دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أثارت نماذج التصويت الموازي التي عرضتها معاهد استطلاع الرأي في إسرائيل الحلبة السياسية بعدما عرضت مفاجآت أثبتت من ناحية أخرى الفارق بين التقديرات والنتائج الفعلية. كما فاقت نسبة التصويت التوقعات، إذ بلغت 66,6 في المئة، وشكلت مفاجأة وعنصر توتر طوال ساعات ما بعد ظهر أمس جراء التخوف من أن تحمل بباطنها مفاجأة انتخابية كبرى.
غير أن المفاجأة الأكبر التي وجهت ضربة شديدة لمعاهد استطلاع الرأي في إسرائيل كانت الفوز غير المتوقع لحزب «هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد بالمرتبة الثانية بعد الليكود وتردي حزب العمل للمرتبة الثالثة. ومع ذلك فإن تقلبات نسبة التصويت ومفاجأة لبيد لم تغير الوجهة العامة للانتخابات حيث نال معسكر اليمين غالبية النصف زائدا واحدا، وكان المستوطنون الرابحين والأحزاب الصغيرة الخاسرة.
وأظهرت نماذج التصويت أن قائمة «هناك مستقبل» التي كانت تقع في الغالب في الترتيب الخامس بعد الليكود والعمل
و«البيت اليهودي» و«شاس» فازت بالمكان الثاني، ونالت 18 أو 19 مقعدا، في حين تراجعت قوة «الليكود بيتنا» بحصوله فقط على 31 مقعداً، ونال حزب العمل 17 مقعدا. وحصل كل من «البيت اليهودي» و«شاس» من 12 إلى 13 مقعداً وفقاً للنماذج، بينما نال «يهدوت هتوراه» ستة مقاعد. وهذا يعني أن معسكر اليمين سينال 61 مقعدا وسينال معسكر الوسط واليسار والعرب 59 مقعدا. وتشكل هذه النتيجة، إذا تأكدت، تغييرا في وجهة التصويت تخالف ما أشارت إليه استطلاعات الرأي. وقد نال حزب «الحركة» بزعامة تسيبي ليفني سبعة مقاعد. وشُطب حزب «كديما»، الذي كان أكبر الأحزاب في الكنيست، من الخريطة تماماً.
وبرغم عناصر الإثارة في النتائج التي كشفتها نماذج التصويت، فمن الواجب التعامل معها على أنها توجهات أولية وليست نتائج نهائية. وربما لهذا السبب لا تزال زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش تتحدث عن احتمالات حدوث انقلاب في الأصوات والنتائج. ومع ذلك فإن الاحتفال كان من نصيب أنصار لبيد، بينما سيبدأ قادة الليكود في سن خناجرهم لتحديد المسؤول عن مثل هذه الخيبة الكبيرة، الأمر الذي ينبئ بصراع كبير مقبل.
وفي وقت ستنظر كل القطاعات والشرائح في المجتمع الإسرائيلي إلى ما كسبته أو خسرته في الانتخابات الحالية، فإن قطاعاً واحداً فقط سيحــصي أرباحه الصافية. وهذا القطاع يتمثل بالمستوطنين الذين سيحصون من يقف إلى جانبهم بنسبــة مئة في المئة أو 90 في المئة في كل من «الليكود بيتنــا»، و«البيت اليهودي»، و«شاس» وربما «عوتسما لإسرائيل». وهم خلافاً للآخرين سيمــتلكون في الكنيست، وأيضاً في الحكومة المقبلة حصة الأسد مهما كانت حـصة القطاعات الأخرى. أما الآخرون من أنصار السلام أو التوزيع العادل للأعباء أو التقاسم المنصف للثروات، فسوف يجدون أن شيئاً جدياً لم يتغير، وإذا كان هناك من تغيير فهو نحو الأسوأ.
وكانت صناديق الاقتراع، التي زاد عددها على عشرة آلاف صندوق موزعة في انحاء اسرائيل، لاستقبال أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون من أصحاب حق الاقتراع، قد فتحت أبوابها الساعة السابعة صباحاً وأغلقتها في العاشرة مساء. وبرغم أن ما أعلن كالعادة، في تمام العاشرة، هو نتائج استطلاعات رأي تجريبية أو حقيقية جزئية تتبارى محطات التلفزة على تقديمها، فإن النتائج الرسمية لن تعلن قبل الثلاثين من كانون الثاني الحالي. لكن حتى فجر اليوم تم الإعلان عن نتائج حقيقية لغالبية صناديق الاقتراع، يتضح من خلالها الفائز الفعلي في الانتخابات قبل أن تبدأ مشاورات التكليف بتشكيل الحكومة.
وبدأت مظاهر الإثارة في الانتخابات عندما تبين أن نسبة التصويت ترتفع بشكل متزايد عن المعدلات المعروفة في المعارك الانتخابية الخمس الأخيرة. ومعروف أن لجنة الانتخابات المركزية تعلن كل ساعتين عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم حتى ذلك الوقت ونسبة التصويت العامة. وأول من تثيرهم هذه المعطيات نشطاء القوائم الصغيرة التي تصارع للخروج عن نسبة الحسم التي تتقرر أساساً بحساب اثنين في المئة من مجموع عدد الناخبين الصالحة أصواتهم في الانتخابات. وكلما ارتفعت نسبة المشاركة ارتفع عدد الأصوات الملبية لنسبة الحسم. والأدهى أن ارتفاع عدد الأصوات الملبية لنسبة الحسم يزيد من عدد الأصوات الضائعة والمقاعد التي تكسبها، جراء ذلك، الأحزاب الكبيرة بعد تسوية اتفاقيات الفائض الانتخابي المبرمة بين الأحزاب.
وكبرت عوامل الإثارة لاحقا بين معسكري اليمين والوسط. فالشائع، بشكل متناقض لدى اليمين واليسار، أن زيادة نسبة التصويت تعني اندفاع أنصار كل معسكر للتصويت خشية أن يخدم التراخي الطرف الآخر. لذلك كثرت التصريحات من قادة الطواقم الانتخابية وزعماء الأحزاب التي تُخوف من التكاسل وتشيع بوجود احتمالات للنكسة. واستغل ذلك قادة الليكود على وجه الخصوص حيث عقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اجتماعاً طارئاً ومتوترا لطاقمه، دعا فيه الليكوديين إلى الذهاب بجموعهم إلى صناديق الاقتراع لترجيح الكفة. وكان رئيس الطاقم الانتخابي لـ«الليكود بيتنا» جدعون ساعر، قد أعلن أن ازدياد نسبة التصويت كانت أساسا في «معاقل اليسار»، وهو إعلان تحريضي الطابع بشكل واضح. ومع ذلك فإن الإثارة لم تنبع فقط من الخشية على الخسارة بين اليمين واليسار، بل أيضاً في داخل كل معسكر.
عموماً لاحظ المراقبون للانتخابات الإسرائيلية الحالية أنماطاً جديدة من الأداء لم تكن معهودة سابقاً. وبيّن أول هذه الأنماط أن حزب الليكود، وقائمة «الليكود بيتنا»، الذي أريد له أن يجدد شباب الصهيونية أعطى الانطباع بأن مظاهر العجز والشيخوخة بدت عليه. وربما لهذا السبب يتجه أنصار اليمين بشكل متزايد نحو الابتعاد عنه والاقتراب من «البيت اليهودي» الذي يمثل زعيمه نفتالي بينت، الشباب الديني القومي المعبر عن الطليعة الصهيونية الاستيطانية الجديدة.
ويذهب خبراء إلى حد الاعتقاد أنه مع مرور الوقت تقلصت القاعدة الشعبية التقليدية لليكود، من الفقراء والمهمشين والشرقيين، بفضل الرفاهية والقاعدة الشعبية لـ«إسرائيل بيتنا» المتمثلة بالمهاجرين الروس، بعد الاندماج بينهما. ودفع ذلك سيفر بلوتسكر في «يديعوت» إلى اعتبار أن الليكود يسير خلف خطى حزب «مباي» العمالي التاريخي نحو «بيت العجزة» السياسي. وأشار كبير معلقي «يديعوت» ناحوم بارنيع إلى المصاعب التي تعترض نتنياهو وحزبه في إلهاب حماسة الجمهور بسبب «تعب» هذا الجمهور، حيث «رأى الناس نفس الوجوه لسنوات كثيرة وذات الغمز وذات الحيل السياسية. وهم ينجذبون الى الجديد الطازج والمنتعش».
لقد أسهم الليكود، أكثر من غيره، في تنويم المعركة الانتخابية وجعلها خاوية تقريبا من القضايا الحقيقية وفي تضييع الوقت. وكتبت «هآرتس» في افتتاحيتها أن «اختيار معسكر اليمين يعكس تفضيلا للارض على السلام وصيغا شوهاء للصهيونية واليهودية على قيم الديموقراطية، حتى بثمن تصفية الصهيونية الحقيقية والعزلة الدولية». ومن الجائز أن تفضيل الليكود هذا سوف يعود عليه بمصاعب جدية تسبق تشكيل الائتلاف الحكومي، وقد تقرر عمر الحكومة وتجعلها قصيرة. فلا شيء اليوم أبرز في إسرائيل من ظاهرة الخوف ليس فقط من الحاضر وإنما أيضا من المستقبل.
المصدر :
حلمي موسى
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة