جرّت المعارضة المسلحة الجيش السوري إلى معركة جديدة تنذر بمزيد من الدمار والموت المجاني، لتنضم الرقة، المدينة الهادئة منذ عامين، إلى سلم الأحداث المأساوي في سوريا.

تعزيزات عسكرية في طريقها إلى الرقة، قوامها دبابات مدمرة، فيما تقوم المدافع في المواقع العسكرية القريبة من المدينة بدك مواقع المسلحين و«تعلن عن خسائر فادحة في صفوفهم». من جهته، ينفذ الطيران الحربي طلعات متكررة في سماء المدينة، ويصوب أسلحته إلى النصر الباهت والمدمر الذي ابتهج به مسلحو المعارضة، والتي بدورها تحذر عبر ناشطيها من جماعات «من ريف حلب غزت ريف الرقة الغربي» وبدأت عمليات نهب وسرقة في المدينة.

وخلافا للتوقعات التي جاءت متناقضة أساسا، لم تنضم الرقة لركب «الثورة السورية»، وخرجت بها تظاهرات خجولة في بداية الأحداث، ما لبثت أن توقفت، وظل حراكها سلميا حتى نهايات العام الماضي، بل أن الرئيس السوري بشار الأسد صلى في أحد جوامعها صلاة عيد الأضحى في حزيران العام الماضي.

وحين بدأ الحراك المسلح يمتد في المنطقة الشرقية أكثر فأكثر جرت حوادث دموية تبادلت المعارضة والحكومة المسؤولية عنها، بينها مقتل العشرات في منطقة القحطانية خارج المدينة والتي اتهمت الحكومة مجموعات إرهابية بها، والقصف الذي طال محطة وقود في تل أبيض، وذكر الإعلام الرسمي حينها انه تجمع للإرهابيين.

وخلافا للعواصف الدامية في محيطها، ظلت طرق المحافظة مفتوحة، وحركة النقل تجري منها وإليها. أما التوقع الآخر المخيب فكان القناعة التي توفرت لدى الحكومة بان المدينة محصنة بسبب تحالفات عشائرية وقبلية سابقة، ونتيجة تواجد أعداد كبيرة من النازحين فيها، لا سيما من إدلب ودير الزور وحلب، تتجاوز تقديراتهم السابقة النصف مليون شخص هربوا من الدمار المتلاحق في مناطقهم إلى هدوء الرقة الاستثنائي، وهربوا الآن، لكن إلى جانب «رقاويين» الى مسافة ابعد باتجاه دير الزور والحسكة، اللتين لا يوصف وضعهما بأي شكل بالأفضل.

لكن الاتفاق الذي جرى في المناطق الكردية مع قيادات «الجيش الحر» والضربة التي تلقاها المسلحون و«جبهة النصرة» في حلب دفعا إلى التحرك السريع باتجاه نصر آخر، وذلك إضافة لمعلومات عن وصول مقاتلين من العراق أيضا. وتم التمهيد لمعركة مدينة الرقة بالاستيلاء على ريفها من دون مقاومة حقيقية، ومن ثم السيطرة على مدينة الطبقة، ولاحقا على المؤسسات الكبرى من قبيل سد الفرات، وصولا إلى التحضير لهجوم كبير على المدينة بدأ بحصار لسجنها المركزي، وانتهى بدخول متواتر من مداخل متفرقة.

وتناقلت مواقع موالية للدولة خبر مقتل عقيد إماراتي متقاعد شارك في الهجوم، ويدعى محمد أحمد سعيد العبدولي، ولكن ليبقى الخبر غير مؤكد، فيما ذكرت صفحة «شاهد عيان الرقة» المعارضة أن «أمناء الرقة وجبهة النصرة وأحرار الشام» أمنوا المباني الحكومية واحتجزوا المحافظ وبعض القيادات العسكرية، وهو ما قد يفتح باب «تفاوض» إن كان صحيحا.

واظهر شريط صوره المسلحون محافظ الرقة حسن جليلي وأمين فرع حزب البعث سليمان السليمان في محافظة الرقة وهما يجلسان إلى جانب مقاتلين. ويقول احد المسلحين إن «ما نريده هو التخلص من النظام».

وتناقلت مواقع متفرقة أخبار سرقة تعرض لها متحف الرقة وسط البلد، والذي يضم آثارا رومانية وإسلامية نفيسة، إلا أن مديرية الآثار والمتاحف نفت أمس «حصول سرقة للآثار المهمة»، كما ذكرت مواقع المعارضة أن «الكتائب الإسلامية» تقوم بدوريات في المدينة للتصدي للنهب.

ويبدو الآن المشهد صعب التوصيف، خصوصا أن الاتصالات شبه منقطعة بالكامل مع المدينة. ويظهر نشطاء المدينة الحقيقيون على الشبكة العنكبوتية بشكل متقطع، إلا لمن توفرت له أجهزة تعمل عبر الأقمار الاصطناعية أو كان خارج المدينة.

أما الوضع العسكري، فتغيب الرواية المفصلة للإعلام الرسمي عنه، فيما يقول الطرف الآخر إن قسما كبيرا من أحياء المدينة أضحى يشهد وجودا مكثفا لمسلحين، وأن أحد أهم مواقع الدفاع المتبقية للدولة يتمثل في ثكنة «اللواء 17» العسكرية، والتي تشارك بقصف مواقع في المدينة، وإن سرب انها بحاجة لتعزيزات كبيرة. كما يشير نشطاء إلى تعرض وسط المدينة «الدرعية» لقصف طائرات، وان اشتباكات قوية تجري في مناطق متفرقة من المدينة.

وأعلن نشطاء في المعارضة وأحد السكان أن مقاتلات سورية قصفت مدينة الرقة. وقال رجل من سكان الرقة «وسط المدينة يتعرض للقصف بالطائرات الحربية. أحصيت 60 صاروخا»، مضيفا إن المستشفيات تطلب التبرع بالدم مع تزايد أعداد المصابين.

في النهاية، لا يختلف مشهد الرقة الحالي عن مشهد مدن أخرى أعلنت فيها «حرب التحرير»، فحققت مبتغاها الإعلامي لساعات أو أيام، ومن ثم بدأت بالتحول إلى ساحة صراع عسكري وتصفيات جسدية وسياسية ودم مجاني يسيل من الطرفين، وذلك حتى تحين ساعة نصر أكبر أو تسوية بعيدة ليأتي «سماسرة النصر» من الجنسيات المختلفة لـ«إعادة الإعمار»، خصوصا أن الأمم المتحدة أشارت إلى أن خسائر سورية قاربت 220 مليار دولار مؤخرا، وهو توصيف ينقل موقع «الاقتصادي» السوري انه يعتبر بمثابة «الكارثة الأكبر في المنطقة بعد غزو العراق».

إلى ذلك، تواصلت الاشتباكات بين القوات السورية والمسلحين في عدد من أحياء حمص. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيانات، إن «أحياء الخالدية وحمص القديمة تتعرض لقصف عنيف من قبل القوات السورية يرافقها أصوات انفجارات، إضافة إلى غارات بالطيران الحربي على الخالدية».

 

  • فريق ماسة
  • 2013-03-05
  • 8072
  • من الأرشيف

الرقة... مدينة سورية جديدة على سلم الدمار

جرّت المعارضة المسلحة الجيش السوري إلى معركة جديدة تنذر بمزيد من الدمار والموت المجاني، لتنضم الرقة، المدينة الهادئة منذ عامين، إلى سلم الأحداث المأساوي في سوريا. تعزيزات عسكرية في طريقها إلى الرقة، قوامها دبابات مدمرة، فيما تقوم المدافع في المواقع العسكرية القريبة من المدينة بدك مواقع المسلحين و«تعلن عن خسائر فادحة في صفوفهم». من جهته، ينفذ الطيران الحربي طلعات متكررة في سماء المدينة، ويصوب أسلحته إلى النصر الباهت والمدمر الذي ابتهج به مسلحو المعارضة، والتي بدورها تحذر عبر ناشطيها من جماعات «من ريف حلب غزت ريف الرقة الغربي» وبدأت عمليات نهب وسرقة في المدينة. وخلافا للتوقعات التي جاءت متناقضة أساسا، لم تنضم الرقة لركب «الثورة السورية»، وخرجت بها تظاهرات خجولة في بداية الأحداث، ما لبثت أن توقفت، وظل حراكها سلميا حتى نهايات العام الماضي، بل أن الرئيس السوري بشار الأسد صلى في أحد جوامعها صلاة عيد الأضحى في حزيران العام الماضي. وحين بدأ الحراك المسلح يمتد في المنطقة الشرقية أكثر فأكثر جرت حوادث دموية تبادلت المعارضة والحكومة المسؤولية عنها، بينها مقتل العشرات في منطقة القحطانية خارج المدينة والتي اتهمت الحكومة مجموعات إرهابية بها، والقصف الذي طال محطة وقود في تل أبيض، وذكر الإعلام الرسمي حينها انه تجمع للإرهابيين. وخلافا للعواصف الدامية في محيطها، ظلت طرق المحافظة مفتوحة، وحركة النقل تجري منها وإليها. أما التوقع الآخر المخيب فكان القناعة التي توفرت لدى الحكومة بان المدينة محصنة بسبب تحالفات عشائرية وقبلية سابقة، ونتيجة تواجد أعداد كبيرة من النازحين فيها، لا سيما من إدلب ودير الزور وحلب، تتجاوز تقديراتهم السابقة النصف مليون شخص هربوا من الدمار المتلاحق في مناطقهم إلى هدوء الرقة الاستثنائي، وهربوا الآن، لكن إلى جانب «رقاويين» الى مسافة ابعد باتجاه دير الزور والحسكة، اللتين لا يوصف وضعهما بأي شكل بالأفضل. لكن الاتفاق الذي جرى في المناطق الكردية مع قيادات «الجيش الحر» والضربة التي تلقاها المسلحون و«جبهة النصرة» في حلب دفعا إلى التحرك السريع باتجاه نصر آخر، وذلك إضافة لمعلومات عن وصول مقاتلين من العراق أيضا. وتم التمهيد لمعركة مدينة الرقة بالاستيلاء على ريفها من دون مقاومة حقيقية، ومن ثم السيطرة على مدينة الطبقة، ولاحقا على المؤسسات الكبرى من قبيل سد الفرات، وصولا إلى التحضير لهجوم كبير على المدينة بدأ بحصار لسجنها المركزي، وانتهى بدخول متواتر من مداخل متفرقة. وتناقلت مواقع موالية للدولة خبر مقتل عقيد إماراتي متقاعد شارك في الهجوم، ويدعى محمد أحمد سعيد العبدولي، ولكن ليبقى الخبر غير مؤكد، فيما ذكرت صفحة «شاهد عيان الرقة» المعارضة أن «أمناء الرقة وجبهة النصرة وأحرار الشام» أمنوا المباني الحكومية واحتجزوا المحافظ وبعض القيادات العسكرية، وهو ما قد يفتح باب «تفاوض» إن كان صحيحا. واظهر شريط صوره المسلحون محافظ الرقة حسن جليلي وأمين فرع حزب البعث سليمان السليمان في محافظة الرقة وهما يجلسان إلى جانب مقاتلين. ويقول احد المسلحين إن «ما نريده هو التخلص من النظام». وتناقلت مواقع متفرقة أخبار سرقة تعرض لها متحف الرقة وسط البلد، والذي يضم آثارا رومانية وإسلامية نفيسة، إلا أن مديرية الآثار والمتاحف نفت أمس «حصول سرقة للآثار المهمة»، كما ذكرت مواقع المعارضة أن «الكتائب الإسلامية» تقوم بدوريات في المدينة للتصدي للنهب. ويبدو الآن المشهد صعب التوصيف، خصوصا أن الاتصالات شبه منقطعة بالكامل مع المدينة. ويظهر نشطاء المدينة الحقيقيون على الشبكة العنكبوتية بشكل متقطع، إلا لمن توفرت له أجهزة تعمل عبر الأقمار الاصطناعية أو كان خارج المدينة. أما الوضع العسكري، فتغيب الرواية المفصلة للإعلام الرسمي عنه، فيما يقول الطرف الآخر إن قسما كبيرا من أحياء المدينة أضحى يشهد وجودا مكثفا لمسلحين، وأن أحد أهم مواقع الدفاع المتبقية للدولة يتمثل في ثكنة «اللواء 17» العسكرية، والتي تشارك بقصف مواقع في المدينة، وإن سرب انها بحاجة لتعزيزات كبيرة. كما يشير نشطاء إلى تعرض وسط المدينة «الدرعية» لقصف طائرات، وان اشتباكات قوية تجري في مناطق متفرقة من المدينة. وأعلن نشطاء في المعارضة وأحد السكان أن مقاتلات سورية قصفت مدينة الرقة. وقال رجل من سكان الرقة «وسط المدينة يتعرض للقصف بالطائرات الحربية. أحصيت 60 صاروخا»، مضيفا إن المستشفيات تطلب التبرع بالدم مع تزايد أعداد المصابين. في النهاية، لا يختلف مشهد الرقة الحالي عن مشهد مدن أخرى أعلنت فيها «حرب التحرير»، فحققت مبتغاها الإعلامي لساعات أو أيام، ومن ثم بدأت بالتحول إلى ساحة صراع عسكري وتصفيات جسدية وسياسية ودم مجاني يسيل من الطرفين، وذلك حتى تحين ساعة نصر أكبر أو تسوية بعيدة ليأتي «سماسرة النصر» من الجنسيات المختلفة لـ«إعادة الإعمار»، خصوصا أن الأمم المتحدة أشارت إلى أن خسائر سورية قاربت 220 مليار دولار مؤخرا، وهو توصيف ينقل موقع «الاقتصادي» السوري انه يعتبر بمثابة «الكارثة الأكبر في المنطقة بعد غزو العراق». إلى ذلك، تواصلت الاشتباكات بين القوات السورية والمسلحين في عدد من أحياء حمص. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيانات، إن «أحياء الخالدية وحمص القديمة تتعرض لقصف عنيف من قبل القوات السورية يرافقها أصوات انفجارات، إضافة إلى غارات بالطيران الحربي على الخالدية».  

المصدر : السفير \ زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة