ليس عبثاً أن شرّعت معظم دول العالم إحالة من يبلغ الخامسة والستين كحد أقصى إلى التقاعد، وليس موضوع إتاحة الفرص أمام الشباب هو السبب الأساس في ذلك التشريع، بل الأساس في إقراره هو أن الإنسان عند بلوغه تلك السن تقل همته ويخفت نشاطه الجسدي وتتراجع قدرته على التفكير القويم والمحاكمة السوية، وباختصار يبدأ مرحلة «الخرفنة» الأولية تدريجاً نحو «الخرف» الكامل الآتي بلا ريب في أرذل العمر، إن هو أمتد بالإنسان، أي إنسان وبلا استثناء، ومهما كانت عطاءاته وإنجازاته أثناء حياته كبيرة وقيّمة...

وأقول هذا وأنا في الثالثة والسبعين، ومعترفاً بأنني لست، ومن كل جانب وناحية وجهة، على ما كنت عليه قبل بلوغي سن التقاعد، وقد تقاعدت عنده مختاراً عن كل عمل ومهمة ومهنة إلا الكتابة، وكهوية مارستها منذ مطلع شبابي... كما وأعترف أيضاً بأن في بعض ما اكتب في عمري هذا بوادر ونُذر «خرفنة» لا بد أن من يقرأني قد لاحظها؟!.

ولا أعجب لأمر قد عجبني من بعض المكابرين الذين يصرّون على مواصلة تحدي حتمية بلوغ السن المتقدمة وما ترتبه وتقتضيه وتفرضه واقعاً على كل بني آدم طال أجله، ولعل الباري جلَّ جلاله قد تعمّد أن لا يطيل في آجال من أحبَّ واصطفى من عباده، وفي طليعتهم أبناؤه ورسله ومن وَفقَّهم فمنحهم التوفيق ومقومات القيادة والريادة؟!.

ومن أبرز هؤلاء المكابرين المعاصرين الديبلوماسي والسياسي والمناضل العربي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي تابعت سيرته وبإعجاب كمناضل في جيش التحرير وكوزير بعد التحرير وكديبلوماسي يمثل بلده ثم كمندوب أممي، كما وهو الذي أعجب الآن لإصراره على قبول مهمات جليلة وصعبة وهو في هذه السن المتقدمة التي تفوق سني بنحو عشر سنوات؟!

ولست أعجب وألوم الإبراهيمي وحده، بل وقبل ذلك هيئة الأمم المتحدة التي ما فتئت تسند إليه أصعب المهمات وأعقدها رغم أنه لم يحقق انجازاً يذكر في أي منها سبقت مهمته الراهنة لمعالجة الازمة في سوريا التي دخلت شهرها السابع من دون ظهور أية بادرة أو إشارة أو ملمح «لحلها» حلاً، ولعل من نافلة الإشارة والقول بأن من في سن الإبراهيمي يصعب حمله وتحمله، خصوصاً إن جاءت تجربته وهو «الأخضر» مع نظام «يابس».

وأسأل بمرارة، ومن دون أية «خرفنة» هل جاءت مهمة الأخضر الأممية والعربية في سوريا متعمّدة لتأخير نهاية مأساتها، أم نتيجة «خرفنة» بان كي مون ونظيره في السن المتقدمة نبيل العربي، وفي الحالين فإنها لا تدعو إلا إلى الأسف المحض لمضيها في تعميق المأساة السورية وتوسيع ساحاتها وإغراق أرضها بمزيد من دماء ودموع السوريين وملء أجوائها بالمزيد من آهات الموجوعين و المظلومين والمنكوبين والجرحى والجوعى؟!..

واستطراداً، ومن دون خرفنة أيضاً، تقف الأزمة السورية اليابسة ومهمة الإبراهيمي الأخضر حالياً عند مفترق حرّي بالتوقف عنده وتلمّس مفارقه وتشعباته وتحري إمكانات سلوك الطريق التي تشير نحوه وصولاً إلى وقف الغريق السوري ووقف الحال الرديء الذي يعيشه السوريون، وأقصد هنا المفترق، الدعوة المطروحة للحوار السوري السوري برعاية عربية ودولية، ومع أن هذه الدعوة لا تزال بحاجة إلى كثير من التضحيات حول المشاركين وبشأن ما سيطرح على مائدتها تفصيلاً، فإنها تظل حرية بالتداول والتشاور الإيجابي وببذل المزيد من الجهود العربية والدولية للدفع نحو قبولها والدخول في تجربتها مخرجاً مأمولاً من حالة «اللاحل» السائدة لسنتين حافلتين بشتى أنواع البلاء وآلاف الأشلاء والجرائم النكراء بحق سوريا وأهلها والتي لم تفلح في علاجها والوصول إلى حل ناجع لها مع كل الجهود والوساطات والمهمات، عربية ودولية، والتي أمامها حالياً فرصة الحل بالحوار ولعله «الكي» الذي هو آخر العلاج؟!.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-03
  • 12499
  • من الأرشيف

بوادر «خرفنة»...الأزمة السورية عند مفترق

ليس عبثاً أن شرّعت معظم دول العالم إحالة من يبلغ الخامسة والستين كحد أقصى إلى التقاعد، وليس موضوع إتاحة الفرص أمام الشباب هو السبب الأساس في ذلك التشريع، بل الأساس في إقراره هو أن الإنسان عند بلوغه تلك السن تقل همته ويخفت نشاطه الجسدي وتتراجع قدرته على التفكير القويم والمحاكمة السوية، وباختصار يبدأ مرحلة «الخرفنة» الأولية تدريجاً نحو «الخرف» الكامل الآتي بلا ريب في أرذل العمر، إن هو أمتد بالإنسان، أي إنسان وبلا استثناء، ومهما كانت عطاءاته وإنجازاته أثناء حياته كبيرة وقيّمة... وأقول هذا وأنا في الثالثة والسبعين، ومعترفاً بأنني لست، ومن كل جانب وناحية وجهة، على ما كنت عليه قبل بلوغي سن التقاعد، وقد تقاعدت عنده مختاراً عن كل عمل ومهمة ومهنة إلا الكتابة، وكهوية مارستها منذ مطلع شبابي... كما وأعترف أيضاً بأن في بعض ما اكتب في عمري هذا بوادر ونُذر «خرفنة» لا بد أن من يقرأني قد لاحظها؟!. ولا أعجب لأمر قد عجبني من بعض المكابرين الذين يصرّون على مواصلة تحدي حتمية بلوغ السن المتقدمة وما ترتبه وتقتضيه وتفرضه واقعاً على كل بني آدم طال أجله، ولعل الباري جلَّ جلاله قد تعمّد أن لا يطيل في آجال من أحبَّ واصطفى من عباده، وفي طليعتهم أبناؤه ورسله ومن وَفقَّهم فمنحهم التوفيق ومقومات القيادة والريادة؟!. ومن أبرز هؤلاء المكابرين المعاصرين الديبلوماسي والسياسي والمناضل العربي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي تابعت سيرته وبإعجاب كمناضل في جيش التحرير وكوزير بعد التحرير وكديبلوماسي يمثل بلده ثم كمندوب أممي، كما وهو الذي أعجب الآن لإصراره على قبول مهمات جليلة وصعبة وهو في هذه السن المتقدمة التي تفوق سني بنحو عشر سنوات؟! ولست أعجب وألوم الإبراهيمي وحده، بل وقبل ذلك هيئة الأمم المتحدة التي ما فتئت تسند إليه أصعب المهمات وأعقدها رغم أنه لم يحقق انجازاً يذكر في أي منها سبقت مهمته الراهنة لمعالجة الازمة في سوريا التي دخلت شهرها السابع من دون ظهور أية بادرة أو إشارة أو ملمح «لحلها» حلاً، ولعل من نافلة الإشارة والقول بأن من في سن الإبراهيمي يصعب حمله وتحمله، خصوصاً إن جاءت تجربته وهو «الأخضر» مع نظام «يابس». وأسأل بمرارة، ومن دون أية «خرفنة» هل جاءت مهمة الأخضر الأممية والعربية في سوريا متعمّدة لتأخير نهاية مأساتها، أم نتيجة «خرفنة» بان كي مون ونظيره في السن المتقدمة نبيل العربي، وفي الحالين فإنها لا تدعو إلا إلى الأسف المحض لمضيها في تعميق المأساة السورية وتوسيع ساحاتها وإغراق أرضها بمزيد من دماء ودموع السوريين وملء أجوائها بالمزيد من آهات الموجوعين و المظلومين والمنكوبين والجرحى والجوعى؟!.. واستطراداً، ومن دون خرفنة أيضاً، تقف الأزمة السورية اليابسة ومهمة الإبراهيمي الأخضر حالياً عند مفترق حرّي بالتوقف عنده وتلمّس مفارقه وتشعباته وتحري إمكانات سلوك الطريق التي تشير نحوه وصولاً إلى وقف الغريق السوري ووقف الحال الرديء الذي يعيشه السوريون، وأقصد هنا المفترق، الدعوة المطروحة للحوار السوري السوري برعاية عربية ودولية، ومع أن هذه الدعوة لا تزال بحاجة إلى كثير من التضحيات حول المشاركين وبشأن ما سيطرح على مائدتها تفصيلاً، فإنها تظل حرية بالتداول والتشاور الإيجابي وببذل المزيد من الجهود العربية والدولية للدفع نحو قبولها والدخول في تجربتها مخرجاً مأمولاً من حالة «اللاحل» السائدة لسنتين حافلتين بشتى أنواع البلاء وآلاف الأشلاء والجرائم النكراء بحق سوريا وأهلها والتي لم تفلح في علاجها والوصول إلى حل ناجع لها مع كل الجهود والوساطات والمهمات، عربية ودولية، والتي أمامها حالياً فرصة الحل بالحوار ولعله «الكي» الذي هو آخر العلاج؟!.

المصدر : مروان المهايني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة