رسم سايكس بيكو عند ساقية «مطربة» المتفرعة من نهر العاصي غربا وعند ساقية «جوسية» المتفرعة منه شرقا، خطاً حدّد فيه الحدود البقاعية الشمالية لـ«دولة لبنان الكبير». منذ ذلك الحين، شكل هذا الخط حدا بالسياسة بين سورية ولبنان، لكنه لم يشكل فارقا في الاجتماع بين الاهالي الذين توزعوا على جانبيه.

لأسباب كثيرة، اختار بعض اللبنانيين القاطنين شمال سايكس بيكو الجنسية اللبنانية، في زمن الاحصاء السكاني في العام 1932، بينما اختار اخوة واقرباء وجيران لهم، الجنسية السورية في الاحصاء نفسه. وعلى مدى تسعين ونيف من الاعوام، عاش اللبنانيون المتوزعون على 25 قرية سورية تقريبا شرق النهر وغربه آمنين في أرزاقهم وأعمالهم. لم يتأثروا بالحرب اللبنانية يوما بسبب استقلالهم التام عن وطنهم الام اقتصاديا وتربويا ومعيشيا، لا بل ان بعضهم استقبل لوقت طويل عائلات لبنانية هربت من أتون الحرب. كذلك فعلوا هم وفعل جيرانهم خلال حرب تموز 2006.

أما وطنهم فقد تجاهلهم في المقابل تماما. هو لم يذكرهم يوما الا في قيود الأحوال الشخصية، ولم يتذكرهم السياسيون اللبنانيون الا في مواسم الانتخابات. شكل هؤلاء اللبنانيون الذين يبلغ عددهم اليوم حوالى 30 الف نسمة بيضة قبان في الانتخابات النيابية في دائرة بعلبك الهرمل، لكن الدولة بنسختيها ـ القديمة قبل الطائف والجديدة بعده ـ لم تسهل حتى ابسط امورهم عبر اقامة معبر شرعي لهم في بلدة القصر آخر القرى الحدودية اللبنانية غرب العاصي.

الدولة نفسها، لا تعرف اساسا اين يتوزعون. في العام 1972 حاول النظام السوري استعمالهم كورقة ضغط على الرئيس الراحل سليمان فرنجية لايصال عاصم قانصوه الى البرلمان اللبناني.

في المقابل، عاملت الدولة السورية هؤلاء اللبنانيين كمواطنيها وسمحت لهم بالاستفادة والعمل في كل المجالات عدا السياسي والعسكري منها. في كنفها زرعوا ارضهم بمازوت مدعوم، وفي مدارسها وجامعاتها المجانية علموا اولادهم اطباء ومهندسين. كذلك غضّ أمنيوها النظر عن مرورهم من والى لبنان، من خلال المسارب غير الشرعية، وذلك تسهيلا لأمورهم وحياتهم. في هذه القرى، عاش اللبنانيون المستجدون في جنسيتهم وجيرانهم، أي أهلهم السابقين، عشرات السنوات يمارسون الزراعة وبعض التجارة والحرف. لم ينتبهوا الى تفرقة في ما بينهم الا في الامور الدينية. وبقي التواصل مع محيطهم على أحسن ما يرام. تشاركوا الاعمال والافراح والاتراح ولم يتفارقوا يوما الا على سفر او موت.

عين الأزمة السورية أصابتهم بالحسد، رويدا رويدا تفرق الشمل، جرى تهجير بعض هؤلاء اللبنانيين من اماكن الاشتباكات الساخنة ـ كما في باب عمرو في حمص ـ واختفى بعضهم دون أثر أثناء انتقالهم من حمص واليها.

أشخاص خطفوا وأعادهم وسطاء وفق ما يروي رئيس بلدية القصر الاسبق الطبيب علي زعيتر الذي عمل ولا يزال على تقريب وجهات النظر. تظاهرات مدينة القصير السورية دفعت بالنظام للقيام بموجة اعتقالات كبيرة طالت العديد من جيرانهم السوريين. العنف يستدرج عنفا مضادا. سلاح يظهر هنا وهناك. هجمات بعض المعارضين التي طالت مراكز امنية في قرى سورية يسكنها لبنانيون أدت عموما الى بروز مخاوف كبيرة لدى الاهالي.

في هذه الاثناء، يختفي مواطن سني سوري من مدينة القصير في قرية زيتا المجاورة التي يسكنها لبنانيون شيعة، ما دفع بأهله لخطف مواطنين لبنانيين على خلفية ان احدهما كان آخر من التقى المواطن القصيراوي في زيتا، ليتبيّن لاحقا أن أمن النظام هو من خطفه. وفي بالمقابل، جرى خطف 18 مواطنا سوريا أغلبهم من العمال المقيمين في مدينة الهرمل، ما أثار استياء العديد من ابنائها، قبل أن تؤدي المفاوضات اللاحقة الى تبادل المخطوفين وإقفال ملف هذه القضية.

هذه الحادثة وغيرها، بالإضافة الى المعطى المستجد المتمثل في ضعف الدولة السورية وانكسار هيبتها، سواء في ريف القصير ام في كل سورية، وتدفق عناصر من «جبهة النصرة»، دفعا الى الواجهة الحديث عن «الأمن الذاتي» في القرى ذات الغالبية اللبنانية الشيعية على خلفية الاستعانة بمقدرات «حزب الله» الذي يتمتع بنفوذ كبير بين الأهالي. تواجد الحزب وتحركه في هذه القرى صارا معلنين بعد حرب تموز 2006. السكان اللبنانيون السنة والمسيحيون لم تراودهم الفكرة، لأن لا ظهير وطنيا يساندهم.

بدأت أزمات غياب الخبز والمازوت والمواد الغذائية بالظهور، تفككُ مؤسسات الدولة السورية عجّل بتشكيل «لجان أهلية» باشراف من الحزب، مهمتها الاهتمام بمستلزمات الناس المعيشية والامنية.

ومع ازدياد منسوب العنف في سورية وتحول القتال في بعضه الى مذهبي، بدأ الحديث يرتفع عن مخاطر تمدد مجموعات سلفية متطرفة. يعرف المتابعون والمراقبون جيدا أن كفة الميزان العسكري هناك تميل لمصلحة النظام السوري وحليفه «حزب الله»، ذلك ان مقاتلي المعارضة، وبرغم أعدادهم الكبيرة، لا يتمتعون بظهير يسندهم ويمدهم بالسلاح ومقومات الحياة. هم تقريبا محاطون من جميع الجهات، لا منفذ لهم الا الطرق الترابية الملتوية والمكشوفة، عبرها يؤمنون الغذاء والدواء اللذين صارا شحيحين في الفترة الماضية. كذلك يؤمنون السلاح والذخيرة، وبينها مدافع وراجمات صواريخ متواجدة بكثرة عند أقدام سلسلة جبال لبنان الغربية.

مسلحو المعارضة هناك ينضوون تحت ثلاثة الوية: واحد تابع لـ«الجيش الحر»، وآخر تابع لـ«جبهة النصرة» التي أكثرت ظهورها في الاشهر الخمسة الاخيرة، وثالث ويدعى «لواء الفاروق»، وهو الذي يسيطر على الارض عموما، ويضم غالبية المسلحين البالغ عددهم حاليا حوالى 17000 الف مسلح بعد قدوم حوالي الفين من محيط حمص مؤخرا.

الأرجح أن العمليتين اللتين استهدفتا منذ فترة حاجزي الامن السوري (المشتل والمصرف) في محيط القصير قامت بهما «جبهة النصرة»، وثمة معلومات تفيد بوجود غرباء من جنسيات عربية اليوم في القصير. «لواء الفاروق» يقوده موفق جربان ابو السود ويضم 48 كتيبة.

يعرف بعضُ اللبنانيين في قريتَي القصر وحوش السيد علي الحدوديتين أبو السود جيدا. ينقل الدكتور علي زعيتر عنه أنه لا يريد معركة جانبية مع أحد. بالمقابل، فإن كوادر حزب الله تشدّد على ضرورة ضبط النفس وأن المسألة بالنسبة اليهم تتلخص بالحفاظ على أمن السكان الشخصي والاجتماعي والغذائي...

مؤخرا، عادت هذه القرى الى الواجهة من جديد. منذ شهرين تقريبا قام أشخاص من قرية ابو حوري بخطف لبناني من قرية عين الدمامل الواقعة تحت سيطرة المعارضة على خلفية قيام «حزب الله باحتجاز أخ لهم صودف مروره في منطقة حدودية، كذلك على خلفية اختفاء لبنانيين في محيط القصير. قوبل ذلك باحتجاز سوريين ثم تبادل للمخطوفين بمن فيهم من كانا سببا للحادثة، وترافق ذلك مع هجرة عائلات شيعية مقيمة في عين الدمامل خوفا من أي انتقام لاحق.

الروايات حول الأحداث الأخيرة كثيرة. رواية أولى تقول إنه منذ اسبوعين تقريبا، قتل ثلاثة شبان وجرح حوالى 15 لبنانيا، عند أطراف قرية أبو حوري. الرواية نفسها تؤكد تعرضهم لكمين معارض. المعارضة تنفي وتؤكد أن مجموعة من الشبان الموالين للنظام تسللت بداعي خطف بعض ابناء قرية ابو حوري السنية على خلفية الحادثة الاولى. رواية ثانية لوالد أحد القتلى الثلاثة تشير الى أن ابنه كان يتفقد بيتهم في ابو حوري حيث صودف وجود مسلحين معارضين. جرى ذلك عند اطراف القرية واستدعى سحب القتلى في معركة ضارية استخدمت فيها المدفعية والصواريخ لساعات طويلة وشارك فيها مسلحو المعارضة في القصير وجوارها الذين حضروا لاحقا.

الحصيلة كانت مقتل 14 شخصا من المعارضة بالاضافة الى جرح العشرات منهم (ثمة معلومات تتحدث عن 26 قتيلا وأخرى تتحدث عن 60 قتيلا للمعارضة السورية). أحد جرحى المعارضة في هذه المعركة جرى نقله عبر الجبال الى قرية يبرود السورية الواقعة في جرد مدينة النبك، ثم الى عرسال حيث نقل الى مستشفى دار الامل في بعلبك ومات هناك، لكنه لم يدفن في قريته البرهانية الواقعة في محيط القصير بسبب استحالة ايصال جثته الى هناك، فجرى وفق رواية علي زعيتر دفنه في وادي خالد.

مع ارتفاع منسوب الدم والخوف، يكثر الحديث في هذه الأيام عن امكان قيام المعارضة باجتياح المناطق الشيعية وعزلها عن الداخل السوري العلوي (اطراف حمص وصافيتا وطرطوس حتى اللاذقية) بحيث تصبح الأراضي من وادي خالد مرورا بالقصير وصولا الى جرد القلمون وعرسال ومضايا والزبداني موصولة بعضها ببعض، ما يؤمن سهولة التواصل من جهة ويعزل «حزب الله» عموما عن الداخل السوري.

في المقابل، تؤكد اوساط المعارضة ان حزب الله زاد في الفترة الاخيرة من جهوزيته بنية ملاقاة قوات النظام للإطباق على القصير في فكي كماشة وإخراج المعارضة منها وفتح الطريق الدولية الواصلة بين بعلبك وحمص لجهة جوسية.

الحديث مع الاهالي على الجانبين، حزين وموجع. يرى غالبيتهم أن لا دخل لهم بما يجري وأنه غريب عن عاداتهم وأخلاقهم وتاريخهم. هم يتخوفون من آت ٍأعظم، ليسوا فيه غير وقود في لعبة سياسية كبيرة لا يفقهون منها شيئا.

في يوم ما، كان اكثر من الف عامل سوري من القصير ومحيطها يأتون الهرمل للعمل بشتى المهن فيها، وكان اهالي الهرمل يذهبون بالمثل الى اسواق القصير للتبضع والطبابة... نعم، كان ذلك في يوم ما.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-28
  • 11065
  • من الأرشيف

ما يجري في القصير ومحيطها غريب عن تاريخ الأهل

رسم سايكس بيكو عند ساقية «مطربة» المتفرعة من نهر العاصي غربا وعند ساقية «جوسية» المتفرعة منه شرقا، خطاً حدّد فيه الحدود البقاعية الشمالية لـ«دولة لبنان الكبير». منذ ذلك الحين، شكل هذا الخط حدا بالسياسة بين سورية ولبنان، لكنه لم يشكل فارقا في الاجتماع بين الاهالي الذين توزعوا على جانبيه. لأسباب كثيرة، اختار بعض اللبنانيين القاطنين شمال سايكس بيكو الجنسية اللبنانية، في زمن الاحصاء السكاني في العام 1932، بينما اختار اخوة واقرباء وجيران لهم، الجنسية السورية في الاحصاء نفسه. وعلى مدى تسعين ونيف من الاعوام، عاش اللبنانيون المتوزعون على 25 قرية سورية تقريبا شرق النهر وغربه آمنين في أرزاقهم وأعمالهم. لم يتأثروا بالحرب اللبنانية يوما بسبب استقلالهم التام عن وطنهم الام اقتصاديا وتربويا ومعيشيا، لا بل ان بعضهم استقبل لوقت طويل عائلات لبنانية هربت من أتون الحرب. كذلك فعلوا هم وفعل جيرانهم خلال حرب تموز 2006. أما وطنهم فقد تجاهلهم في المقابل تماما. هو لم يذكرهم يوما الا في قيود الأحوال الشخصية، ولم يتذكرهم السياسيون اللبنانيون الا في مواسم الانتخابات. شكل هؤلاء اللبنانيون الذين يبلغ عددهم اليوم حوالى 30 الف نسمة بيضة قبان في الانتخابات النيابية في دائرة بعلبك الهرمل، لكن الدولة بنسختيها ـ القديمة قبل الطائف والجديدة بعده ـ لم تسهل حتى ابسط امورهم عبر اقامة معبر شرعي لهم في بلدة القصر آخر القرى الحدودية اللبنانية غرب العاصي. الدولة نفسها، لا تعرف اساسا اين يتوزعون. في العام 1972 حاول النظام السوري استعمالهم كورقة ضغط على الرئيس الراحل سليمان فرنجية لايصال عاصم قانصوه الى البرلمان اللبناني. في المقابل، عاملت الدولة السورية هؤلاء اللبنانيين كمواطنيها وسمحت لهم بالاستفادة والعمل في كل المجالات عدا السياسي والعسكري منها. في كنفها زرعوا ارضهم بمازوت مدعوم، وفي مدارسها وجامعاتها المجانية علموا اولادهم اطباء ومهندسين. كذلك غضّ أمنيوها النظر عن مرورهم من والى لبنان، من خلال المسارب غير الشرعية، وذلك تسهيلا لأمورهم وحياتهم. في هذه القرى، عاش اللبنانيون المستجدون في جنسيتهم وجيرانهم، أي أهلهم السابقين، عشرات السنوات يمارسون الزراعة وبعض التجارة والحرف. لم ينتبهوا الى تفرقة في ما بينهم الا في الامور الدينية. وبقي التواصل مع محيطهم على أحسن ما يرام. تشاركوا الاعمال والافراح والاتراح ولم يتفارقوا يوما الا على سفر او موت. عين الأزمة السورية أصابتهم بالحسد، رويدا رويدا تفرق الشمل، جرى تهجير بعض هؤلاء اللبنانيين من اماكن الاشتباكات الساخنة ـ كما في باب عمرو في حمص ـ واختفى بعضهم دون أثر أثناء انتقالهم من حمص واليها. أشخاص خطفوا وأعادهم وسطاء وفق ما يروي رئيس بلدية القصر الاسبق الطبيب علي زعيتر الذي عمل ولا يزال على تقريب وجهات النظر. تظاهرات مدينة القصير السورية دفعت بالنظام للقيام بموجة اعتقالات كبيرة طالت العديد من جيرانهم السوريين. العنف يستدرج عنفا مضادا. سلاح يظهر هنا وهناك. هجمات بعض المعارضين التي طالت مراكز امنية في قرى سورية يسكنها لبنانيون أدت عموما الى بروز مخاوف كبيرة لدى الاهالي. في هذه الاثناء، يختفي مواطن سني سوري من مدينة القصير في قرية زيتا المجاورة التي يسكنها لبنانيون شيعة، ما دفع بأهله لخطف مواطنين لبنانيين على خلفية ان احدهما كان آخر من التقى المواطن القصيراوي في زيتا، ليتبيّن لاحقا أن أمن النظام هو من خطفه. وفي بالمقابل، جرى خطف 18 مواطنا سوريا أغلبهم من العمال المقيمين في مدينة الهرمل، ما أثار استياء العديد من ابنائها، قبل أن تؤدي المفاوضات اللاحقة الى تبادل المخطوفين وإقفال ملف هذه القضية. هذه الحادثة وغيرها، بالإضافة الى المعطى المستجد المتمثل في ضعف الدولة السورية وانكسار هيبتها، سواء في ريف القصير ام في كل سورية، وتدفق عناصر من «جبهة النصرة»، دفعا الى الواجهة الحديث عن «الأمن الذاتي» في القرى ذات الغالبية اللبنانية الشيعية على خلفية الاستعانة بمقدرات «حزب الله» الذي يتمتع بنفوذ كبير بين الأهالي. تواجد الحزب وتحركه في هذه القرى صارا معلنين بعد حرب تموز 2006. السكان اللبنانيون السنة والمسيحيون لم تراودهم الفكرة، لأن لا ظهير وطنيا يساندهم. بدأت أزمات غياب الخبز والمازوت والمواد الغذائية بالظهور، تفككُ مؤسسات الدولة السورية عجّل بتشكيل «لجان أهلية» باشراف من الحزب، مهمتها الاهتمام بمستلزمات الناس المعيشية والامنية. ومع ازدياد منسوب العنف في سورية وتحول القتال في بعضه الى مذهبي، بدأ الحديث يرتفع عن مخاطر تمدد مجموعات سلفية متطرفة. يعرف المتابعون والمراقبون جيدا أن كفة الميزان العسكري هناك تميل لمصلحة النظام السوري وحليفه «حزب الله»، ذلك ان مقاتلي المعارضة، وبرغم أعدادهم الكبيرة، لا يتمتعون بظهير يسندهم ويمدهم بالسلاح ومقومات الحياة. هم تقريبا محاطون من جميع الجهات، لا منفذ لهم الا الطرق الترابية الملتوية والمكشوفة، عبرها يؤمنون الغذاء والدواء اللذين صارا شحيحين في الفترة الماضية. كذلك يؤمنون السلاح والذخيرة، وبينها مدافع وراجمات صواريخ متواجدة بكثرة عند أقدام سلسلة جبال لبنان الغربية. مسلحو المعارضة هناك ينضوون تحت ثلاثة الوية: واحد تابع لـ«الجيش الحر»، وآخر تابع لـ«جبهة النصرة» التي أكثرت ظهورها في الاشهر الخمسة الاخيرة، وثالث ويدعى «لواء الفاروق»، وهو الذي يسيطر على الارض عموما، ويضم غالبية المسلحين البالغ عددهم حاليا حوالى 17000 الف مسلح بعد قدوم حوالي الفين من محيط حمص مؤخرا. الأرجح أن العمليتين اللتين استهدفتا منذ فترة حاجزي الامن السوري (المشتل والمصرف) في محيط القصير قامت بهما «جبهة النصرة»، وثمة معلومات تفيد بوجود غرباء من جنسيات عربية اليوم في القصير. «لواء الفاروق» يقوده موفق جربان ابو السود ويضم 48 كتيبة. يعرف بعضُ اللبنانيين في قريتَي القصر وحوش السيد علي الحدوديتين أبو السود جيدا. ينقل الدكتور علي زعيتر عنه أنه لا يريد معركة جانبية مع أحد. بالمقابل، فإن كوادر حزب الله تشدّد على ضرورة ضبط النفس وأن المسألة بالنسبة اليهم تتلخص بالحفاظ على أمن السكان الشخصي والاجتماعي والغذائي... مؤخرا، عادت هذه القرى الى الواجهة من جديد. منذ شهرين تقريبا قام أشخاص من قرية ابو حوري بخطف لبناني من قرية عين الدمامل الواقعة تحت سيطرة المعارضة على خلفية قيام «حزب الله باحتجاز أخ لهم صودف مروره في منطقة حدودية، كذلك على خلفية اختفاء لبنانيين في محيط القصير. قوبل ذلك باحتجاز سوريين ثم تبادل للمخطوفين بمن فيهم من كانا سببا للحادثة، وترافق ذلك مع هجرة عائلات شيعية مقيمة في عين الدمامل خوفا من أي انتقام لاحق. الروايات حول الأحداث الأخيرة كثيرة. رواية أولى تقول إنه منذ اسبوعين تقريبا، قتل ثلاثة شبان وجرح حوالى 15 لبنانيا، عند أطراف قرية أبو حوري. الرواية نفسها تؤكد تعرضهم لكمين معارض. المعارضة تنفي وتؤكد أن مجموعة من الشبان الموالين للنظام تسللت بداعي خطف بعض ابناء قرية ابو حوري السنية على خلفية الحادثة الاولى. رواية ثانية لوالد أحد القتلى الثلاثة تشير الى أن ابنه كان يتفقد بيتهم في ابو حوري حيث صودف وجود مسلحين معارضين. جرى ذلك عند اطراف القرية واستدعى سحب القتلى في معركة ضارية استخدمت فيها المدفعية والصواريخ لساعات طويلة وشارك فيها مسلحو المعارضة في القصير وجوارها الذين حضروا لاحقا. الحصيلة كانت مقتل 14 شخصا من المعارضة بالاضافة الى جرح العشرات منهم (ثمة معلومات تتحدث عن 26 قتيلا وأخرى تتحدث عن 60 قتيلا للمعارضة السورية). أحد جرحى المعارضة في هذه المعركة جرى نقله عبر الجبال الى قرية يبرود السورية الواقعة في جرد مدينة النبك، ثم الى عرسال حيث نقل الى مستشفى دار الامل في بعلبك ومات هناك، لكنه لم يدفن في قريته البرهانية الواقعة في محيط القصير بسبب استحالة ايصال جثته الى هناك، فجرى وفق رواية علي زعيتر دفنه في وادي خالد. مع ارتفاع منسوب الدم والخوف، يكثر الحديث في هذه الأيام عن امكان قيام المعارضة باجتياح المناطق الشيعية وعزلها عن الداخل السوري العلوي (اطراف حمص وصافيتا وطرطوس حتى اللاذقية) بحيث تصبح الأراضي من وادي خالد مرورا بالقصير وصولا الى جرد القلمون وعرسال ومضايا والزبداني موصولة بعضها ببعض، ما يؤمن سهولة التواصل من جهة ويعزل «حزب الله» عموما عن الداخل السوري. في المقابل، تؤكد اوساط المعارضة ان حزب الله زاد في الفترة الاخيرة من جهوزيته بنية ملاقاة قوات النظام للإطباق على القصير في فكي كماشة وإخراج المعارضة منها وفتح الطريق الدولية الواصلة بين بعلبك وحمص لجهة جوسية. الحديث مع الاهالي على الجانبين، حزين وموجع. يرى غالبيتهم أن لا دخل لهم بما يجري وأنه غريب عن عاداتهم وأخلاقهم وتاريخهم. هم يتخوفون من آت ٍأعظم، ليسوا فيه غير وقود في لعبة سياسية كبيرة لا يفقهون منها شيئا. في يوم ما، كان اكثر من الف عامل سوري من القصير ومحيطها يأتون الهرمل للعمل بشتى المهن فيها، وكان اهالي الهرمل يذهبون بالمثل الى اسواق القصير للتبضع والطبابة... نعم، كان ذلك في يوم ما.

المصدر : الاخبار/بومدين الساحلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة