لا يمكن القفز فوق أزمة مالي في التعاطي الدولي مع أحداث الشرق الأوسط، خصوصأً أن الفرنسيين سائرون للغوص أكثر برمال الصحراء الإفريقية، ليس حباً بالشعب المالي ولا رغبة بالقضاء على متطرفين أو لتثبيت حكم حليف، وإنما حفاظاً على المكاسب في الثروة الطبيعية، وتحديداً الذهب واليورانيوم والنفط، حيث تحتكر الشركات الفرنسية عمليات إستخراج وإستثمار تلك الثروات الهائلة في مالي ودول الجوار.

ومن هنا، لن تتراجع فرنسا عن محاربة "المجموعات الإسلامية المتطرفة" الساعية إلى السيطرة على الحكم وإدارة البلاد والتحكم بثرواتها، علماً أن عواصم غربية ومنها باريس لا تستبعد إمكانية توسع الصراع كما حصل في الجزائر (أزمة الرهائن). إلاّ أن الدافع الإقتصادي الفرنسي لا يسمح بالتراجع من الصحراء الإفريقية، خصوصاً مع إزدياد المشاكل المالية الأوروبية ومعاناة باريس من الركود الإقتصادي، لا سيما أن النفوذ الفرنسي يواجه منافسة دولية شديدة، سواء من الصين أو روسيا أوالولايات المتحدة الأميركية.

وأمام تلك الوقائع، يدرك المطلعون أن فرنسا دخلت في حرب إستنزاف طويلة في بلد شاسع المساحة، توسعت فيه أفكار الحركات الإسلامية التي تصل خيوطها إلى تنظيم "القاعدة"، رغم هرب الفرنسسين من أفغانستان قبل الموعد المقرر لإنسحاب الناتو السنة المقبلة، ما يعني إنشغالاً فرنسياً عملياً بالدفاع عن المكتسبات في مالي وإختلاط الأوراق والأولويات وتراجع الإهتمام بالأحداث السورية، سواء إعترفت فرنسا بذلك الآن أم لم تعترف.

ويرصد المعنيون إشارات دولية حول حقيقة تصدّر "الإسلاميين" في الأزمة السورية ومقارنة هويات المحاربين في مالي ومرتكبي أزمة الرهائن في الجزائر مع مسلحي سوريا في جبهة النصرة وسواها، إلى حد تتشابه فيه أسماء الحركات ونوعية التهديدات وأشكال التنظيمات وإرتباطات المسلحين ونوعية التدريبات وسبل القتال ومصادر المسلحين والسلاح، وتوجّه الأصابع إلى ليبيا أساساً كمصدر لتلك الحركات.

وأصبحت الصحافة الغربية تجري المقارنات بين حرب الفرنسيين ضد "متطرفي مالي" ودعم باريس للمتطرفين في سوريا عبر السعي الدولي لإستهداف النظام السوري من جهة، والتصدّر بدعم المعارضة من جهة ثانية، إلى حد سأل فيه محللون في السياسة الدولية: كيف سيتعامل الغرب مع مسلحين سوريين منتمين إلى "حركة جهادية دولية" تقاتل ضد الغربيين في الصحراء الإفريقية؟ علماً أن الصحافة الغربية باتت تكرر الحديث عن طبيعة المقاتلين في سوريا وتروي قصصاً عن "تطرفهم" وتتحدث عن تعدد جنسيات المسلحين المشاركين في قتال النظام السوري، بينما كانت تلك الصحافة نفسها تتوسع سابقاً في الحديث عن "وردية الثورة السورية" و"ظلم النظام" و" كفاح السوريين". لكن المشهد يتبدل دون أن يعني الإنحياز إلى جانب نظام ضد المعارضة أو المسلحين.

ويبدو أن المقاربة الغربية لتطورات سوريا بدأت تتأثر بما يجري في الدول التي تشهد "تمدداً إسلامياً متطرفاً"، ومن هنا لم يجيّش الغرب لحملة إحالة الجرائم في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ففشل مجلس الأمن الدولي في الإحالة، بموازاة لامبالاة أميركية مقصودة إزاء المستجدات في الأحداث السورية، وسط صمت لافت نتيجة تخوف الأميركيين من سيطرة فعلية "لإسلاميين" على المعارضة السورية، وعدم القدرة على ضبط الميدان، وفشل المعارضة في تحقيق مكاسب عملية كما وعدت سابقاً بإسقاط النظام.

وتأتي أحداث مالي والجزائر لتشغل الفرنسيين بمصدر ثرواتهم والتفكير بأولوياتهم على حساب ورقة سوريا، وسط تخوف من غرقٍ في الساحل والصحراء الإفريقية، ومن يدري قد تتحول مالي والجوار إلى أرض جهاد تجذب المقاتلين من سوريا لمحاربة "عدو صليبي" كما تعتبر "القاعدة".

إختلاط الأوراق لم يقتصر على الحدود الإفريقية بل يتعداه إلى ساحات عربية باتت تتخوف من تمدد "أصولي" يقضي على حكم ملوك وأمراء، وسط حديث عن تقديم دمشق معلومات موثقة لبعض الدول العربية -رغم الخصومة- عن إعترافات مسلحين يرتبطون بتنظيمات سرية كانت تعد لضرب عواصم عربية.

ولذلك، تتجمع المؤشرات التي توحي بتبدل المشهد حول دمشق، دون أن يعني الأمر أن ثمة متغيرات الآن في التعاطي الخارجي مع الأحداث السورية، لكن الخطوات تتدرج يوماً بعد يوم، بوتيرة أسرع مما يحسب السوريون أنفسهم، ما يسرّع في الذهاب إلى تسوية تتوافر دوافعها ويجري البحث عن عناصرها.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2013-01-21
  • 9875
  • من الأرشيف

أوراق تخلط الحسابات الدولية حول سورية

لا يمكن القفز فوق أزمة مالي في التعاطي الدولي مع أحداث الشرق الأوسط، خصوصأً أن الفرنسيين سائرون للغوص أكثر برمال الصحراء الإفريقية، ليس حباً بالشعب المالي ولا رغبة بالقضاء على متطرفين أو لتثبيت حكم حليف، وإنما حفاظاً على المكاسب في الثروة الطبيعية، وتحديداً الذهب واليورانيوم والنفط، حيث تحتكر الشركات الفرنسية عمليات إستخراج وإستثمار تلك الثروات الهائلة في مالي ودول الجوار. ومن هنا، لن تتراجع فرنسا عن محاربة "المجموعات الإسلامية المتطرفة" الساعية إلى السيطرة على الحكم وإدارة البلاد والتحكم بثرواتها، علماً أن عواصم غربية ومنها باريس لا تستبعد إمكانية توسع الصراع كما حصل في الجزائر (أزمة الرهائن). إلاّ أن الدافع الإقتصادي الفرنسي لا يسمح بالتراجع من الصحراء الإفريقية، خصوصاً مع إزدياد المشاكل المالية الأوروبية ومعاناة باريس من الركود الإقتصادي، لا سيما أن النفوذ الفرنسي يواجه منافسة دولية شديدة، سواء من الصين أو روسيا أوالولايات المتحدة الأميركية. وأمام تلك الوقائع، يدرك المطلعون أن فرنسا دخلت في حرب إستنزاف طويلة في بلد شاسع المساحة، توسعت فيه أفكار الحركات الإسلامية التي تصل خيوطها إلى تنظيم "القاعدة"، رغم هرب الفرنسسين من أفغانستان قبل الموعد المقرر لإنسحاب الناتو السنة المقبلة، ما يعني إنشغالاً فرنسياً عملياً بالدفاع عن المكتسبات في مالي وإختلاط الأوراق والأولويات وتراجع الإهتمام بالأحداث السورية، سواء إعترفت فرنسا بذلك الآن أم لم تعترف. ويرصد المعنيون إشارات دولية حول حقيقة تصدّر "الإسلاميين" في الأزمة السورية ومقارنة هويات المحاربين في مالي ومرتكبي أزمة الرهائن في الجزائر مع مسلحي سوريا في جبهة النصرة وسواها، إلى حد تتشابه فيه أسماء الحركات ونوعية التهديدات وأشكال التنظيمات وإرتباطات المسلحين ونوعية التدريبات وسبل القتال ومصادر المسلحين والسلاح، وتوجّه الأصابع إلى ليبيا أساساً كمصدر لتلك الحركات. وأصبحت الصحافة الغربية تجري المقارنات بين حرب الفرنسيين ضد "متطرفي مالي" ودعم باريس للمتطرفين في سوريا عبر السعي الدولي لإستهداف النظام السوري من جهة، والتصدّر بدعم المعارضة من جهة ثانية، إلى حد سأل فيه محللون في السياسة الدولية: كيف سيتعامل الغرب مع مسلحين سوريين منتمين إلى "حركة جهادية دولية" تقاتل ضد الغربيين في الصحراء الإفريقية؟ علماً أن الصحافة الغربية باتت تكرر الحديث عن طبيعة المقاتلين في سوريا وتروي قصصاً عن "تطرفهم" وتتحدث عن تعدد جنسيات المسلحين المشاركين في قتال النظام السوري، بينما كانت تلك الصحافة نفسها تتوسع سابقاً في الحديث عن "وردية الثورة السورية" و"ظلم النظام" و" كفاح السوريين". لكن المشهد يتبدل دون أن يعني الإنحياز إلى جانب نظام ضد المعارضة أو المسلحين. ويبدو أن المقاربة الغربية لتطورات سوريا بدأت تتأثر بما يجري في الدول التي تشهد "تمدداً إسلامياً متطرفاً"، ومن هنا لم يجيّش الغرب لحملة إحالة الجرائم في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، ففشل مجلس الأمن الدولي في الإحالة، بموازاة لامبالاة أميركية مقصودة إزاء المستجدات في الأحداث السورية، وسط صمت لافت نتيجة تخوف الأميركيين من سيطرة فعلية "لإسلاميين" على المعارضة السورية، وعدم القدرة على ضبط الميدان، وفشل المعارضة في تحقيق مكاسب عملية كما وعدت سابقاً بإسقاط النظام. وتأتي أحداث مالي والجزائر لتشغل الفرنسيين بمصدر ثرواتهم والتفكير بأولوياتهم على حساب ورقة سوريا، وسط تخوف من غرقٍ في الساحل والصحراء الإفريقية، ومن يدري قد تتحول مالي والجوار إلى أرض جهاد تجذب المقاتلين من سوريا لمحاربة "عدو صليبي" كما تعتبر "القاعدة". إختلاط الأوراق لم يقتصر على الحدود الإفريقية بل يتعداه إلى ساحات عربية باتت تتخوف من تمدد "أصولي" يقضي على حكم ملوك وأمراء، وسط حديث عن تقديم دمشق معلومات موثقة لبعض الدول العربية -رغم الخصومة- عن إعترافات مسلحين يرتبطون بتنظيمات سرية كانت تعد لضرب عواصم عربية. ولذلك، تتجمع المؤشرات التي توحي بتبدل المشهد حول دمشق، دون أن يعني الأمر أن ثمة متغيرات الآن في التعاطي الخارجي مع الأحداث السورية، لكن الخطوات تتدرج يوماً بعد يوم، بوتيرة أسرع مما يحسب السوريون أنفسهم، ما يسرّع في الذهاب إلى تسوية تتوافر دوافعها ويجري البحث عن عناصرها.    

المصدر : عباس الضاهر \ مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة