عكرت حادثة الاعتداء على السفارة الأمريكية في أنقرة حفل وداع السيدة هيلاري كلينتون صاحبة الابتسامة المستمرة بلا معنى حتى في لحظات سماعها عن القتل وسفك الدماء في أنحاء كثيرة من العالم .

حفل وداع السيدة الشقراء في مقر السفارة الأمريكية في واشنطن تحول الى حفل يشبه طقوس حفلات الهوليود لكثرة العدسات المسلطة عليها والشخصيات رفيعة المستوى التي حضرت الحفل.

كلينتون خاطبت المجتمعين على أنها تعرف أن العالم الذى حاولت مساعدته على دخول القرن الحادى والعشرين ليكون أكثر استقرار وامناً – سيمر بأيام عصيبة كثيرة “..واستدركت قائلة “ولكننى أشعر اليوم بتفاؤل بدرجة أكثر مما كنت أشعر بها منذ أربعة أعوام”.

لم تستطع صاحبة الابتسامة العريضة تحقيق أي اختراق في أي من الملفات الصعبة التي واجهتها الإدارة الأمريكية خلال الأعوام الأربعة المنصرمة وشهد العالم في عهدها توترا متصاعدا غير مسبوق بسبب تخبطها في السياسة الخارجية وإصرارها المستمر على أنها الوحيدة المعنية بحل كل المشاكل دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الاخرى خاصة الدول صاحبة القرار ، وإذا ما نظرنا الى أكثر الأحداث دموية وهي ثورات الربيع العربي التي أدارت رحاها ودعمتها السيدة كلينتون نرى ان حالة الفوضى مع عدم الاسقرار وغياب الامن في هذة الدول باتت تهدد بكوارث اقليمة لن تحمد عقباها اذا لم تتم عملية معالجة هذة المشاكل بالطرق السياسية والسلمية وتحت رعاية دولية .

السيدة كلنتون لم تصغ لأي من النصائح الموجه لها عن ان الفوضى التي يمكن ان تعم عمليات التغير دون رقابة ودعم مباشر لإرادة الشعوب واحترام حقوقها المدنية ودعم الإصلاحات التي يجب ان تستند الى المعايير الديمقراطية يمكن ان تؤدي الى فراغ في السلطة ووصول الحركات المتطرفة الى سدة الحكم وبذلك سيواجه العالم حالة الانفلات الأمني في هذة الدول التي سيكون من الصعب السيطرة عليها فيما بعد.

 

كما ولم تستطع السيدة كلنتون تحريك المياه الراكدة في العلاقات بين موسكو وواشنطن وبقيت إعادة التشغيل التي شابها خطأ عندما اهدت كلينتون الزر الاحمر للوزير لافروف مكانها تراوح وربما الخطأ الوارد على العبارة المشهورة لهو افضل تعبير عن الواقع الذي تعيشه العلاقات بين البلدين بل ان الوزير لافروف مؤخراً “قال ان علاقاتنا تراجعت بشكل ملحوظ في الفترة المنصرمة خاصة بعد إقدام الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات استفزازية كإقرار قانون ماغنيتسكي وإيقافهابشكل أحادي الجانب لعمل اللجنة الأمريكية المشتركة” ، وعلى ما يبدو ان قائمة الخلافات ربما ستكون أكبر إذا ما أقدمت الإدارة الأمريكية الجديدة على خطوات ملموسة لتحسين العلاقات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بمسألة الدرع الصاروخية والرؤى حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط برمته.

ليست العلاقات الروسية الأمريكية الوحيدة التي تراجعت بعهد السيدة كلنتون بل الفوضى والدمار الذي حل بدول كثيرة نتيجة التدخل الصارخ من قبل الجانب الامريكي في شؤونها هو انكاس واضح لاداء الدبلوماسية الامريكية فبعد خروج القوات الأمريكية من العراق لم يتسن لقيادة هذه الدولة ضبط ملفها الأمني ولا حتى تحسين أداء اقتصادها ، وهو ما سيكون لاحقا على ما يبدو في افغانستان بعد انتهاء التوكيل الدولي في هذة الدولة التي تتزعمه الولايات المتحدة..

رحلت السيدة كلينتون وبقي الرئيس الاسد في منصبه ولم تتحقق أمنيتها التي كانت تعد العالم بها كل يوم عن أيام هذا الرجل المعدودة ، إلا أنها رمت الكرة في ملعب روسيا وإيران عن سبب عدم تنحي الرئيس السوري ، إذ اعتبرت ان دعم القيادة السورية في السلاح والعتاد من قبل هاتين الدولتين هو السبب وراء صمود هذا الرجل.

لكن المعضلة التي واجهت السيدة كلينتون ولم تتكلم عنها هي نجاح الدبلوماسية الروسية في تعاملها مع الازمة السورية وإقناعها لجهات كثيرة في المعارضة بضرورة الجلوس الى طاولة الحوار الوطني والعودة الى بنود اتفاق جينيف الذي وقعت تحتة السيدة كلينتون ورفضت فيما بعد تطبيقة ، وهو ما بات واضحا من الضغوط التي يمارسها الجانب الامريكي لمنع اي توجه للحل السلمي وبأن عملية الاقتتال المستمر بين الفرقاء السوريين بحد ذاته انتصار له وليده الطولى في المنطقة "إسرائيل" وأنه يعتبر بأن الحرب ستضعف من قدرات سوريا العسكرية وبأنها ستحتاج الى سنوات كثيرة لتعيد بناء ما دمرته هذه الحرب وبذلك تكون الإدارة الأمريكية الجديدة دون تدخل مباشر في حل النزاع السوري قد حدت من امكانيات محاور المقاومة في المنطقة ايران سوريا حزب الله اللبناني .

 

رحلت كلينتون وبقيت منطقة الشرق الأوسط ملتهبة وبدون آفاق واضحة المعالم عن مستقبل هذه المنطقة واكتفت بالقول أنها تريد ان ترى السلام يتحقق في الشرق الأوسط، والازدهار يشمل جميع الناس، وان تحصل النساء والفتيات على حقوقهن وفرصهن، وهذه هي الأجزاء الثلاثة من العمل التي لم يتم انجازها”.

لكن التحدي الأكبر للسيدة كلينتون خلال ولايتها كان مقتل أربعة من دبلوماسيها في بنغازي وعلى رأسهم السفير كريستوفر ستيفينز على أيادي من دعمتهم واشنطن في الحرب ضد قوات العقيد الراحل معمر القذافي ، بعدها أدركت الإدارة الأمريكية خطر الجماعات المتطرفة حال استلامها للسلطة وهو ما كان جليا في إدراجها لجماعة جبهة النصرة في سوريا على قائمة المنظمات الإرهابية في العالم .

رحلت السيدة كلنتون وأنهت أربعة أعوام من العمل الدبلوماسي قادت خلاله 70 ألف موظف في وزارة الخارجية و 270 مقرا دبلوماسيا حول العالم ، وعقدت خلال الفترة المنصرمة 1700 اجتماع مع مسئولين دوليين، وشاركت في 755 لقاء في البيت الابيض وزارت 112 دولة قطعت خلالها مليون ميل في الطائرات لزيارة هذه الدول.

رحلت صاحبة الابتسامة العريضة دون ان تحقق أي نجاح ملموس وبقي العالم يعيش صراعاته دون آفاق لتغيير في سياسة الولايات المتحدة المقبلة تجاه الشعوب ودون ان تفعل شيئا لإيقاف شلال الدم السوري وإنهاء معاناة شعب هذه الدولة التي اقترب من دخول عامه الثالث في الاقتتال المستمر
  • فريق ماسة
  • 2013-02-06
  • 13398
  • من الأرشيف

رحلت كلينتون وبقي الاسد

عكرت حادثة الاعتداء على السفارة الأمريكية في أنقرة حفل وداع السيدة هيلاري كلينتون صاحبة الابتسامة المستمرة بلا معنى حتى في لحظات سماعها عن القتل وسفك الدماء في أنحاء كثيرة من العالم . حفل وداع السيدة الشقراء في مقر السفارة الأمريكية في واشنطن تحول الى حفل يشبه طقوس حفلات الهوليود لكثرة العدسات المسلطة عليها والشخصيات رفيعة المستوى التي حضرت الحفل. كلينتون خاطبت المجتمعين على أنها تعرف أن العالم الذى حاولت مساعدته على دخول القرن الحادى والعشرين ليكون أكثر استقرار وامناً – سيمر بأيام عصيبة كثيرة “..واستدركت قائلة “ولكننى أشعر اليوم بتفاؤل بدرجة أكثر مما كنت أشعر بها منذ أربعة أعوام”. لم تستطع صاحبة الابتسامة العريضة تحقيق أي اختراق في أي من الملفات الصعبة التي واجهتها الإدارة الأمريكية خلال الأعوام الأربعة المنصرمة وشهد العالم في عهدها توترا متصاعدا غير مسبوق بسبب تخبطها في السياسة الخارجية وإصرارها المستمر على أنها الوحيدة المعنية بحل كل المشاكل دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الاخرى خاصة الدول صاحبة القرار ، وإذا ما نظرنا الى أكثر الأحداث دموية وهي ثورات الربيع العربي التي أدارت رحاها ودعمتها السيدة كلينتون نرى ان حالة الفوضى مع عدم الاسقرار وغياب الامن في هذة الدول باتت تهدد بكوارث اقليمة لن تحمد عقباها اذا لم تتم عملية معالجة هذة المشاكل بالطرق السياسية والسلمية وتحت رعاية دولية . السيدة كلنتون لم تصغ لأي من النصائح الموجه لها عن ان الفوضى التي يمكن ان تعم عمليات التغير دون رقابة ودعم مباشر لإرادة الشعوب واحترام حقوقها المدنية ودعم الإصلاحات التي يجب ان تستند الى المعايير الديمقراطية يمكن ان تؤدي الى فراغ في السلطة ووصول الحركات المتطرفة الى سدة الحكم وبذلك سيواجه العالم حالة الانفلات الأمني في هذة الدول التي سيكون من الصعب السيطرة عليها فيما بعد.   كما ولم تستطع السيدة كلنتون تحريك المياه الراكدة في العلاقات بين موسكو وواشنطن وبقيت إعادة التشغيل التي شابها خطأ عندما اهدت كلينتون الزر الاحمر للوزير لافروف مكانها تراوح وربما الخطأ الوارد على العبارة المشهورة لهو افضل تعبير عن الواقع الذي تعيشه العلاقات بين البلدين بل ان الوزير لافروف مؤخراً “قال ان علاقاتنا تراجعت بشكل ملحوظ في الفترة المنصرمة خاصة بعد إقدام الولايات المتحدة على اتخاذ خطوات استفزازية كإقرار قانون ماغنيتسكي وإيقافهابشكل أحادي الجانب لعمل اللجنة الأمريكية المشتركة” ، وعلى ما يبدو ان قائمة الخلافات ربما ستكون أكبر إذا ما أقدمت الإدارة الأمريكية الجديدة على خطوات ملموسة لتحسين العلاقات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بمسألة الدرع الصاروخية والرؤى حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط برمته. ليست العلاقات الروسية الأمريكية الوحيدة التي تراجعت بعهد السيدة كلنتون بل الفوضى والدمار الذي حل بدول كثيرة نتيجة التدخل الصارخ من قبل الجانب الامريكي في شؤونها هو انكاس واضح لاداء الدبلوماسية الامريكية فبعد خروج القوات الأمريكية من العراق لم يتسن لقيادة هذه الدولة ضبط ملفها الأمني ولا حتى تحسين أداء اقتصادها ، وهو ما سيكون لاحقا على ما يبدو في افغانستان بعد انتهاء التوكيل الدولي في هذة الدولة التي تتزعمه الولايات المتحدة.. رحلت السيدة كلينتون وبقي الرئيس الاسد في منصبه ولم تتحقق أمنيتها التي كانت تعد العالم بها كل يوم عن أيام هذا الرجل المعدودة ، إلا أنها رمت الكرة في ملعب روسيا وإيران عن سبب عدم تنحي الرئيس السوري ، إذ اعتبرت ان دعم القيادة السورية في السلاح والعتاد من قبل هاتين الدولتين هو السبب وراء صمود هذا الرجل. لكن المعضلة التي واجهت السيدة كلينتون ولم تتكلم عنها هي نجاح الدبلوماسية الروسية في تعاملها مع الازمة السورية وإقناعها لجهات كثيرة في المعارضة بضرورة الجلوس الى طاولة الحوار الوطني والعودة الى بنود اتفاق جينيف الذي وقعت تحتة السيدة كلينتون ورفضت فيما بعد تطبيقة ، وهو ما بات واضحا من الضغوط التي يمارسها الجانب الامريكي لمنع اي توجه للحل السلمي وبأن عملية الاقتتال المستمر بين الفرقاء السوريين بحد ذاته انتصار له وليده الطولى في المنطقة "إسرائيل" وأنه يعتبر بأن الحرب ستضعف من قدرات سوريا العسكرية وبأنها ستحتاج الى سنوات كثيرة لتعيد بناء ما دمرته هذه الحرب وبذلك تكون الإدارة الأمريكية الجديدة دون تدخل مباشر في حل النزاع السوري قد حدت من امكانيات محاور المقاومة في المنطقة ايران سوريا حزب الله اللبناني .   رحلت كلينتون وبقيت منطقة الشرق الأوسط ملتهبة وبدون آفاق واضحة المعالم عن مستقبل هذه المنطقة واكتفت بالقول أنها تريد ان ترى السلام يتحقق في الشرق الأوسط، والازدهار يشمل جميع الناس، وان تحصل النساء والفتيات على حقوقهن وفرصهن، وهذه هي الأجزاء الثلاثة من العمل التي لم يتم انجازها”. لكن التحدي الأكبر للسيدة كلينتون خلال ولايتها كان مقتل أربعة من دبلوماسيها في بنغازي وعلى رأسهم السفير كريستوفر ستيفينز على أيادي من دعمتهم واشنطن في الحرب ضد قوات العقيد الراحل معمر القذافي ، بعدها أدركت الإدارة الأمريكية خطر الجماعات المتطرفة حال استلامها للسلطة وهو ما كان جليا في إدراجها لجماعة جبهة النصرة في سوريا على قائمة المنظمات الإرهابية في العالم . رحلت السيدة كلنتون وأنهت أربعة أعوام من العمل الدبلوماسي قادت خلاله 70 ألف موظف في وزارة الخارجية و 270 مقرا دبلوماسيا حول العالم ، وعقدت خلال الفترة المنصرمة 1700 اجتماع مع مسئولين دوليين، وشاركت في 755 لقاء في البيت الابيض وزارت 112 دولة قطعت خلالها مليون ميل في الطائرات لزيارة هذه الدول. رحلت صاحبة الابتسامة العريضة دون ان تحقق أي نجاح ملموس وبقي العالم يعيش صراعاته دون آفاق لتغيير في سياسة الولايات المتحدة المقبلة تجاه الشعوب ودون ان تفعل شيئا لإيقاف شلال الدم السوري وإنهاء معاناة شعب هذه الدولة التي اقترب من دخول عامه الثالث في الاقتتال المستمر

المصدر : حسن نصر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة