الكلام الذي قاله النائب وليد جنبلاط بعد عودته من موسكو حول ضرورة إعادة تشكيل رؤية عربية ودولية لحلّ سياسي للأزمة السورية، يكاد يختصر المشهد العام المرتبط بهذه الازمة.

فالمعلومات الواردة من عواصم القرار العالمي تشير الى أن مراكز القرار في دول الغرب، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية، هي في صدد مراجعة شاملة لسياستها العامة في المنطقة عموماً، وتجاه سوريا وايران خصوصاً، وان تولي اركان الادارة الاميركية الجديدة، ولا سيما منهم وزير الخارجية ووزير الدفاع، مسؤولياتهم مع بدء ولاية الرئيس باراك اوباما الثانية رسمياً، ومع انزلاق فرنسا الى حرب في مالي يعرف الرئيس فرنسوا هولند كيف بدأت ولكنه لا يعرف كيف ستنتهي، خصوصاً انّ مساحة الجزء الشمالي من مالي الذي يسيطر عليه المتشددون يعادل ضعفَي مساحة المانيا، فيما تشير التقارير الى انّ معركة الصحراء لفرنسا لن تكون أسهل من معركة الجبال في افغانستان بالنسبة الى واشنطن وحلفائها الأطلسيين.

 

والرؤية الجديدة هذه قد تشمل أيضا معظم دول الخليج العربي الذي يتصدر النزاع مع "الاخوان المسلمين" أولويّاتها في الوقت الحاضر.

والمراجعة الغربية والخليجية تفرضها مفارقتان، أوّلها ان فرنسا تحارب تنظيم "القاعدة" في شمال مالي وتدعمها في شمال سوريا، فيما دول الخليج تحارب "الاخوان المسلمين" في بلادها وتمد لهم يد العون في سوريا.

ويعكس مناخ المراجعة هذه نفسه على واقع المعارضة السورية في الخارج، فبعد ايام من اجتماعات للائتلاف المعارض في اسطنبول فشل المعارضون في تأليف حكومة موقتة وحاولوا ان يغطوا فشلهم بضرورة توفير المستلزمات المالية لهذه الحكومة من الدول الداعمة لهم، فأوفدوا رئيس الائتلاف احمد معاذ الخطيب الى الدوحة ليطلب تمويل حكومة لم تؤلّف بعد حتى على الورق في ظلّ اعتراض "الاخوان المسلمين" وحلفائهم على تكليف رئيس الوزراء السوري المنشَقّ رياض حجاب، بذريعة أنه بعثي، فيما يرفض معارضون آخرون، ومن ورائهم دول معنية بالأزمة السورية، أن يكون رئيس الحكومة المؤقتة شخصية محسوبة على "الاخوان المسلمين". ويتوقف المراقبون هنا عند النشاط الايراني في تفعيل العلاقات مع الحكومتين المصرية والتونسية انطلاقاً من نظرية اعلنها الدكتور علي اكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي في حديث متلفز، حيث اعتبر انّ "الاخوان المسلمين" هم "اقرب الحركات السياسية الى ايران". والمطلعون على السياستين المصرية والتونسية يلاحظون ان هناك مراجعة للمقاربة المعتمدة حتى الآن تجاه الازمة السورية، فهناك اصوات في القاهرة وتونس تشدّد على ان يكون البلدان جزءاً من الحل في سوريا لا جزءاً من المشكلة التي تزداد تفاقماً ودماً ودماراً في الارض السورية.

على أن عودة التشدد في الموقف الروسي تجاه الحل في سوريا، وتمسّك موسكو بعد طهران بالرئيس السوري بشار الاسد وتأكيدهما انّ مغادرته الرئاسة امر يقرره الشعب السوري فقط وفي انتخابات رئاسية تجري بعد مرحلة انتقالية وحكومة ائتلافية تضمّ كل الوان الطيف السياسي السوري، هذه العودة تُسقِط كل الرهانات على تغيُّر في الموقف الروسي، وتُظهِر ان المراهنين على هذا التغيير هم أنفسهم الذين راهنوا على سقوط نظام الأسد سريعاً، على حد قول المراقبين القريبين من دمشق. وهذه التطورات السياسية مرتبطة بما يظنه هؤلاء المراقبون "تقدماً ميدانياً واضحاً للجيش السوري في محيط دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية. كذلك يربطون هذا التقدم بتكتيكات عسكرية سورية تقوم على استدراج اكبر أعداد من المسلحين الى مناطق مكشوفة، حيث يتم النيل منهم جماعات جماعات.

 

وقد بدأت تشيع معلومات عن مقتل عدد من قادة الكتائب المتشددين في درعا وريف دمشق، الى صيحات استغاثة يطلقها مسلحون يحاصرهم الجيش السوري الذي نجح في قطع وسائل الاتصال بينهم وبين رفاقهم في مواقع أخرى". إزاء هذه التطورات تزداد احتمالات هذه المراجعة التي تؤدي الى رؤية عربية ودولية جديدة لمعالجة الازمة السورية، خصوصاً بعدما باتت القوة الرئيسة من مسلّحي المعارضة هي قوة "جبهة النصرة" و"غُرباء الشام" القريبين من تنظيم "القاعدة" على حساب "الجيش السوري الحر" والمجموعات المحسوبة عليه، والتي تُشكِّل من حين الى آخر تحالفاً بينها ما يلبث ان ينفرط لينشأ تحالف آخر لإيجاد قوة توازي المنظمات المحسوبة على "القاعدة" وتوازنها، ناهيك عن دخول الاكراد بقوة لمواجهة المجموعات المتشددة في المناطق الكردية المحاذية لتركيا، والتي تتعرض بين حين وآخر لهجمات بالصواريخ والدبابات العابرة من الاراضي التركية.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-01-22
  • 10799
  • من الأرشيف

رؤية عربية ودولية لحلّ سياسي للأزمة السوريّة

الكلام الذي قاله النائب وليد جنبلاط بعد عودته من موسكو حول ضرورة إعادة تشكيل رؤية عربية ودولية لحلّ سياسي للأزمة السورية، يكاد يختصر المشهد العام المرتبط بهذه الازمة. فالمعلومات الواردة من عواصم القرار العالمي تشير الى أن مراكز القرار في دول الغرب، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية، هي في صدد مراجعة شاملة لسياستها العامة في المنطقة عموماً، وتجاه سوريا وايران خصوصاً، وان تولي اركان الادارة الاميركية الجديدة، ولا سيما منهم وزير الخارجية ووزير الدفاع، مسؤولياتهم مع بدء ولاية الرئيس باراك اوباما الثانية رسمياً، ومع انزلاق فرنسا الى حرب في مالي يعرف الرئيس فرنسوا هولند كيف بدأت ولكنه لا يعرف كيف ستنتهي، خصوصاً انّ مساحة الجزء الشمالي من مالي الذي يسيطر عليه المتشددون يعادل ضعفَي مساحة المانيا، فيما تشير التقارير الى انّ معركة الصحراء لفرنسا لن تكون أسهل من معركة الجبال في افغانستان بالنسبة الى واشنطن وحلفائها الأطلسيين.   والرؤية الجديدة هذه قد تشمل أيضا معظم دول الخليج العربي الذي يتصدر النزاع مع "الاخوان المسلمين" أولويّاتها في الوقت الحاضر. والمراجعة الغربية والخليجية تفرضها مفارقتان، أوّلها ان فرنسا تحارب تنظيم "القاعدة" في شمال مالي وتدعمها في شمال سوريا، فيما دول الخليج تحارب "الاخوان المسلمين" في بلادها وتمد لهم يد العون في سوريا. ويعكس مناخ المراجعة هذه نفسه على واقع المعارضة السورية في الخارج، فبعد ايام من اجتماعات للائتلاف المعارض في اسطنبول فشل المعارضون في تأليف حكومة موقتة وحاولوا ان يغطوا فشلهم بضرورة توفير المستلزمات المالية لهذه الحكومة من الدول الداعمة لهم، فأوفدوا رئيس الائتلاف احمد معاذ الخطيب الى الدوحة ليطلب تمويل حكومة لم تؤلّف بعد حتى على الورق في ظلّ اعتراض "الاخوان المسلمين" وحلفائهم على تكليف رئيس الوزراء السوري المنشَقّ رياض حجاب، بذريعة أنه بعثي، فيما يرفض معارضون آخرون، ومن ورائهم دول معنية بالأزمة السورية، أن يكون رئيس الحكومة المؤقتة شخصية محسوبة على "الاخوان المسلمين". ويتوقف المراقبون هنا عند النشاط الايراني في تفعيل العلاقات مع الحكومتين المصرية والتونسية انطلاقاً من نظرية اعلنها الدكتور علي اكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي في حديث متلفز، حيث اعتبر انّ "الاخوان المسلمين" هم "اقرب الحركات السياسية الى ايران". والمطلعون على السياستين المصرية والتونسية يلاحظون ان هناك مراجعة للمقاربة المعتمدة حتى الآن تجاه الازمة السورية، فهناك اصوات في القاهرة وتونس تشدّد على ان يكون البلدان جزءاً من الحل في سوريا لا جزءاً من المشكلة التي تزداد تفاقماً ودماً ودماراً في الارض السورية. على أن عودة التشدد في الموقف الروسي تجاه الحل في سوريا، وتمسّك موسكو بعد طهران بالرئيس السوري بشار الاسد وتأكيدهما انّ مغادرته الرئاسة امر يقرره الشعب السوري فقط وفي انتخابات رئاسية تجري بعد مرحلة انتقالية وحكومة ائتلافية تضمّ كل الوان الطيف السياسي السوري، هذه العودة تُسقِط كل الرهانات على تغيُّر في الموقف الروسي، وتُظهِر ان المراهنين على هذا التغيير هم أنفسهم الذين راهنوا على سقوط نظام الأسد سريعاً، على حد قول المراقبين القريبين من دمشق. وهذه التطورات السياسية مرتبطة بما يظنه هؤلاء المراقبون "تقدماً ميدانياً واضحاً للجيش السوري في محيط دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية. كذلك يربطون هذا التقدم بتكتيكات عسكرية سورية تقوم على استدراج اكبر أعداد من المسلحين الى مناطق مكشوفة، حيث يتم النيل منهم جماعات جماعات.   وقد بدأت تشيع معلومات عن مقتل عدد من قادة الكتائب المتشددين في درعا وريف دمشق، الى صيحات استغاثة يطلقها مسلحون يحاصرهم الجيش السوري الذي نجح في قطع وسائل الاتصال بينهم وبين رفاقهم في مواقع أخرى". إزاء هذه التطورات تزداد احتمالات هذه المراجعة التي تؤدي الى رؤية عربية ودولية جديدة لمعالجة الازمة السورية، خصوصاً بعدما باتت القوة الرئيسة من مسلّحي المعارضة هي قوة "جبهة النصرة" و"غُرباء الشام" القريبين من تنظيم "القاعدة" على حساب "الجيش السوري الحر" والمجموعات المحسوبة عليه، والتي تُشكِّل من حين الى آخر تحالفاً بينها ما يلبث ان ينفرط لينشأ تحالف آخر لإيجاد قوة توازي المنظمات المحسوبة على "القاعدة" وتوازنها، ناهيك عن دخول الاكراد بقوة لمواجهة المجموعات المتشددة في المناطق الكردية المحاذية لتركيا، والتي تتعرض بين حين وآخر لهجمات بالصواريخ والدبابات العابرة من الاراضي التركية.  

المصدر : طارق ترشيشي\ الجمهورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة