تزدحم الغيوم في سطح البقعة الحدودية الفاصلة بين لبنان وسوريا. بقعة تمتد إلى الداخل اللبناني من طرابس شمالا الى عرسال في الجيب البقاعي وتلامس في الجانب السوري الفضاء بغارة اسرائيلية على إحدى ضواحي دمشق. ولعل السؤال الذي يتردد في مجالس سياسية وديبلوماسية: هل ما حصل ويحصل قد يمهد لانفجار كبير، علما أن ثمة مؤشرات اقليمية ودولية تشي بعكس ذلك وخاصة بعد إعلان رئيس "الائتلاف الوطني السوري" معاذ الخطيب، في خطوة لا توافق عليها كل مكونات "الائتلاف"، الاستعداد للحوار المباشر مع النظام السوري وكذلك بروز مؤشرات هي الأولى من نوعها لحوار إيراني أميركي مباشر أبدى الجانبان استعدادهما لخوضه.

تتلمس أوساط مطلعة على مسار الأزمة السورية "التوجس السوري حيال بعض الأفرقاء السياسيين في لبنان الذين يقدمون الرعاية الكاملة لتدفق السلاح والمسلحين من لبنان الى سوريا ومدهم بالأموال وأجهزة الاتصالات وإقامة معسكرات تدريب لهم وتصديرهم الى سوريا، فضلا عن تسييس قضية النازحين من خلال طغيان الطابع السياسي عليها أكثر من الطابع الإنـساني".

وتضيف الأوساط أنه في المقابل "ثمة قوى سياسية لبنانية تنأى بنفسها"، وعليه هناك "رغبة سورية بأن يقوم الجانب اللبناني بتنسيق أفضل، فينشر الجيش اللبناني في هذه المناطق ويوفر له الغطاء السياسي الفعلي للقيام بواجبه". فقد جاء "كمين عرسال" لينضح الوعاء بما فيه. تلفت الأوساط هنا الى أن "سوريا لطالما نادت بفرض ضوابط من الداخل اللبناني باتجاه الداخل السوري". فضلا عن إعلان وزير الدفاع اللبناني فايز غصن سابقا عن "وجود خلايا لتنظيم "القاعدة" في لبنان، الأمر الذي عرّضه لسلسلة مواقف تشكيكية، مثلما بادر وزير الداخلية مروان شربل الى الحديث للمرة الأولى عن وجود معسكرات لـ"الجيش السوري الحر" على الأراضي اللبنانية، ليمر كلامه في السياق عينه مرور الكرام".

في ظل واقع الانقسام الطائفي والمذهبي في البلاد، يبقى الجيش اللبناني رمزا للاستقرار الداخلي والسلم الأهلي والوحدة الوطنية. ومن هنا ترتفع التساؤلات: من يجرؤ على ضرب الجيش ونصب الكمائن له؟

تجيب الأوساط نفسها أن المستفيد الوحيد من هذا الأمر "هو من يسعى الى إحداث الفتنة في لبنان". وتتابع: "في ظل عدم توافر الغطاء السياسي للجيش، مقابل واقع التفلت المسلح ومراكز التدريب وصولا الى إقامة بعض "القواعد" و"الإمارات" لا يمكن حينها استبعاد حصول "عرسال 2" و"عرسال 3"، فالتفلت الذي ظن ربما فريق سياسي أنه بإمكانه استغلاله لاستهداف النظام في سوريا، إذ به يشبه الدب الذي يكبر فيأكل صاحبه ويأكل معه السلم الأهلي".

تصف الأوساط المطلعة على مسار الأزمة السورية السلوك الأميركي حيال الأزمة السورية بـ"العقلاني" مقارنة مع "الجنوح الفرنسي" الذي يمتد من سوريا وصولا الى مالي، ولو أن هناك بداية تحول في الموقف الفرنسي لجهة اعتبار المواجهة مع "القاعدة" واحدة من مالي الى شمال سوريا.

يعدد مصدر أمني أربعة أهداف للغارة الإسرائيلية الأربعاء الماضي التي استهدفت، على ما قالت واشنطن، "مجمعا عسكريا في ضواحي دمشق". الأهداف هي: تقوية معنويات المسلحين السوريين، عرض عضلات عسكري اسرائيلي، المجاهرة برفض أي حل تسووي أميركي روسي يلوح في الأفق و"استغلال" الفرصة قبيل تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة "الهزيلة" على ما أنبأت نتائج الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة.

والى من طالب سوريا بالرد، يرى المصدر أن "الرد مطلب رسمي وشعبي من دون شك، ولكنه يحتاج الى بنى تحتية والى موافقة الحلفاء ولا يمكن أن يكون قرارا فرديا أو عاطفيا". يضيف المصدر ذاته: "في العام 2006 سمّى رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت العدوان على لبنان تحت شعار "تطبيق القرار 1559" بعدما عجز فريق سياسي من تطبيق هذا القرار غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. اليوم، وفي خضم العملية العسكرية الواسعة النطاق التي يقوم بها الجيش السوري للقضاء على المجموعات المسلحة في ريف دمشق، وبعدما عجز المسلحون عن تحقيق أي إنجاز في هذه المنطقة أو في مطار دمشق الدولي، جاءت الغارة الاسرائيلية لتقول لهم "لا تخافوا إسرائيل معكم" فاستهدفت مركز الأبحاث الذي حاول المسلحون مرات عدة من قبل استهدافه وفشلوا".

في الأروقة السورية "اطمئنان كبير". لا تدابير أمنية فوق العادة. تلفت الأوساط المطلعة الانتباه الى ان "كل التنبؤات بسقوط النظام سقطت وها هي سوريا تتجه اليوم نحو العافية داخليا وإقليميا ودوليا". وتفند: "في الداخل تتعاظم الحاضنة الشعبية الموجودة خصوصا في دمشق وحلب. فمن يمنع الناس من التظاهر ضد النظام في هذه المناطق؟". يأتي الجواب هو الخوف من بطش النظام؟ تعلق الأوساط نفسها: "ولماذا في مصر لا يخافون؟ ولماذا أيام الشاه في بلاد القهر الأمني لم يخف الناس؟ لمَ نزل الناس في حلب تأييدا للنظام ومن قام بقمعهم". ناهيك عن السلوك الدامي للحراك المسلح والذي دفع بأجزاء من المعارضة الى الوعي بأن "سوريا هي اليوم المستهدفة لا النظام".

"الفالق السوري" الذي قسم العالم الى عالمين تبدو "تركيا خائفة من حمم ارتداداته المتواصلة بعدما فشل تنجيمها بسقوط النظام واستعادة أمجادها العثمانية". هذا ما يتردد في الأروقة السورية أيضا حيث تتكرر همسا وعلنا عبارة "الصمود". صمود سوري أعطى روسيا القدرة على العودة الى توازن دولي يبحث عنه القيصر الروسي لكسر الأحادية الأميركية.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-03
  • 5730
  • من الأرشيف

من الغارة الإسرائيلية.. إلى حادثة عرسال في الأروقة السورية.. عتب على جهات لبنانية

تزدحم الغيوم في سطح البقعة الحدودية الفاصلة بين لبنان وسوريا. بقعة تمتد إلى الداخل اللبناني من طرابس شمالا الى عرسال في الجيب البقاعي وتلامس في الجانب السوري الفضاء بغارة اسرائيلية على إحدى ضواحي دمشق. ولعل السؤال الذي يتردد في مجالس سياسية وديبلوماسية: هل ما حصل ويحصل قد يمهد لانفجار كبير، علما أن ثمة مؤشرات اقليمية ودولية تشي بعكس ذلك وخاصة بعد إعلان رئيس "الائتلاف الوطني السوري" معاذ الخطيب، في خطوة لا توافق عليها كل مكونات "الائتلاف"، الاستعداد للحوار المباشر مع النظام السوري وكذلك بروز مؤشرات هي الأولى من نوعها لحوار إيراني أميركي مباشر أبدى الجانبان استعدادهما لخوضه. تتلمس أوساط مطلعة على مسار الأزمة السورية "التوجس السوري حيال بعض الأفرقاء السياسيين في لبنان الذين يقدمون الرعاية الكاملة لتدفق السلاح والمسلحين من لبنان الى سوريا ومدهم بالأموال وأجهزة الاتصالات وإقامة معسكرات تدريب لهم وتصديرهم الى سوريا، فضلا عن تسييس قضية النازحين من خلال طغيان الطابع السياسي عليها أكثر من الطابع الإنـساني". وتضيف الأوساط أنه في المقابل "ثمة قوى سياسية لبنانية تنأى بنفسها"، وعليه هناك "رغبة سورية بأن يقوم الجانب اللبناني بتنسيق أفضل، فينشر الجيش اللبناني في هذه المناطق ويوفر له الغطاء السياسي الفعلي للقيام بواجبه". فقد جاء "كمين عرسال" لينضح الوعاء بما فيه. تلفت الأوساط هنا الى أن "سوريا لطالما نادت بفرض ضوابط من الداخل اللبناني باتجاه الداخل السوري". فضلا عن إعلان وزير الدفاع اللبناني فايز غصن سابقا عن "وجود خلايا لتنظيم "القاعدة" في لبنان، الأمر الذي عرّضه لسلسلة مواقف تشكيكية، مثلما بادر وزير الداخلية مروان شربل الى الحديث للمرة الأولى عن وجود معسكرات لـ"الجيش السوري الحر" على الأراضي اللبنانية، ليمر كلامه في السياق عينه مرور الكرام". في ظل واقع الانقسام الطائفي والمذهبي في البلاد، يبقى الجيش اللبناني رمزا للاستقرار الداخلي والسلم الأهلي والوحدة الوطنية. ومن هنا ترتفع التساؤلات: من يجرؤ على ضرب الجيش ونصب الكمائن له؟ تجيب الأوساط نفسها أن المستفيد الوحيد من هذا الأمر "هو من يسعى الى إحداث الفتنة في لبنان". وتتابع: "في ظل عدم توافر الغطاء السياسي للجيش، مقابل واقع التفلت المسلح ومراكز التدريب وصولا الى إقامة بعض "القواعد" و"الإمارات" لا يمكن حينها استبعاد حصول "عرسال 2" و"عرسال 3"، فالتفلت الذي ظن ربما فريق سياسي أنه بإمكانه استغلاله لاستهداف النظام في سوريا، إذ به يشبه الدب الذي يكبر فيأكل صاحبه ويأكل معه السلم الأهلي". تصف الأوساط المطلعة على مسار الأزمة السورية السلوك الأميركي حيال الأزمة السورية بـ"العقلاني" مقارنة مع "الجنوح الفرنسي" الذي يمتد من سوريا وصولا الى مالي، ولو أن هناك بداية تحول في الموقف الفرنسي لجهة اعتبار المواجهة مع "القاعدة" واحدة من مالي الى شمال سوريا. يعدد مصدر أمني أربعة أهداف للغارة الإسرائيلية الأربعاء الماضي التي استهدفت، على ما قالت واشنطن، "مجمعا عسكريا في ضواحي دمشق". الأهداف هي: تقوية معنويات المسلحين السوريين، عرض عضلات عسكري اسرائيلي، المجاهرة برفض أي حل تسووي أميركي روسي يلوح في الأفق و"استغلال" الفرصة قبيل تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة "الهزيلة" على ما أنبأت نتائج الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة. والى من طالب سوريا بالرد، يرى المصدر أن "الرد مطلب رسمي وشعبي من دون شك، ولكنه يحتاج الى بنى تحتية والى موافقة الحلفاء ولا يمكن أن يكون قرارا فرديا أو عاطفيا". يضيف المصدر ذاته: "في العام 2006 سمّى رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت العدوان على لبنان تحت شعار "تطبيق القرار 1559" بعدما عجز فريق سياسي من تطبيق هذا القرار غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. اليوم، وفي خضم العملية العسكرية الواسعة النطاق التي يقوم بها الجيش السوري للقضاء على المجموعات المسلحة في ريف دمشق، وبعدما عجز المسلحون عن تحقيق أي إنجاز في هذه المنطقة أو في مطار دمشق الدولي، جاءت الغارة الاسرائيلية لتقول لهم "لا تخافوا إسرائيل معكم" فاستهدفت مركز الأبحاث الذي حاول المسلحون مرات عدة من قبل استهدافه وفشلوا". في الأروقة السورية "اطمئنان كبير". لا تدابير أمنية فوق العادة. تلفت الأوساط المطلعة الانتباه الى ان "كل التنبؤات بسقوط النظام سقطت وها هي سوريا تتجه اليوم نحو العافية داخليا وإقليميا ودوليا". وتفند: "في الداخل تتعاظم الحاضنة الشعبية الموجودة خصوصا في دمشق وحلب. فمن يمنع الناس من التظاهر ضد النظام في هذه المناطق؟". يأتي الجواب هو الخوف من بطش النظام؟ تعلق الأوساط نفسها: "ولماذا في مصر لا يخافون؟ ولماذا أيام الشاه في بلاد القهر الأمني لم يخف الناس؟ لمَ نزل الناس في حلب تأييدا للنظام ومن قام بقمعهم". ناهيك عن السلوك الدامي للحراك المسلح والذي دفع بأجزاء من المعارضة الى الوعي بأن "سوريا هي اليوم المستهدفة لا النظام". "الفالق السوري" الذي قسم العالم الى عالمين تبدو "تركيا خائفة من حمم ارتداداته المتواصلة بعدما فشل تنجيمها بسقوط النظام واستعادة أمجادها العثمانية". هذا ما يتردد في الأروقة السورية أيضا حيث تتكرر همسا وعلنا عبارة "الصمود". صمود سوري أعطى روسيا القدرة على العودة الى توازن دولي يبحث عنه القيصر الروسي لكسر الأحادية الأميركية.

المصدر : غراسيا بيطار\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة