دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعدما ذاع اسم «جبهة النصرة» في سوريا كأحد أشرس التنظيمات المقاتلة ضد نظام الرئيس بشار الأسد وأكثرها دموية، ينتظر مخيم عين الحلوة ولادة الفرع اللبناني للجبهة المرتبطة بتنظيم القاعدة. وأولى بشائر تلك الولادة، حكْم على الفصائل الاسلامية في المخيم بـ«الردة»
لم تعد «جبهة النصرة» (الذائعة الصيت) وقفاً على سوريا. هنا، في لبنان، ثمة من قرّر أن يناصر الجبهة، عبر إنشاء فرع لها في صيدا؛ إذ تتجه بعض الفصائل الإسلامية في مخيم عين الحلوة، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، إلى توحيد قواها، لإعلان ولادة «جبهة النصرة» بالنسخة اللبنانية. الفصيل المنوي تشكيله سيضم كتائب عبد الله عزام، فتح الإسلام، جند الشام، وبعض الأفراد الذين تخلوا عن عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة. ومن المستبعد أن يترأس الفصيل أي من القادة الإسلاميين المعروفين في الساحة الفلسطينية.
الفصيل الوليد سيكون امتداداً للموجود في سوريا، وستكون الأراضي اللبنانية «أرض نصرة» لـ«المجاهدين» فيه. فمن مخيم عين الحلوة سيتجهز المقاتلون للمشاركة في «الجهاد» في سوريا. الظروف الضرورية لإعلان الانطلاقة أصبحت جاهزة، والإعلان بات قاب قوسين أو أدنى، لكن ما يؤخرها هو ضمان وجود كمية سلاح تكفي لإحكام القبضة على المناطق التي تسيطر عليها الجبهة الجديدة.
حالياً، التذخير جارٍ على قدم وساق، كذلك الأمر بالنسبة إلى تدشيم المواقع الأمنية في حيّ الطوارئ، كما يقول مسؤولون أمنيون في عين الحلوة. لا تقف استعدادات الإسلاميين عند هذا الحد؛ إذ سيطروا على «50% من مساحة المخيم، فيما الخمسون الباقية هي للفصائل مجتمعة»، يضيف المسؤول الأمني. وأجرى أنصار الجبهة، في الفترة الماضية، تدريبات عسكرية في منطقة البساتين في المخيم. وظهورهم كان علنياً ومن دون أقنعة، على عكس ما جرت العادة، وفي وضح النهار.
التنظيم الذي قد يبصر النور قريباً، سيضم إسلاميين انشقوا عن عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة لرفضهم «وسطيتهما». وهاتان الحركتان أصبحتا في نظر هؤلاء مرتدتين. وللردة في الإسلام أحكامها، ما يعني أنه يحلّ قتل المرتد وسبي نسائه وغنم أملاكه. أما سبب هذه الفتوى، فهو أنّ التنظيمين على تواصل مع استخبارات الجيش اللبناني وحزب الله، وهو ما يخالف عقيدة التنظيم الجديد المتشددة.
هكذا، بعد تكفير أقدم حركتين إسلاميتين على الساحة الفلسطينية، تقول مصادر فلسطينية من حركة فتح ومن التنظيمات الإسلامية ومصادر أمنية لبنانية إن كلاً من الناشطين الإسلاميين المعروفين هيثم ومحمد السعدي، بلال بدر، توفيق طه، أسامة الشهابي، ماجد الماجد، وآخر سعودي الجنسية بالإضافة إلى اثنين من التابعية السورية، عقدوا في الأيام القليلة الماضية اجتماعات لتحديد الوقت المناسب لإعلان انطلاقة الجبهة. وبعد اجتماعهم، أصدر هؤلاء بياناً داخلياً موجهاً إلى الحركتين أكدوا فيه حكم «الردة».
بعدها التقى كل من القيادي في عصبة الأنصار أبو طارق السعدي وزميله أبو شريف عقل وقائد الحركة الإسلامية المجاهدة الشيخ جمال خطاب بأسامة الشهابي، بحسب ما أكدت مصادر إسلامية في المخيم لـ«الأخبار». بحثوا في تفاصيل ما يجري. ردت العصبة والحركة على التهم التي وجهت إليهما، استناداً إلى الأحكام والنصوص الدينية، بالإضافة إلى تحرك ميداني أظهرت خلاله عصبة الأنصار قوتها العسكرية. وقد أوضحت الحركتان للشهابي وطه سبب تواصلهما مع الفصائل الموالية لسوريا ومع استخبارات الجيش. تفهّم الشهابي وجهة نظرهما ورفع الحكم عنهما.
لكن ما جرى لا يلغي وجود مشكلة داخل الفصائل الإسلامية نفسها؛ إذ انشق عدد من أنصار عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة عنهما في انتظار تشكيل الفصيل الجديد لينضموا إليه. ويصرّح مسؤول إسلامي بارز في المخيم بأنّ ما قيل حتى الآن مجرد «حكي، وفي الواقع لم يظهر شيء». لكن في الأشهر الأخيرة، برز جيل جديد بين القادة الإسلاميين. جيل ولدته الأزمة السورية. شبان في مقتبل العمر يقودون مجموعات مؤلفة من شبان أصغر منهم سناً. ينحدر الكثير منهم من خلفيات حزبية وعقائدية مختلفة تماماً، ويصبّون حالياً في ما يوصف ببقايا فتح الإسلام وجند الشام. النجم الأبرز بين هؤلاء، بلال البدر الذي تكرر اسمه أخيراً في وسائل الإعلام، كان «نشاطه» الأخير الثأر لمصرع ثمانية من أبناء المخيم خلال القتال في سوريا، بينهم ابن شقيق الشيخ جمال سليمان، وجرح آخرين بينهم «نائب» بلال بدر محمد الأفندي ومهدي هريش اللذان عادا مصابين مطلع الأسبوع الجاري.
قرر بلال مع مساعده نضال عبد الرحمن إزالة التنظيمات الموالية لسوريا من المخيم. هاجم مقري القيادة العامة والصاعقة بالأسلحة الرشاشة وأزال صور الرئيس بشار الأسد وأجبر عناصرهما المقربين على إخلائهما، قبل أن يُسكن بالتنسيق مع القوى الإسلامية الفلسطينية عائلات نازحة من مخيم اليرموك «لامتصاص» نقمة عين الحلوة الثكلى بأبنائها القتلى. ثم هاجم عنصر محسوب عليه يدعى «المنغولي» حاجزاً لفتح وصادر سلاح عنصره، ورفض طلب القوى تسليم الأخير إلى الأمن الوطني. قبلها، خاض مع المسؤول في جند الشام زياد ابو النعاج اشتباكاً مسلحاً ضد عناصر فتحاوية محسوبة على القائد السابق للكفاح المسلح محمود عيسى «اللينو». وبين هذا وذاك، تؤكد مصادر أمنية فلسطينية أن أحياءً كثيرة في المخيم باتت تحت سيطرة البدر وزملائه، ولا سيما حي الطيري حيث يسكن الأخير، وأحياء حطين والصفصاف وطيطبا والسبارية وحي الطوارئ الذي أصبح خارج سيطرة الأمن الوطني والجيش اللبناني، فعاد عرين الجماعات السلفية بعد توافد الأسلحة والمقاتلين إليه، ليس من داخل المخيم فحسب، بل من سوريا أيضاً تحت غطاء النازحين.
محاولة الاتصال بالبدر تصل إلى حائط مسدود. فعلى غرار الأمنيين أو المطلوبين، لا يمكن الوصول إليه بسهولة. لا يوجد رقم هاتف يتواصل عبره مع العموم. أحد أقاربه يشكل صلة الوصل الآمنة بينه وبين الغرباء. والقريب هو مسؤول في اللجان الشعبية وفي جبهة التحرير الفلسطينية. ليس هذا فقط، بل إن بلال نفسه «ابن الواحد والعشرين عاماً الذي لم يطلق لحيته بعد، كان حتى وقت قريب ناشطاً معه في قطاع الطلاب في الجبهة». ويكشف القريب أن «اسم بلال في الأساس نسبة إلى استشهادي أفواج المقاومة اللبنانية بلال فحص». يرفض تأمين اتصال ببلال، لأن الأخير «يصحو في وقت متأخر من النهار إذ يسهر طوال الليل». هل يسهر على التدريب العسكري أم الدوريات الأمنية؟ «لا، بل في منزله كأي شخص آخر». إذاً، كل ما ينقل عن بلال أكاذيب وشائعات؟ يتمسك القريب بغموض ما، مقراً بانتماء بلال «القبضاي» إلى التيار الإسلامي، من دون انخراطه في العمل العسكري. وعن مصير اللقاء به، يوصل القريب سلام بلال، واعداً بإجراء مقابلة عندما يحين «الوقت المناسب».
مصدر فلسطيني مواكب يؤكد وجود مبالغة في وصف البدر، برغم أنه «أداة لتنفيذ لعمليات وقعت داخل المخيم في الأشهر الماضية». وإذ يقود مجموعة مؤلفة من أكثر من عشرين شاباً، يأتمر في الوقت نفسه وأولاً وأخيراً بأوامر الأب الروحي توفيق طه والعقل المدبر أسامة الشهابي اللذين يتنقلان بحرية تامة داخل المخيم. مجموعة بلال يقابلها خمس أو ست مجموعات أخرى تدور في فلك الشهابي – طه، يترأس بعضها كل من هيثم ومحمد الشعبي. يعرض أحد المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين سلسلة الحوادث التي وقعت أخيراً وطاولت مختلف القوى، بدءاً بسرقة كميات من سلاح الأمن الوطني ثم سلاح قوة الحراسة الخاصة لمنزل اللواء منير المقدح، ثم حادثة تجريد حراس رئيس الحركة الإسلامية المجاهدة جمال خطاب من سلاحهم، فسرقة سلاح من مقر الصاعقة. يرى المصدر أن هذه الحوادث «رسائل من تلك المجموعات لضرب معنويات كل القوى الأخرى والبرهان أنهم جميعاً تحت سيطرتها». وصولاً إلى ماذا؟ إلى «إعلان نشوء فرع لجبهة النصرة في لبنان انطلاقاً من عين الحلوة بعد فرز المخيم بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له»، بحسب ما تؤكد مصادر فلسطينية ولبنانية مواكبة. بالطبع، إعلان انطلاق الجبهة لن يقف عند حدود مخيم عين الحلوة؛ اذ تتحدث معلومات عن أوامر بإنشاء تنظيم مشابه في مخيم برج البراجنة. وتقول مصادر فلسطينية إن تحديد مخيم برج البراجنة كمركز رديف للجبهة هو لوقوعه في الضاحية الجنوبية وفي مناطق حزب الله، بالإضافة إلى قربه من طريق المطار.
المصدر :
الاخبار /قاسم قاسم, آمال خليل
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة