دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الذي يتابع الحركة السياسية والدبلوماسية حول الازمة الدولية القائمة في سورية يكاد يصدق ما يروج له الاعلام الغربي وملحقاته العربية،و يعتقد بأن الأمور حلّت كلها ولم يبق إلا نقطة واحدة يُبحث عن اتفاق حولها تتعلق بموقع الرئيس بشار الاسد في الحل القادم، وحتى لا نسترسل في الخيال، يكون مفيدا أن نعود إلى الأيام الأولى التي شنّ فيها العدوان على سورية، حيث يذكر الجميع أنه ما إن رفعت لائحة مطالب إصلاحية حتى تلقفها الرئيس بشار الاسد و عرض السير بها، بدءا من مراجعة الدستور وصولا إلى أي تفصيل من تفاصيل بناء الدولة وتشكيل سلطتها. لكن الجهة المتحكمة بقرار التحرك ردت على التجاوب الرسمي بالمسارعة إلى عسكرة الحراك، ثم وبسرعة مذهلة رفعت شعار اسقاط النظام، و أكثر تركيزا كان تمسكها بمطلب "رحيل الرئيس"، و هنا تناغمت صيحات ازقة الداخل الميدانية مع همسات أروقة الخارج الدبلوماسية وركزت كلها عند فكرة واحدة هي إنهاء ولاية الرئيس المنتخب دستوريا، و اعتبار " مشروعيته ساقطة" بقرار وتوصيف أميركي كان قد صدر منذ الأسابيع الأولى للأزمة. ثم انخرطت الجامعة العبرية (العربية سابقا) في تنفيذ المهمة المطلوبة منها أميركيا لتقديم حل للازمة السورية يكون محوره "خروج الرئيس الاسد" من المشهد السوري وفي لقاء جنيف حاولت اميركا فرض إرادتها تلك ولما عجزت وخلا إعلان جنيف من هذا الشرط، سارعت هيلاري كلنتون وقبل أن يجف حبر "الإعلان" الدولي سارعت إلى تحريفه وتزويره و القول بأن الحل الانتقالي المتفق عليه يبدأ بـ"خروج الأسد"، وعندما كان اجتماع دبلن الثلاثي (أميركا روسيا وأمم متحدة) للبحث عن آلية لتنفيذ إعلان جنيف، نُسب للمجتمعين أنهم توافقوا على حل لا يكون الرئيس الأسد جزءا منه.
أمام هذه الموقف المتعاقب المحطات والمركزي القصد نسأل عن سبب هذا التركيز الأميركي على موقع الرئيس الأسد في بلده، و هو موقف يتخطى أي حق أو صلاحية لأميركا في الشأن، فالدولة المستقلة ذات السيادة لا يعين رؤساءها ويعتمدهم إلا شعوبها و ليس للخارج رأي في الموضوع، فهل تقبل أميركا مثلا أن تشترط عليها روسيا أو أي دولة من يكون رئيسها؟. طبعا لا يمكن أن نرى من أميركا قبولاً لذلك لكنها تجيز لنفسها أن تمارسه على دول العالم عامة و الآن في سورية لسببين: الأول متعلق بالذهنية و الثاني بالمصالح التي تريد تحقيقها في سورية و عبرها.
فمن حيث الذهنية، بات مقطوعا به أن أميركا لا تعترف لدولة سواها بسيادة وطنية وهي التي روجت في العقدين الأخرين لنظرية التدخل الدولي و استباحت الدول بجيوشها ودبلوماسيها و حاولت أن تظهر بمظهر الحاكم الأوحد للعالم. ومن حيث المصالح وبمراجعة للتاريخ وفي نظرة للواقع واطلالة على المستقبل نجد أن مصالح اميركا في سورية و عبرها تتناقض مع وجود دولة على رأسها رئيس ذو خصائص سيادية واستقلالية كالرئيس بشار الأسد. وأن أميركا ترى في إزاحة الرئيس السيادي تحقيقا لأكثر من هدف و مصلحة لها، إذ أنه يؤمن لها فرصة الانتقام ممن أفشل سياستها في منطقة الشرق الاوسط، و يوفر فرصة الاستمرار في نشر الفوضى الأميركية الهدامة التي تستشري اليوم في بلدان ما أسمته زورا "الربيع العربي"، كما أنه يؤمن لأميركا التغطية على الجرائم التي ارتكبها ارهابيوها الذين زجت بهم في سورية منذ بدء الازمة. ما يمكن استعراضه كما يلي:
أ. لقد حشدت أميركا عشرات الآلاف من إرهابي العالم ومن ونزلاء السجون في 29 دولة تعمل بأوامرها واملاءاتها وأرسلتهم إلى سورية في مهمة قتل وتدمير لشطب الدولة من المعادلة الإقليمية التي تهدد اسرائيل، فنفذت على ايدي من ضللوا وخدعوا بالقول بأنهم سيقاتلون من أجل الإسلام، و الحرية، والعدالة-طبعا كل ذلك من فعلهم براء-مهمة ترجمت في الميدان بارتكاب الجرائم التي تسأل عنها في الأصل أميركا كونها المخطط والمحرض وتريد الآن حجب الأنظار عنها أو الصاقها بالدولة للتنصل منها لفظاعتها وبقاء الرئيس الأسد سيقود حتما لملاحقة من ارتكب الجرائم بحق سورية خاصة لجهة:
1) قتل الآلاف من السوريين وإفشاء ذهنية الإجرام وتشويه الجثث من أجل هدم أركان الوحدة الوطنية.
2) قتل النخب البشرية لحرمان سورية من طاقاتها تلك، علما بأن الإنسان هو أساس الثروة السورية.
3) تدمير مئات الآلاف من مساكن السوريين وتهجيرهم في الداخل وإلى الخارج.
4) تدمير الآلاف من المصانع السورية لضرب اقتصادها خاصة في الصناعات التي تنافس الصناعة التركية.
5) تدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية في سورية لتعقيد حياة السوريين، فضلا عن هدر الثروة الوطنية.
6) تدمير وتعطيل العشرات من المرافق الوطنية المدنية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، من أجل تحويل سورية إلى دولة فاشلة.
ب. ومن جهة العلاقة بين أميركا القوة المعتدية والأسد الرئيس المقاوم لعدوانها فإن أميركا تريد أن تنتقم من الرئيس الأسد لأنه تسبب في افشال سياستها في الشرق الاوسط وحرمها بعمله مع حلفائه في محور المقاومة و الممانعة فرصة السيطرة خاصة و هي لا تنسى أنه:
1) عندما تولى مسؤولياته كرئيس للجمهورية أكد على التزامات سورية وموقعها الإقليمي و الدولي معززا للحلف الاستراتيجي مع إيران ، و محتضننا للمقاومات العربية ضد اسرائيل.
2) عندما احتلت أميركا العراق وجاءت إلى سورية بلائحة طلبات تختصر بعبارة واحدة "عليكم الاستسلام والالتحاق بالقافلة الاميركية و إلا..." رفض الأسد الاستسلام و تمسك بموقع سورية المتصاعد صونا للاستقلال والقرار المستقل و الملتزم للحقوق الوطنية و القومية.
3) عندما حاولت اميركا و من باب قراراتها الذاتية أو القرارات الدولية الموجهة ضد سورية في سياق أعمالها لنظرية التدخل الدولي المتقدم على السيادة الوطنية خلافا لميثاق الأمم المتحدة، وقف الأسد رافضا و متمسكا بالسيادة الوطنية السورية قائلاً "سيادة سورية لا تعلوها سيادة".
4) عندما شاءت أميركا أن تعيد صياغة الشرق الأوسط كما يلائم مصالحها و ارتأت أن يكون المدخل بتدمير المقاومة في لبنان على يد اسرائيل، وقف الأسد مع المقاومة و أمد حزب الله بصواريخ دكت العمق الاسرائيلي وفرضت على إسرائيل التوقف معلنة هزيمتها في لبنان في العام 2006 لتراكم هزيمتها في العام 2000.
5) عندما أحدث الغرب الانقلاب الاستراتيجي و جعل عملاءه في لبنان في موقع السلطة يمارسونها بذهنية اقصائية إلغائية، ودفعهم لاتخاذ قرارات استفزازية ضد المقاومة لنزع سلاحها، وردت المقاومة بما يجب للدفاع عن النفس وانهار استقرار لبنان، تدخل الأسد لانقاذ الوضع و كان لتدخله الأثر البالغ في الدوحة ما أدى إلى اتفاق وضع حد لاستئثار الفريق الاميركي بالسلطة.
6) عندما شنت اسرائيل عدوانا على غزة، كانت سورية مع حلفائها في محور المقاومة العضد و السند للمقاومة الفلسطنينة التي استطاعات و في المتاح لها من الامكانات أن تمنع اسرائيل من تحقيق أهداف عدوانها .
ج. و يبقى النظر إلى مستقبل سورية بعد ما أصابها، فإن أميركا تعتبر ،أن الرئيس بشار الأسد قادر بقدرات سورية الذاتية و عبر تحالفاته الدولية على معالجة مفاعيل العدوان الاميركي على سورية: و إعادتها أفضل مما كانت – كما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت في لبنان بعد تدميرها على يد اسرائيل في العام 2006، خاصة و أن اميركا تعلم أن كل الحرب النفسية و كل الجهود الإعلامية التي بذلت لم تستطع أن تغير قناعات الشعب السوري و تأييده لرئيسه كما أظهر استطلاع لم ينشر أجري بشكل متخفي من قبل مؤسسة اروبية و بتمويل قطري و بناء لطلب اميركي ، حيث تبين عبره ان نسبة 56.7 من السوريين سينتخبون بشار الاسد في اي انتخابات حرة تجرى الآن (كانت النسبة السابقة منذ ثمانية اشهر و التي اجريت بنفس الطريقة 55%) و لأجل ذلك ترفض أميركا و مجموعتها الغربية أي حل يحتكم فيه لصناديق الاقتراع ، و تصر على تسوية يفرض فيها على الشعب السوري حكامه ( حتى و لو كان خلافا لارادته) لأن الحاكم المرفوض من شعبه سيكون ملزما بالارتماء في حضنها لتحميه و يحرم البلاد من الاستقرار و القدرة على التقدم و تأمين رفاهية الشعب و المحافظة على سيادته و حقوقه الوطنية و هو ما تبتغيه اميركا في سياق سياسة تركيع الشعوب . و لأن اميركا تعلم أن استمرار بشار الأسد على رأس الدولة سيكون الضمان لوحدة لدولة ، و عودتها إلى موقعها على الخريطة الاستراتيجية الاقليمية و سيؤدي إلى فشل المشروع برمته ، فقد تحول الرئيس بشار الأسد بنظر أميركا إلى رمز و دليل قاطع على فشل المشروع الغربي أونجاحه .
د. و مع هذه الحقائق نطرح السؤال: هل ستتمكن أميركا من تحقيق أهدافها في سورية؟
إننا لا نجد صعوبة في الإجابة بالنفي و سبب طمأنينتنا عائد إلى يقين لدينا بأن سورية قادرة على الاستمرار في معركتها الدفاعية بنجاح مؤكد مستندة إلى قوتها الذاتية المتشكلة من شعبها و جيشها و قيادتها السياسية ، و من محور المقاومة الذي تشكل هي ركنه الأوسط، و مستفيدة من دعم جبهة دولية تدرك بأن مصالحها تتحقق من ثبات سورية ونجاحها في الدفاع وتعلم أن سورية مطبوعة على رفض الإملاء الخارجي ولا تتقبل قرارا لم تتخذه بنفسها حتى و لو كان مصدره شقيق أو صديق أو حليف .لكل ذلك نقول وحده الشعب السوري يحدد من سيحكمه و لن يصغي هذا الشعب الواعي لتضليل أو إملاء أو خداع و هو مستعد لبذل اليسير المتبقي من التضحيات لإعلان انتصاره القريب.
المصدر :
الثورة /أمين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة