لانعتقد ان السيد احمد معاذ الخطيب يمتلك الحد الادنى من الحنكة السياسية، ونكاد نقول انه يفتقد الحنكة اللغوية ايضا بالرغم من انه كان في وقت ما خطيباً مفوهاً للجامع الاموي وينطق بما يريد ان ينطق به النظام…

ولا نعتقد انه اتي به، بالصدفة، الى رئاسة الائتلاف الوطني، كما لا نعتقد ان ظهوره الى جانب فرنسوا هولاند، او جو بايدن، او سيرغي لافروف او علي اكبر صالحي ( وقبل ذلك ظهر خجولا ومرتبكا ويكاد لا يصدق نفسه مع هيلاري كلينتون) يمكن ان يجعل منه غاريبالدي او كاسترو او حتى موغابي…

التسوية داخل ذلك الكوكتيل العجيب الذي يدعى المعارضة السورية هي التي توجته رئيساً للائتلاف الذي شكلته السيدة كلينتون على عجل، قبل ان يطفو على السطح هكذا بعدما لاحظ وليم هيغ ما لم يلاحظه لوران فابيوس، اذ ان مؤتمر باريس اظهر ان المعارضة هي عبارة عن مزرعة للضفادع، والوصف لاحد اعضاء الائتلاف، وان على اكتافها يمكن ان تطرق «جبهة النصرة» ابواب دمشق…

على كل، التسوية لا تحتاج الى رجل يتجاوز مواصفات معاذ الخطيب الذي لم يستطع حتى ان يلعب دور المايسترو في اوركسترا الضفادع، دون ان ننفي وجود البعض في الائتلاف من يستحق الذكر وحتى التقدير لانه منذ البداية يعتبر ان الخضوع للسلطان العثماني، او لشيوخ القبائل، يعني النهاية الحتمية، والكارثية، لسوريا…

الذين راهنوا على ان الدب الروسي لا يستطيع ان يرقص فوق الثلوج فوجئوا انه يستطيع ان يرقص، وببراعة منقطعة النظير، فوق الرمال، والذين اعتبروا ان حائكي السجاد يتقنون القول اكثر مما يتقنون الفعل، ما لبثوا ان اكتشفوا انهم راحوا يدورون في الحلقة الجهنمية التي تولوا صناعتها، ودون ان تبقى تداعيات الحدث داخل الحدود بعدما بدأ النموذج الافغاني اللاعب الاقوى على الساحة، وبكل مكوناته الليبية والباكستانية والعراقية والفلسطينية والاردنية واللبنانية وحتى النيجيرية والشيشانية…

الآن، ثمة ما هو اكثر حساسية بكثير. بدا ان التوتر بين الجهات العربية التي دعمت بكل قواها «الثورة» في سوريا يمكن ان يتحول في اي لحظة الى مواجهة علنية. المسألة لا تتعلق فقط بتباين في وجهات النظر، وليس فقط بمن سيضع يده على سوريا بعد ان يسقط "نظام الرئيس الاسد". الحديث الآن وراء الضوء هو حول اتهام احدى الدول الاخرى بأنها اقامت تحالفات، وشاركت في سيناريوات، وموّلت جماعات، يبدو من خلالها ان الهدف الاستراتيجي يتعدى سوريا الى الدولة التي وجهت الاتهام…

وثمة وثائق لا ندري ما اذا كان معاذ الخطيب قد اطلع عليها او عرف بأمرها وتؤكد ان اسرائيل ضالعة في احد السيناريوات الذي يمتد من دمشق الى العمق العربي، حتى اذا ما استشعرت حكومة تل ابيب ان رياح التسوية يمكن ان تحل محل رياح الدم، قامت طائراتها بما قامت به من اجل ان تكون هي لاعباً اساسياً، بل واستراتيجياً، في التسوية، فيما نسمع من ديبلوماسي اوروبي قوله «انه لشيء مضحك ان يتردد ان الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عرفت، اخيراً، بالمنشآة السورية التي هي ثانوية على كل حال» ( مع رجاء التدقيق في طبيعة المكان الذي تتواجد فيه)…

الغارة كانت سياسية، وبالتفاهم مع احدى الدول العربية، وفي اطار التعهدات التي قدمتها جماعة «الاخوان المسلمين» بأنها ما ان تتولى الحكم في عاصمة الامويين حتى يتوجه محمد رياض الشقفة برسالة الى صديقه العظيم بنيامين نتنياهو ( اذا كنتم تتذكرون رسالة محمد مرسي الى شمعون بيريس) للبدء بمفاوضات تفضي الى معاهدة سلام تأخذ بالاعتبار الاحتياجات الامنية الاسرائيلية في مرتفعات الجولان…

لا ريب ان الرؤوس الصلبة في موسكو كما في طهران دفعت الامور في اتجاه اخر، وان كان واضحا ان التسوية لا تعني بقاء النظام كما هو، وبعدما بات اركان هذا النظام على بينة من انهم امام مسؤوليات تاريخية. صحيح ان الجيش السوري حال دون انهيار الدولة، وبالتالي حال دون تعيين ولاة عثمانيين على دمشق وحلب، ربما وصولاً الى بيروت، لكن الصحيح ايضا ان الخراب الذي لحق بسوريا، بمواردها المحدودة، وضع البلاد امام مشهد سوداوي راعب. لم يكن الدم وحده الذي سقط. الزمن ايضاً…

الخبراء هم الذين يقولون ان سوريا التي تحتاج الى 200 مليار دولار لاعادة اعمار ما تهدم عادت خمسة وعشرين عاما الى الوراء، فيما المطلوب اعادتها مائة عام، وربما الف عام الى الوراء، فالهدف هو الدولة لا النظام، ودون ان تستبعد جهات اوروبية ان تشن حكومة نتنياهو حرباً، اجل حرباً، على سوريا لتدمير ما تبقى منها ودون الاكتفاء بغارة غامضة كان واضحا ان الغاية منها تتعدى بكثير الجانب التقني او… الكيميائي.

ومهما علا الحديث عن التسوية، فإن سوريا لا تزال في عين الاعصار، فيما الاحتمالات تحدق بها من كل حدب وصوب، ودون ان ندري لماذا اختار معاذ الخطيب ان يتحاور مع فاروق الشرع بالذات. هل لانه ادلى بما ادلى به، ام لان ثمة من خطط لشيء ما من اجل تفكيك اي اتجاه الى التسوية او لدفعها في مسار معين، ودون ان يكون مقنعاً الكلام عن الحوار مع من لم تتلطخ يداه بالدم، فهل ان الائتلاف بمنأى عن لعبة الدم، وقد حيّا السيد معاذ جبهة النصرة، وهل من المنطقي او الواقعي تصنيف اهل النظام الذي هو وحدة لا تتجزأ بين من تلطخت يداه بالدم ومن تلطخت يداه بالظل…

ثمة خيوط كثيرة، ودمى كثيرة، واموال كثيرة لا تزال تلعب. الطريق الى التسوية حافل بالتضاريس. هذه لحظات سورية اكثر من ان تكون حساسة، اكثر من ان تكون خطيرة!

  • فريق ماسة
  • 2013-02-06
  • 11471
  • من الأرشيف

المايسترو…وأوركسترا الضفادع

لانعتقد ان السيد احمد معاذ الخطيب يمتلك الحد الادنى من الحنكة السياسية، ونكاد نقول انه يفتقد الحنكة اللغوية ايضا بالرغم من انه كان في وقت ما خطيباً مفوهاً للجامع الاموي وينطق بما يريد ان ينطق به النظام… ولا نعتقد انه اتي به، بالصدفة، الى رئاسة الائتلاف الوطني، كما لا نعتقد ان ظهوره الى جانب فرنسوا هولاند، او جو بايدن، او سيرغي لافروف او علي اكبر صالحي ( وقبل ذلك ظهر خجولا ومرتبكا ويكاد لا يصدق نفسه مع هيلاري كلينتون) يمكن ان يجعل منه غاريبالدي او كاسترو او حتى موغابي… التسوية داخل ذلك الكوكتيل العجيب الذي يدعى المعارضة السورية هي التي توجته رئيساً للائتلاف الذي شكلته السيدة كلينتون على عجل، قبل ان يطفو على السطح هكذا بعدما لاحظ وليم هيغ ما لم يلاحظه لوران فابيوس، اذ ان مؤتمر باريس اظهر ان المعارضة هي عبارة عن مزرعة للضفادع، والوصف لاحد اعضاء الائتلاف، وان على اكتافها يمكن ان تطرق «جبهة النصرة» ابواب دمشق… على كل، التسوية لا تحتاج الى رجل يتجاوز مواصفات معاذ الخطيب الذي لم يستطع حتى ان يلعب دور المايسترو في اوركسترا الضفادع، دون ان ننفي وجود البعض في الائتلاف من يستحق الذكر وحتى التقدير لانه منذ البداية يعتبر ان الخضوع للسلطان العثماني، او لشيوخ القبائل، يعني النهاية الحتمية، والكارثية، لسوريا… الذين راهنوا على ان الدب الروسي لا يستطيع ان يرقص فوق الثلوج فوجئوا انه يستطيع ان يرقص، وببراعة منقطعة النظير، فوق الرمال، والذين اعتبروا ان حائكي السجاد يتقنون القول اكثر مما يتقنون الفعل، ما لبثوا ان اكتشفوا انهم راحوا يدورون في الحلقة الجهنمية التي تولوا صناعتها، ودون ان تبقى تداعيات الحدث داخل الحدود بعدما بدأ النموذج الافغاني اللاعب الاقوى على الساحة، وبكل مكوناته الليبية والباكستانية والعراقية والفلسطينية والاردنية واللبنانية وحتى النيجيرية والشيشانية… الآن، ثمة ما هو اكثر حساسية بكثير. بدا ان التوتر بين الجهات العربية التي دعمت بكل قواها «الثورة» في سوريا يمكن ان يتحول في اي لحظة الى مواجهة علنية. المسألة لا تتعلق فقط بتباين في وجهات النظر، وليس فقط بمن سيضع يده على سوريا بعد ان يسقط "نظام الرئيس الاسد". الحديث الآن وراء الضوء هو حول اتهام احدى الدول الاخرى بأنها اقامت تحالفات، وشاركت في سيناريوات، وموّلت جماعات، يبدو من خلالها ان الهدف الاستراتيجي يتعدى سوريا الى الدولة التي وجهت الاتهام… وثمة وثائق لا ندري ما اذا كان معاذ الخطيب قد اطلع عليها او عرف بأمرها وتؤكد ان اسرائيل ضالعة في احد السيناريوات الذي يمتد من دمشق الى العمق العربي، حتى اذا ما استشعرت حكومة تل ابيب ان رياح التسوية يمكن ان تحل محل رياح الدم، قامت طائراتها بما قامت به من اجل ان تكون هي لاعباً اساسياً، بل واستراتيجياً، في التسوية، فيما نسمع من ديبلوماسي اوروبي قوله «انه لشيء مضحك ان يتردد ان الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عرفت، اخيراً، بالمنشآة السورية التي هي ثانوية على كل حال» ( مع رجاء التدقيق في طبيعة المكان الذي تتواجد فيه)… الغارة كانت سياسية، وبالتفاهم مع احدى الدول العربية، وفي اطار التعهدات التي قدمتها جماعة «الاخوان المسلمين» بأنها ما ان تتولى الحكم في عاصمة الامويين حتى يتوجه محمد رياض الشقفة برسالة الى صديقه العظيم بنيامين نتنياهو ( اذا كنتم تتذكرون رسالة محمد مرسي الى شمعون بيريس) للبدء بمفاوضات تفضي الى معاهدة سلام تأخذ بالاعتبار الاحتياجات الامنية الاسرائيلية في مرتفعات الجولان… لا ريب ان الرؤوس الصلبة في موسكو كما في طهران دفعت الامور في اتجاه اخر، وان كان واضحا ان التسوية لا تعني بقاء النظام كما هو، وبعدما بات اركان هذا النظام على بينة من انهم امام مسؤوليات تاريخية. صحيح ان الجيش السوري حال دون انهيار الدولة، وبالتالي حال دون تعيين ولاة عثمانيين على دمشق وحلب، ربما وصولاً الى بيروت، لكن الصحيح ايضا ان الخراب الذي لحق بسوريا، بمواردها المحدودة، وضع البلاد امام مشهد سوداوي راعب. لم يكن الدم وحده الذي سقط. الزمن ايضاً… الخبراء هم الذين يقولون ان سوريا التي تحتاج الى 200 مليار دولار لاعادة اعمار ما تهدم عادت خمسة وعشرين عاما الى الوراء، فيما المطلوب اعادتها مائة عام، وربما الف عام الى الوراء، فالهدف هو الدولة لا النظام، ودون ان تستبعد جهات اوروبية ان تشن حكومة نتنياهو حرباً، اجل حرباً، على سوريا لتدمير ما تبقى منها ودون الاكتفاء بغارة غامضة كان واضحا ان الغاية منها تتعدى بكثير الجانب التقني او… الكيميائي. ومهما علا الحديث عن التسوية، فإن سوريا لا تزال في عين الاعصار، فيما الاحتمالات تحدق بها من كل حدب وصوب، ودون ان ندري لماذا اختار معاذ الخطيب ان يتحاور مع فاروق الشرع بالذات. هل لانه ادلى بما ادلى به، ام لان ثمة من خطط لشيء ما من اجل تفكيك اي اتجاه الى التسوية او لدفعها في مسار معين، ودون ان يكون مقنعاً الكلام عن الحوار مع من لم تتلطخ يداه بالدم، فهل ان الائتلاف بمنأى عن لعبة الدم، وقد حيّا السيد معاذ جبهة النصرة، وهل من المنطقي او الواقعي تصنيف اهل النظام الذي هو وحدة لا تتجزأ بين من تلطخت يداه بالدم ومن تلطخت يداه بالظل… ثمة خيوط كثيرة، ودمى كثيرة، واموال كثيرة لا تزال تلعب. الطريق الى التسوية حافل بالتضاريس. هذه لحظات سورية اكثر من ان تكون حساسة، اكثر من ان تكون خطيرة!

المصدر : الديار \ نبيه برجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة