دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان التصريحات الاستفزازية واحيانا اللامنطقية التي يدلي بها رئيس الوزراء التركي تارة ضد سورية وحينا ضد العراق وطورا ضد مصالح الأمة الإسلامية، باتت تسلط الضوء على "سيكولوجية السيد رجب طيب اردوغان" وروح التصادم والاقصاء والطائفية في شخصيته الذاتية والاعتبارية على حدّ سواء. فقد اظهر الرجل خلال العامين الماضيين تعصبا واستغلالا غريبين في تعامله مع الخلافات السياسية بالعراق من جانب، والازمة الداخلية السورية من جانب آخر، لكنه ابدى تطرفا مبالغا فيه بالنسبة للقضية الثانية حتى بلغ به الأمر أن يتدخل مباشرة ويكون طرفا منحازا لفائدة الجماعات التكفيرية المسلحة ودعمها علنا بالتسليح والمعلومات اللوجستية والاستخبارية وملاذات عمليات حرب العصابات (الكروالفر)، والمجازر الجماعية الطائفية التي يرتكبها أفراد هذه الجماعات إنطلاقا من الأراضي التركية أو الشواطئ المحاذية للحدود مع سوریة.
بيد أن أردوغان وعلى الرغم من انهماكه في الإشراف على أعمال الفوضى والاضطرابات واحتضان الأحزاب والفصائل السياسية المنسجمة مع "اطروحاته" والمعارضة لاستتباب الأمن والاستقرار فی سوریة والمناهضة للاصلاحات والقرارات التي أطلقها رئیسها الدكتور بشار الاسد منذ أكثر من عشرين شهرا، لم يتجاهل موضوع الأزمة السياسية في العراق . بل يمكن القول أن بعض المواقف التي اتخذها في هذا السياق فاقت فی خطورتها حتى التدخل العسكري ، ومنها ايفاده وزير خارجيته إلى مدينة كركوك قبل شهور دونما أي تنسيق مع الحكومة المركزية برئاسة نوري المالكي، في خطوة أثارت عاصفة قوية من الغضب والاستياء والانتقادات الحادة داخليا وخارجيا، إضافة إلى قيامه بمنح الجنسية التركية لنائب رئيس الجمهورية العراقية الهارب من وجه العدالة (طارق الهاشمي) المحكوم عليه بالإعدام غيابيا عدة مرات لادانته في جرائم قتل ارهابية طاولت شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية مرموقة وعادية في بلاد وادي الرافدين.
لقد برهن رئيس وزراء تركيا بمواقفه الاستفزازية هذه على نوایا سیئة و نكاية مقصودة بالعراق حكومة وشعبا، واصرار متعمد على تلغيم العملية السياسية والأوضاع الاجتماعية في هذا البلد الخارج منذ عام فقط من سيطرة الاحتلال الأميركي الأطلسي، بالحساسيات المذهبية والسلوكيات الطائفية التي اطفأ العراقيون سنة وشيعة نيران فتنتها السوداء وطردوا المرتزقة والعملاء الذين راهنوا عليها طويلا من مناطقهم، ليعيدوا بذلك السلم الاهلي والتوافق الوطني إلى البلاد من أقصاها إلى اقصاها.
وها هو السيد اردوغان يعودمن جديد لـ (العزف على الوتر الطائفي لاهداف سياسية) كماصرح بذلك السيد نوري المالكي في معرض رده على تصريحات رئيس الوزراء التركي التي اعتبر فيها "الحكومة العراقية حكومة شيعية طائفية تتلقى دعما خاصا"مضيفا أنه ذاهب للولايات المتحدة ليس من أجل سورية فقط، بل ومن أجل تطورات العراق".
الجانب الأخطر في تصريحات اردوغان والتي جاءت في أعقاب اعتقال مجموعة من الحرس الخاص لوزير المالية العراقي (الدكتور رافع العيساوي) مؤخرا بتهم ارهابية، هو وصفه الحكومة المركزية بأنها "حكومة أقلية بالأصل" مشددا بذلك على أنها "لا تمثل غالبية الشعب العراقي من العرب والاكراد والتركمان ومعظمهم من السنة"؟!!
واضح أننا نقف امام نموذج خطير في التفكير والعمل السياسيين، ذي مؤدى تدميري مخرب للعملية السياسية المتنامية بالعراق من جانب، وللتركيبة السكانية المتآلفة فيه منذ آلاف السنين من جانب آخر.
وقد يكون من حسن حظ الشعب العراقي ومن سوء حظه أيضا أنه وبمختلف خصوصياته العرقية والمذهبية، ذاق مرارة المواقف والسلوكيات و الخطب الطائفية، وأشكال الدمار والويلات التي خلفتها على النسيج السياسي والاجتماعي والسلم الاهلي والعلاقات المتشابكة والاصيلة في أرض النهرين الخالدين (دجلة والفرات).
بيد ان المثير للحيرة جدا هو انحدار رئيس الوزراء اردوغان إلى هذا المستوى غير اللائق في خطابه السياسي الذي قزًّم به دور تركيا الإقليمي في الشرق الاوسط وأجاز لنفسه التحدث باسم الشعب العراقي الأبعد قدما في تاريخه من "حضارة الاناضول"، والسماح لنفسه أيضا بممارسة مهمة"مسؤول دائرة الاحصاء" على مستوى تحديد الأكثرية والأقلية "طائفيا" في بلاد وادي الرافدين، فضلا عن تشكيكه في الإرادة الحرة للعراقيين جميعا، الذين اختاروا صناديق الاقتراع والحريات السياسية والعقائدية والثقافية، سبيلا لإعادة بلادهم إلى حاضنة المجتمع الدولي، بعد 35 عاما من العزلة التامة، ودعم حكومتهم المنتخبة انتخابا ديمقراطيا للأخذ بالعراق إلى المواقع المتقدمة في المحافل الإقليمية والدولية.
ومن المفيد ان نقرر هنا أن السيد رجب طيب اردوغان خوّل نفسه صلاحيات واسعة النطاق تجاه العراق وسورية في آن معا، لم يمنحه إياها حتى شعبه في تركيا، وفي هذا دلالة واضحة على أن زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس حكومة أنقرة یدس أنفه في ما لایعنیه ، دون أي وجه حق، وهو قد فوض نفسه إما تلقائيا او بواسطة أميركا (عبر حلف الناتو) أو بإسناد من اضرابه و شركائه في التطرف والطائفية والتعصب بالسعودية وقطر والامارات ، بـممارسة "دور الوصي" على بغداد ودمشق، وتفصيل ما هو الأصلح لهما وفقا لسيكولوجيته الشخصانية واطروحاته التمزيقية.
المصدر :
الماسة السورية/حمید حلمی زادة
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة