ليس من باب المصادفة ان تندفع الاحداث والتطورات على الساحة اللبنانية التوترات الامنية المتنقلة برداء اسلامي سني دفعة واحدة، وليس مصادفة ان تحمل هذه الاحداث عنوانا براقا يلعب على الغرائز المذهبية تحت عنوان الدفاع عن "مظلومية" اهل السنة، وليس مستغربا ان ينتقل "الدعاة"مرة جديدة الى زج الجيش في دائرة التشكيك والتهديد بفتاوى شرعية تلزم العناصر والضباط السنة بالتمرد على قيادتهم العسكرية، وليس ايضا مستغربا ان تتزامن تلك الاحداث مع حملة اعلامية منظمة ومفبركة لتحميل حزب الله مسؤولية التوتر المستجد،مع العلم ان من يملك ذرة موضوعية يدرك يقينا ان الطرف الاخر هو من يعمل ليل نهار لاستدراج المقاومة الى المستنقع الداخلي.فما هي اسباب هذا التوتر المتنامي لدى بعض التيارات السلفية، ومع تيار المستقبل؟وما هي المعطيات التي تجعل من تلك الاحداث وتوقيتها امرا مخططا له وليس مجرد صدفة؟

"اذا اردت ان تعرف ما يحصل في لبنان عليك ان تعرف اولا ما يحصل في سوريا"بهذه العبارة تختصر اوساط سياسة مطلعة اسباب التطورات المتسارعة على الساحة اللبنانية،وترى ان الاحداث الاخيرة هي جزء من تداعيات بدأت تظهر عوارضها في المنطقة تزامنا مع الحراك الديبلوماسي الاميركي الراهن الذي حرك "مياه" المنطقة "الراكدة" بزيارة وزير الخارجية جون كيري بانتظار وصول الرئيس الاميركي باراك اوباما نهاية الجاري الى المنطقة.

 

ففي ظل تقاطع المعلومات حول تفويض اميركي لروسيا بانضاج ملف تسوية الازمة السورية، دخلت كافة الاطراف المعنية بالصراع الدائر الى اعادة ترتيب اوراقها لحجز مكان لها على الطاولة وضمان ان لا تكون التسويات على حساب مصالحها او على اقل تقدير تخفيف حدة الخسائر المتوقعة بعد ان تفرقت مصالح "العشاق"الذين فشلوا في اسقاط النظام السوري، مما فتح الباب امام مقايضات يخشى كل طرف ان تكون على حسابه،وهذا الامر يفسر بوضوح النشاط البارزالذي يقوم به المحور الإماراتي السعودي الأردني في مواجهة ثلاثي تركيا وقطر ومصر.

هذا الحراك السياسي الاميركي الروسي في المنطقة بدأت تاثيراته بالظهورعلى الساحة اللبنانية ،بعد ان ظهرت التداعيات المباشرة على الاوضاع الميدانية السورية لجهة الخلاف بين الفصائل المسلحة، فضلا عن الندوب التي تزداد على المستوى السياسي بين قيادات المعارضة السورية،وليس صدفة ايضا ان يستعد الملك الاردني عبدلله الثاني للمرحلة الجديدة بورقة نقاشية لتطويرالمؤسسة الملكية وتحويلها إلى دستورية وذلك بعد اتفاق أمريكي روسي على ترتيب اوضاع الاردن.لكن الذعر القائم حاليا في صفوف التيارات الاسلامية لا يرتبط بهذه التحولات السياسية فقط وانما بالمعلومات الموثقة الميدانية التي تتحدث عن تهيئة المجالات الحيوية في المنطقة شمالي الأردن وجنوبي سوريا وشمال لبنان للتصدي لـ "جبهة النصرة" كعدو مشترك للجميع.

وتعتبر "القوى السلفية"ان ما حصل في الكويخات وعرسال، وما يحصل من اجراءات امنية مشددة في طرابلس وفي صيدا، وقبله على الحدود مع سوريا،جزء من المخطط الرامي الى تعاون امني مشترك بين دول المنطقة لضرب "الحالة السلفية"،وتستدل قياداتها على هذه الوقائع بالتعاون الاردني مع الجيش السوري النظامي في منطقة درعا وجنوبي سوريا.وقد جاء قصف القوات العراقية لمواقع "جبهة النصرة" على الحدود مع سوريا ليزيد من قناعة تلك التيارات التي ترى في دخول الدولة العراقية مباشرة على خط الازمة السورية بمثابة ضوء اخضر دولي لانطلاق محور جديد في المنطقة يعمل تحت مسمى "محور التصدي للإرهاب".

هذه التطورات الميدانية وبحسب الاوساط نفسها، زادت ايضا منسوب القلق لدى الدول الراعية لتلك المجموعات، ما انعكس ذعرا على تحركاتها الميدانية في لبنان، وما حصل يوم الجمعة من احداث متزامنة كان رسالة شديدة اللهجة الى الدولة اللبنانية بان هذه القوى ستذهب في مواجهتها الى النهاية، وهي لن تتوانى عن فتح معركة بعنوان مذهبي اذا ما كان المطلوب تحجيم دورها على الساحة اللبنانية،ومن هنا يمكن فهم التركيز المتزامن على حزب الله كعنوان طائفي لتبرير الحرب "المقدسة"، وكذلك التركيز على مؤسسة الجيش اللبناني التي ستشكل براي القوى السلفية راس الحربة في المواجهة المقبلة، ومن هنا جاءت التهديدات صريحة بصدور فتاوى للشباب السني بعدم جواز الخدمة في مؤسسة الجيش اللبناني الامر الذي سيؤدي براي هؤلاء الى انقسام الجيش.

 

هذا الحراك يترك ظلالا ثقيلة على الوضع اللبناني المثقل اصلا بخلافات عميقة تتجذر مع اقتراب الاستحقاقات الدستورية الداهمة، والمفارقة براي تلك الاوساط ان طرفي النزاع على الساحة السنية يريدان ان يدفع حزب الله ثمن هذه الخلافات، واذا كان هذا الخلاف في مصر قد ادى الى مواجهة علنية بين التيار السلفي وحركة الاخوان المسلمين في ظل ادراك الطرفين ان "التيار المدني" غير قادر على الخروج رابحا من هذا الخلاف، فأن مشكلة تيار المستقبل في لبنان والتيارات السلفية الممولة خصوصا من قطر ادراكا ان استفحال الخلاف بينهما سيكون لمصلحة حزب الله والقوى الحليفة له،وهذا الامر يترجم عمليا على الارض حذرا شديدا في معالجة الازمات بين الطرفين لجهة الابقاء على "شعرة معاوية" والتصويب الدائم على حزب الله لمنعه من قطف ثمار هذه التحولات.

هذه المعادلة الصعبة تفسر الارباك لدى تيار المستقبل المحشور بين "مطرقة" نفوذ التيارات السلفية المتمردة على الدور السعودي والملحقة بالاجندة القطرية وبين "سندان" حزب الله،وكلام رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة امس الاول جزء من هذه "الحشرة"، فرفعه الغطاء "كلاميا"عن ظاهرة الشيخ احمد الاسير في صيدا تزامنت مع لازمة الهجوم على "حزب السلاح" وتحميل الحزب مسؤولية توتر يعرف هو جيدا انه غير مسؤول عنه، وقد جاء كلامه بعد تدخل سعودي مباشر طالبه بموقف اكثر وضوحا من تحركات الاسير بعد البيان "حمال الاوجه"الذي اصدره قبل ساعات مع النائب بهية الحريري،ولكن المعضلة الاساسية المربكة تكمن في كيفية الموازنة بين ضرب تلك الظاهرة التي خرجت عن السيطرة بعدما كان تيار المستقبل يستخدمها في ما مضى "لمناكفة" حزب الله، وفقا لاتفاق ضمني بين الدول الاقليمية الراعية للطرفين، وبين ما يمكن ان يحققه حزب الله من ربح معنوي وعملي اذا ما تفاقمت هذه الخلافات الى حد رفع الغطاء السياسي "المكبل" لتحركات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يخشى اتهامه في "سنيته" ويحرص جيدا على عدم اغضاب المملكة العربية السعودية.

ولذلك فان الايام او الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة لمعرفة حدود المنازلة الجديدة بين المصالح القطرية والسعودية وهذا الامر سيتمظهر من خلال حدود التصعيد الذي سيصل اليه الشيخ احمد الاسير، وكيفية تعامل الاجهزة الامنية مع هذا التصعيد، فاذا ما اتخذ قرار بالحسم يكون تيار المستقبل قد تبلغ تعليمات واضحة برفع الغطاء السياسي عن "الظاهرة الاسيرية" وباعها في سوق المصالح الاقليمية والدولية كما فعل سابقا مع ظاهرة فتح الاسلام،اما اذا بقيت الدولة عاجزة عن التحرك فهذا يعني ضمنيا ان المواقف العلنية ليست الا جزء من المزايدات الداخلية على وقع خلافات اقليمية لم تصل بعد الى حد "الطلاق" اقله على الساحة اللبنانية حيث يتوحد فريقي الخلاف وراء مواجهة "عدو"مشترك اسمه حزب الله.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2013-03-05
  • 10414
  • من الأرشيف

القوى الاقليمية تحرك الساحة اللبنانية على وقع "التفاهمات" الروسية الاميركية حول سوريا ..

ليس من باب المصادفة ان تندفع الاحداث والتطورات على الساحة اللبنانية التوترات الامنية المتنقلة برداء اسلامي سني دفعة واحدة، وليس مصادفة ان تحمل هذه الاحداث عنوانا براقا يلعب على الغرائز المذهبية تحت عنوان الدفاع عن "مظلومية" اهل السنة، وليس مستغربا ان ينتقل "الدعاة"مرة جديدة الى زج الجيش في دائرة التشكيك والتهديد بفتاوى شرعية تلزم العناصر والضباط السنة بالتمرد على قيادتهم العسكرية، وليس ايضا مستغربا ان تتزامن تلك الاحداث مع حملة اعلامية منظمة ومفبركة لتحميل حزب الله مسؤولية التوتر المستجد،مع العلم ان من يملك ذرة موضوعية يدرك يقينا ان الطرف الاخر هو من يعمل ليل نهار لاستدراج المقاومة الى المستنقع الداخلي.فما هي اسباب هذا التوتر المتنامي لدى بعض التيارات السلفية، ومع تيار المستقبل؟وما هي المعطيات التي تجعل من تلك الاحداث وتوقيتها امرا مخططا له وليس مجرد صدفة؟ "اذا اردت ان تعرف ما يحصل في لبنان عليك ان تعرف اولا ما يحصل في سوريا"بهذه العبارة تختصر اوساط سياسة مطلعة اسباب التطورات المتسارعة على الساحة اللبنانية،وترى ان الاحداث الاخيرة هي جزء من تداعيات بدأت تظهر عوارضها في المنطقة تزامنا مع الحراك الديبلوماسي الاميركي الراهن الذي حرك "مياه" المنطقة "الراكدة" بزيارة وزير الخارجية جون كيري بانتظار وصول الرئيس الاميركي باراك اوباما نهاية الجاري الى المنطقة.   ففي ظل تقاطع المعلومات حول تفويض اميركي لروسيا بانضاج ملف تسوية الازمة السورية، دخلت كافة الاطراف المعنية بالصراع الدائر الى اعادة ترتيب اوراقها لحجز مكان لها على الطاولة وضمان ان لا تكون التسويات على حساب مصالحها او على اقل تقدير تخفيف حدة الخسائر المتوقعة بعد ان تفرقت مصالح "العشاق"الذين فشلوا في اسقاط النظام السوري، مما فتح الباب امام مقايضات يخشى كل طرف ان تكون على حسابه،وهذا الامر يفسر بوضوح النشاط البارزالذي يقوم به المحور الإماراتي السعودي الأردني في مواجهة ثلاثي تركيا وقطر ومصر. هذا الحراك السياسي الاميركي الروسي في المنطقة بدأت تاثيراته بالظهورعلى الساحة اللبنانية ،بعد ان ظهرت التداعيات المباشرة على الاوضاع الميدانية السورية لجهة الخلاف بين الفصائل المسلحة، فضلا عن الندوب التي تزداد على المستوى السياسي بين قيادات المعارضة السورية،وليس صدفة ايضا ان يستعد الملك الاردني عبدلله الثاني للمرحلة الجديدة بورقة نقاشية لتطويرالمؤسسة الملكية وتحويلها إلى دستورية وذلك بعد اتفاق أمريكي روسي على ترتيب اوضاع الاردن.لكن الذعر القائم حاليا في صفوف التيارات الاسلامية لا يرتبط بهذه التحولات السياسية فقط وانما بالمعلومات الموثقة الميدانية التي تتحدث عن تهيئة المجالات الحيوية في المنطقة شمالي الأردن وجنوبي سوريا وشمال لبنان للتصدي لـ "جبهة النصرة" كعدو مشترك للجميع. وتعتبر "القوى السلفية"ان ما حصل في الكويخات وعرسال، وما يحصل من اجراءات امنية مشددة في طرابلس وفي صيدا، وقبله على الحدود مع سوريا،جزء من المخطط الرامي الى تعاون امني مشترك بين دول المنطقة لضرب "الحالة السلفية"،وتستدل قياداتها على هذه الوقائع بالتعاون الاردني مع الجيش السوري النظامي في منطقة درعا وجنوبي سوريا.وقد جاء قصف القوات العراقية لمواقع "جبهة النصرة" على الحدود مع سوريا ليزيد من قناعة تلك التيارات التي ترى في دخول الدولة العراقية مباشرة على خط الازمة السورية بمثابة ضوء اخضر دولي لانطلاق محور جديد في المنطقة يعمل تحت مسمى "محور التصدي للإرهاب". هذه التطورات الميدانية وبحسب الاوساط نفسها، زادت ايضا منسوب القلق لدى الدول الراعية لتلك المجموعات، ما انعكس ذعرا على تحركاتها الميدانية في لبنان، وما حصل يوم الجمعة من احداث متزامنة كان رسالة شديدة اللهجة الى الدولة اللبنانية بان هذه القوى ستذهب في مواجهتها الى النهاية، وهي لن تتوانى عن فتح معركة بعنوان مذهبي اذا ما كان المطلوب تحجيم دورها على الساحة اللبنانية،ومن هنا يمكن فهم التركيز المتزامن على حزب الله كعنوان طائفي لتبرير الحرب "المقدسة"، وكذلك التركيز على مؤسسة الجيش اللبناني التي ستشكل براي القوى السلفية راس الحربة في المواجهة المقبلة، ومن هنا جاءت التهديدات صريحة بصدور فتاوى للشباب السني بعدم جواز الخدمة في مؤسسة الجيش اللبناني الامر الذي سيؤدي براي هؤلاء الى انقسام الجيش.   هذا الحراك يترك ظلالا ثقيلة على الوضع اللبناني المثقل اصلا بخلافات عميقة تتجذر مع اقتراب الاستحقاقات الدستورية الداهمة، والمفارقة براي تلك الاوساط ان طرفي النزاع على الساحة السنية يريدان ان يدفع حزب الله ثمن هذه الخلافات، واذا كان هذا الخلاف في مصر قد ادى الى مواجهة علنية بين التيار السلفي وحركة الاخوان المسلمين في ظل ادراك الطرفين ان "التيار المدني" غير قادر على الخروج رابحا من هذا الخلاف، فأن مشكلة تيار المستقبل في لبنان والتيارات السلفية الممولة خصوصا من قطر ادراكا ان استفحال الخلاف بينهما سيكون لمصلحة حزب الله والقوى الحليفة له،وهذا الامر يترجم عمليا على الارض حذرا شديدا في معالجة الازمات بين الطرفين لجهة الابقاء على "شعرة معاوية" والتصويب الدائم على حزب الله لمنعه من قطف ثمار هذه التحولات. هذه المعادلة الصعبة تفسر الارباك لدى تيار المستقبل المحشور بين "مطرقة" نفوذ التيارات السلفية المتمردة على الدور السعودي والملحقة بالاجندة القطرية وبين "سندان" حزب الله،وكلام رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة امس الاول جزء من هذه "الحشرة"، فرفعه الغطاء "كلاميا"عن ظاهرة الشيخ احمد الاسير في صيدا تزامنت مع لازمة الهجوم على "حزب السلاح" وتحميل الحزب مسؤولية توتر يعرف هو جيدا انه غير مسؤول عنه، وقد جاء كلامه بعد تدخل سعودي مباشر طالبه بموقف اكثر وضوحا من تحركات الاسير بعد البيان "حمال الاوجه"الذي اصدره قبل ساعات مع النائب بهية الحريري،ولكن المعضلة الاساسية المربكة تكمن في كيفية الموازنة بين ضرب تلك الظاهرة التي خرجت عن السيطرة بعدما كان تيار المستقبل يستخدمها في ما مضى "لمناكفة" حزب الله، وفقا لاتفاق ضمني بين الدول الاقليمية الراعية للطرفين، وبين ما يمكن ان يحققه حزب الله من ربح معنوي وعملي اذا ما تفاقمت هذه الخلافات الى حد رفع الغطاء السياسي "المكبل" لتحركات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يخشى اتهامه في "سنيته" ويحرص جيدا على عدم اغضاب المملكة العربية السعودية. ولذلك فان الايام او الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة لمعرفة حدود المنازلة الجديدة بين المصالح القطرية والسعودية وهذا الامر سيتمظهر من خلال حدود التصعيد الذي سيصل اليه الشيخ احمد الاسير، وكيفية تعامل الاجهزة الامنية مع هذا التصعيد، فاذا ما اتخذ قرار بالحسم يكون تيار المستقبل قد تبلغ تعليمات واضحة برفع الغطاء السياسي عن "الظاهرة الاسيرية" وباعها في سوق المصالح الاقليمية والدولية كما فعل سابقا مع ظاهرة فتح الاسلام،اما اذا بقيت الدولة عاجزة عن التحرك فهذا يعني ضمنيا ان المواقف العلنية ليست الا جزء من المزايدات الداخلية على وقع خلافات اقليمية لم تصل بعد الى حد "الطلاق" اقله على الساحة اللبنانية حيث يتوحد فريقي الخلاف وراء مواجهة "عدو"مشترك اسمه حزب الله.    

المصدر : ابراهيم ناصرالدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة