجمع بين رجال الجهاد العالمي وصواريخ أرض أرض يعتبر أمراً إشكالياً». غير أن ربابورات يستدرك، ويقول إن الاستخبارات الغربية تقدر أن هناك في سوريا الآن بضع مئات من رجال «القاعدة»، غالبيتهم في شمال سوريا وقسم منهم في درعا. وأضاف أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه كلما تقدم الوقت فإن الرئيس السوري يبدو وكأنه يعمل لإقامة دولة علوية في الشمال مع منفذ بحري في اللاذقية. وبحسب رأيهم فإن الأسد سيجمع هناك ما يتبقى لديه من أسلحة إستراتيجية، لكنه سيخسر بعضاً من هذه الأسلحة في المناطق التي يُمنى فيها بالهزيمة. واعتبر ربابورات أن أخــطر ما في ترســانة سوريا هي صواريخ «M-600»، التي يبلغ مداها مئات الكيلومترات والقادرة على إصابة أهدافها بدقة أمتار قليلة. وأشار إلى أنه لم يسبق لإسرائيل أن تعاملت مع صواريخ بمثل هذه الدقة، وأنها تنظر بخطورة إلى احتمال وقوعها بأيدٍ «غير مسؤولة». وفضلاً عن ذلك، تخشى إسرائيل من وقوع صواريخ «SA-17» المضادة للطائرات وصواريخ «ياخونت» البحرية ذات الدقة الكبيرة في أيدي المعارضين. وهي ترى أن مثل هذه الصواريخ تشكل خطراً حتى على منصات الغاز في عرض البحر المتوسط، وعلى السفن الحربية والتجارية الإسرائيلية. كما أن الصواريخ المضادة للطائرات تمس بتفوق إسرائيل الجوي وتقيّد سلاحها الجوي. ومع ذلك يرى ربابورات أنه لن يكون للمعارضين مصلحة في إطلاق الصواريخ حالياً على إسرائيل، فضلاً عن احتمال ألا تتوفر لديهم أصلاً القدرة على ذلك. ولهذا السبب يرى أن الخشية الحقيقية في إسرائيل هي من تسرب هذه الأسلحة أو مثيلاتها إلى «حزب الله» تحديداً.

المصدر : السفير \ حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة