تحاصر جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأولى إلى أوروبا والشرق الأوسط مسألتان تفرضان قيوداً على فعاليتها: الأولى داخلية مع الإلغاء التلقائي المتوقع هذا الأسبوع في الميزانية الفيدرالية الأميركية بحجم 85 مليار دولار لهذا العام، والثانية إعلان "الائتلاف الوطني السوري" مقاطعة المجتمع الدولي الى ان يتخذ موقفا صارما من النظام السوري.

الخيار بالنسبة إلى واشنطن الآن هو بين الانخراط في تسليح المعارضة والتورط في النزاع السوري أو السعي إلى تسوية سلمية مع الطرف الروسي تمهيداً لمرحلة انتقالية تنتهي بتنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة. ليس سراً أنه ليس هناك إجماع في واشنطن حول تسليح المعارضة، لكن البيت الأبيض يتمسك بعدم التورط في النزاع السوري، وبلور تبريراته في الفترة الأخيرة بالقول إن هناك مخاطر وراء تسليم المعارضة صواريخ محمولة على الكتف قد تستخدم لاحقا لاستهداف الطائرات التجارية، والتبرير الثاني أن الأسلحة التي تحتاج إليها المعارضة تحصل عليها الآن من دول الخليج.

هذا التنوع في الآراء ظهر أيضاً أمس، خلال مقابلة على شبكة "اي بي سي" الإخبارية، حيث أعلن النائب الديموقراطي ايليوت اينغل انه سيطرح قانوناً جديداً في الكونغرس يسمح للرئيس باراك أوباما بتسليح المعارضة السورية. أما رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الجمهوري مايك روجرز فرأى خلال البرنامج ذاته أنه ليس لدى واشنطن "مصداقية مع المعارضة الآن"، مضيفاً "لهذا في أي تسوية ديبلوماسية متفاوض عليها هنا لا يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بدور مهم فيها لأنه ليس لديها ثقة المعارضة". وتابع روجرز في توصيف النزاع السوري، مشيراً إلى أن الإسلاميين أصبحوا قوة مقاتلة في كل وحدات المعارضة السورية تقريباً، وان هذه الأسلحة التقليدية "ستغمر بلاد الشام في أنحاء الشرق الأوسط إذا لم نقارب هذا الموضوع مقاربة صحيحـة". ودعـا في هذا السياق الى أن تتخذ واشنطن دوراً قيادياً أكثر، حيث اقترح فرض منطقة حظر جوي في شمالي سورية، الى تنسيق أميركي لوصول الأسلحة من البلدان المجاورة، وبهذا "على الأقل سيكون لدينا مصداقية لتسوية متفاوض عليها".

رسالة كيري الأساسية، خلال خطابه الأول في جامعة فيرجينيا الأسبوع الماضي، كانت أن واشنطن لا يمكنها ممارسة نفوذها حول العالم في ظل هذه الغيمة التي تطغى على ميزانيتها الفيدرالية. كيري قلل مسبقاً من أهمية الجولة بوصفها أنها "جولة استماع"، وهو تعبير كانت تستخدمه هيلاري كلينتون خلال جولاتها في المنطقة. هذه الجولة على مدى عشرة أيام بدأت من لندن وتقوده الى باريس وبرلين وروما، وتنتقل إلى أنقرة والقاهرة والرياض وأبو ظبي والدوحة، مع التركيز على ثلاثة نزاعات تريد واشنطن إما الخروج منها، أو تفادي التورط فيها، وهي أفغانستان ومالي وسورية. الاجتماع المنتظر غداً في برلين بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، سيحدد أفق وملامح المبادرة المطروحة بين واشنطن وموسكو حيال سورية.

كيري ينوي، بعد لقاء لافروف، التوجه إلى روما وعقد لقاء مع المعارضة السورية على هامش اجتماع "أصدقاء الشعب السوري" يوم الأربعاء المقبل، لكن كان هناك ارتباك أميركي بعد قرار "الائتلاف" مقاطعة هذا الاجتماع. سارع كيري في إرسال السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد إلى القاهرة لإقناع المعارضة بعدم المقاطعة، كما تتوجه إلى روما للمهمة ذاتها مساعدة وزير الخارجية المؤقتة لشؤون الشرق الأدنى إليزابيث جونز. القلق الأميركي لا يزال موجودا من الانقسامات داخل المعارضة السورية، والرسالة الأساسية أن مقاطعة واشنطن لن تساعد المعارضة على بلورة موقف أميركي جديد من قضيتها، لا سيما أن كيري يحمل أفكاراً جديدة لتعزيز الضغط على الأسد لكن الخارجية الأميركية لم تكشف عن مضمونها بعد.

وزارة الخارجية أصدرت بياناً، أمس الأول، دانت فيه قصف النظام السوري صواريخ "سكود" على مدينة حلب. لكن صدور البيان على لسان المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند يعكس مقاربة واشنطن الحذرة حيال سورية حالياً. نولاند اكتفت بالقول إن "نظام الأسد ليس لديه شرعية ويبقى في السلطة فقط من خلال القوة الوحشية". وصف البيان الأسد بأنه "مهندس الحملة العنيفة"، وأن السوريين يطالبونه "بالتنحي والسماح ببدء مرحلة انتقالية يقودها السوريون، وتحترم حقوق كل السوريين ليتمكن البلد من إعادة بناء نفسه"، مع الإشارة إلى أن واشنطن "لا ترى مؤشرات أن الشعب السوري الشجاع الذي يقاتل ضد هذا العدوان سيقبل بقادة النظام، وعلى أيديهم دماء السوريين، كجزء من عملية انتقال السلطة". وأكد البيان أن واشنطن تتطلع إلى اللقاء قريباً مع "قيادة الممثل الشرعي للشعب السوري، الائتلاف السوري المعارض، لبحث كيف للولايات المتحدة وأصدقاء آخرين للشعب السوري فعل المزيد لمساعدته على تحقيق المرحلة الانتقالية التي يطالب بها ويستحقها".

هناك الكثير من الرسائل الأميركية عند التمعن في قراءة هذا البيان. المؤشر الأول أن قرار "الائتلاف" فعل فعله في واشنطن التي حاولت من خلال البيان شرح موقفها وإعادة تأكيد الثوابت، لكن من دون الإعلان عن أي تحول ملموس في مقاربتها. الثوابت الأميركية هي أن الحل السلمي هو طريق الخروج من الأزمة، وان المرحلة الانتقالية لا يمكنها أن تشمل الأسد. الرسالة الثانية إلى موسكو هي أن واشنطن قد لا تتمكن من إقناع المعارضة السورية بالتحاور مع بعض أركان النظام الذين قد يتم طرح أسمائهم للتفاوض. الرسالة الثالثة هي وعد بمتابعة البحث مع المعارضة السورية حول كيفية مساعدتها، وكلام يصف "الائتلاف" بأنه "الممثل الشرعي للشعب السوري"، لكن من دون إضافة عبارة "الممثل الوحيد"، ما يعني أن واشنطن تتمسك بالحل السلمي المطروح دوليا الآن.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-24
  • 10407
  • من الأرشيف

كيري يبدأ جولته الخارجية الأولى: مهمة مستعصيـة بشـأن سوريـة

تحاصر جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأولى إلى أوروبا والشرق الأوسط مسألتان تفرضان قيوداً على فعاليتها: الأولى داخلية مع الإلغاء التلقائي المتوقع هذا الأسبوع في الميزانية الفيدرالية الأميركية بحجم 85 مليار دولار لهذا العام، والثانية إعلان "الائتلاف الوطني السوري" مقاطعة المجتمع الدولي الى ان يتخذ موقفا صارما من النظام السوري. الخيار بالنسبة إلى واشنطن الآن هو بين الانخراط في تسليح المعارضة والتورط في النزاع السوري أو السعي إلى تسوية سلمية مع الطرف الروسي تمهيداً لمرحلة انتقالية تنتهي بتنحي الرئيس بشار الأسد عن السلطة. ليس سراً أنه ليس هناك إجماع في واشنطن حول تسليح المعارضة، لكن البيت الأبيض يتمسك بعدم التورط في النزاع السوري، وبلور تبريراته في الفترة الأخيرة بالقول إن هناك مخاطر وراء تسليم المعارضة صواريخ محمولة على الكتف قد تستخدم لاحقا لاستهداف الطائرات التجارية، والتبرير الثاني أن الأسلحة التي تحتاج إليها المعارضة تحصل عليها الآن من دول الخليج. هذا التنوع في الآراء ظهر أيضاً أمس، خلال مقابلة على شبكة "اي بي سي" الإخبارية، حيث أعلن النائب الديموقراطي ايليوت اينغل انه سيطرح قانوناً جديداً في الكونغرس يسمح للرئيس باراك أوباما بتسليح المعارضة السورية. أما رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الجمهوري مايك روجرز فرأى خلال البرنامج ذاته أنه ليس لدى واشنطن "مصداقية مع المعارضة الآن"، مضيفاً "لهذا في أي تسوية ديبلوماسية متفاوض عليها هنا لا يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بدور مهم فيها لأنه ليس لديها ثقة المعارضة". وتابع روجرز في توصيف النزاع السوري، مشيراً إلى أن الإسلاميين أصبحوا قوة مقاتلة في كل وحدات المعارضة السورية تقريباً، وان هذه الأسلحة التقليدية "ستغمر بلاد الشام في أنحاء الشرق الأوسط إذا لم نقارب هذا الموضوع مقاربة صحيحـة". ودعـا في هذا السياق الى أن تتخذ واشنطن دوراً قيادياً أكثر، حيث اقترح فرض منطقة حظر جوي في شمالي سورية، الى تنسيق أميركي لوصول الأسلحة من البلدان المجاورة، وبهذا "على الأقل سيكون لدينا مصداقية لتسوية متفاوض عليها". رسالة كيري الأساسية، خلال خطابه الأول في جامعة فيرجينيا الأسبوع الماضي، كانت أن واشنطن لا يمكنها ممارسة نفوذها حول العالم في ظل هذه الغيمة التي تطغى على ميزانيتها الفيدرالية. كيري قلل مسبقاً من أهمية الجولة بوصفها أنها "جولة استماع"، وهو تعبير كانت تستخدمه هيلاري كلينتون خلال جولاتها في المنطقة. هذه الجولة على مدى عشرة أيام بدأت من لندن وتقوده الى باريس وبرلين وروما، وتنتقل إلى أنقرة والقاهرة والرياض وأبو ظبي والدوحة، مع التركيز على ثلاثة نزاعات تريد واشنطن إما الخروج منها، أو تفادي التورط فيها، وهي أفغانستان ومالي وسورية. الاجتماع المنتظر غداً في برلين بين كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، سيحدد أفق وملامح المبادرة المطروحة بين واشنطن وموسكو حيال سورية. كيري ينوي، بعد لقاء لافروف، التوجه إلى روما وعقد لقاء مع المعارضة السورية على هامش اجتماع "أصدقاء الشعب السوري" يوم الأربعاء المقبل، لكن كان هناك ارتباك أميركي بعد قرار "الائتلاف" مقاطعة هذا الاجتماع. سارع كيري في إرسال السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد إلى القاهرة لإقناع المعارضة بعدم المقاطعة، كما تتوجه إلى روما للمهمة ذاتها مساعدة وزير الخارجية المؤقتة لشؤون الشرق الأدنى إليزابيث جونز. القلق الأميركي لا يزال موجودا من الانقسامات داخل المعارضة السورية، والرسالة الأساسية أن مقاطعة واشنطن لن تساعد المعارضة على بلورة موقف أميركي جديد من قضيتها، لا سيما أن كيري يحمل أفكاراً جديدة لتعزيز الضغط على الأسد لكن الخارجية الأميركية لم تكشف عن مضمونها بعد. وزارة الخارجية أصدرت بياناً، أمس الأول، دانت فيه قصف النظام السوري صواريخ "سكود" على مدينة حلب. لكن صدور البيان على لسان المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند يعكس مقاربة واشنطن الحذرة حيال سورية حالياً. نولاند اكتفت بالقول إن "نظام الأسد ليس لديه شرعية ويبقى في السلطة فقط من خلال القوة الوحشية". وصف البيان الأسد بأنه "مهندس الحملة العنيفة"، وأن السوريين يطالبونه "بالتنحي والسماح ببدء مرحلة انتقالية يقودها السوريون، وتحترم حقوق كل السوريين ليتمكن البلد من إعادة بناء نفسه"، مع الإشارة إلى أن واشنطن "لا ترى مؤشرات أن الشعب السوري الشجاع الذي يقاتل ضد هذا العدوان سيقبل بقادة النظام، وعلى أيديهم دماء السوريين، كجزء من عملية انتقال السلطة". وأكد البيان أن واشنطن تتطلع إلى اللقاء قريباً مع "قيادة الممثل الشرعي للشعب السوري، الائتلاف السوري المعارض، لبحث كيف للولايات المتحدة وأصدقاء آخرين للشعب السوري فعل المزيد لمساعدته على تحقيق المرحلة الانتقالية التي يطالب بها ويستحقها". هناك الكثير من الرسائل الأميركية عند التمعن في قراءة هذا البيان. المؤشر الأول أن قرار "الائتلاف" فعل فعله في واشنطن التي حاولت من خلال البيان شرح موقفها وإعادة تأكيد الثوابت، لكن من دون الإعلان عن أي تحول ملموس في مقاربتها. الثوابت الأميركية هي أن الحل السلمي هو طريق الخروج من الأزمة، وان المرحلة الانتقالية لا يمكنها أن تشمل الأسد. الرسالة الثانية إلى موسكو هي أن واشنطن قد لا تتمكن من إقناع المعارضة السورية بالتحاور مع بعض أركان النظام الذين قد يتم طرح أسمائهم للتفاوض. الرسالة الثالثة هي وعد بمتابعة البحث مع المعارضة السورية حول كيفية مساعدتها، وكلام يصف "الائتلاف" بأنه "الممثل الشرعي للشعب السوري"، لكن من دون إضافة عبارة "الممثل الوحيد"، ما يعني أن واشنطن تتمسك بالحل السلمي المطروح دوليا الآن.

المصدر : السفير/جو معكرون


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة