دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم تأت تفجيرات دمشق الأخيرة من خارج سياق التطورات الميدانية والسياسية السورية، وإن كان المنطق يقول أن لجوء المسلحين إلى التفجيرات يعكس حال الفشل في تحقيق إنجازات كانت وعدت بتنفيذها المعارضة المسلحة لإجتياح العاصمة دمشق.
لكن إدانة الإئتلاف المعارض تبيّن أن المزاج السوري العام لم يعد يبرر أيّ تفجير أو يصدّق إدعاءات المعارضين التي كانت تردد أن النظام يقف خلف عمليات التفجير، ما اضطر المعارضات السورية للتسابق في إصدار بيانات الإستنكار. أما "جبهة النصرة" التي تتمدد في جسم المجموعات المسلحة، باتت تشعر أن المجالس المعارضة تستعد للتخلي عن دعمها، رغم الدفاع السابق عنها إلى حد إستغراب ضمّها إلى اللائحة الأميركية للإرهاب.
ما هي الأسباب التي دفعت "جبهة النصرة" إلى العودة للتفجيرات الدموية الإنتحارية؟ وهل تُرسل الجبهة رسائل إلى الإئتلاف المعارض رفضاً للتسوية المقترحة؟ أم أن الرسالة مزدوجة للمعارضة والنظام؟ وهل يقول تنظيم القاعدة: الأمر لي وليس لأي جسم معارض عسكري أو سياسي؟
أسئلة ستحدد تطورات الأيام المقبلة مسارها ونتائجها، خصوصا أن المزاج السوري العام ضاق ذرعاً بالقتال الدائر، بعد إنهاك إقتصاده وخطف أمنه وتعبه من النزوح إلى الدول المجاورة ومخيمات الحدود والمتاجرة الإقليمية والدولية، إلى حد دعا أحد المطلعين السوريين إلى القول: لو أجريت إستفتاء لمعرفة ماذا يريد الشعب السوري ومن يختار رئيساَ، لإختار بشار الأسد بأغلبية مذهلة مع الرحمة على الأيام الماضية.
التسوية المطروحة تتجه نحو النضوج من خلال مؤشرات بالجملة من إستعداد النظام السوري إلى مقاربات المعارضة، والتعاطي الدولي.
الحكومة السورية حضّرت جمهورها الداخلي لحوار وضع عناوينه الرئيس بشار الأسد، وقدّمت دمشق ضمانات عبر إيران وروسيا للوصول إلى نتائج عملية، ومن هنا كان تركيز الروس على أن المرحلة المقبلة منتجة، بينما كان الإئتلاف المعارض يسير خلف رئيسه معاذ الخطيب في مبادرة وضع شروطاً لها الخطيب في الشكل، ولم تستجب لها الدولة السورية لعلم النظام أن طروحات الخطيب تجميلية أمام زملائه المعارضين.
أمّا على الخط الأميركي-الروسي تجري إتصالات دائمة بين وزيري الخارجية سيرغي لافروف وجون كيري، بعكس الأجواء التي كانت سائدة أيام هيلاري كلينتون، ونُقل عن مصادر روسية مطلعة أن لافروف أقنع الأميركيين بخطورة "جبهة النصرة" وإمتدادها القاعدي على مساحة الشرق الأوسط وإفريقيا، فأبدى الروس كل الليونة أمام الأميركيين شرط أن تُبعد المعارضة السورية "جبهة النصرة" عن سوريا، لكن المعارضين عاجزون عن تنفيذ هذا الطلب، ما اضطر الأميركيين لإبداء الإستعداد لتسهيل التسوية وفق الرؤية الروسية.
في هذا الوقت يستعد كيري لبدء مفاوضات في المنطقة، وفق خط دبلوماسي قائم على التفاوض كمخرج للأزمة، كما كان طرح أمام وزير خارجية الأردن منذ عشرة أيام باعتبار أن الحلول العسكرية غير موجودة وباتت دول المنطقة تستعجل الحلول السياسية للأزمة السورية، وقد وصلت تقارير إستخبارية أميركية تفيد أن حركة المتطرفين الإسلاميين تتوسع بإتجاه لبنان والأردن عدا عن العراق، ما يضع المنطقة برمتها في مهب صراع قد لا تكون إسرائيل بمنأى عن نتائجه.
واذا كانت تركيا تراقب عن كثب لكنها تحاول في الوقت عينه إيجاد مخرج لها بعد إنتكاس دورها في سوريا، من خلال الإنصراف إلى معالجة المسألة الكردية، ولذلك وافقت على لقاء أكراد مع زعيمهم عبدالله أوجلان المعتقل في سجون تركيا. وتعلم أنقرة أن واشنطن تتهرب من رئيس الحكومة التركية بعدما حاول إقناع الأميركيين بتوجيه ضربة للنظام السوري، وبدا القلق التركي كبيراً بعد رفض واشنطن الإستماع لوجهة نظر الأتراك وعدم تحديد موعد لرجب طيب أردوغان في البيت الأبيض منذ ثلاثة أشهر وحتى الساعة.
فهل يعدّ الأميركيون إنسحاباً من الملف السوري لمصلحة إدارة روسية متوازنة؟
توحي التطورات بمسار تراجعي للأميركيين من دون تطبيق خطة الفرنسيين البديلة عن إسقاط النظام، بالتفرج على التقاتل السوري حتى ينهك كل طرف الآخر، لأن الروس جادون بحل الأزمة، ومن هنا كانت إشارة لافروف إلى الشهر المقبل كبداية للمفاوضات تحضيراً للتسوية، في خطوة تباركها واشنطن ولا تستطيع معارضتها الدول الأوروبية وتنتظر نتائجها الدول العربية
المصدر :
النشرة \ عباس ضاهر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة