دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
النظام السوري قد يوافق على استيعاب بعض الجماعات المسلحة في الجيش، كأحد الحلول المطروحة بعد وقف إطلاق النار وكمدخل للعملية السياسية. ولا يتخلى النظام السوري عن تفاؤل يفاجئ أحياناً باعتقاده القدرة على استعادة المبادرة السياسية، وفي أحلك الظروف. ويبدو تفاؤل دمشق معدياً للحلفاء، إلى حد ركون الروس نسبياً، إلى الحسابات السياسية ذاتها، وشروط النظام للذهاب نحو عملية التفاوض. ليس كل الحسابات والشروط طبعاً، ولكن موسكو باتت توأم دمشق في الطلاق مع بعض الحقائق العسكرية على الأرض، وفي تجاهل واقع أن المعارضة المسلحة، وهي في شق عريض منها إسلامي وجهادي، لم تعد، وهي لم تكن أصلاً، في وارد أي حوار مع النظام، بالرغم من أن هزيمته ليست قريبة بأي حال. ويتناسى الروس التزامهم بيان جنيف إطاراً وحيداً لأي حل سياسي.
التقديم لا مناص منه، نظراً لتركيز العرض السوري للتفاوض على التفاوض مباشرة مع الجماعات المسلحة، وإيلائها المكان الأول على طاولة المفاوضات «قبل بعض الوجوه المعارضة التي رفضت التسليح وتوافق على
التفاوض من دون شروط مسبقة، ولكنها لا تملك تأثيراً على الجماعات المقاتلة»، بحسب ما نقله وزير الخارجية السوري وليد المعلم لنظيره الروسي سيرغي لافروف.
وأبلغ الروس معارضين سوريين أن المعلم حمل عرضاً قبل عشرة أيام إلى لافروف، أرفقه باستعراض لميزان القوى على الأرض، واصفاً إياه بأنه يميل لمصلحة النظام، وبأن الأخير يشعر أنه في موقع قوي، ويرتاح للتطورات على الأرض.
وعرضُ المعلم يقصر الحوار في المرحلة الأولى على ممثلين عن النظام والجماعات المسلحة المعتدلة التي تقبل بالحوار. وقال الروس لمعارضين سوريين إن النظام يعتبر ضم هذه الجماعات إلى الجيش احد الحلول المقبولة لاستيعابها سياسياً وعسكرياً. ونقل الروس أيضاً أنهم اختبروا سقف الموقف السوري في التفاوض مع الجماعات المسلحة، وهو يبدو مفتوحاً، وذلك بالرغم مما قاله الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة لاحقة، بأنه لا حوار مع الجماعات المسلحة قبل أن تلقي سلاحها.
ونقل الروس للمعارضين السوريين أن العرض الذي حمله المعلم تضمن عدم فرض شروط مسبقة، وأن يتقرر جدول الأعمال خلال اللقاءات نفسها. واشترط المعلم أن يكون لكل طرف حق انتداب من يراه مناسباً لتمثيله، «نحن نحدد وفدنا، وهم يحددون وفدهم»، وهو ما يكفل للطرفين، القفز فوق شرط استثناء «الأيدي الملطخة بالدماء» في مرحلة التفاوض بالتأكيد، وربما في أي عملية انتقالية.
وكرر المعلم أن النظام يقبل بانتخابات نيابية مبكرة، والعمل وفق إعلان دستوري، بحسب خطة الـ18 نقطة، التي طرحها الأسد في خطاب الأوبرا. بيد أن وزير الخارجية السوري أبلغ الروس بما يعرفونه، أي أنه لن يقبل بالبحث في مصير الرئيس الأسد مسبقاً، أو بتنحيه قبل انتهاء ولايته، كما أنه لن يساوم على حقه في الترشح إلى انتخابات رئاسية في ربيع العام 2014.
ونقل المعلم للروس أن دمشق لم تعد ترى في المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي وسيطاً مقبولاً في العملية السياسية الجارية، وأنها لا تثق بحياده، كما أنه لا حاجة إلى دوره في تحديد معالم العملية الانتقالية التي حددها اتفاق جنيف. وكان السوريون قد وافقوا على قراءة تنبثق عنه، يؤيدها الروس، ولا تتضمن تنحي الرئيس السوري عند انطلاقها. إلى ذلك، قال المعلم لنظيره الروسي إن النظام السوري يستعجل إطلاق المفاوضات، والتي اقترح الروسي عقدها في جنيف أو فيينا.
وأوضح معارض سوري لـ«السفير» أن الروس تراجعوا عن طلب إشراك نائب الرئيس فاروق الشرع في المفاوضات أو العملية الانتقالية بعدما لمسوا حساسية بالغة من الجانب السوري في طرق هذه القضية.
على صعيد آخر، خطا التوافق الأميركي الروسي على عملية سياسية في سوريا خطوة إضافية، حيث سيلتقي اليوم في لندن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومساعد الخارجية الأميركية ويليام بيرنز، وذلك في نطاق بلورة خريطة طريق لاختبار احتمالات التسوية السياسية في سوريا، واستعراض نتائج الاتصالات مع المعارضة السورية والنظام حول شروط إطلاق المفاوضات بينهما. والتقى بوغدانوف الإبراهيمي في لندن عشية لقاء ثلاثي يجمعهما مع بيرنز.
ويعقد اللقاء الثلاثي لاستكمال مشاورات بدأت بين لافروف ونظيره الأميركي جون كيري في برلين، وفي سياق لقاءات ديبلوماسية جرت في لندن وجنيف حول سوريا لم تؤد إلى أي تقدم يذكر آنذاك.
المشاورات الأميركية الروسية تجهر بتقاطع روسي أميركي متزايد انتظر وصول جون كيري إلى الخارجية الأميركية، وحسم الرئيس أوباما أمره في القطع مع خيار التدخل العسكري الذي طلبته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. واتجه أوباما إلى إيلاء الروس، الذين يتمتعون بميزة القدرة على مخاطبة الرئيس السوري والتأثير عليه دون غيرهم، ابتكار مخارج سياسية للحرب السورية التي بات الطرفان، الأميركي والروسي، يتقاسمان فيها الخوف من انتشار بقعة «الجهاديين» في ما يتعدى دمشق، والحرص على إنقاذ بعض الدولة السورية وجيشها وسلطتها منعاً لتحول الموقع السوري الاستراتيجي نهباً لفوضى عارمة، تهدد أمن الجوار.
ويسعى الأميركيون إلى الاستجابة لطلب روسي بحثّ «الائتلاف الوطني السوري» و«المجلس الوطني»، على تسمية ممثليهم إلى مفاوضات مع النظام السوري بعدما أبلغ لافروف نظيره الأميركي في برلين الأسبوع الماضي أن المعلم أعلمه بأن الوفد التفاوضي للنظام بات جاهزاً، وأنه يريد التوجه إلى طاولة الحوار بأسرع وقت ممكن.
وقال مصدر ديبلوماسي أميركي إن الائتلاف محبط بسبب الخلافات التي تسوده، مضيفاً لقد «أبلغناهم برغم ذلك بأنها (المعارضة) إذا كانت تنتظر منا أن نقدم لها سلاحاً فإن أملها سيخيب، ولكننا سنقدم مساعدات لوجستية وإنسانية ملموسة». وأوضح «لقد أبلغنا الائتلاف بأن الأولوية بالنسبة لنا هي التركيز على تسريع آليات الحل السياسي، وهناك نقطة مفتاحية نتقاسمها مع المعارضة والروس، وهي ألا يملأ المتطرفون أي فراغ في السلطة في دمشق بعد رحيل الأسد، والحفاظ على مؤسسات الدولة».
ويطرح تعويم الحل السياسي مصير الائتلاف السوري، الذي رفض رئيسه معاذ الخطيب زيارة موسكو، بعدما كان حدّد موعداً أولياً لها في الخامس من الشهر الحالي.
وتقول مصادر في المعارضة إن الخطيب يتعرض لضغوط أميركية للقاء الروس مرة ثانية بعد ميونيخ. ولكن تبلور المبادرة الروسية الأميركية، وتسارع خطى التفاهم بين الرئيسين الأميركي والروسي، يطرح على الائتلاف أسئلة أكبر من مجرد زيارة الخطيب إلى موسكو. فالائتلاف كما بدا في اقتصار وفده إلى مؤتمر «أصدقاء سوريا» في روما على رياض سيف ومعاذ الخطيب، ومقاطعة كتلة المجلس الوطني للمؤتمر، يُظهر أن الكتلة المعارضة السورية الأكبر ليست جاهزة لأي حل سياسي أو تفاوضي. وباستثناء الرغبة التي أبداها الخطيب في التفاوض، لا يملك الائتلاف خطة جاهزة أو تصوراً لأي عملية سياسية أو حل سياسي في سوريا.
المصدر :
السفير \ محمد بلوط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة