تشهد الساحة السورية تصاعداً وتصعيداً في الحراك العسكري والسياسي وكأنه سباق مع الوقت لحصد المكاسب، وسط محاولات مستمرة للنفاذ من أحد محاور العاصمة دمشق، ليس آخرها استخدام سلاح السيارات الملغومة بأطنان من المتفجرات،والضرب في عمق العاصمة لإحداث أكبر حالة من البلبلة والفوضى تسبق أي عملية دخول وتدفق لمقاتلي "جبهة النصرة"، التي تُحكم قبضتها في ميدان القتال على حساب باقي أجنحة المسلحين المتخاصمين على كل شيء.

وقبل التوغل في آفاق الحل السياسي للحرب المفروضة على سورية، لا بد من استطلاع للواقع العسكري على جبهات القتال، خصوصاً في دمشق والأرياف المرتبطة بها، حيث تشكلت غرفة عمليات في الجيش السوري مهمتها إدارة وتنسيق الجهود الحربية بشكل واضح، كنقل القوات وتعزيز المواقع والقيادة والسيطرة.

المصادر المواكبة تؤكد أن وضعية القوات السورية في الجبهات ممتازة، ويمكن القول إن آلاف المسلحين محاصرون، حيث تُسمع استغاثاتهم وطلب العون على أجهزة، ورُصدت عشرات المكالمات تطلب المدد والذخيرة، حتى أن بعض مجموعات المسلحين وقعت في شرك القوات السورية وكمائنها الذكية عبر اللاسلكي، وتلقت أفواج من المسلحين ضربات موجعة وقاسية في بساتين الغوطة، وقُتل العديد من قادة ما يسمى "ألوية الشام"، حيث تذخر لائحة القتلى كل يوم بأسماء من مختلف الجنسيات.

المصادر العسكرية حسمت بأن الخارطة ستتبدل معالمها في غضون الأيام المقبلة، وأن وضعية مدينة حلب خصوصاً سائرة نحو التغيير، بعد وصول تعزيزات نوعية إلى مطار حلب الدولي.

 

على صعيد الحركة السياسية، يبدو أن ماكينة الحل السياسي تعمل في أكثر من اتجاه، لكن البوصلة تبقى موسكو، التي زارها وزير الخارجية السورية وليد المعلم، وقبلها وفد رفيع من الجامعة العربية.

تصريحات المعلم حول التفاوض مع من يريد الحل، بمن فيهم الذين يحملون السلاح، شكّلت نقلة نوعية في الخطاب السوري، مع رمزية أن هذه المواقف أُذيعت من موسكو، وكأن دمشق تريد التأكيد على تعزيز الموقع الروسي التفاوضي تجاه واشنطن، وبالتالي التأكيد على مرجعية العاصمة الروسية كحالة استقطاب لكل العناصر المعنية بالحدث السوري، لذلك أصبحت موسكو هي القِبلة ومحور الأنظار.

ويمكن قراءة تلك الدلالة على مكانة موسكو كنوع من التفويض الأميركي للروس بإدارة الأزمة إذا لم يكن ممكن حلّها في الفترة المقبلة، على أن الخلاف الروسي - الأميركي في المقاربات حول المشكلة السورية ما زال عند عقدة بقاء الأسد على رأس الدولة، ومن المهم جداً وما لفت أنظار المراقبين هو رد فعل أمين عام الجامعة العربية الإيجابي تجاه تصريحات وليد المعلم، ليندرج ذلك ربما في عودة الحاضنة العربية للأزمة السورية، بعد المواقف الخاطئة لنبيل العربي، حيث إن الحاضنة هذه تشكّل الإطار الذي يحتوي على أي حل مستقبلي، بتفاهم روسي إيراني من جهة، وروسي أميركي من جهة أخرى.

وهنا لا بد من الإشارة إلى التحرك الأميركي البطيء عبر جون كيري وزير الخارجية الجديد، الذي ضغط على معاذ الخطيب للسفر إلى روما والمشاركة في مؤتمر "أصدقاء سورية"، والذي يعوّل عليه بإقناع الأخير بالذهاب إلى موسكو لتلمس خطوط الاتصال مع النظام السوري، الذي يبدو أنه غير متعجل من أمره بالتفاوض مع مجموعات معارضة منقسمة ومتشظية، الأمر الذي عبرّت عنه محاضر اجتماعاته الأخيرة في القاهرة، في ظل خلافات متفجرة وصلت إلى حد التهديد بإقالة أحمد معاذ الخطيب من رئاسة "الائتلاف"، علماً أن الهيئة التنفيذية المكونة من سبعين عضواً انقسمت على نفسها، فهناك واحد وأربعون يشكّلون التيار "الإخواني" مع مجموعة قطر وتركيا بزعامة حسام الصباغ، وهؤلاء يشكلون "بلوك" ضد التسوية والحوار، ويريدون الاستمرار بالحرب، وهم أعلنوا رفضهم لحركة الخطيب وموقفه من الحوار مع النظام.

أمام هذا الواقع، ما زال أفق التسوية غير واضح المعالم، مع استمرار لعبة عض الأصابع وتحسين الشروط، حيث تتمظهر قوة التفاوض والضغط على الأرض بين طرفي النزاع على الأقل حتى لقاء أوباما وبوتين في العشرين من آذار المقبل.

في هذا السياق، رأت شخصية دبلوماسية عربية أن الأزمة السورية تشهد خروقاً للبحث عن مخارج حل سياسي يرتكز على الحوار مع النظام، الذي يبدو مستقراً وغير مستعجل على حرق المراحل، وسط ابتزازات أطراف المعارضة، ولمست بداية مراجعة وتغيُّر في مواقف الأطراف، سواء على ضفة المعارضة السورية، أو على ضفة المواقف الدولية الداعمة لهذه المعارضة، مع ملاحظة تشتت الانتباه الغربي وتوزعه على أولويات جديدة.

ومن المفيد في الختام ما نقلته شخصية لبنانية التقت الرئيس الأسد قبل مدة قولها إن باستطاعته الحسم سريعاً في الميدان، لكنه يفضّل الحسم السياسي قبل العسكري، وعندها يكون الحسم على الأرض أشد وقعاً، وفي هذه الحالة يقول الأسد: سأحسم وأحكم.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-02-27
  • 12373
  • من الأرشيف

موسكو قِبلة المفاوضين للحل السوري ... الأسد: سأحسم وأحكم

تشهد الساحة السورية تصاعداً وتصعيداً في الحراك العسكري والسياسي وكأنه سباق مع الوقت لحصد المكاسب، وسط محاولات مستمرة للنفاذ من أحد محاور العاصمة دمشق، ليس آخرها استخدام سلاح السيارات الملغومة بأطنان من المتفجرات،والضرب في عمق العاصمة لإحداث أكبر حالة من البلبلة والفوضى تسبق أي عملية دخول وتدفق لمقاتلي "جبهة النصرة"، التي تُحكم قبضتها في ميدان القتال على حساب باقي أجنحة المسلحين المتخاصمين على كل شيء. وقبل التوغل في آفاق الحل السياسي للحرب المفروضة على سورية، لا بد من استطلاع للواقع العسكري على جبهات القتال، خصوصاً في دمشق والأرياف المرتبطة بها، حيث تشكلت غرفة عمليات في الجيش السوري مهمتها إدارة وتنسيق الجهود الحربية بشكل واضح، كنقل القوات وتعزيز المواقع والقيادة والسيطرة. المصادر المواكبة تؤكد أن وضعية القوات السورية في الجبهات ممتازة، ويمكن القول إن آلاف المسلحين محاصرون، حيث تُسمع استغاثاتهم وطلب العون على أجهزة، ورُصدت عشرات المكالمات تطلب المدد والذخيرة، حتى أن بعض مجموعات المسلحين وقعت في شرك القوات السورية وكمائنها الذكية عبر اللاسلكي، وتلقت أفواج من المسلحين ضربات موجعة وقاسية في بساتين الغوطة، وقُتل العديد من قادة ما يسمى "ألوية الشام"، حيث تذخر لائحة القتلى كل يوم بأسماء من مختلف الجنسيات. المصادر العسكرية حسمت بأن الخارطة ستتبدل معالمها في غضون الأيام المقبلة، وأن وضعية مدينة حلب خصوصاً سائرة نحو التغيير، بعد وصول تعزيزات نوعية إلى مطار حلب الدولي.   على صعيد الحركة السياسية، يبدو أن ماكينة الحل السياسي تعمل في أكثر من اتجاه، لكن البوصلة تبقى موسكو، التي زارها وزير الخارجية السورية وليد المعلم، وقبلها وفد رفيع من الجامعة العربية. تصريحات المعلم حول التفاوض مع من يريد الحل، بمن فيهم الذين يحملون السلاح، شكّلت نقلة نوعية في الخطاب السوري، مع رمزية أن هذه المواقف أُذيعت من موسكو، وكأن دمشق تريد التأكيد على تعزيز الموقع الروسي التفاوضي تجاه واشنطن، وبالتالي التأكيد على مرجعية العاصمة الروسية كحالة استقطاب لكل العناصر المعنية بالحدث السوري، لذلك أصبحت موسكو هي القِبلة ومحور الأنظار. ويمكن قراءة تلك الدلالة على مكانة موسكو كنوع من التفويض الأميركي للروس بإدارة الأزمة إذا لم يكن ممكن حلّها في الفترة المقبلة، على أن الخلاف الروسي - الأميركي في المقاربات حول المشكلة السورية ما زال عند عقدة بقاء الأسد على رأس الدولة، ومن المهم جداً وما لفت أنظار المراقبين هو رد فعل أمين عام الجامعة العربية الإيجابي تجاه تصريحات وليد المعلم، ليندرج ذلك ربما في عودة الحاضنة العربية للأزمة السورية، بعد المواقف الخاطئة لنبيل العربي، حيث إن الحاضنة هذه تشكّل الإطار الذي يحتوي على أي حل مستقبلي، بتفاهم روسي إيراني من جهة، وروسي أميركي من جهة أخرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى التحرك الأميركي البطيء عبر جون كيري وزير الخارجية الجديد، الذي ضغط على معاذ الخطيب للسفر إلى روما والمشاركة في مؤتمر "أصدقاء سورية"، والذي يعوّل عليه بإقناع الأخير بالذهاب إلى موسكو لتلمس خطوط الاتصال مع النظام السوري، الذي يبدو أنه غير متعجل من أمره بالتفاوض مع مجموعات معارضة منقسمة ومتشظية، الأمر الذي عبرّت عنه محاضر اجتماعاته الأخيرة في القاهرة، في ظل خلافات متفجرة وصلت إلى حد التهديد بإقالة أحمد معاذ الخطيب من رئاسة "الائتلاف"، علماً أن الهيئة التنفيذية المكونة من سبعين عضواً انقسمت على نفسها، فهناك واحد وأربعون يشكّلون التيار "الإخواني" مع مجموعة قطر وتركيا بزعامة حسام الصباغ، وهؤلاء يشكلون "بلوك" ضد التسوية والحوار، ويريدون الاستمرار بالحرب، وهم أعلنوا رفضهم لحركة الخطيب وموقفه من الحوار مع النظام. أمام هذا الواقع، ما زال أفق التسوية غير واضح المعالم، مع استمرار لعبة عض الأصابع وتحسين الشروط، حيث تتمظهر قوة التفاوض والضغط على الأرض بين طرفي النزاع على الأقل حتى لقاء أوباما وبوتين في العشرين من آذار المقبل. في هذا السياق، رأت شخصية دبلوماسية عربية أن الأزمة السورية تشهد خروقاً للبحث عن مخارج حل سياسي يرتكز على الحوار مع النظام، الذي يبدو مستقراً وغير مستعجل على حرق المراحل، وسط ابتزازات أطراف المعارضة، ولمست بداية مراجعة وتغيُّر في مواقف الأطراف، سواء على ضفة المعارضة السورية، أو على ضفة المواقف الدولية الداعمة لهذه المعارضة، مع ملاحظة تشتت الانتباه الغربي وتوزعه على أولويات جديدة. ومن المفيد في الختام ما نقلته شخصية لبنانية التقت الرئيس الأسد قبل مدة قولها إن باستطاعته الحسم سريعاً في الميدان، لكنه يفضّل الحسم السياسي قبل العسكري، وعندها يكون الحسم على الأرض أشد وقعاً، وفي هذه الحالة يقول الأسد: سأحسم وأحكم.  

المصدر : الثبات \ بهاء النابلسي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة