قبل أن يبدأ برنامج الاتجاه المعاكس ليوم الثلاثاء الماضي، قلت لمحاوري حبيب صالح إن هدفنا من هذا الحوار هو رفع سويّة العقلانية بين شعب تسلطت عليه الغرائزية. والبارحة، في زيارته لي في الفندق، قال الصديق فيصل القاسم، إنه هو أيضاً ألح على الرجل أن لا يدخل في الشخصنة وأن يركز على محور الحديث، شرعية الرئيس بشار الأسد.

كنت أحاول أن أهدئ من روع هذا الغرائزي المتهيج، الذي نُقل إلي أنه جاء " فقط " بهدف فضحي كعميل لكل فروع المخابرات في العالم!! بمعنى أن هذا المعارض الشرس لم يسمع على الإطلاق قولي إن هدفي من هذا اللقاء، ككل ما أقوم به اليوم، هو حقن الدم السوري. سألني فيصل عن مشاريعي الأخيرة؛ أجبته بوضوح إني أريد إكمال الفيلم عن المورمون، رغم الوضع، وطباعة كتابي " فروقات المصحف ". سألني المتهيج الغرائزي: أين تريد أن تطبعه؟ قلت: أتمنى في جامعة برلين الحرّة! عاد ليجأر: وهل هذه جامعة كنسية؟ [ المتهيج مقيم في ألمانيا ]؟ أجبته: لا! جامعة تابعة للدولة بإشراف السيدة أنغليكا نويفرت. طبعاً: لم يفهم الاسم!!

بدأ اللقاء. كان المتهيج يحمل نسخة من " كتاب مورمون ". ما أن سلطت عليه الأضواء حتى رفع الكتاب ليقول، إني كنت مشرفاً على اللجنة التي ترجمته إلى اللغة العربية.

كتاب مورمون، لمن لا يعرف، آخر الكتب المقدّسة في التاريخ البشري. ويؤمن به أكثر من 12 مليون شخص بين أميركا والعالم. كنت أتمنى بالفعل لو كنت رئيس لجنة الترجمة لهذا الكتاب، فذلك فخر لا أزعمه. الكتاب قطعة أدبية جميلة. لكني لم أتدخل في الترجمة، أقله لأني لست مورمونياً حتى الآن. كذلك فالكتاب ترجم مع بداية ثمانينات القرن الماضي، ونشر عام 1985. وكنت وقتها أتابع دراستي الجامعية بين لبنان وسورية. صحيح أن علاقاتي في الغرب متركزة على المورمون، الذين هم ثلة من أرقى الناس وأكثرهم أخلاقاً، لكني لم أحظ حتى اليوم بشرف الانتساب إلى هذه المؤسسة الإنسانية الرفيعة. بل كان تأييدي للسيد ميت رومني، المرشح المنافس لأوباما في الانتخابات السابقة، أمراً يعرفه الجميع، إلى درجة أنني شاركت في حملة تلفزيونية لدعمه عشية الانتخابات؛ وكل ذلك علناً.

العلاقات بالصهيونية العالمية وإسرائيل واليعاقبة [ اليعاقبة لمن اتصل يسأل، هم حركة سياسية ظهرت في بريطانيا لإعادة الملك يعقوب الثاني ( 1633 – 1701 ) إلى سدة الحكم في هناك ] والماسون [ مجاميع متناقضة تماماً ]، فلا رغبة عندي بالتعليق عليها لأنها لا تستأهل ذلك.

نعود إلى مسألة الإيرانيين. دعوتي إلى مؤتمر طهران للمعارضة السورية كانت متأخرة جداً. وكانت رغبتي بالذهاب مردها فضول المعرفة. فالوسط السياسي – البرلماني السوري كان شيئاً ليس أقل من بلاد العجائب بالنسبة لي، وكنت هناك ألعب دور أليس. ولو أن هذا الجاهل المتهيج سمع نقدي الحاد للمؤتمر، لبلع لسانه وسكت. لكن يبدو أنه كائن متوحد، منقطع معرفياً عن الزمان والمكان، فاقد لبوصلة العقلانية.

الشيعة؟ كان يبدو واضحاً أن هذا الطائفي الصغير – بدأ استعراضه بقراءة باطنية للفاتحة: ومع من؟؟ نبيل فياض وفيصل القاسم: لا تعليق – يريد وثيقة حسن سلوك من الأخوان المسلمين، بدليل ما قاله آخر المهزلة إياها. وكانت قمة الكوميديا حين خلع حذاءه – ملأت رائحته الاستوديو على رحابته – ووضعه على الطاولة، مستهزئا بالسيد حسن نصر الله!

لن أدافع عن السيد نصر الله، لأني متناقض معه أيديولوجياً؛ ولو أن هذا المتهيج الأمي قرأ مقالتي، " عن الله وحزبه "، لعرف حقيقة آرائي بحزب الله. لكن التشيع شيء والسفر إلى إيران بدافع البحث عن حل للأزمة شيء آخر. نعم! أوافق الشيعة في معظم ما كتبوا؛ لكني أتناقض معهم في ما اعتقدوا. وهذا لا يمكن أن يشكّل حاجزاً بيني وبينهم، خاصة الأخوة في السفارة، الذين وجدت بينهم قامات ثقافية يندر أن تجد مثلها بين العاقلين من الناطقين بلغة الضاد. أنتقد بعض ممارسات وتقاليد الشيعة، بل لا أستسيغ على الإطلاق شخصية السيد حسن نصر الله. – لكن لا يمكن أن أخلع حذائي وأضعه على الطاولة أمام خصمي حتى وإن كان عدنان العرعور. هذه الطريقة من فقدان الاحترام تعني أن المرء ليس فقط لا يحترم الآخر، بل أيضاً لا يحترم نفسه. لكن في حالة الأستاذ حبيب صالح، هنالك ما يبرر له ذلك، أقله سيكولوجياً.

قال لي صديق بعد الحلقة: لماذا لم تشر إلى سجن حبيب صالح في سورية بسبب اختلاساته المتكررة؟ أجبت: السبب بسيط: أولاً؛ ليست المسألة شخصية؛ ثانياً، لم أعرف أن حبيب صالح هو الضيف إلا قبل فترة قصيرة جداً؛ ثالثاً، لم أعر مسألة البحث في تاريخ الرجل الناصع أي اهتمام لأنه خارج إطار الحلقة.

ليعذرني الصديق فيصل القاسم. إنه خطأ الجزيرة. يعرف المثقفون السوريون أن الرجل سيكوباتي؛ وأنا شخصياً طلب مني أدوية من نوعية معينة له حين كان في سجن عدرا، وذلك من قبل أحد الأصدقاء من اللاذقية. واضطررت للإشارة إلى ذلك في حديثي عن " الليكزوتان "، الأمر الذي أفقد الرجل صوابه بطريقة غير عادية، فاضطر مقدم البرنامج إلى إيقاف الحلقة.

حبيب صالح؟ رفع من أسهم النظام أكثر مما تخيلت حين قدّم هذه الصورة الهزلية للمعارضة. هيثم المالح رفع الأسهم أكثر بدعواته البهلوانية الإجرامية بحق الروس المقيمين في سورية. هل هؤلاء هم الذين سننتظر منهم التغيير نحو الأفضل في سورية. البارحة قال لي فيصل القاسم جملة تختصر المسألة برمتها: أزمة سورية أنها تريد الوصول إلى ديمقراطية لكنها لا تمتلك ديمقراطيين حقيقيين!

يمكن أن نحقد على نظام؛ على دولة: أما أن نحقد على شعب، على وطن – ذلك خارج التصانيف.

وصلني حقي حين جاءت ثلة من شباب سوريين معارضين جداً وانضمت إلي في مطعم على كورنيش الدوحة، واعتذروا على سفاهة حبيب صالح، وأن هذا المريض لا يمثل المعارضة السورية. أتمنى ذلك!

  • فريق ماسة
  • 2012-12-21
  • 5219
  • من الأرشيف

ديمقراطيين بلا ديمقراطية...نبيل فياض يرد على حبيب صالح في حلقة الاتجاه المعاكس

قبل أن يبدأ برنامج الاتجاه المعاكس ليوم الثلاثاء الماضي، قلت لمحاوري حبيب صالح إن هدفنا من هذا الحوار هو رفع سويّة العقلانية بين شعب تسلطت عليه الغرائزية. والبارحة، في زيارته لي في الفندق، قال الصديق فيصل القاسم، إنه هو أيضاً ألح على الرجل أن لا يدخل في الشخصنة وأن يركز على محور الحديث، شرعية الرئيس بشار الأسد. كنت أحاول أن أهدئ من روع هذا الغرائزي المتهيج، الذي نُقل إلي أنه جاء " فقط " بهدف فضحي كعميل لكل فروع المخابرات في العالم!! بمعنى أن هذا المعارض الشرس لم يسمع على الإطلاق قولي إن هدفي من هذا اللقاء، ككل ما أقوم به اليوم، هو حقن الدم السوري. سألني فيصل عن مشاريعي الأخيرة؛ أجبته بوضوح إني أريد إكمال الفيلم عن المورمون، رغم الوضع، وطباعة كتابي " فروقات المصحف ". سألني المتهيج الغرائزي: أين تريد أن تطبعه؟ قلت: أتمنى في جامعة برلين الحرّة! عاد ليجأر: وهل هذه جامعة كنسية؟ [ المتهيج مقيم في ألمانيا ]؟ أجبته: لا! جامعة تابعة للدولة بإشراف السيدة أنغليكا نويفرت. طبعاً: لم يفهم الاسم!! بدأ اللقاء. كان المتهيج يحمل نسخة من " كتاب مورمون ". ما أن سلطت عليه الأضواء حتى رفع الكتاب ليقول، إني كنت مشرفاً على اللجنة التي ترجمته إلى اللغة العربية. كتاب مورمون، لمن لا يعرف، آخر الكتب المقدّسة في التاريخ البشري. ويؤمن به أكثر من 12 مليون شخص بين أميركا والعالم. كنت أتمنى بالفعل لو كنت رئيس لجنة الترجمة لهذا الكتاب، فذلك فخر لا أزعمه. الكتاب قطعة أدبية جميلة. لكني لم أتدخل في الترجمة، أقله لأني لست مورمونياً حتى الآن. كذلك فالكتاب ترجم مع بداية ثمانينات القرن الماضي، ونشر عام 1985. وكنت وقتها أتابع دراستي الجامعية بين لبنان وسورية. صحيح أن علاقاتي في الغرب متركزة على المورمون، الذين هم ثلة من أرقى الناس وأكثرهم أخلاقاً، لكني لم أحظ حتى اليوم بشرف الانتساب إلى هذه المؤسسة الإنسانية الرفيعة. بل كان تأييدي للسيد ميت رومني، المرشح المنافس لأوباما في الانتخابات السابقة، أمراً يعرفه الجميع، إلى درجة أنني شاركت في حملة تلفزيونية لدعمه عشية الانتخابات؛ وكل ذلك علناً. العلاقات بالصهيونية العالمية وإسرائيل واليعاقبة [ اليعاقبة لمن اتصل يسأل، هم حركة سياسية ظهرت في بريطانيا لإعادة الملك يعقوب الثاني ( 1633 – 1701 ) إلى سدة الحكم في هناك ] والماسون [ مجاميع متناقضة تماماً ]، فلا رغبة عندي بالتعليق عليها لأنها لا تستأهل ذلك. نعود إلى مسألة الإيرانيين. دعوتي إلى مؤتمر طهران للمعارضة السورية كانت متأخرة جداً. وكانت رغبتي بالذهاب مردها فضول المعرفة. فالوسط السياسي – البرلماني السوري كان شيئاً ليس أقل من بلاد العجائب بالنسبة لي، وكنت هناك ألعب دور أليس. ولو أن هذا الجاهل المتهيج سمع نقدي الحاد للمؤتمر، لبلع لسانه وسكت. لكن يبدو أنه كائن متوحد، منقطع معرفياً عن الزمان والمكان، فاقد لبوصلة العقلانية. الشيعة؟ كان يبدو واضحاً أن هذا الطائفي الصغير – بدأ استعراضه بقراءة باطنية للفاتحة: ومع من؟؟ نبيل فياض وفيصل القاسم: لا تعليق – يريد وثيقة حسن سلوك من الأخوان المسلمين، بدليل ما قاله آخر المهزلة إياها. وكانت قمة الكوميديا حين خلع حذاءه – ملأت رائحته الاستوديو على رحابته – ووضعه على الطاولة، مستهزئا بالسيد حسن نصر الله! لن أدافع عن السيد نصر الله، لأني متناقض معه أيديولوجياً؛ ولو أن هذا المتهيج الأمي قرأ مقالتي، " عن الله وحزبه "، لعرف حقيقة آرائي بحزب الله. لكن التشيع شيء والسفر إلى إيران بدافع البحث عن حل للأزمة شيء آخر. نعم! أوافق الشيعة في معظم ما كتبوا؛ لكني أتناقض معهم في ما اعتقدوا. وهذا لا يمكن أن يشكّل حاجزاً بيني وبينهم، خاصة الأخوة في السفارة، الذين وجدت بينهم قامات ثقافية يندر أن تجد مثلها بين العاقلين من الناطقين بلغة الضاد. أنتقد بعض ممارسات وتقاليد الشيعة، بل لا أستسيغ على الإطلاق شخصية السيد حسن نصر الله. – لكن لا يمكن أن أخلع حذائي وأضعه على الطاولة أمام خصمي حتى وإن كان عدنان العرعور. هذه الطريقة من فقدان الاحترام تعني أن المرء ليس فقط لا يحترم الآخر، بل أيضاً لا يحترم نفسه. لكن في حالة الأستاذ حبيب صالح، هنالك ما يبرر له ذلك، أقله سيكولوجياً. قال لي صديق بعد الحلقة: لماذا لم تشر إلى سجن حبيب صالح في سورية بسبب اختلاساته المتكررة؟ أجبت: السبب بسيط: أولاً؛ ليست المسألة شخصية؛ ثانياً، لم أعرف أن حبيب صالح هو الضيف إلا قبل فترة قصيرة جداً؛ ثالثاً، لم أعر مسألة البحث في تاريخ الرجل الناصع أي اهتمام لأنه خارج إطار الحلقة. ليعذرني الصديق فيصل القاسم. إنه خطأ الجزيرة. يعرف المثقفون السوريون أن الرجل سيكوباتي؛ وأنا شخصياً طلب مني أدوية من نوعية معينة له حين كان في سجن عدرا، وذلك من قبل أحد الأصدقاء من اللاذقية. واضطررت للإشارة إلى ذلك في حديثي عن " الليكزوتان "، الأمر الذي أفقد الرجل صوابه بطريقة غير عادية، فاضطر مقدم البرنامج إلى إيقاف الحلقة. حبيب صالح؟ رفع من أسهم النظام أكثر مما تخيلت حين قدّم هذه الصورة الهزلية للمعارضة. هيثم المالح رفع الأسهم أكثر بدعواته البهلوانية الإجرامية بحق الروس المقيمين في سورية. هل هؤلاء هم الذين سننتظر منهم التغيير نحو الأفضل في سورية. البارحة قال لي فيصل القاسم جملة تختصر المسألة برمتها: أزمة سورية أنها تريد الوصول إلى ديمقراطية لكنها لا تمتلك ديمقراطيين حقيقيين! يمكن أن نحقد على نظام؛ على دولة: أما أن نحقد على شعب، على وطن – ذلك خارج التصانيف. وصلني حقي حين جاءت ثلة من شباب سوريين معارضين جداً وانضمت إلي في مطعم على كورنيش الدوحة، واعتذروا على سفاهة حبيب صالح، وأن هذا المريض لا يمثل المعارضة السورية. أتمنى ذلك!

المصدر : فينكس / نبيل فياض


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة