تصور  ان السلطة في سوريا انتقلت الى ايدي هؤلاء البرابرة. ولقد راجعنا اسماء الضحايا الذين جلّهم من اهل الشام القدامى، ولا ينتمون الى المناطق التي تقول « جبهة النصرة» بتطهيرها من الزنادقة والهراطقة ومن اهل الشرك، فماذا تعني دمشق التي هي لنا ثوب القلب، وثوب الروح، لحفاة القلب ولحفاة الروح؟

حقاً لا ندري كيف يتحول المؤمنون إن آمنوا الى مصاصي دماء، ولا ندري كيف يستولدون هذا الطراز من الهمجية حتى حيال ابناء طائفتهم، وبني قومهم، وان كان هناك من يلقي باللائمة على ما وصفه الازهر، ذات يوم، بـ «فقه البادية» الذي يتعاطى مع النص ميكانيكياً دون الولوج الى ما وراء الكلمات، كما يلقي باللائمة على اصحاب العظات والفتاوى المتوترة، والعميقة، والتي تتعامل مع اعصاب الناس لا مع ألبابهم، والامثلة على ذلك لا تحصى في ديارنا كما في ديار الآخرين، ولا يقتصر الامر على طائفة دون اخرى. من فضلكم تابعوا ما يحصل في المساجد وفي الحسينيات وفي المناسبات الدينية بوجه عام..

تهتز اللحى وتهتز الايدي، وتهتز الوجوه، وتهتز اللغة بطبيعة الحال، فيما لا يليق بالمكان سوى صفاء العقل لا تفجير الغرائز التي انزلت الاديان، حسبما قيل لنا، لتعطيلها بل ولاجتثاثها، كما الشيطان، من صدور الناس، إلا اذا صدق قول ذلك الباكستاني الذي يعمل في جامعة بريطانية والذي يتابع المذابح التي تحدث في بلاده، ودائما تحت شعار الاسلام: «كما لو ان السيد الشيطان تخلى لنا عن كل صلاحياته»!

ما حدث في دمشق، وهو ما حدث في مدن اخرى، لا يعكس همجية الذين فعلوا فحسب، وكان اشد هولا بكثير مما نراه في غرنيكا بابلو بيكاسو، انما يعكس همجية من يريدون تحويل سوريا الى ارض يباب( ومع الاعتذار من ت.س. اليوت الذي علّمنا كيف تكون ثقافة الخواء وكيف تكون ثقافة الرماد). ألم يقل سيرغي لافروف، وان بصورة غير مباشرة، ان بلاده حالت دون الجيش التركي والدخول الى سوريا، على ان تتم زخرفة هذا الغزو وببعض المظاهر الفولكلورية العربية، وهل يصلح العرب ليكونوا اكثر من عباءة مرقطة بالذهب عند هذه المفترقات الكبرى…

 

لسنا مع بقاء النظام، ولسنا مع ابدية اي نظام، وقد لاحظ احد شعرائنا «بكاء البنفسج» وهو يتابع مشاهد الربيع العربي وحيث السنونو ترتدي وجه الغراب. لكننا نسأل اولئك الذين، وبحجة التعاطف مع الشعب السوري، ومع الديمقراطية في سوريا، اقاموا معسكرات للبرابرة ونقلوهم بالحافلات المكيفة الى مواقع محددة جرى اعدادها لهم داخل سوريا، فيما يحاولون الآن خداع الناس بحكومة انتقالية لا تتمثل فيها « جبهة النصرة»…

اولئك شذاذ الآفاق الذين ينتمون الى جنسيات شتى ( حتى الآن اكثر من 23 جنسية) والذين ثمة من زيّن لهم، وتحديداً اجهزة استخبارات معروفة جداً، باعادة دولة الخلافة، ومن دمشق بالذات( كما لو ان اسطنبول او الاستانة ليست بالمرصاد). ولم يكن امامهم سوى تخلية المدينة من اهلها، وبعدما بات مؤكداً ان الخطة كانت تلحظ الانقضاض على محاور معينة في عاصمة الامويين للاستيلاء عليها، وبالتالي محاصرة البقية الباقية من النظام، على ان يعقب ذلك الاجتياح العثماني ثانية، وبعدما تحسر العديد من المراجع الدينية، ومن كل الطوائف الاسلامية، علناً على سقوط السلطنة العثمانية…

والطريف ان يقول الآن بعض الذين يتهمون باراك اوباما بالهشاشة بل و بالانهزامية، ان ما منع الغزو التركي هو خشية رجب طيب اردوغان من عودة الجنرالات الى الواجهة، وبالتالي عودة الاتاتوركية، وازالة الاسلاميين من السلطة، ودون ان يكون هذا صحيحاً، فالذي حمل اردوغان على التريث ان لم يكن على الانكفاء هو التفاعلات الداخلية التركية، طائفيا واثنيا، وايضا موقف الكرملين الذي لا ريب ان انقرة لم تكن تتوقع قطعا ان يكون عاصفاً الى ذلك الحد…

هوذا النظام البديل. صناعة الاشلاء. بدت دمشق، دمشق صلاح الدين الايوبي ومحيي الدين بن عربي والقديس حنانيا،مدينة واحدة، كفكفت دموعها، وكفكفت اشلاءها، وقررت كلها الوقوف في وجه البرابرة. لا نقول هذا دفاعاً عن نظام طالما كتبنا عن اخطائه وعن خطاياه، وانما لان هذا هو الواقع فعلا. استيقظ اهل دمشق على الانفجار. الاهم انهم استيقظوا على تلك الحقيقة المدوية، وهي ان هؤلاء هم «حكامنا الجدد». الآتون من جهنم فعلاً. الآتون من اقاصي جهنم فعلاً.

والغريب ان اصحاب المواعظ، والخطب المتوترة، والرنانة، في لبنان لم يتطرقوا، ولو تلميحاً، الى الغرنيكا الدمشقية. القاتل الى الجنة، هذا ما بتنا نعلمه، ولكن ليقولوا لنا، فقط، الى اين يذهب القتلى؟

محاكاة للمشهد السوري، وهي ليست بالمحاكاة الافتراضية، تستمر بهلوانيات البعض في لبنان الذين لا يفرقون بين غواية الضوء وغواية الدم، فإلى متى ذاك التعاطي المخملي( لا تحسبوا اننا نقصد معالي وزير الداخلية الذي جيء به لانه اشد مراساً من زياد بارود). نقصد كل هذه الدولة التي من ورق والتي تضيع امام تلك النسخة البالية من دونكيشوت بالبندقية والرداء الاسود…

 

يمكن للمرء ان يكون بهلواناً، ويمكن ان يكون مهرجاً، فهذا حقه، ولكن هل يمكن ان يترك البهلوان او المهرج يبحث عن لحظة ما يفجر فيها المدينة، بل ويفجر فيها بلداً، من اجل ان يصبح واحداً من كبار البرابرة الذين يمتدون من كراتشي الى دمشق،ومن لاغوس الى كركوك، ومن قندهار الى تعز..

دونكيشوت وبندقية. المشهد ليس مضحكاً فقط، ليس مخزياً فقط. انه مفزع ايضاً. هوذا رجل آخر آت من… اقاصي جهنم!

  • فريق ماسة
  • 2013-02-23
  • 9836
  • من الأرشيف

الآتون من اقاصي … جهنم

تصور  ان السلطة في سوريا انتقلت الى ايدي هؤلاء البرابرة. ولقد راجعنا اسماء الضحايا الذين جلّهم من اهل الشام القدامى، ولا ينتمون الى المناطق التي تقول « جبهة النصرة» بتطهيرها من الزنادقة والهراطقة ومن اهل الشرك، فماذا تعني دمشق التي هي لنا ثوب القلب، وثوب الروح، لحفاة القلب ولحفاة الروح؟ حقاً لا ندري كيف يتحول المؤمنون إن آمنوا الى مصاصي دماء، ولا ندري كيف يستولدون هذا الطراز من الهمجية حتى حيال ابناء طائفتهم، وبني قومهم، وان كان هناك من يلقي باللائمة على ما وصفه الازهر، ذات يوم، بـ «فقه البادية» الذي يتعاطى مع النص ميكانيكياً دون الولوج الى ما وراء الكلمات، كما يلقي باللائمة على اصحاب العظات والفتاوى المتوترة، والعميقة، والتي تتعامل مع اعصاب الناس لا مع ألبابهم، والامثلة على ذلك لا تحصى في ديارنا كما في ديار الآخرين، ولا يقتصر الامر على طائفة دون اخرى. من فضلكم تابعوا ما يحصل في المساجد وفي الحسينيات وفي المناسبات الدينية بوجه عام.. تهتز اللحى وتهتز الايدي، وتهتز الوجوه، وتهتز اللغة بطبيعة الحال، فيما لا يليق بالمكان سوى صفاء العقل لا تفجير الغرائز التي انزلت الاديان، حسبما قيل لنا، لتعطيلها بل ولاجتثاثها، كما الشيطان، من صدور الناس، إلا اذا صدق قول ذلك الباكستاني الذي يعمل في جامعة بريطانية والذي يتابع المذابح التي تحدث في بلاده، ودائما تحت شعار الاسلام: «كما لو ان السيد الشيطان تخلى لنا عن كل صلاحياته»! ما حدث في دمشق، وهو ما حدث في مدن اخرى، لا يعكس همجية الذين فعلوا فحسب، وكان اشد هولا بكثير مما نراه في غرنيكا بابلو بيكاسو، انما يعكس همجية من يريدون تحويل سوريا الى ارض يباب( ومع الاعتذار من ت.س. اليوت الذي علّمنا كيف تكون ثقافة الخواء وكيف تكون ثقافة الرماد). ألم يقل سيرغي لافروف، وان بصورة غير مباشرة، ان بلاده حالت دون الجيش التركي والدخول الى سوريا، على ان تتم زخرفة هذا الغزو وببعض المظاهر الفولكلورية العربية، وهل يصلح العرب ليكونوا اكثر من عباءة مرقطة بالذهب عند هذه المفترقات الكبرى…   لسنا مع بقاء النظام، ولسنا مع ابدية اي نظام، وقد لاحظ احد شعرائنا «بكاء البنفسج» وهو يتابع مشاهد الربيع العربي وحيث السنونو ترتدي وجه الغراب. لكننا نسأل اولئك الذين، وبحجة التعاطف مع الشعب السوري، ومع الديمقراطية في سوريا، اقاموا معسكرات للبرابرة ونقلوهم بالحافلات المكيفة الى مواقع محددة جرى اعدادها لهم داخل سوريا، فيما يحاولون الآن خداع الناس بحكومة انتقالية لا تتمثل فيها « جبهة النصرة»… اولئك شذاذ الآفاق الذين ينتمون الى جنسيات شتى ( حتى الآن اكثر من 23 جنسية) والذين ثمة من زيّن لهم، وتحديداً اجهزة استخبارات معروفة جداً، باعادة دولة الخلافة، ومن دمشق بالذات( كما لو ان اسطنبول او الاستانة ليست بالمرصاد). ولم يكن امامهم سوى تخلية المدينة من اهلها، وبعدما بات مؤكداً ان الخطة كانت تلحظ الانقضاض على محاور معينة في عاصمة الامويين للاستيلاء عليها، وبالتالي محاصرة البقية الباقية من النظام، على ان يعقب ذلك الاجتياح العثماني ثانية، وبعدما تحسر العديد من المراجع الدينية، ومن كل الطوائف الاسلامية، علناً على سقوط السلطنة العثمانية… والطريف ان يقول الآن بعض الذين يتهمون باراك اوباما بالهشاشة بل و بالانهزامية، ان ما منع الغزو التركي هو خشية رجب طيب اردوغان من عودة الجنرالات الى الواجهة، وبالتالي عودة الاتاتوركية، وازالة الاسلاميين من السلطة، ودون ان يكون هذا صحيحاً، فالذي حمل اردوغان على التريث ان لم يكن على الانكفاء هو التفاعلات الداخلية التركية، طائفيا واثنيا، وايضا موقف الكرملين الذي لا ريب ان انقرة لم تكن تتوقع قطعا ان يكون عاصفاً الى ذلك الحد… هوذا النظام البديل. صناعة الاشلاء. بدت دمشق، دمشق صلاح الدين الايوبي ومحيي الدين بن عربي والقديس حنانيا،مدينة واحدة، كفكفت دموعها، وكفكفت اشلاءها، وقررت كلها الوقوف في وجه البرابرة. لا نقول هذا دفاعاً عن نظام طالما كتبنا عن اخطائه وعن خطاياه، وانما لان هذا هو الواقع فعلا. استيقظ اهل دمشق على الانفجار. الاهم انهم استيقظوا على تلك الحقيقة المدوية، وهي ان هؤلاء هم «حكامنا الجدد». الآتون من جهنم فعلاً. الآتون من اقاصي جهنم فعلاً. والغريب ان اصحاب المواعظ، والخطب المتوترة، والرنانة، في لبنان لم يتطرقوا، ولو تلميحاً، الى الغرنيكا الدمشقية. القاتل الى الجنة، هذا ما بتنا نعلمه، ولكن ليقولوا لنا، فقط، الى اين يذهب القتلى؟ محاكاة للمشهد السوري، وهي ليست بالمحاكاة الافتراضية، تستمر بهلوانيات البعض في لبنان الذين لا يفرقون بين غواية الضوء وغواية الدم، فإلى متى ذاك التعاطي المخملي( لا تحسبوا اننا نقصد معالي وزير الداخلية الذي جيء به لانه اشد مراساً من زياد بارود). نقصد كل هذه الدولة التي من ورق والتي تضيع امام تلك النسخة البالية من دونكيشوت بالبندقية والرداء الاسود…   يمكن للمرء ان يكون بهلواناً، ويمكن ان يكون مهرجاً، فهذا حقه، ولكن هل يمكن ان يترك البهلوان او المهرج يبحث عن لحظة ما يفجر فيها المدينة، بل ويفجر فيها بلداً، من اجل ان يصبح واحداً من كبار البرابرة الذين يمتدون من كراتشي الى دمشق،ومن لاغوس الى كركوك، ومن قندهار الى تعز.. دونكيشوت وبندقية. المشهد ليس مضحكاً فقط، ليس مخزياً فقط. انه مفزع ايضاً. هوذا رجل آخر آت من… اقاصي جهنم!

المصدر : الديار \نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة